في غزة لا تنجو حتى بعد النزوح.. قصة أبو همام
تاريخ النشر: 9th, April 2025 GMT
نزح أحمد صيام من شمال غزة مع أسرته المكونة من 8 أفراد، بعد أن تصاعدت الهجمات الإسرائيلية، لكنه لم يحمل معه إلا ما خفّ وزنه وثقل وجعه، ولم يكن يتخيل أن يغادر منزله في يوم من الأيام بلا رجعة، ولا أن يُضطر إلى تركه دون أن يلقي نظرة أخيرة عليه.
وحين وصلت العائلة إلى دير البلح، كان الخبر قد سبَقهم: "الدار طارت.
ما كان فقدان البيت وحده هو الألم الأكبر، بل مصدر رزقه الوحيد -محل صغير لبيع الأدوات المنزلية- احترق بالكامل بفعل القصف، وذهبت معه سنوات من التعب والسعي لستر العائلة.
ووسط هذا الانهيار، وأثناء النزوح، تعرّض الابن الأكبر همام، لإصابة مباشرة في ركبته من شظية حادة اخترقت جسده الهشّ.
وكانت المراكز الطبية غير قادرة على التعامل مع حالته كما ينبغي، بسبب نقص حاد في الأدوية، وقوائم انتظار طويلة، وتكاليف علاجية تفوق طاقة العائلة. كما جلس همام أياما دون مسكنات كافية، ولا أمل واضح في الشفاء.
يروي الأب تفاصيل العلاج بتنهيدة ثقيلة، ويصف شعوره بالعجز كمن يطفو في بحر بلا ضفة.
إعلانويعرف صيام أن كل يوم تأخير في العلاج قد يترك أثرا دائما على قدم ابنه، لكن لا قدرة له على فعل شيء.
ورغم كل ما خسره، لا يزال أبو همام متمسّكا بغزة، لا يرى في التهجير خيارا، ولا في مغادرة الأرض خلاصا، ويقول لمن حوله إن البقاء هنا، ولو وسط الدمار، هو الكرامة الأخيرة التي لا يجب التنازل عنها.
وتختصر قصة عائلة صيام واقع آلاف الأسر في قطاع غزة، التي وجدت نفسها بين نيران القصف ومرارة النزوح، في ظل ظروف إنسانية تتفاقم يوما بعد يوم بفعل استمرار العدوان الإسرائيلي والحصار الخانق.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
برد وجوع وانهيارات.. صرخة استغاثة من مخيمات النزوح في غزة
تحت زخات المطر المتواصلة ورياح تعصف بالخيام البالية ومنخفض جوي جديد، وجد الغزيون أنفسهم في فصل جديد من المعاناة لا يقل قسوة عمّا عاشوه خلال أشهر الحرب.
فقد أعلنت وزارة الداخلية في غزة استشهاد 8 مواطنين منهم أطفال، وإصابة آخرين، بفعل تأثيرات المنخفض الجوي العميق الذي ضرب قطاع غزة، كما أشارت إلى وجود مفقودين تحت الأنقاض في مناطق متفرقة، في حين سُجل في ساعات قليلة 12 حادث انهيار مبانٍ مقصوفة سابقا.
وتزامنت هذه التطورات مع مشاهد موجعة في المستشفيات، حيث أعلن مصدر طبي في مستشفى الشفاء وفاة طفلين رضيعين- تيم الخواجة وهديل المصري- بردا في مخيم الشاطئ ومركز إيواء غربي غزة، إضافة إلى وفاة الطفلة رهف أبو جزر داخل خيمة نزوح في المواصي بخان يونس.
وفي خان يونس، رسم مراسل الجزيرة رامي أبو طعيمة صورة أكثر تفصيلا لمعاناة آلاف النازحين، وهو يقف وسط مخيم العطار الذي غمرته المياه بالكامل، ومن خلفه خيام غارقة، وأطفال يرتجفون، وأصوات الرياح تختلط بصرخات العائلات وهي تحاول إنقاذ ما تبقى من مقتنيات.
يقول رامي، إن هذا المخيم يضم 250 عائلة باتت جميعها تقريبا بلا مأوى بعد أن اجتاحت السيول خيامها.
عجز مركبومع تقدمه داخل الأزقة الطينية، كانت الكاميرا ترصد أطفالا حفاة يسيرون في الوحل بملابس رقيقة لا تقيهم البرد، في حين تحاول الأمهات إخراج المياه من الخيام بأوعية صغيرة، في مشهد يختصر عجزا مركّبا، عن ضعف الإمكانات وغياب البدائل.
وفي إحدى الخيام التي دخل إليها، ارتفع منسوب المياه إلى متر ونصف متر، في حين غطّت طبقة الطين الأغطية والأفرشة والأمتعة البسيطة التي تعتمد عليها الأسر للبقاء، وقضت بعض العائلات ليلتها في العراء بعد أن غرقت خيامها تماما، وأخرى لجأت إلى خيام الجيران رغم اكتظاظها أصلا.
ويضيف رامي أن المشهد لم يقتصر على الغرق فقط، بل تحوّلت الرياح القوية إلى خطر إضافي بعدما مزّقت "الشوادر" البلاستيكية التي تغطي الخيام.
إعلانويؤكد أن وضع النازحين في هذا المخيم يعكس جزءا صغيرا فقط من واقع 900 ألف نازح في جنوب القطاع ووسطه، ممن هم في أزمة مضاعفة تجمع بين آثار الحرب والمنخفض الجوي.
وتحدّث المراسل أيضا عن انهيار منزل في خان يونس بعد أن سقطت 3 أسقف على ساكنيه، ما اضطر إلى إجلاء 3 عائلات من عائلة العقاد، في مشهد يعكس هشاشة الأبنية التي دُمّر جزء منها خلال الحرب، والتي لم تعد قادرة على تحمل الأمطار الغزيرة.
ومن وسط غزة، قدّم مراسل الجزيرة غازي صورة مشابهة لما يجري في الجنوب، إذ غرقت خيام مخيم "البصة" في دير البلح بعدما تحولت الساحة إلى برك مياه ضخمة.
وأوضح أن معظم الخيام هنا لم تصمد أمام الأمطار المتواصلة، مما أجبر العائلات على مغادرتها دون أن تتوافر بدائل جاهزة.
مناشدات عاجلةورصدت الكاميرا رجالا يحفرون مجاري مياه بوسائل بدائية، في محاولة لإبعاد السيول عن خيامهم، في وقت تعالت المناشدات العاجلة للمؤسسات الدولية لإدخال خيام جديدة ومستلزمات عاجلة لمواجهة البرد والأمراض.
أما في الشمال، فكانت المأساة أكثر قسوة، حيث وقفت مراسلة الجزيرة نور خالد أمام منزل انهار في منطقة بئر النعجة شمالي القطاع، كان داخله 6 أشخاص، انتُشِل جثمان الأب وطفل مصاب، في حين لا تزال الأم و3 أطفال تحت الأنقاض منذ ساعات.
وتوضح نور أن طبقات الإسمنت الهائلة تتطلب معدات ثقيلة للوصول إلى العالقين، لكن الدفاع المدني ليس عنده سوى أدوات بسيطة بسبب الحصار وتدمير معداته خلال الحرب.
ومع استمرار هطول الأمطار، كان الأهالي يحفرون بأيديهم في مشهد يجسّد اليأس والتمسّك بالأمل في آن واحد.
وبين جنوب القطاع ووسطه وشماله، تتقاطع روايات المراسلين الثلاثة عند حقيقة مشتركة وهي أن المنخفض الجوي كشف هشاشة واقع النزوح، وعمّق جراحا لم تلتئم بعد.
فبينما خيام مزقها الريح، وأطفال يمشون حفاة على الطين، وأمهات يبحثن عن مكان جاف لأطفالهن، تتضاعف الحاجة إلى تدخل عاجل يوفّر خياما بديلة وملاجئ آمنة ومعدات إنقاذ.
وفي انتظار ذلك، يبقى النازحون في مواجهة بردٍ لا يرحم، وحربٍ لا تزال آثارها قائمة، ومنخفضات جوية تزيد العبء فوق كاهل من لم يعد يمتلك غير الخيمة، وهي الأخرى لم تعد تقوى على الصمود.