»نيشر AI« .. عيون رقمية تلاحق المتضامنين مع غزة في أمريكا
تاريخ النشر: 10th, April 2025 GMT
في تصعيد لافت يعكس تداخل التكنولوجيا والسياسة، كشفت تقارير أمريكية عن استخدام أدوات التعرف على الوجه لملاحقة المشاركين في المسيرات المتضامنة مع الشعب الفلسطيني داخل الجامعات الأمريكية. وبحسب شبكة «ABC News»، تستخدم منظمة صهيونية هذه التقنية لرصد الطلاب والناشطين، تمهيدًا لإدراجهم في قوائم ترحيل أو عقوبات أكاديمية، وهو ما أثار موجة من القلق بين الطلاب بشأن حرية التعبير ووضعهم القانوني داخل الولايات المتحدة.
قوائم سوداء وتقنية “نيشر إيه آي”
القضية تفجّرت بعد اعتقال الطالب الفلسطيني الأصل محمود خليل من جامعة كولومبيا في 8 مارس الماضي، وهو أحد أبرز الوجوه الطلابية التي قادت المظاهرات المنددة بالعدوان الإسرائيلي على غزة. مصادر تحدثت عن أن خليل تصدّر قائمة أعدّتها منظمة “بيتار” الصهيونية، ضمت نشطاء وطلابًا من تسع جامعات أمريكية، وقدمت إلى مسؤولين كبار من بينهم وزير الخارجية المرتقب ماركو روبيو. وذكرت المنظمة أن التقنية التي استخدمت لرصد هؤلاء الناشطين هي “نيشر إيه آي” المطوّرة من قبل شركة “ستيلار تكنولوجيز” في بروكلين، والتي تزعم قدرتها على التعرف على الأشخاص حتى لو كانوا ملثمين.
ملاحقة رقمية وتهديدات علنية
إلياهو حويلة، مهندس البرمجيات المسؤول عن تطوير الأداة، صرّح علنًا بأنه أرسل أسماء المتظاهرين إلى جماعات ضغط، بهدف “ترحيلهم، تأديبهم، أو معاقبتهم بأي وسيلة متاحة”. وأضاف بلهجة تهديد: “يمكنهم التعبير عن رأيهم، لكن عليهم تحمّل عواقب ما يقولونه أمام المجتمع”.
التشهير كسلاح… وحرية التعبير في مهب الريح
القلق الطلابي ازداد مع انتشار ظاهرة “Doxing» – أي نشر معلومات شخصية عن النشطاء بهدف تخويفهم أو إيذائهم – حيث أُعلنت بيانات طلاب متضامنين مع غزة بشكل علني، ما أدى إلى تعرضهم للتهديد، فقدان وظائفهم، بل وحتى ترحيلهم المحتمل. واللافت أن أدوات مثل “نيشر إيه آي” باتت متاحة لمؤسسات خاصة، خارج نطاق الأجهزة الأمنية الرسمية، مما يعمق المخاوف من توظيف الذكاء الاصطناعي كسلاح قمعي في يد جماعات ضغط أيديولوجية.
مراقبة بوجه خاص… وتحذيرات من الاستخدام السياسي
من جهته، وصف عابد أيوب، المدير التنفيذي للجنة الأمريكية العربية لمكافحة التمييز، استخدام أدوات التعرف إلى الوجه من قبل كيانات غير حكومية بأنه “أمر بالغ الخطورة”، معتبرًا أنه بمثابة خصخصة للمراقبة وتهديد مباشر لخصوصية الأفراد وحقوقهم.
من فلسطين إلى أمريكا… وجه واحد للمراقبة
المشهد يذكّر بأساليب المراقبة التي تطبقها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وغزة والقدس، حيث تُستخدم تقنيات مشابهة لملاحقة الفلسطينيين ومراقبة تحركاتهم. إسرائيل، التي كانت من أوائل الدول في تطوير واستخدام أنظمة التعرف إلى الوجه لأغراض أمنية، باتت مصدر إلهام تقني لهذه الممارسات، ما يثير مخاوف من تكرار النموذج الإسرائيلي في دول أخرى، بدوافع سياسية وأمنية مقلقة.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
حين تُزيّف الكاميرا الحقيقة.. هل أصبحت الفلاتر مرآة النساء الجديدة؟
في عصر باتت وسائل التواصل الاجتماعي تتحكم فيه بكل شيء تقريبا، لم تسلم الحياة بكل تفاصيلها من تدخل هذه الأداة في إعادة في تعريفنا للعديد من المعايير.
وبالنسبة للنساء، أصبحت صورتهن الشخصية وتقديرهن لذواتهن منوطا بما يظهرن عليهم عند استخدامهن لهذه الوسائل، إذ تتوفر عبر التطبيقات ما يُعرف بـ"مرشّحات الصور" أو "الفلاتر"، التي تقدم حلولا تجميلية فورية لا تقوم فقط بتحسين الصورة، بل قد تكون لها آثار طويلة الأمد على معايير المرأة للجمال والقيمة الذاتية.
الثقة بالنفس في العالم الرقميلطالما كانت المرآة وسيلتنا المباشرة لاكتشاف ملامحنا الحقيقية كما هي، دون تعديل أو تزيين. لكن مع انتشار الكاميرات الأمامية في الهواتف الذكية، وأدوات التعديل والتنقيح الرقمي، تغيّر هذا المفهوم؛ إذ أصبحت الصور تُلتقط وتُعالج لتُظهر ملامح أكثر جمالًا، وبشرة أنقى، وإضاءة تجعل كل التفاصيل تبدو مثالية.
ولم يعد الفلتر اليوم مجرد أداة تجميل بسيطة، بل تحول إلى وسيلة للتعبير عن الذات أو للتوافق مع نمط جمالي معين. وهكذا أصبحت الصورة التي تُعرض على منصات التواصل الاجتماعي، بفضل تقنيات التجميل الرقمي، المرجع الذي تقارن به كثير من النساء أنفسهن، بدلًا من صورتهن الحقيقية في المرآة.
تكشف دراسات عدة أن الاعتماد المفرط على الفلاتر والتعديلات الرقمية يترك آثارًا سلبية على الثقة بالنفس وصورة الجسد، خصوصًا لدى الفتيات اليافعات.
فقد توصل باحثون في جامعة لندن إلى وجود علاقة واضحة بين استخدام الفلاتر وتراجع الرضا الذاتي. وفي دراسة شملت 175 مشاركة بمتوسط عمر 20 عامًا، قالت 90% منهن إنهن يستخدمن الفلاتر أو يعدّلن صورهن بشكل متكرر.
أما أكثر الفلاتر شيوعًا فكانت تلك التي تُوحّد لون البشرة وتفتحها، وتُبيّض الأسنان، وتُضيف لونا برونزيا للجسم، أو تُغيّر ملامح الوجه مثل تصغير الأنف أو الفك، وتكبير الشفاه وتوسيع العينين. وعند سؤال المشاركات عن سبب اللجوء لهذه الأدوات، أقرت 94% منهن بشعورهن بضغط كبير للظهور بمظهر مثالي يتوافق مع المعايير المنتشرة على هذه المنصات.
إعلانوفي تجربة أخرى نشرتها المكتبة الوطنية الأميركية للطب، صُممت لدراسة العلاقة بين تعديل صور السيلفي وعدم الرضا عن شكل الجسم، طلب الباحثون من 130 امرأة (متوسط أعمارهن 20 عاما) مشاهدة صور إنستغرام لنساء نحيفات أو متوسطات الحجم كوسيلة لإثارة عدم الرضا عن شكل الجسم لدى المجموعة الأولى.
ثم طُلب من المشاركات التقاط صورة سيلفي على جهاز آيباد، وأُعطيت لهن 10 دقائق لتعديلها. بعدها أكملن استبيانات حول حالتهن المزاجية، ومستوى عدم الرضا عن شكل الجسم، وعدم الرضا عن شكل الوجه في البداية، ثم بعد مشاهدة الصور، وبعد تعديل صور السيلفي.
أدى عرض صور النحيفات إلى زيادة المواقف السلبية وعدم الرضا عن شكل الجسم/الوجه. كما أدى التقاط وتعديل صور السيلفي إلى زيادة الحالة المزاجية السلبية وعدم الرضا عن شكل الوجه لدى كلتا المجموعتين. علاوة على ذلك، يُنبئ الوقت المُستغرق في تعديل صور السيلفي بارتفاع مستوى عدم الرضا عن الوجه.
مقارنة النفس بنسخ غير واقعيةيبدو أن الإفراط في تعديل الصور الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي أصبح ممارسة تؤثر سلبًا في الشابات، فكلما زاد الانشغال بتحسين المظهر رقميا، تعمقت آثاره الضارة على النفس والجسد.
فالفتيات لا يقارنَّ أنفسهن اليوم بصور المشاهير أو الأصدقاء المثالية فحسب، بل أيضًا بنسخ مصفّاة من ذواتهن؛ إذ أصبحت صور السيلفي المُفلترة مرجعًا لتقييم الجمال الشخصي. هذه المقارنة المستمرة -كما يوضح خبراء سيكولوجي توداي- تضعف الثقة بالنفس وتشوه الصورة الإيجابية للجسد.
وتؤكد الدراسات أن هذه الظاهرة تُغذّي ما يُعرف بـ المقارنة الاجتماعية، حيث يسعى المستخدمون إلى بلوغ معايير جمال غير واقعية تفرضها الفلاتر الرقمية.
ومع الوقت، تنشأ فجوة مؤلمة بين المظهر الحقيقي والصورة المُعدّلة التي تُعرض للعالم، ما قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية خطيرة، أبرزها اضطراب تشوّه الجسم -وهو انشغال مَرَضي بعيوب جسدية متخيلة- إضافة إلى مشكلات أعمق مثل القلق والاكتئاب.
لم يتوقف الأثر النفسي العميق لاستخدام الفلاتر عند حدود المظهر الخارجي؛ إذ تشير الأبحاث إلى أن هذه التقنية قد تُحدث تشويشًا في إدراك الذات، ففي عام 2018، كشفت دراسة نُشرت في مجلة (JAMA Facial Plastic Surgery) أن الصور المُفلترة تُضعف قدرة الأفراد على التمييز بين الواقع والخيال، ما يزيد احتمال الإصابة باضطراب تشوّه الجسم.
وفي السياق نفسه، أوضحت بيريز إشبيلية، المتخصصة في جراحة تجميل الوجه والفكين، في حديث لمجلة (El Pais)، أن الاستخدام المتكرر للفلاتر يُعيد برمجة الدماغ تدريجيا، قائلة: "عندما تنظر إلى نفسك من دون مكياج أو فلتر، قد تشعر بالنفور من ملامحك، لأن دماغك أصبح يفضّل النسخة المحسّنة رقميا".
وتُظهر الإحصاءات حجم انتشار الظاهرة، إذ يستخدم أكثر من 90% من الشباب في الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة فلاتر الواقع المعزّز عبر تطبيق سناب شات، بينما تشير بيانات "ميتا" (Meta) إلى أن أكثر من 600 مليون شخص جرّبوا هذه التأثيرات على فيسبوك وإنستغرام. وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن نسب الاستخدام في العالم العربي لا تختلف كثيرًا.
إعلانومع هذا الانتشار، يتزايد الهوس بالمقارنة الرقمية والحكم الذاتي عبر الصور المعدّلة، فقد رصدت الباحثة أشنا حبيب هذا الاغتراب عن الواقع في دراستها المنشورة عام 2022 حول تأثير فلاتر سناب شات على الشابات.
وقالت: "تبدأ الفتيات بملاحظة عيوب لم يكن أحد يراها -مثل شكل الأنف أو عرض الجبهة- ثم يقضين وقتا طويلا في تعديل الصور للوصول إلى مظهر مثالي، قبل أن يحاولن لاحقًا مطابقة هذه النسخة الرقمية من خلال عمليات التجميل".
وفي الختام، ورغم تزايد حملات التوعية الإيجابية بالجسد والتحذير من مخاطر الفلاتر، فإن الطريق نحو بناء علاقة صحية مع الصورة الذاتية ما زال طويلًا.
فالمسؤولية، كما يرى خبراء الصحة النفسية، تقع في المقام الأول على الفرد نفسه، من خلال تنظيم وقته أمام الشاشة، ومراجعة المحتوى الذي يتابعه، والابتعاد عن الحسابات التي تُضعف ثقته بذاته بدل أن تعززها.