النهضة التونسية ومنظمات: انحراف خطير في التعامل مع ملف التآمر
تاريخ النشر: 10th, April 2025 GMT
عبرت حركة "النهضة" التونسية ومجموعة من المنظمات والجمعيات عن إدانتها لـ"الانحراف الخطير" في التعامل مع ملف معتقلي قضية "التآمر"، وذلك بعد قرار المحكمة عقد جلسة عن بعد غدا الجمعة، ودون حضور المتهمين رغم رفضهم للقرار ودخولهم في إضراب جماعي احتجاجي.
ونبهت الأحزاب والمنظمات من أن المحاكمة تعد خرقا سافرا للحقوق وانقلابا مكتمل الأركان على على ما تبقى من استقلالية القضاء.
"انحراف"
وقالت حركة النهضة إنها تدين"الانحراف الخطير وهذه الممارسات الخارجة عن القانون"، معتبرة أن "المحاكمة سياسية بحتة الغاية منها الإقصاء الممنهج للأصوات المعارضة والتنكيل بهم عبر الضغط على القضاء قصد توظيفه في إقصاء رموز المعارضة".
ومن المنتظر أن تنعقد الجمعة الحادي عشر من نيسان/ أبريل الجاري جلسة محاكمة للنظر في ملف "التآمر" والذي يشمل التحقيق فيه أكثر من 40 شخصا بينهم 6 في حالة إيداع بالسجن منذ أكثر من سنتين وهم، عبد الحميد الجلاصي، رضا بالحاج، خيام التركي ،عصام الشابي، غازي الشواشي، وجوهر بن مبارك وهم جميعا يخوضون إضرابا احتجاجيا على المحاكمة ويرفضون عقدها عن بعد.
وأكدت الحركة في بيان لها الخميس، "تضامنها المطلق مع المساحين المضربين عن الطعام ومع كل المعتقلين السياسيين، مطالبة بإطلاق سراحهم واحترام الحق الدستوري في المعارضة والنشاط السياسي المدني".
ودعت الحركة السلطات إلى "الكف عن سياسة إلهاء الرأي العام بهذه المحاكمات السياسية للتعمية على فشلها في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين والتصدي للمخاطر الحقيقية التي تهدد الدولة والمجتمع التونسي بعد الانفراد التام بكل السلطات والصلاحيات".
يشار إلى القيادي بحركة "النهضة" السيد الفرجاني والمشمول أيضا بالتحقيق في القضية قد قرر بدوره الدخول في إضراب احتجاجا على التهم الموجهة له في هذا الملف.
"عبث وانقلاب"
بدورها، عبرت الشبكة التونسية للحقوق الحريات (مجموعة منظمات وأحزاب)، عن بالغ استنكارها ورفضها القاطع لما آلت إليه المحاكمة السياسية المعروفة بـ"قضية التآمر على أمن الدولة"، والتي تحوّلت إلى مسرح عبثي لانتهاك الحقوق وتصفية الحسابات تحت غطاء قضائي مخترق ومُسخَّر بالكامل لخدمة السلطة التنفيذيةعلى حد وصفها.
ورأت الشبكة في قرار المحكمة عقد الجلسة عن بُعد"استهزاءً سافرا" بحقوق الدفاع وعلنية الجلسات، بل"يُعد جريمة في حق العدالة وانقلابًا مكتمل الأركان على ما تبقى من استقلالية القضاء".
وأضافت في بيان الخميس، "إن هذه المحاكمة، التي تُدار خلف الشاشات وتحت الحراسة الأمنية المشددة، دون أي ضمانات قانونية، تكشف الوجه الحقيقي لسلطة تستعمل القضاء كأداة للبطش السياسي، وتغتال به كل صوت مخالف".
وأدانت المنظمات بأشدّ العبارات هذا القرار "القمعي"، معتبرة أن المحاكمة عن بعد "شكلاً من أشكال المحاكمات السياسية المغلقة، تفتقر إلى أدنى شروط العدالة، وتؤسس لممارسات استبدادية خطيرة تُنذر بانهيار منظومة الحقوق في تونس".
وطالبت بالإيقاف الفوري لهذه المهزلة القضائية، وتمكين المتهمين من حضور محاكمتهم بشكل مباشر وعلني، وفق ما يضمنه الدستور والمعايير الدولية،محملة "السلطة القضائية كامل المسؤولية في هذا الانحدار،ومطالبة"القضاة الشرفاء إلى كسر جدار الصمت والانتصار لقيم العدالة".
وبالتزامن مع انعقاد الجلسة دعت أحزاب معارضة ومنظمات وجمعيات، إلى التظاهر أمام المحكمة تنديدا بهذه المحاكمة الصورية والانتهاكات الخطيرة للتصفية تحت غطاء قضائي وفق تقديرهم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية حقوق وحريات النهضة التونسية المحكمة تونس انتهاك النهضة المحكمة قضية التامر المزيد في سياسة حقوق وحريات حقوق وحريات حقوق وحريات حقوق وحريات حقوق وحريات حقوق وحريات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
طارق الزمر لـعربي21: التغيير في مصر بات قريبا.. وسقوط السيسي بدأ من داخل النظام
قال الرئيس السابق لحزب البناء والتنمية المصري، ورئيس مركز حريات للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور طارق الزمر، إن "التغيير في مصر بات أقرب مما نظن، خاصة إذا استثمرت القوى الوطنية اللحظة الراهنة، ونجحت في تقديم مشروع جامع، يُزاوج بين الشجاعة السياسية والحكمة الاستراتيجية، وأرسلت رسائل مطمئنة للأطراف المعنية بالداخل والخارج".
وأكد الزمر، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "النظام يواجه مأزقا وجوديا حقيقيا. الاقتصاد كان، ولا يزال، نقطة الضعف القاتلة؛ فتدهور قيمة الجنيه، وانهيار الخدمات، وجنون الأسعار، كلها مؤشرات على قرب الانفجار. لكن ما يُسرّع السقوط ليس الاقتصاد فقط، بل تآكل الحاضنة الشعبية، وتنامي السخط بين النخب، وانكشاف النظام أمام العالم".
ورأى أن "هناك تحوّلا واضحا في مواقف بعض العواصم الإقليمية والدولية تجاه نظام السيسي؛ فدول الخليج، التي كانت تعتبره حائط صدّ ضد الإسلاميين، بدأت تشعر بأن استقراره مُكلف وغير مضمون. أوروبا، من جهتها، باتت أكثر قلقًا من موجات الهجرة غير الشرعية التي قد تتفجر مع أي انهيار. أما أمريكا، فقد خفّضت خطابها الداعم، وباتت تراعي صورتها أمام الرأي العام".
واستدرك الزمر قائلا: "هذا التبدل لا يعني أن الغرب أو الإقليم سيتخلّون عن النظام فورًا، لكنه يعني أنهم يُعدّون البدائل بهدوء، ويتعاملون مع النظام بوصفه عبئا مرشحا للسقوط. وهذه لحظة مهمة يجب ألا تُهدرها المعارضة، لصالح تغيير سلمي آمن، يضمن ألا تسقط الدولة، وأن يكون التغيير هذه المرة لصالح شعبنا، الذي انتظر طويلا، ولم يجنِ حتى الآن سوى الفقر والقمع".
وبسؤاله عن موعد سقوط نظام السيسي وفق تقديراته، أجاب الرئيس السابق لحزب البناء والتنمية المصري: "هذا مرهون بعامل مفاجئ، أو لحظة انكسار داخل مؤسسات الدولة، أو حراك مفاجئ من الشعب. لكن المؤكد أن السقوط بدأ من داخل النظام، وأن الشرعية التي بناها بالقوة تتآكل بصمت".
وفيما يلي نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
كيف تقيّم الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر بعد 12 عاما من حكم السيسي؟
ما تعيشه مصر اليوم هو حصاد مرّ لسياسات فاشلة استمرت على مدى أكثر من عقد. سياسيا، تم تجريف الحياة السياسية بالكامل، وقُضي على كل أشكال التعددية والتداول السلمي للسلطة، فيما تم إحكام القبضة الأمنية على الدولة والمجتمع.
لم يعد هناك برلمان حقيقي، ولا أحزاب مستقلة، ولا إعلام حر، بل كل شيء بات يدور في فلك السلطة المطلقة.
اقتصاديا، وصلت مصر إلى مرحلة خطيرة من الانكشاف المالي، بعد أن اعتمد النظام على الديون الخارجية والمشاريع غير الإنتاجية، ما أدى إلى تضخم الدين العام وتآكل قيمة العملة.
أما اجتماعيا، فقد ارتفعت نسب الفقر والبطالة إلى معدلات تنذر بالخطر، وانهارت الطبقة الوسطى التي طالما كانت صمام الأمان في المجتمع.
نحن أمام دولة تعاني من أزمات متداخلة، وفقدت قدرتها على الإصلاح من داخلها.
ما هي أبرز التحديات التي تواجه النظام المصري داخليا في ظل حالة الاحتقان المجتمعي؟
التحديات التي يواجهها النظام المصري لم تعد مقتصرة على فشل سياسي أو اقتصادي، بل أصبحت وجودية. أولها، فقدان الشرعية الشعبية؛ فالنظام لم يعد يتمتع بأي غطاء جماهيري حقيقي، سوى الأجهزة الأمنية والدعائية.
ثانيا، الانهيار الاقتصادي بات ملموسا، مع أزمة ديون غير مسبوقة، وتراجع القدرة الشرائية للمواطن، وغياب الأفق لتحسين الوضع.
ثالثا، تصاعد الغضب الصامت لدى قطاعات واسعة من المجتمع، وخاصة الشباب والطبقات المهمشة، وهو غضب غير مؤطر لكنه قابل للانفجار في أي لحظة.
والتحدي الأكبر هو أن النظام يستمر في تجاهل هذه المؤشرات، ويعتمد على القمع وحده كوسيلة للاستمرار، مما يزيد احتمالات الانفجار المجتمعي غير المنضبط.
كيف تقارنون حوادث الوفاة الأخيرة داخل أقسام الشرطة مع حادثة خالد سعيد التي سبقت ثورة يناير؟
المؤشرات تتشابه بشكل مرعب، بل إن الوضع الآن أسوأ في بعض الجوانب. في حالة خالد سعيد، كانت هناك شرارة فجّرت الغضب، لكن اليوم هناك العديد من "خالد سعيد" يتكررون في صمت، وسط غياب الإعلام الحر والقضاء المستقل. أن يموت ستة مواطنين في أسبوع واحد داخل مقرات الاحتجاز، بعضها تحت التعذيب أو الإهمال الطبي؛ فهذا يشي بانهيار منظومة العدالة تماما.
القمع بات أكثر انتشارا، والثقة بين المواطن والشرطة في أدنى مستوياتها. وإذا كانت واقعة خالد سعيد فجّرت ثورة، فإن تراكم هذه الوقائع اليوم قد يفجّر ما هو أوسع وأعمق، خصوصا مع غياب أي إصلاح حقيقي أو مساءلة لمنتهكي حقوق الإنسان.
كيف تنظرون إلى انتخابات مجلس الشيوخ الحالية في ظل الجدل حولها؟
لا يمكن الحديث عن "انتخابات" حقيقية في ظل غياب الحرية السياسية. ما يحدث في انتخابات الشيوخ أقرب إلى تمثيلية مكررة، حيث يجرى اختيار معظم المرشحين مسبقا، ويتم إقصاء الأصوات المستقلة والمعارضة، في ظل قانون انتخابات مفصل على مقاس النظام. حتى الناخبون أنفسهم باتوا يدركون عبثية المشهد، ولهذا فإن نسب المشاركة تكون متدنية. النظام يستخدم الانتخابات لخلق واجهة ديمقراطية زائفة يقدّمها للخارج، لكنها لا تعني شيئا للمواطن المصري، الذي يدرك أن صوته لم يعد له وزن، وأن نتائج أي اقتراع تحددها الأجهزة الأمنية سلفا وليس الصناديق.
هل ترى أن الغضب المكتوم في صدور المصريين يمكن أن يتحول إلى حراك شعبي قريب؟
الغضب المكتوم موجود بالفعل، ويتسع يوما بعد يوم. الناس أصبحت تدرك أن السلطة غير قابلة للإصلاح، وأن الضغوط الاقتصادية والحياتية بلغت حدا لا يُحتمل. ومع ذلك، لا يمكن توقع انفجار الحراك بشكل آلي، لأن ذلك يعتمد على عدة عوامل: وجود قيادة موثوقة، خطاب جامع، قنوات تعبير، وظرف إقليمي مواتٍ.
لكن لا شك أن مصر اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى لحظة مفصلية، وأخطر ما يمكن أن يواجهها هو أن ينفجر هذا الغضب بشكل عشوائي فهو يُهدّد الدولة والمجتمع وهو ما لا نرجوه لبلادنا. لذلك، فإن واجب القوى الوطنية اليوم هو تأطير هذا الغضب، وتحويله إلى حراك منضبط يسعى إلى تغيير حقيقي ومستدام أو إصلاح يليق بمكانة مصر.
لماذا فشلت المعارضة المصرية حتى الآن في تقديم مشروع يلتف حوله الشعب؟
المعارضة المصرية تعاني من ثلاث مشكلات رئيسية: الانقسام، غياب الرؤية، وفقدان الثقة بينها وبين الشارع. كثير من القوى المعارضة لا تزال أسيرة خطاب ما قبل 2013، ولم تطور أدواتها ولا رؤيتها بما يتناسب مع الواقع المتغير. هناك أيضا إشكالية عدم وضوح الهدف النهائي: هل الهدف هو إسقاط النظام بأي ثمن، أم بناء مشروع وطني جامع؟، الشارع يريد بديلا يثق فيه، لا مجرد معارضة تكتفي بالنقد.
المطلوب اليوم هو إعادة بناء الثقة مع الناس، وتقديم برنامج حقيقي للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، يلامس همومهم ويُشعرهم أن التغيير ممكن وليس مجرد حلم.
هل تتحمل المعارضة في الخارج مسؤولية غياب التأثير داخل مصر؟
نعم، المعارضة في الخارج تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية، خاصة وأنها لم تستثمر هامش الحرية الذي تتمتع به لبناء مشروع سياسي جامع أو تشكيل قيادة بديلة. كثير منها انشغل بالصراعات الداخلية، أو بمناكفات إعلامية لا طائل منها.
كما أن المسافة النفسية والثقافية بين المعارضة في الخارج والناس في الداخل ازدادت، بسبب غياب التواصل الحقيقي، وعدم وضوح أولويات الفعل السياسي. مع ذلك، لا يمكن تحميلها كامل المسؤولية، لأن الظروف الأمنية داخل مصر لا تسمح بعمل معارض مؤثر. المطلوب هو تعزيز التشبيك بين الداخل والخارج، وبناء جبهة إنقاذ وطنية قادرة على صياغة خطاب يتجاوز المظلومية إلى بناء المشروع.
هل ترى أن حل حزب البناء والتنمية أنهى مشروعكم السياسي؟
لا أعتقد ذلك، بل على العكس. الحزب قد يُحل ككيان قانوني بقرار سلطوي، لكن الأفكار والمشروع الذي تبنّاه لا يمكن حله. نحن طرحنا نموذجا فريدا للإسلام السياسي المعتدل، القائم على المراجعة الدائمة والنقد الذاتي، والتفاعل مع المجتمع، والعمل تحت مظلة القانون. هذا النموذج لا يزال حيّا، وربما يكون أكثر حضورا في ظل غياب بدائل عقلانية.
تجربتنا أثبتت أن الإسلاميين قادرون على التكيف والانخراط في العمل المدني، وأظن أن المستقبل سيعيد الاعتبار لمثل هذه التجارب التي جمعت بين الجذرية الفكرية والمبدئية الأخلاقية والواقعية السياسية.
ما أثر المراجعات التي قمتم بها؟ وهل ثمة توافق داخل التيار الإسلامي بشأنها؟
المراجعات التي أطلقناها لم تكن فقط مراجعة فكرية، بل كانت مشروعا متكاملا لإعادة تعريف العلاقة بين الحركة والدولة، وبين الجهاد والعمل المدني. هذه المراجعات أسّست لفقه جديد للحركة الإسلامية في السياق الوطني، وقد كان لها بطبيعة الحال بعض الخصوم ومَن حاولوا تشويهها، لكن بعد مرور ما يقرب من ثلاثة عقود، بات كثيرون يرون فيها اجتهادا رائدا. صحيح أن التوافق داخل التيار الإسلامي بشأنها ليس شاملا، لكنه يتسع، خاصة مع فشل خيارات أخرى لم تفكر حتى في مجرد المراجعة. كثير من الشباب باتوا أكثر اقتناعا بجدوى المراجعة والعمل السياسي، وبأن الإسلام يجب ألا يُختزل في الصدام أو الشعارات.
ما مستقبل الحركات الإسلامية في مصر؟ وهل يمكن أن تعود إلى المشهد بعد سنوات من الاستئصال الكامل؟
أعتقد أن الحركات الإسلامية في مصر تمتلك قدرة ذاتية على التجدّد، وأن ما مرت به من استئصال ليس نهاية لمسيرتها، بل فرصة عميقة لإعادة النظر في الذات والمشروع.
لقد أثبتت الحركات الإسلامية دائما قدرتها على الصمود، رغم ما واجهته من تنكيل وسجن وتشويه إعلامي. المستقبل لن يكون لمَن يحمل الراية فقط، بل لمَن يُجدّد المشروع، ويستوعب المستجدات، ويكون أقدر على مواجهة التحديات والعقبات الجديدة، ويستوعب دروس السياسة والاجتماع، ويتعلم كيف يكون الإسلام رافعة لبناء الدولة لا أداة صراع عليها. العودة ممكنة، بل متوقعة، لكن بشرط واحد: أن تكون عودة بفكر متجدّد، وشراكة واسعة، ورؤية وطنية عابرة للتنظيمات والحزبيات.
كيف انعكست عملية “طوفان الأقصى” والعدوان على غزة على الوضع الداخلي في مصر؟
"طوفان الأقصى" لم يكن حدثا عسكريا فقط، بل كان زلزالا أخلاقيا أعاد ضبط بوصلات الوعي في المنطقة. في الداخل المصري، أعاد الحدث إحياء القضية الفلسطينية في وجدان الناس، وكسر حالة الجمود السياسي المفروضة، وأظهر الهوّة العميقة بين النظام والشعب.
الكثير من المصريين شعروا أن موقف نظامهم لا يمثلهم، بل يُحرجهم. تكررت المقارنات بين مواقف الشعوب الحرة في العالم، وبين حالة الانكفاء الرسمية في مصر.
كما لفتت المعركة الأنظار إلى تدهور موقع مصر الإقليمي وتراجع دورها التاريخي. ولذلك، يمكن القول إن طوفان الأقصى فتح شقوقا جديدة في جدار الصمت المصري، لا أظن أن تمر مرور الكرام.
ما موقفكم من سياسة النظام المصري تجاه غزة؟ وهل تعبر عن المزاج الشعبي؟
موقف النظام المصري تجاه غزة مُخزٍ، وهو موقف لا يُعبّر بأي حال من الأحوال عن المزاج الشعبي المصري، الذي كان ولا يزال داعما لفلسطين ومقاومتها، ودائم التعاطف مع غزة. المصريون يتعاطفون مع غزة بشكل كبير لأسباب دينية وقومية، كما أنهم يرون في معركتها مع الاحتلال امتدادا لمعركتهم مع الاستبداد والهيمنة.
النظام تعامل مع غزة من منطلق أمني بحت، خائفا من أي انتقال للروح الثورية إلى الداخل، ولذلك مارس دورا وظيفيا لا يليق بمكانة مصر ولا بتاريخها. لو تُرك للشعب المصري أن يُعبّر، لرأينا موقفا أكثر شرفا ووضوحا، ولرفع رأس الأمة كلها عاليا.
هل تعتقد أن تداعيات القضية الفلسطينية يمكن أن تُحيي الحراك السياسي في مصر؟
نعم، وبكل قوة. فالقضية الفلسطينية لطالما كانت مُحفّزا للحراك الشعبي والسياسي في مصر، سواء في انتفاضة الأقصى عام 2000، أو في مظاهرات 2003 ضد احتلال العراق، أو حتى خلال العدوانات المتكررة على غزة، بل كانت غزة وفلسطين حاضرة بقوة في ميادين مصر عام 2011 التي كشفت عن الجينات الحقيقة للشعب المصري.
الفلسطينيون بجهادهم لا يحركون الوجدان المصري فقط، بل يوقظون فكرة الكرامة والمقاومة. كلما اشتعلت المعركة هناك، تذكّر الناس هنا كل الدماء المصرية التي اريقت في هذا الاتجاه، وكيف أن الاستبداد في الداخل أصبح مرتبطا بالاحتلال في الخارج بشكل وثيق.
ولذلك، فإن فشل النظام في التعبير عن نبض الشارع تجاه فلسطين، قد يكون أحد المفاتيح لإعادة إحياء روح الغضب السياسي، شرط أن يُترجم هذا الوعي إلى فعل منظّم.
ما أبعاد تغير المواقف الإقليمية والدولية من دعم السيسي؟
هناك تحوّل واضح، وإن كان بطيئا، في مواقف بعض العواصم الإقليمية والدولية تجاه نظام السيسي؛ فدول الخليج، التي كانت تعتبره حائط صدّ ضد الإسلاميين، بدأت تشعر بأن استقراره مُكلف وغير مضمون. أوروبا، من جهتها، باتت أكثر قلقا من موجات الهجرة غير الشرعية التي قد تتفجر مع أي انهيار.
أما أمريكا، فقد خفّضت خطابها الداعم، وباتت تراعي صورتها أمام الرأي العام. هذا التبدل لا يعني أن الغرب أو الإقليم سيتخلون عن النظام فورا، لكنه يعني أنهم يُعدّون البدائل بهدوء، ويتعاملون مع النظام بوصفه عبئا مرشحا للسقوط. وهذه لحظة مهمة يجب ألا تُهدرها المعارضة، لصالح تغيير سلمي أمن، يضمن ألا تسقط الدولة، وأن يكون التغيير هذه المرة لصالح شعبنا، الذي انتظر طويلا ولم يجن حتى الآن سوى الفقر والقمع.
بالتالي إلى أي مدى اقترب نظام السيسي من السقوط؟ وهل الاقتصاد هو كلمة السر؟
النظام يواجه مأزقا وجوديا حقيقيا. الاقتصاد كان ولا يزال نقطة الضعف القاتلة؛ فبعد أن أوهم الناس بالاستقرار مقابل التنمية، وجدنا أنفسنا أمام دولة مديونة، مفلسة، وعاجزة عن توفير الأساسيات. تدهور قيمة الجنيه، وانهيار الخدمات، وجنون الأسعار، كلها مؤشرات على قرب الانفجار. لكن ما يُسرّع السقوط ليس الاقتصاد فقط، بل تآكل الحاضنة الشعبية، وتنامي السخط بين النخب، وانكشاف النظام أمام العالم. متى يسقط؟، هذا مرهون بعامل مفاجئ، أو لحظة انكسار داخل مؤسسات الدولة، أو حراك مفاجئ من الشعب. لكن المؤكد أن السقوط بدأ من داخل النظام، وأن الشرعية التي بناها بالقوة تتآكل بصمت.
إذا اختفى السيسي غدا.. مَن سيكون البديل برأيكم؟ المعارضة المنقسمة أم الدولة العميقة؟
سؤال البديل هو السؤال الأخطر والأكثر إلحاحا. في حال اختفاء السيسي فجأة، المرجّح أن تتحرك الدولة العميقة للحفاظ على النظام دون رمزه. لكن هذا لا يعني أن المعارضة خارج اللعبة، بل يعني أنها أمام فرصة تاريخية لإثبات النضج والاستعداد. صحيح أنه لا توجد حتى الآن قيادة موحدة أو مشروع وطني جاهز، وهذه ثغرة خطيرة. لكن يجب على المعارضة أن تتجاوز خلافاتها، وتطرح بديلا مدنيا توافقيا لا يُقصي أحدا، ويمنح الناس الأمل. لا أحد يريد تكرار تجربة الفوضى أو الانقلابات المتتالية. المطلوب هو بديل يُقنع الداخل ويطمئن الخارج ويُمهّد لانتقال سلمي حقيقي.
ما السيناريوهات الأقرب لمستقبل مصر؟ وهل ترى التغيير أقرب أم أبعد؟
السيناريوهات المحتملة لمستقبل مصر متعددة، لكنها تدور بين ثلاثة مسارات رئيسية:
1- الانهيار غير المنضبط: بسبب الأزمة الاقتصادية وغضب الشارع، دون قيادة بديلة، وهو أخطر السيناريوهات.
2- الانتقال الخشن من داخل الدولة: أي إزاحة السيسي من قبل مؤسسات النظام للحفاظ على بقائه، مع تعديل شكلي للمشهد.
3- التغيير المنظم بقيادة وطنية: عبر حراك شعبي مؤطر، يفرض إصلاحا جذريا أو يفتح باب انتقال حقيقي.
أرى أن التغيير بات أقرب مما نظن، خاصة إذا استثمرت القوى الوطنية اللحظة الراهنة، ونجحت في تقديم مشروع جامع، يزاوج بين الشجاعة السياسية والحكمة الاستراتيجية، وأرسلت رسائل مطمئنة للأطراف المعنية بالداخل والخارج، تلك الأطراف التي يعنيها استقرار مصر، والذي أصبح يستلزم انتقال آمن للسلطة، فالنظام لم يعد يمتلك رواية مقنعة، ولا دعما شعبيا، ولا أدوات صمود طويلة.