تأملات فيلسوف لا يبيع أوهامًا!
تاريخ النشر: 13th, April 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
كتاب "فن العيش الحكيم" للفيلسوف الألماني "آرثر شوبنهاور" يشبه صديقًا كبيرًا يجلس بجانبك وأنت في لحظة تعب، يربت على كتفك ويقول لك: "اهدأ... لا تأخذ الحياة بجدية زائدة، خذ منها ما يكفيك، وامضِ في طريقك بسلام."
هذه هي خلاصة كتاب هذا الفيلسوف الرائع وهى يجب أن نعيش ببساطة، وأن نحب ذواتنا كما نحن، وأن نتجنب الصراع الفارغ، وأن نصنع عالمنا الداخلي بكل ما فيه من هدوء وسكينة.
ويعجبني جدا أن هذا الفيلسوف لم يكن يحب تزيين الحقيقة، ولم يكن يبيع الوهم للناس، بل واجه الحياة بجرأة، وكان معلمًا حكيمًا، يعرف أن الإنسان يمكنه أن يجد راحته الداخلية وسلامه النفسي إذا تعلم كيف يعيش بذكاء وهدوء بعيدًا عن ضجيج الرغبات..
أن أول فكرة يهمس بها في آذاننا من خلال كتابه "فن العيش الحكيم" هي أن تهتم بجوهرك، لا بمظهرك.. بمعنى أن قيمتك الحقيقية في عقلك، وأخلاقك. ثم يعلمنا قاعدة ذهبية بسيطة وهي: "كلما قلّت رغباتك، زادت سعادتك." كما أنه يحذرك بأن ما يفسد حياتك هو أن تنظر لما في يد غيرك.
ومن أجمل ما قرأت في هذا الكتاب هو الحقيقة التي اعترف بها صديق الفيلسوف والشاعر جوته في شبابه، عندما قال: "إن الطمع في سعادة خيالية هو الذي يُفسد كل شيء على صاحبه في هذه الفانية. ولن يتخلَّص منه إلا القانع بالقِسْمة بين يديه".
ومن باب الحكمة والتعقل ألاّ يرفع المرء سقف طموحاته، ويتجنّب الإفراط في طلب المتع، والركض وراء الشهوات والملذات والمتع الفانية والجاه والسلطان ومظاهر الشرف والأبّهة وما شابه...
فهذا التكالب المحموم على سراب السعادة وبريق المتع هو الذي يُسَبِّب للمرء خسائر فادحة، ويُلحق به انكسارات غير قابلة للجبر..
وهي ذي السيرة المُجملة التي يتوجب على المرء العضَّ عليها بالنواجذ، وهي عين العقل والحياة تؤكد له، غير ما مرة، أنه من السهل جدا أن يكون تعيسًا، ومن الصعب، بل من المستحيل أن يكون سعيدًا جدًا...
وفي فقرة أخرى يقول الفيلسوف آرثر شوبنهاور:
"لو شئتَ أن تعرف إن كان شخص سعيدًا أو تعيسًا، فابحث عمّا يُفرحه أو يُحزنه. فإن كان ما يُحزنه ويُكدّر صفوه تافهًا، فذاك دليل على أنه سعيد، وإن كان يتأثر لأبسط الأشياء، بل بتوافه الأمور، فتلك حجة على أنه يعيش عيشة هنية. إذ لو كان غارقا في لُجّة التعاسة، لما تأثر بها ولما التفت إليها بالمرة."
لقد كان الفيلسوف "آرثر شوبنهاور" أحد أعظم الفلاسفة الألمان الذين تركوا بصمة عميقة في الفلسفة الغربية، وعُرف بقدرته على تحليل النفس البشرية بجرأة ووضوح، ولم يكن فيلسوفًا مثاليًا يبيع الأوهام، بل كان يواجه الواقع بصرامة، ويعري الوجود الإنساني من الزخارف الزائفة..
وأرى أن هذا الفيلسوف قدم رؤية فريدة حول الحياة والكون بفلسفة عميقة ومثيرة للتفكير، وهي ليست مجردة، بل هي دعوة للتأمل في الحياة والكون، والبحث عن الحقيقة والفهم الأعمق وستظل مصدر إلهام للمفكرين والكتاب، وستواصل تأثيرها في مختلف المجالات الفكرية والفنية.
لقد سعدت بصحبة كتاب هذا الفيلسوف الرائع "فن العيش الحكيم"، وسعدت أكثر بنصائحه القيمة حول كيفية تحسين جودة الحياة.
ولنا لقاء الأسبوع القادم، بإذن الله، مع قراءة في كتاب ممتع جديد.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: هذا الفیلسوف
إقرأ أيضاً:
استعراض كتاب إدارة الموارد البشرية في عصر التحولات الرقمية بصلالة
نظمت مبادرة "شبابنا ريادي" أمس بقاعة عبدالقادر الغساني بمكتبة دار الكتاب العامة بصلالة جلسة حوارية بعنوان "قراءة تحليلية في كتاب إدارة الموارد البشرية في عصر التحولات الرقمية.. رؤى واستراتيجيات"، بحضور مؤلف الكتاب الدكتور أحمد بن سعيد المرهون، والعديد من الكُتّاب والأدباء والأكاديميين والمهتمين بالشؤون الإدارية والتنموية والثقافية.
وتأتي هذه الندوة ضمن سلسلة من الفعاليات التي تنظمها المبادرة، التي تُعنى بتمكين الشباب وتعزيز وعيهم بتطورات سوق العمل المتسارعة، وتسعى من خلالها إلى بناء جسور تواصل معرفي بين الكفاءات الشبابية وبيوت الخبرة، واستثمار هذه العلاقة في تقديم برامج تأهيلية وتدريبية تُسهم في إعداد جيل وطني قادر على الابتكار والتأثير الإيجابي في منظومة الاقتصاد الوطني وسوق العمل العُماني.
واستُهلت الجلسة بكلمة ألقاها عمار بن سعيد فاضل، الرئيس المؤسس لمبادرة "شبابنا ريادي"، حيث قال: إن هذا اللقاء العلمي يأتي احتفاء بإصدار يُمثل خلاصة سيرة ومسيرة إدارية وتنموية وأكاديمية عطرة امتدت لأكثر من ثلاثة عقود من العطاء المتواصل، ونحتفي اليوم بأحد أبرز القيادات الإدارية والأكاديمية التي نفاخر بها، وهو الدكتور أحمد بن سعيد المرهون، الذي يُعد قيادة جمعت خبرات متوازنة، وواكبت التحولات الرقمية في مختلف مراحلها، فكانت هذه الصفحات بمثابة عصارة معرفية وإدارية تقدم للأجيال القادمة مرجعًا نوعيًا يستنيرون به في مسارات التنمية الإدارية وصناعة القرار المؤسسي.
وبدأت الندوة التي أدارها الإعلامي والصحفي ماجد بن عمر المرهون، وقدم من خلالها عرضًا موجزًا عن مؤلف الكتاب الدكتور أحمد بن علي بن سعيد قطميم المرهون، المحاضر الدولي المعتمد في مجالي الإدارة وتنمية الموارد البشرية، عن ورقته البحثية "التحفيز وأثره على الالتزام الوظيفي".
وقد شارك في الندوة عدد من المختصين الذين تناولوا الكتاب من زوايا تحليلية مختلفة، بدأتها الدكتورة ريم أبو عيادة، أستاذة مشاركة بكلية الآداب والعلوم التطبيقية بجامعة ظفار، التي تحدثت عن محاور متعددة تضمنها الكتاب، مشيدة بمحتواه العلمي والتطبيقي، وموضحة أنها قررت اعتماده كمرجع رئيسي لطلابها لما يحمله من مادة علمية ثرية تتناول أهمية المرونة البشرية والتكيّف مع التغيرات المتسارعة في بيئة العمل المعاصرة.
ومنى جعبوب، باحثة تربوية ومدربة معتمدة وسفيرة التحول الرقمي بمحافظة ظفار، حيث استعرضت الفصول الرئيسة للكتاب، مؤكدة أهمية التعليم والتدريب المستمر في تعزيز كفاءة المؤسسات في مواجهة تحديات التحول الرقمي.
وناصر تبوك، المحاضر بقسم علوم الحاسوب بجامعة ظفار، تناول بالشرح مجموعة من المفاهيم التقنية الحديثة التي وردت في الكتاب، وركّز على دور الذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل إدارة الموارد البشرية، والانتقال بها من الأنماط التقليدية إلى ممارسات رقمية متقدمة.
كما ركزت الجلسة على أبرز التحولات التي فرضتها التقنيات الحديثة على واقع الموارد البشرية، ومنها الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، وأنماط العمل عن بُعد، والتحول من الدور التقليدي لإدارة الموارد البشرية إلى شريك استراتيجي في صياغة سياسات التغيير المؤسسي، وأهمية إعادة بناء المهارات وتطوير الأنظمة الإدارية لمواكبة التحول الرقمي الشامل.