كيف تحولت القهوة في الأردن من ملاذ يومي إلى رمز لغلاء المعيشة؟
تاريخ النشر: 15th, April 2025 GMT
لم يعد فنجان القهوة الصباحي في الأردن مجرد طقسٍ شعبيٍّ يفتتح به الناس نهاراتهم أو يعبّرون من خلاله عن دفء اللقاءات، بل تحوّل مؤخرًا إلى مؤشر يومي يعكس أزمة المعيشة المتفاقمة.
ومع إعلان بعض كبرى شركات بيع القهوة رفع سعر الكيلو الواحد بزيادة أكثر من دينارين (نحو 3 دولارات)، بات الحديث عن القهوة يتجاوز الطعم والرائحة، إلى شكوى من نار الغلاء التي طالت حتى "فنجان المزاج".
إعلان رفع الأسعار شكّل صدمة لدى كثير من الأردنيين الذين يعتبرون القهوة عنصرًا ثابتًا في يومهم، “إذا القهوة ما ظل إلها أمان.. شو ظل؟” (ماذا بقي؟)، يقول محمود رائد، أحد رواد المقاهي في وسط البلد، قبل أن يضيف وهو يحتسي فنجانه: “صرنا نعدّل مزاجنا على حساب الراتب”.
ويأتي هذا الارتفاع في ظل سياق اقتصادي ضاغط، يتمثل في ارتفاع كلفة المعيشة، وثبات الأجور، وتوسع دائرة الفقر، مما جعل حتى المواد التي تُعد من لوازم الروتين الشعبي -كالقهوة- وأساسيات المنزل جزءًا من معادلة الحساب والبحث عن البدائل.
لماذا ارتفعت أسعار القهوة؟يقول الخبير الاقتصادي حسام عايش للجزيرة نت إن ارتفاع أسعار القهوة عالميًا انعكس مباشرة على السوق الأردني، خاصة أن القهوة تُعد ثاني أكثر سلعة تداولًا بعد النفط، ويعزو هذا الارتفاع إلى تراجع المحاصيل في الدول الرئيسية المنتجة مثل البرازيل وفيتنام وكولومبيا وهندوراس، بسبب الجفاف أو الأمطار الغزيرة، مما أدى إلى انخفاض المعروض وزيادة الأسعار عالميًا.
إعلانويشير عايش إلى أن الأسعار في الأردن ارتفعت بنسبة تراوحت بين 40 و90% حسب نوع القهوة، لكن المشكلة الأبرز تكمن في أن فوضى التسعير التي سمحت للبائعين برفع أسعار القهوة الشعبية ومتوسطة الجودة بمثل هذه النسب، دون مبرر حقيقي، مما جعل المستهلك الأردني ضحية لارتفاع غير عادل في الأسعار، رغم أنه لا يستهلك بالضرورة الأنواع الفاخرة التي شهدت الارتفاع العالمي.
ويطالب عايش الحكومة بالتدخل العاجل لتصنيف أنواع القهوة المعروضة في السوق، وتحديد أسعارها الحقيقية، وإلزام التجار بالإفصاح عن نوع القهوة التي يبيعونها وجودتها، حتى يكون المستهلك على دراية بما يشتريه ويضمن أن ما يدفعه يتناسب مع القيمة الفعلية للمنتج.
ويحذر من أن استمرار هذا الوضع سيؤثر على توازن إنفاق الأسرة الأردنية، لا سيما وأن القهوة مشروب أساسي يرتبط بالمزاج العام.
ويضيف عايش أن المؤشرات الرسمية لا تعكس هذا التأثير الحقيقي بسبب آليات قياس تقليدية، مؤكدًا أن “مؤشر القهوة” أصبح مرآة صادقة للمزاج الشعبي، وهو اليوم ليس في أفضل حالاته.
"خلل لم يحصل منذ 50 عاما"ويقول الشريك الإداري في شركة “بن العميد”، باسل الضاهر، إن القهوة منتج زراعي يتأثر بشكل مباشر بعوامل المناخ، فضلا عن ارتباطه بأسعار البورصة العالمية.
ويضيف في حديثه للجزيرة نت: “ما حدث هذا العام لم نشهده منذ 50 عامًا، وهي مدة عمل الشركة في هذا القطاع، فقد شهدت البرازيل -أكبر منتج للقهوة في العالم- شحًا غير مسبوق في الأمطار، مما أدى إلى تراجع كبير في حجم المحصول مقارنة بالسنوات السابقة”.
ويتابع الضاهر: “القهوة سلعة تخضع لقاعدة العرض والطلب، وهذا الخلل بين المتوافر والطلب رفع الأسعار عالميًا بنحو 80%، كما ارتفعت أيضًا أسعار الهيل، وهو ما أدى إلى زيادة كبيرة في كلف الإنتاج”.
ويؤكد الضاهر أن لكل شركة إستراتيجيتها الخاصة، موضحًا أن “الشركات التي ترغب في الحفاظ على جودة منتجاتها مجبرة على عكس هذه الزيادات في السعر النهائي للمستهلك، إذ لا يمكن التضحية بالجودة لتفادي ارتفاع السعر”.
إعلانوفي ما يتعلق بحملات المقاطعة الشعبية، يوضح الضاهر أن رفع الأسعار لم يكن بهدف تحقيق أرباح إضافية، بل جاء استجابة لظروف السوق العالمية، معربًا عن أمله في أن تتراجع الأسعار عالميًا، حتى ينعكس ذلك مجددًا على تخفيض الأسعار محليًا.
وكانت شركة "بن العميد" الرائدة في استيراد القهوة قد أعلنت في بيان لها رفعها سعر الكيلو الواحد من 12.60 دينارًا (17.7 دولارا) إلى 14.80 دينارًا (20.9 دولارا).
خيارات بديلةأمام هذه الأسعار، بدأ المستهلكون يبحثون عن بدائل أقل تكلفة، ويقول عادل محمد، وهو صاحب متجر لبيع المواد التموينية، إن الطلب على القهوة ذات المنشأ الأرخص ارتفع بشكل ملحوظ، على حساب القهوة الأكثر جودة وسعرًا.
في حين لجأ بعض المستهلكين إلى خلط أنواع متعددة من البن لتقليل الكلفة، أو تقليص الكمية المستخدمة في كل فنجان، وشهدت منصات التواصل دعوات لمقاطعة الماركات المعروفة والاكتفاء بما توفّره محامص الأحياء بأسعار أقل.
أما أصحاب المقاهي والمتاجر، فقد وجدوا أنفسهم بين نارين: الحفاظ على الزبائن، أو تغطية التكاليف فاختار البعض رفع سعر كوب القهوة في حين قلّصت متاجر أخرى حجم الكوب.
هل يصبح فنجان القهوة “مؤشّرًا اقتصاديًا”؟في بلد مثل الأردن، حيث لا يملك المواطنون أدوات تحليل اقتصادي عميقة، تحوّلت القهوة إلى ما يشبه “المؤشر الشعبي” الذي يُقاس به حال السوق والناس فعندما تبدأ الأحاديث في المجالس الشعبية عن سعر كوب القهوة الذي وصل لـ75 قرشا (دولارا واحدا) تكون الأزمة قد وصلت إلى العمق الاجتماعي.
وبين رائحة البن الساخن وصوت الغلَيان على نار هادئة، ظل فنجان القهوة ملاذًا يوميًا لكثير من الأردنيين. واليوم، يوشك هذا الملاذ أن يتحوّل إلى رمزٍ جديد للغلاء، في وقتٍ يبحث فيه المواطن عن فسحة راحة لا تُكلّف أكثر مما يحتمل.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات أسعار القهوة رفع الأسعار عالمی ا
إقرأ أيضاً:
الذهب يتراجع بعد تهدئة بين إيران وإسرائيل.. وخبير يوضح الوقت المناسب للشراء
شهدت أسواق الذهب، عالميًا ومحليًا، تراجعًا واضحًا في الأسعار خلال الأيام الماضية، في أعقاب إعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، وهو ما اعتبره محللون تحولًا طبيعيًا بعد فترة من التوترات الجيوسياسية التي عززت الطلب على الذهب كملاذ آمن. ومع هذا الانخفاض، بدأ المستثمرون والمواطنون يتساءلون.. هل الوقت مناسب لشراء الذهب الآن، أم أن الأسعار مرشحة لمزيد من التراجع؟
التهدئة تدفع الذهب للتراجع
يقول سمير عبد العزيز, الخبير بأسواق المجوهرات، إن انخفاض أسعار الذهب عقب إعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل كان أمرًا متوقعًا. فالذهب بطبيعته يرتفع بقوة خلال فترات التوترات والنزاعات المسلحة، لكنه سرعان ما يعود للهبوط عند استقرار الأوضاع السياسية والأمنية، وهو ما يحدث حاليًا.
ويُوضح عبد العزيز هذا التراجع إلى تراجع الإقبال على الأصول والملاذات الآمنة، مثل الذهب، نتيجة هدوء الأوضاع الجيوسياسية، مما أدى إلى ضغوط بيعية حادة على المعدن الأصفر.
فرصة للشراء على المدى الطويل
ورغم هذا التراجع، يرى عبد العزيز أن الأسعار الحالية تُعد فرصة جيدة للشراء، خاصة للمستثمرين الذين يخططون للادخار أو الاستثمار على المدى المتوسط والطويل. ويؤكد أن الذهب سيظل محتفظًا بقيمته بمرور الوقت، خصوصًا إذا عادت التوترات الدولية، أو إذا اتجه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى خفض أسعار الفائدة.
ويضيف: "من المرجح أن يتم تخفيض أسعار الفائدة في الفترة المقبلة، خاصة مع ضغط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل ذلك، حيث يرى أن هذا الخفض يمكن أن يوفر ما يصل إلى 800 مليار دولار سنويًا"، مما سيدفع أسعار الذهب إلى الارتفاع مجددًا.
نصائح للمستهلكين.. الشراء بحكمة
وينصح عبد العزيز من يرغب في شراء الذهب، سواء بغرض الادخار أو الاستثمار، بالشراء الآن ولكن دون اندفاع. كما يوصي بالتركيز على المشغولات الذهبية منخفضة المصنعية، أو الاتجاه لشراء السبائك والجنيهات الذهبية، لما لها من قيمة استثمارية أعلى وتكلفة أقل مقارنة بالمشغولات المزخرفة.
وذكر أن سعر جرام الذهب عيار 21 في السوق المصرية وصل حاليًا إلى نحو 4700 جنيه، وهو ما يُعد أقل من مستويات الذروة التي بلغها في الأشهر الماضية.
في ضوء هذه التطورات، تبدو أسواق الذهب في حالة ترقب، وسط تراجع الأسعار وتحركات المستثمرين بعيدًا عن الأصول الآمنة. ومع ذلك، تبقى التوقعات المستقبلية مفتوحة، فعودة التوترات أو تغير السياسة النقدية الأمريكية قد يعيدان الزخم للذهب مجددًا. وفي كل الأحوال، فإن التعامل مع الذهب كاستثمار يحتاج إلى دراسة وهدوء، والفرصة قد تكون سانحة الآن لمن يعرف كيف يختار الوقت والكمية بعناية.