في عالم السياسة الدولية، لا تُكتب كل التفاهمات في البيانات الختامية، بل إنّ ما يُدار خلف الأبواب المغلقة -خصوصا في الاتفاقات بين القوى الكبرى- يحمل في طياته ترتيبات غير معلنة قد تكون أشدّ تأثيرا من العناوين الرسمية. ومن بين هذه التفاهمات، يبرز الاتفاق الأمريكي-الإيراني الأخير، الذي وإن ركّز علنا على الملف النووي والعقوبات، إلا أن تداعياته امتدّت بعمق إلى الساحة الفلسطينية والعربية، خاصة بين العرب السنّة.



أولا: القضية الفلسطينية في ظل تفاهمات "اللا تصعيد"

1- تراجع الأولوية السياسية

رغم الخطاب الإيراني المعلن حول "دعم المقاومة"، لم تحضر القضية الفلسطينية على طاولة المفاوضات كأولوية. إذ طغت قضايا الملف النووي وتجميد العقوبات وأمن الخليج وإسرائيل على ما سواها. بهذا، تم تهميش القضية الفلسطينية لصالح ملفات أكثر التصاقا بالمصالح المباشرة لطهران وواشنطن.

2- تضييق على فصائل المقاومة

برزت آثار التفاهم الأمني غير المعلن من خلال خطوات على الأرض، أبرزها:

- خفض ملموس في الدعم اللوجستي والمالي لبعض فصائل المقاومة الفلسطينية.

- جمود في خطوط الإمداد التي تمر عبر بعض أذرع إيران الإقليمية، كحزب الله أو المليشيات في سوريا والعراق، وإشارات سياسية من طهران لضبط حلفائها وعدم التصعيد من غزة أو جنوب لبنان.

3- تهدئة جبهات التماس

أحد البنود الضمنية للتفاهم كان تجميد الجبهات المشتعلة، سواء في لبنان أو غزة، مقابل مكاسب اقتصادية وسياسية لإيران. حزب الله وحماس، وإن لم يُعلن ذلك، يبدوان في حالة "إدارة تصعيد" محسوبة، تنتظر نتائج التسويات الكبرى.

ثانيا: العرب السنّة ودور المتفرج القلق

1- شعور بالخيانة

خلفت الاتفاقات الأمريكية-الإيرانية شعورا عميقا بالخيانة لدى حلفاء واشنطن التقليديين من العرب السنّة، خاصة في الخليج، إذ شعروا بأن واشنطن سلّمت مفاتيح التوازن الإقليمي لعدوهم التاريخي (إيران)، دون مراعاة لمصالحهم أو أمنهم القومي.

2- الاندفاع نحو التطبيع

تسارعت خطى بعض الأنظمة السنيّة نحو إسرائيل، ظنا بأنها تمثل توازنا مضادا للنفوذ الإيراني المتصاعد بعد الاتفاق، فكان التطبيع خيارا استراتيجيا، لا تطورا دبلوماسيا فحسب.

3- تمدد إيراني في الجغرافيا السنيّة
إدراك هذه التفاهمات الخفية لا ينبغي أن يمرّ مرور الكرام، بل يجب أن يكون دافعا لتحرك استراتيجي جديد يُعيد الاعتبار للمصالح الحقيقية لأمتنا، ويوحّد الصف أمام مشاريع التجزئة والتهميش
من اليمن إلى العراق مرورا بسوريا ولبنان، شكّل الاتفاق متنفسا سياسيا واقتصاديا لطهران، عزز من حضورها ونفوذها. والنتيجة: تصاعد التوتر الطائفي، وتراجع قوى السنّة في مساحات كانوا فيها فاعلين.

4- تنازلات أمريكية على حساب السنّة

ضمن ترتيبات ما وراء الكواليس، غضّت واشنطن الطرف عن انتهاكات مليشيات موالية لطهران في مناطق سنّية، مقابل تعاون إيراني في ملفات النووي وأمن إسرائيل. وهكذا، تمت التضحية بمطالب السنة في العراق وسوريا واليمن كجزء من "صفقة كبرى".

ثالثا: ما دار في الخفاء.. ترتيبات غير معلنة

- ترسيم غير معلن لمناطق النفوذ: تفاهمات ضمنية حول توزيع السيطرة في سوريا والعراق، بحيث تحتفظ إيران بوجودها، مقابل انسحاب جزئي أمريكي.

- التزام بتهدئة الجبهات ضد إسرائيل: إيران أبلغت -عبر وسطاء- باستعدادها لكبح حلفائها من التصعيد مع إسرائيل، مقابل تسهيلات اقتصادية ومالية.

- قنوات أمنية غير مباشرة: عُمان والعراق كانا محطات لتبادل الرسائل الأمنية، بما في ذلك ما يخص المليشيات والسلاح الإيراني الدقيق.

- تجميد الدعم للمقاومة: مقابل الإفراج عن أرصدة مجمدة، تم الاتفاق على تهدئة حلفاء إيران وتقليص دعمهم لحركات المقاومة الفلسطينية.

خاتمة: إعادة ترتيب الشرق الأوسط.

الاتفاق الأمريكي-الإيراني ليس مجرد تسوية نووية، بل هو إعادة رسم للخريطة السياسية للمنطقة، حيث يتم استبعاد بعض اللاعبين، وإعادة تأهيل آخرين. وتبدو القضية الفلسطينية -مرة أخرى- الخاسر الأكبر، إلى جانب المجتمعات السنّية التي فقدت حليفا دوليا طالما اعتبرته سندا.

إن إدراك هذه التفاهمات الخفية لا ينبغي أن يمرّ مرور الكرام، بل يجب أن يكون دافعا لتحرك استراتيجي جديد يُعيد الاعتبار للمصالح الحقيقية لأمتنا، ويوحّد الصف أمام مشاريع التجزئة والتهميش.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء التفاهمات الأمريكي الإيراني النووي إيران النووي أمريكي تفاهم قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القضیة الفلسطینیة السن ة

إقرأ أيضاً:

اليونان تنتفض في وجه إسرائيل دعما للقضية الفلسطينية

أفاد عبد الستار بركات، مراسل "القاهرة الإخبارية" من أثينا، بتفاصيل التظاهرات الضخمة التي تشهدها العديد من المدن اليونانية اليوم ضمن فعاليات "يوم الغضب"، تضامنا مع الشعب الفلسطيني، وخاصة في قطاع غزة، وتشهد المواني والمواقع السياحية في الجزر اليونانية أكبر الاحتجاجات، حيث يرفض المتظاهرون التعاون القائم بين الحكومة اليونانية وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، ويؤكدون رفضهم لاستقبال السياح الإسرائيليين الذين يعتبرونهم جزءًا من سياسات الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.

غذاء ودواء ووقود.. مصر تواصل دعمها الإنساني لأهالي غزةأزمة ثقة تهز حكومة نتنياهو .. انقسامات في الصف الإسرائيلي حول إدارة حرب غزة تزايد في الدعم العالمي

وأضاف خلال رسالة على الهواء، أن هذه التظاهرات تستهدف مناهضة ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، وقد دعت إليها العديد من المنظمات الداعمة للقضية الفلسطينية، ووفقًا للتقارير، من المتوقع أن تقام الاحتجاجات في حوالي 105 مواقع تشمل الشواطئ والمطارات والمواني والبلديات، كما أفادت التقارير بوجود تزايد في الدعم العالمي لهذا التحرك، حيث يعبر المتظاهرون عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني في شوارع وأماكن مختلفة من اليونان، مؤكدين أن هذه المظاهرات لن تتوقف حتى تحقيق العدالة.

وأشار بركات إلى أن السلطات الإسرائيلية قد حذرت مواطنيها من التعريف بهويتهم خلال زيارتهم لليونان بسبب مشاعر الرفض المتزايدة تجاههم، ومن المتوقع أن يشهد اليوم تظاهرة حاشدة في الساعة الثامنة مساءً في وسط العاصمة أثينا أمام البرلمان اليوناني، حيث سيستمر الاحتجاج تضامنًا مع فلسطين.

طباعة شارك غزة قطاع غزة السياح الإسرائيليين الاحتلال حكومة الاحتلال الاحتلال الإسرائيلي

مقالات مشابهة

  • الدولار مقابل الشيكل.. أسعار صرف العملات في فلسطين اليوم الثلاثاء 12 أغسطس
  • غياب الثقة في واشنطن مستمر.. إيران ترحب بتقليص أنشطتها النووية مقابل رفع العقوبات
  • سعر الدولار الأمريكي مقابل الجنيه اليوم الثلاثاء 12-8-2025
  • السوداني يستقبل لاريجاني.. على الطاولة مذكرة أمنية وتأييد للحوار الأمريكي-الإيراني
  • فلسطين تحذّر من خطورة الدعوات الإسرائيلية التحريضية على تجسيد الدولة الفلسطينية
  • اليونان تنتفض في وجه إسرائيل دعما للقضية الفلسطينية
  • لجنة فلسطين النيابية ونقابة الصحفيين يتفقان على تعزيز جهود مواجهة التطبيع ودعم القضية الفلسطينية
  • الدولار مقابل الشيكل.. أسعار صرف العملات في فلسطين اليوم الأحد 10 أغسطس
  • بلقيس فتحي بإطلالة صيفية لافتة في كليبها الجديد ومنسّق أزيائها يكشف الكواليس
  • الرئاسة الفلسطينية: نرفض سياسات الاحتلال وغزة جزء لا يتجزأ من أرض فلسطين