في خطوة تعيد للأذهان أجواء الحرب الباردة ولكن بأساليب عصرية، أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طرح خطته المثيرة للجدل بشأن جزيرة غرينلاند، بعد أن كانت قد طويت أوراقها منذ الإعلان عنها لأول مرة في يناير الماضي. 

هذه المرة، عاد ترامب إلى المشروع ولكن بعيدًا عن التهديدات العسكرية، مستبدلًا الدبابات والطائرات بـحقيبة من الحوافز الاقتصادية ورسائل ناعمة مغطاة بغلاف الدبلوماسية والتعاون.

البيت الأبيض: ترامب عازم على التحاور مع إيران ترامب يناقش البرنامج النووي الإيراني مع مساعديه قبل الجولة الثانية من المفاوضات خطة أمريكية بديلة عن المعونات الدنماركية

حسب شبكة CNBC، لا يسعى ترامب إلى شراء الجزيرة كما سخر منه البعض سابقًا، بل يخطط لتقديم منحة مالية سنوية لكل مواطن غرينلاندي بقيمة 10 آلاف دولار، في محاولة لكسب ودّ سكان الجزيرة الذين يبلغ عددهم نحو 57 ألف نسمة.

وتستهدف الخطة الأمريكية استبدال الدعم السنوي المقدم من الحكومة الدنماركية، والذي يبلغ نحو 600 مليون دولار، بتمويل أمريكي مصدره استثمارات ضخمة في ثروات غرينلاند الطبيعية، التي تشمل المعادن النادرة المستخدمة في صناعة التكنولوجيا المتقدمة، إضافة إلى النفط، والذهب، واليورانيوم.

صدام المصالح وسط أجواء جليدية معقدة

غير أن الطموح الأمريكي يصطدم بواقع معقد؛ إذ تعاني غرينلاند من مناخ قاسٍ وبنية تحتية محدودة، فضلًا عن تحديات ذوبان الجليد التي تعيق الوصول إلى الموارد. 

وما يزيد الموقف تعقيدًا، هو الضغط الداخلي على الميزانية الأمريكية، حيث طلب ترامب من إيلون ماسك، وزير الكفاءة الحكومية في إدارته، خفض تريليون دولار من الإنفاق الفيدرالي، وهو ما يضع الخطة تحت ضغط سياسي واقتصادي داخلي.

الشراكة من أجل السلام... والتوسع

ورغم هذه التحديات، أكد ترامب في مؤتمر صحفي عقد مؤخرًا أنه مصمم على تحقيق تقدم في مفاوضات ضم غرينلاند، ما دفع فريقه إلى التحرك سريعًا. حيث توجه مايكل والتز، مستشار الأمن القومي، وجيه دي فانس، نائب الرئيس، إلى الجزيرة لإطلاق ما وصفوه بـ "الشراكة من أجل السلام والازدهار".

ويأتي هذا التحرك في وقت يتصاعد فيه التنافس الدولي في منطقة القطب الشمالي، بفعل ذوبان الجليد وظهور ممرات بحرية جديدة، تغري قوى كبرى مثل روسيا والصين بالدخول إلى المسرح القطبي.

رد فعل دنماركي غاضب وانقسام داخل الجزيرة

في المقابل، لم تتأخر كوبنهاجن في الرد، حيث وصفت ميت فريدريكسن، رئيسة وزراء الدنمارك، التحركات الأمريكية بأنها "ضغط غير مقبول"، مؤكدة أن تقرير المصير هو حق حصري لسكان غرينلاند وحدهم.

وعلى الرغم من إغراءات ترامب، إلا أن الانقسام ما زال حاضرًا على أرض الجزيرة. ففي آخر انتخابات، لم تحصل الأحزاب المؤيدة للتقارب مع واشنطن سوى على دعم ربع الناخبين، ما يعكس حذرًا شعبيًا واسعًا من نوايا واشنطن.

استدعاء التاريخ وتوظيف الإعلام

ترامب لم يكتفِ بالحوافز المالية، بل استدعى التاريخ، مشيرًا في حملاته الإعلامية إلى علاقة الدم واللغة التي تربط سكان غرينلاند بـشعب الإنويت في ألاسكا، كما روج لدور الولايات المتحدة في حماية الجزيرة من الغزو النازي إبان الحرب العالمية الثانية.

وفي هذا السياق، أفادت صحيفة نيويورك تايمز بأن الإدارة الأمريكية عقدت اجتماعات متتالية لوضع آليات تنفيذية للخطة، وشكلت فرقًا متخصصة لإدارة المحتوى الإعلامي الموجه لسكان غرينلاند عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

هل يكون الخيار العسكري مطروحًا؟

رغم أن خطاب ترامب الحالي خالٍ من التهديدات المباشرة، يبقى السؤال مطروحًا حول احتمال استخدام القوة مستقبلًا في ظل طموحاته التوسعية، لا سيما في منطقة تشهد تصعيدًا استراتيجيًا متسارعًا. 

وحتى اللحظة، تؤكد الإدارة الأمريكية التزامها بالحلول الدبلوماسية والاقتصادية، إلا أن التاريخ الأمريكي في التدخلات الخارجية لا يُطمئن خصوم واشنطن تمامًا.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: دونالد ترامب جزيرة غرينلاند الدنمارك القطب الشمالي الولايات المتحدة ايلون ماسك مايكل والتز جيه دي فانس المعادن النادرة الشراكة من أجل السلام التوسع الأمريكي

إقرأ أيضاً:

مراسل الجزيرة بواشنطن: رسائل مهمة من ترامب إلى طهران

رجح مراسل الجزيرة في واشنطن ناصر الحسيني أن الجانب الإيراني قد أبلغ بشكل أو بآخر أن الهجوم الأميركي قادم وسيتم، ولذلك تمكنت إيران -حسب ما تشير تقارير- من نقل اليورانيوم إلى مناطق آمنة.

ونقلت وكالة رويترز عن مصدر إيراني كبير قوله إن معظم اليورانيوم عالي التخصيب بمنشأة فوردو النووية الإيرانية نقل إلى مكان غير معلن قبل الهجوم الأميركي، وقالت نقلا عن المصدر الإيراني الذي لم تذكر اسمه، إنه تم تقليص عدد العاملين في موقع فوردو إلى الحد الأدنى قبل الضربات الأميركية.

كما كشفت صحيفة واشنطن بوست أن صور أقمار اصطناعية في 19 يونيو/حزيران الجاري تظهر نشاطا غير عادي للشاحنات والمركبات في منشأة فوردو قبل يومين من الهجوم الأميركي.

وقصفت الولايات المتحدة فجر اليوم الأحد 3 منشآت نووية في إيران، وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه تم إسقاط حمولة كاملة من القنابل على الموقع النووي الأساسي في فوردو، مؤكدا أن موقع فوردو انتهى.

وأشار الحسيني إلى أن رسائل أميركية تكون قد وصلت إلى القيادة الإيرانية عن طريق دول عربية مفادها أن الهجوم الأميركي يقف عند هذا الحد، وأن واشنطن لا تريد المزيد من التصعيد ولا بد من العودة إلى طاولة المفاوضات.

لكن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قال في تصريح له اليوم إن أميركا وإسرائيل تجاوزتا خطا أحمر كبيرا بمهاجمة منشآت بلاده النووية، مشيرا إلى صعوبة العودة للمفاوضات، ودعا لجلسة عاجلة لمجلس الأمن الدولي بهذا الشأن.

أما الرسالة الأهم التي بعثتها واشنطن للقيادة الإيرانية، فهي -يضيف الحسيني- أن الولايات المتحدة في هذه اللحظة لا تسعى ولا تنوي ولا تستهدف إنهاء وجود النظام السياسي الإيراني حاليا.

ويقول الحسيني إن الرئيس الأميركي يتحرك في اتجاهين في آن واحد، إلى الداخلي الأميركي عبر لغة صارمة يفرح بها مناصرو إسرائيل داخل الإدارة الأميركية وداخل الولايات المتحدة، وفي الوقت ذاته يعتمد ترامب على دول عربية صديقة لإيران كي توصل رسالة أن بلاده لا تريد تغيير النظام، وأن الهدف الأساسي هو البرنامج النووي الإيراني.

إعلان

ويضيف مراسل الجزيرة في واشنطن أن الأنظار في الولايات المتحدة تتجه نحو ردود الفعل القادمة من الكونغرس، خاصة من الديمقراطيين الذي يعارضون التدخل الأميركي في الحرب ضد إيران.

مقالات مشابهة

  • كم كلفت الضربة الأمريكية التي أنهت الحرب بين إيران والاحتلال؟ (أرقام)
  • مع تصاعد التوترات.. الذهب يرتفع عالميا وسط إقبال على الملاذات الآمنة
  • دونالد ترامب يدعو إلى زيادة فورية في إنتاج النفط الأمريكي
  • البحرين تغلق مجالها الجوي خلال تصاعد وتيرة الرد الإيراني على الهجوم الأمريكي
  • مجلس النواب الأمريكي يحظر واتساب على أجهزة العمل الحكومي
  • صندوق النقد يحذر من مخاطر اقتصادية جراء الضربات الأمريكية على إيران
  • وسط أزمة اقتصادية خانقة.. المركزي اليمني يعلن عن أكبر مزاد للدولار هذا الشهر
  • مراسل الجزيرة بواشنطن: رسائل مهمة من ترامب إلى طهران
  • خبير اقتصادي: تصعيد الشرق الأوسط يؤجل مشاريع اقتصادية كبرى ويهدد قطاع السياحة
  • أخبار العالم | ترامب يعلن قصف منشآت فوردو ونطنز وأصفهان النووية في إيران.. ونتنياهو يؤكد أن الضربات الأمريكية ستغير التاريخ