حفيدة محارب أمريكي قديم تعود إلى إيو جيما اليابانية بعد 80 عامًا على المعركة
تاريخ النشر: 19th, April 2025 GMT
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- في يوم ربيعي رطب، وضعت جيسامين هارتر حقيبة ظهر قماشية مهترئة، وانطلقت باتجاه جبلٍ يبلغ ارتفاعه 168 مترًا على جزيرة نائية وسط المحيط الهادئ.
لم يكن لديها الكثير من الوقت، لكنها كانت في مهمة خاصة بها.
لتكريم جدها الراحل، استغلت هارتر كل ثانية في جزيرة "إيو جيما". وكان هذا اليوم الوحيد من العام الذي يُسمح فيه للمواطنين الأمريكيين بزيارة الجزيرة، كما أنه مخصّص لقلّة مختارة من الأفراد، في إطار جولة تنطلق من إقليم غوام الأمريكي.
أعادت الولايات المتحدة الجزيرة إلى اليابان في العام 1968، وكانت""إيو جيما" (التي تعني "جزيرة الكبريت" باللغة اليابانية) موقعًا لإحدى أهم معارك الحرب العالمية الثانية وأكثرها دموية.
وفي 19 فبراير/ شباط من العام 1945، اقتحم 70 ألف جندي من فرقتي مشاة البحرية الأمريكية الرابعة والخامسة، ولاحقًا استدعاء الفرقة الثالثة للدعم، شواطئ "إيو جيما" البركانية السوداء في معركة مع القوات الإمبراطورية اليابانية المكلَّفة بالدفاع عن الجزيرة ومهابط طائراتها، استمرت 36 يومًا.
على بُعد حوالي 1،207 كيلومترًا فقط من البر الرئيسي لليابان، اعتُبرت "إيو جيما" جزءًا أساسيًا من المجهود الحربي في المحيط الهادئ، بل وأصبحت الصور المُلتقطة خلال المعركة رموزًا بارزة.
كان مارتي كونور، البالغ من العمر 18 عامًا من سيراكوز بنيويورك، بين أفراد مشاة البحرية الأمريكية الذين هبطوا على الجزيرة في ذلك اليوم.
مثّلت تلك المهمة أول تجربة قتالية حقيقية في حياته، وقد خرج منها سالمًا رغم امتدادها لـ36 يومًا، ومن ثمّ واصل حياته، وأدار شركة تأمين، وتزوج، وأسس عائلة.
كما أنّه أصبح جدّ جيسامين هارتر لاحقًا.
بقدر ما حوّلت معركة "إيو جيما" حياة كونور، إلا أنّ ما حدث بعدها شكّل أعظم إرث له.
مهمة سلام دامت نصف قرنفي العام 1970، عاد كونور إلى الجزيرة برفقة زوجته وقرابة 30 جنديًا من مشاة البحرية الأمريكية للمشاركة في ما عُرف لاحقًا بـ"لمّ شمل الشرف"، وهو تقليد لا يزال مستمرًا حتى اليوم.
وعلى قمة جبل "سوريباتشي"، حيث رُفع العلم الذي خلّدته صورة جو روزنثال الشهيرة العام 1945، صافح كونور وزملاؤه من مشاة البحرية قدامى المحاربين اليابانيين الذين شاركوا في المعركة.
وكان الحدث أيضًا المكان الذي تعلّم فيه كونور لأول مرة عن حركة شعبية لإعادة "التذكارات" المأخوذة من جثث جنود الأعداء المقتولين إلى عائلات أصحابها الأصليين في اليابان.
تابع كونور ذلك اليوم من العام 1970 باهتمام، حين أعاد أحد جنود البحرية تذكارات إلى عائلة يابانية، إذ كان هو أيضًا يحتفظ بتذكاراته الخاصة في منزله.
وبعد مرور 25 عامًا على المعركة، أدرك أخيرًا ما عليه القيام بها.
عاد كونور إلى وسط نيويورك وحزم بعضًا من تذكاراته وأرسلها إلى قبطان سابق في البحرية الإمبراطورية تحول إلى راهب بوذي التقى به خلال لمّ الشمل، يُدعى تسونيزو واتشي، الذي كان يبحث عن علامات مميزة على هذه الأغراض للعثور على أفراد العائلة الناجين.
كانت معلومات وفاة الجنود، من حيث الزمان والمكان والكيفية، مفقودة لدى العديد من العائلات في اليابان.
وقد شكّل اقتناؤهم لأثرٍ من أسلافهم، كعَلَم معركة أو مذكرات شخصية، وسيلة لمنح أرواحهم الطمأنينة والسلام الأبدي.
تمكن واتشي من إعادة تذكارات كونور الأولية إلى العائلات، ومن ثمّ ألهمه ذلك، فبدأ بنشر الخبر، وسرعان ما بدأت الطرود تصل إلى منزله في سيراكيوز.
ولأكثر من 40 عامًا، أعاد كونور التذكارات إلى حيث تنتمي.
وقالت هارتر، البالغة من العمر 43 عامًا: "عندما كنت أصغر سنًا، أتذكر رؤية الأعلام اليابانية وغيرها من الأشياء في مكتبه، لكنني لم أكن أعلم ما كان يفعله وما يحدث".
وأضافت: "أعتقد أنني لم أفهم الأمر حقًا إلا لاحقًا.. وما يزيدني فخرًا بجدي أنّه كان قادرًا على فعل ذلك. وقد فعله لأكثر من 40 عامًا".
العودة إلى جزيرة "إيو جيما"كان اليوم طويلاً وشاقًا بالنسبة لهارتر، فقد بدأ عند الساعة الثالثة والنصف صباحًا في غوام في الـ29 من مارس/ آذار.
نقلت رحلة طيران تابعة لخطوط "يونايتد" أكثر من مئة راكب من مطار غوام، في رحلة استغرقت ساعة ونصف الساعة، وصولًا إلى حظيرة الطائرات في جزيرة "إيو جيما".
من مقعدها بجانب النافذة، اندهشت هارتر من صغر حجم الجزيرة، وقالت: "لقد كانت جزيرة صغيرة جدًا لمعركة بهذه القساوة".
وتوجهت هارتر إلى جبل "سوريباتشي"، بما أنّ أول لقاء شرف حضره جدها أقيم على قمته.
وعندما وصلت إلى قمة الجبل، بدأت هارتر بالبكاء.
وكانت قد حملت أغراض جدها خلال رحلتها، بينها حقيبة القماش الأصلية التي كان يحملها طوال أيام المعركة الـ36، وواحدة من شارات فرقة مشاة البحرية الخامسة، وكتاب صغير للصلوات كان يحتفظ به في جيب زيه الرسمي.
كما اتجهت هارتر إلى إحدى شواطئ الإنزال، وجلست فوق الرمال البركانية السوداء الحارة والصخرية، متأملةً ما حدث في المكان.
وقالت في اليوم التالي بعد عودتها إلى غوام: "شعتر وكأنني حصلت على هبة لا تُمنح للكثير من الأشخاص".
عودة علم إلى الوطن بعد 80 عامًالم تكن هذه القصة الوحيدة التي دارت بين جد وحفيدته في ذلك اليوم.
المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: الحرب العالمية الثانية مشاة البحریة الأمریکیة عام 1970
إقرأ أيضاً:
مصر في قلب المعركة
يخطئ من يظن أن مصر بمنأى عن الحروب الإسرائيلية الدائرة في المنطقة، خصوصا الحرب مع إيران، ذلك أن الشارع المصري أصبح على قناعة، بأن المواجهة مع إسرائيل حتمية ووشيكة، في إطار تنفيذ المخطط الصهيوني بالسيطرة على المنطقة وإعادة رسمها من جديد، حسبما أعلن رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو مرارا، وبما يمكّن الكيان من توسيع رقعته الجغرافية، حسبما طالب بذلك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرارا أيضا، وبما يحقق سردية الجمهوريين البروتستانت، التي تتعجل ما يعرف بحرب نهاية العالم، ناهيك عن الشواهد السياسية والعسكرية الكثيرة في هذا الشأن.
وعلى الرغم من مرور 46 عاما على توقيع معاهدة السلام بين الكيان ومصر، عام 1979، إلا أن كل النتائج تؤكد أن الاتفاقية لم تستطع اختراق العقل الشعبي المصري بالتطبيع، سواء على المستوى الفردي أو الجمعي، لأسباب كثيرة، وهو ما يعترف به مسؤولو الكيان دائما، في الوقت الذي بدت فيه علاقات حميمية مع أطراف عربية، حديثة العهد بالتعامل مع العقلية الصهيونية، وهو ما يؤكد أن الشعب المصري حالة خاصة، تنتظر لحظة نفض الغبار، التي يبدو أن أوانها قد حان، وما سنوات الغبار الغابرة تلك إلا حالة من التعبئة، وإعادة الشحن القومي من جديد.
لا خلاف في الشارع المصري على أن ما يجري الآن من مخطط صهيوني، هو بمثابة تقليم الأظافر، حتى يمكن التفرغ للعدو الأكثر قوة وعنادا، ممثلا في مصر وشعبها، وهو ما لا يخفى بالتأكيد على صناع القرار
لا خلاف في الشارع المصري على أن ما يجري الآن من مخطط صهيوني، هو بمثابة تقليم الأظافر، حتى يمكن التفرغ للعدو الأكثر قوة وعنادا، ممثلا في مصر وشعبها، وهو ما لا يخفى بالتأكيد على صناع القرار، الذين لم يتوانوا على مدى السنوات الـ46 المشار إليها، عن التسلح والتدريب، خصوصا في السنوات العشر الأخيرة، ليس ذلك فقط، بل تنويع مصادر السلاح، وحتى إنتاجه، تحسبا لذلك اليوم الذي تم فرضه، ليس على مصر فقط، بل على المنطقة قاطبة، نتيجة أطماع المحتل التي لا تتوقف عند حد، بل لا تتوقف عن القتل وسفك الدماء، على مدار الساعة، تحت سمع ونظر العالم.
السؤال المهم الذي يطرحه الشارع طوال الوقت: هل حان دور المواجهة مع مصر، في حالة انتصار الكيان -لا قدر الله- على إيران؟ أم أن دخول أطراف خارجية على ساحة القتال الدائر حاليا، يمكن أن يدفع بمصر إلى المشاركة في إطار ما يعرف بالحرب الاستباقية؟ أم أن العدو هو الذي سوف يبادر إلى ذلك، اعتمادا على عمليات تمهيد واضحة، اتهم خلالها الجيش المصري بنشر قوات في المنطقة (ج) في سيناء، على خلاف اتفاق الطرفين، إضافة إلى اتهامات أخرى تتعلق بحفر الأنفاق بين سيناء وقطاع غزة، ناهيك عن نقض تلك المعاهدة من جانب العدو، بعد احتلال محور "فيلادلفيا" أو صلاح الدين، على امتداد الحدود مع القطاع؟
يمكن القول إن العقل الجمعي المصري، بعد طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ليس كما كان قبله من كل الوجوه، خصوصا أولئك الذين كانت تمثل الطائفية أزمة نفسية لهم، لا يقبلون مشاركة حزب الله اللبناني في القتال مع المقاومة الفلسطينية، ولا يناصرون قتال إيران في مواجهة الكيان، بل وجدنا من يطلب الفتوى الشرعية في حكم الجهاد بأسلحة إيران، إلى آخر ذلك من سلسلة طويلة من السفه والعته، انطلاقا من وهابية هنا أو عقيدة تكفير هناك، إضافة إلى فصائل أخرى من ضحايا الإمبريالية الأمريكية، والريالات والدينارات، وما أكثرهم في مواقع سياسية وإعلامية بشكل خاص، وهم ما يمكن أن يطلق عليهم الطابور الخامس، ناهيك عن اللجان والكتائب الإلكترونية، العاملة على مدار الساعة.
الآن، وعلى وقع الصواريخ الإيرانية على الكيان، تراجع هؤلاء، وتوارى أولئك، وأصاب الخجل الجميع، وسط حالة من الشعور القومي العربي والإسلامي تدعو إلى مناصرة إيران، ولو بأضعف الإيمان، وهو الأمر الذي يضع النظام الرسمي في موقف لا يحسد عليه، مع ورود أنباء عن حصوله على وثائق إسرائيلية عسكرية مسربة، توضح خططا تفصيلية لاجتياح سيناء، وهو ما جعل القوات المسلحة تبادر بنشر قوات على امتداد شبه الجزيرة، التي خاضت مصر من أجلها حروبا عديدة، وارتوت رمالها بدماء زكية لا تقدر بثمن، ناهيك عن مئات الآلاف من أرواح الشهداء.
كل الشواهد تؤكد أن طوفان الأقصى هو الذي أرجأ مغامرات إسرائيلية عديدة في المنطقة، في مقدمتها ما يتعلق بسيناء، ثم جاءت الحرب مع إيران لتضيف المزيد من الإرجاء، إلا أن الأزمة قائمة، وسط إصرار أمريكي- إسرائيلي على تنفيذ إملاءات لم يقبلها النظام المصري علانية، ولن يقبلها الشعب حتى لو قبل بها النظام، تتمثل في الآتي:
على مصر العودة إلى الريادة، والإمساك بزمام الأوضاع والتطورات، مع الوضع في الاعتبار أن ردع الكيان الصهيوني هو العنوان الوحيد الذي يمكن أن يوحد الحالة المصرية، شعبيا ورسميا، على قلب رجل واحد، بعد سنوات من الاستقطاب، وهو ما يجب أن تتجه إليه البوصلة الآن في ظل التحديات الراهنة
أولا: قبول ترحيل الشعب الفلسطيني من قطاع غزة، إلى سيناء أو الداخل المصري، موزعين على عدد من المحافظات، بما يجعل من الحديث عن عودتهم مرة أخرى إلى القطاع قضية غير ذات معنى، حيث سيتم استيعابهم مقابل مبالغ مالية، ومعونات اقتصادية.
ثانيا: الموافقة على إقامة قاعدة عسكرية أمريكية على جزيرتي تيران وصنافير بالبحر الأحمر، وهما الجزيرتان المتنازع عليهما بين مصر والمملكة السعودية، على الرغم من الإقرار الرسمي المصري بهما للمملكة، إلا أن ذلك الإقرار يواجه معارضة شعبية وقضائية كبيرة.
ثالثا: الامتثال لطلب الرئيس الأمريكي بمرور سفن وناقلات الولايات المتحدة من قناة السويس، دون سداد رسوم مرور، وهو الطلب الاستعراضي الهمجي، الذي قوبل بسخرية مصرية على كل المستويات، الرسمية والشعبية، وتم رفضه فور الجهر به.
رابعا: الموافقة المصرية على إقامة قاعدتين عسكريتين، إحداهما في راس بناس بالبحر الأحمر، والأخرى في سيدي براني على البحر المتوسط، وهو الطلب الذي رفضه كل الرؤساء المتعاقبون (أنور السادات، حسني مبارك، عبد الفتاح السيسي)، وربما كانت مصر الدولة الوحيدة في المنطقة التي لا تستضيف على أرضها أية قواعد عسكرية أجنبية.
خامسا: القبول بتغييرات واسعة في المناهج التعليمية، التاريخية والدينية، تجعل من الكيان صديقا غير محتل، ومن فلسطين ماضيا بلا تاريخ، ومن المسجد الأقصى قضية هامشية، ومن الديانة الإسلامية بشكل عام مسخا، يمكن استبداله بما تسمى الديانة الإبراهيمية، التي رفضها الأزهر شكلا وموضوعا.
سادسا: التدخل الخطير في السياسات الخارجية المصرية، خصوصا ذلك التقارب الأخير مع إيران، من خلال زيارة وزير الخارجية عباس عراقجي قبل أسبوعين للقاهرة، والانفتاح الاقتصادي والعسكري على كل من الصين وروسيا، والانضمام إلى مجموعة "البريكس"، وغير ذلك من توجهات تصطدم بالمصالح الأمريكية.
إذن، الأمر جد خطير، يتطلب الوقوف بكل قوة خلف المقاومة الفلسطينية من جهة، والجمهورية الإيرانية من جهة أخرى، باعتبارهما حائط الصد الآن أمام مخطط خبيث ومدمر، لم يعد يستهدف الوطن العربي فقط، من النيل إلى الفرات، كما ذكرت بروتوكولاتهم، بل امتد إلى خارج المنطقة، ليعبث مع إيران بالنار، ويشير إلى باكستان بأصابع الاتهام، وهو ما يحتم على مصر العودة إلى الريادة، والإمساك بزمام الأوضاع والتطورات، مع الوضع في الاعتبار أن ردع الكيان الصهيوني هو العنوان الوحيد الذي يمكن أن يوحد الحالة المصرية، شعبيا ورسميا، على قلب رجل واحد، بعد سنوات من الاستقطاب، وهو ما يجب أن تتجه إليه البوصلة الآن في ظل التحديات الراهنة.