الصين بين تحديد النسل وتعزيزه
تاريخ النشر: 10th, August 2025 GMT
يتحكم الاقتصاد لا محالة في سعي الحكومات لتغيير وتطوير خططها الاستراتيجية ومشاريعها التنموية المستقبلية، وقد تتخذ بعض الحكومات قرارات صارمة في مواجهة الكثير من تحديات الواقع ومستحدثات المرحلة الزمنية، ثم يتغير الوقت والمرحلة فتضع خططا مختلفة وسياسات مغايرة، والمشكلة تكمن في عدم سهولة التبدل إذا ما تعلق الأمر بتراكمية التفكير وتقنين السلوك، من ذلك ما قامت به الصين في مواجهة زيادة عدد السكان مقابل الموارد الاقتصادية، إذ ضغطت السياسة الحكومية على الأزواج لتحديد النسل عبر غرامات باهظة، عمليات إجهاض قسرية، وعمليات تعقيم، بقيت هذه الضغوطات لعقود قبل أن تبدل الحكومة سياستها مؤخرًا متوسلة شبابها لإنجاب المزيد من الأطفال، ففي الأسبوع الماضي، وفي أحدث مساعيها لتعزيز معدلات المواليد المتراجعة، أعلنت الصين أنها ستقدم للآباء دعمًا سنويًا قدره 3600 يوان (500 دولار أمريكي) لكل طفل حتى سن الثالثة، يسري بأثر رجعي اعتبارًا من 1 يناير.
وتبلغ تكلفة تربية طفل حتى سن الثامنة عشرة في الصين في المتوسط 538 ألف يوان (75 ألف دولار أمريكي)، أي أكثر من ستة أضعاف نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، مما يجعلها من أغلى الأماكن في العالم لإنجاب الأطفال نسبيًا، وفقًا لدراسة حديثة أجراها معهد يووا لأبحاث السكان في بكين، كل ما سبق سلب عرض الحكومة الصينية الحالي إغراءه وقدرته على إقناع الشباب الصيني بالإنجاب وتربية الأبناء.
هذه النظرة السوداوية للأبوة والأمومة في المستقبل يحفزها تباطؤ الاقتصاد الصيني وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب ممثلةً عقبة رئيسية أمام مساعي الحكومة لتشجيع الشباب على الزواج وإنجاب الأطفال، وفي مواجهة انكماش القوى العاملة وتسارع شيخوخة السكان، ألغت الصين سياسة الطفل الواحد في 2016، مما سمح للأزواج بإنجاب طفلين، ثم 3 في 2021، إلا أن معدلات المواليد استمرت في الانخفاض، حيث يشهد عدد السكان انكماشًا لـثلاث سنوات متتالية على الرغم من الانتعاش الطفيف في المواليد العام الماضي، مما دفع الخبراء إلى التحذير من انخفاض أكثر حدة مستقبلا، ومن هذا المنطلق تحديدا انطلقت حملة الصين الداعمة للإنجاب ضمن برنامج الدعم الوطني لرعاية الأطفال المُعلن عنه لسنوات مضت؛ حيث جربت السلطات المحلية مجموعة من الحوافز بداية من الإعفاءات الضريبية، ومزايا السكن، مرورا بالمساعدات النقدية، إلى إجازات الأمومة الممتدة، والآن، تتولى الحكومة المركزية زمام المبادرة من خلال برنامج وطني موحد، يُخصص 90 مليار يوان (12.54 مليار دولار) كإعانات من المتوقع أن تستفيد منها 20 مليون أسرة هذا العام.
الظاهرة التي كانت قبل عقود أزمة تتطلب التطويق والتقييد هي اليوم مطلب وطني يستوجب التشجيع والتحفيز، وهو ما أكدته إيما زانغ، عالمة الديموغرافيا وأستاذة علم الاجتماع في جامعة ييل (وفقا ل CNN) «لم تعد مجرد تجربة محلية، بل إنها إشارة إلى أن الحكومة ترى أزمة معدل المواليد أزمةً ملحةً ووطنية» وأضافت: «الرسالة واضحة: نحن لا نطلب منكم إنجاب أطفال فحسب، بل نوفر أخيرًا بعض المال» ورغم الترحيب الذي صادفه البرنامج الجديد، الذي يقدم أيضًا إعانات جزئية للأطفال دون سن الثالثة المولودين قبل 2025، ترحيبًا من الآباء المؤهلين، لكن زانغ تؤكد إنه من غير المرجح أن يُحدث فرقًا في معدل الخصوبة، مؤكدة على سياسات مماثلة فشلت إلى حد كبير في زيادة معدلات المواليد في مجتمعات شرق آسيا الأخرى مثل اليابان وكوريا الجنوبية.
الشباب الصينيون (وخاصةً أولئك الذين شهدوا العقوبات القاسية لسياسة الطفل الواحد بأنفسهم) والذين يعانون من أسعار المساكن، وساعات العمل الطويلة، وسوق العمل غير المستقر لن يغير البرنامج بحوافزه شيئا من تفكيرهم تجاه ثقافة الإنجاب وتربية الأطفال، فضلا عن موضوعات أخرى تفضي للتشكيك في المستقبل كالأمن الوظيفي، وكبر سن الوالدين، والضغوطات الاجتماعية، ولا يخفى على جيل الشباب مفارقة التحول من تغريم الآباء على الولادات غير المصرح بها بالأمس إلى دعمهم لإنجاب المزيد من الأطفال اليوم، وقد عبر كثير منهم على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية عن ذلك ناشرين صورًا لإيصالات قديمة تُظهر الغرامات التي دفعها آباؤهم سابقًا مقابل إنجابهم أو إنجاب أشقائهم.
ختاما، لم تعد أزمة تقييد الإنجاب وعدم الإقبال على تأسيس أسرة أزمة الصين وحدها بعد عقود من الصرامة، بل أزمة كل المجتمعات مع تشابه الواقعين الاقتصادي والاجتماعي، ومع كل تحولات العصر لا بد من وقفة جادة على إحصائيات تفصيلية للأوضاع الاقتصادية مقابل الموارد الطبيعية ومتطلبات التنمية دون إغفال إحصائيات الأسر والمواليد، لأن التنمية ليست كلها للبنيان، كما أن الاقتصاد ليس ميزانية وأرقام وحسب، كل ذلك ينبغي أن يكون للإنسان منطلقا وغاية، لا بد من تنمية للإنسان متضمنة التأهيل الفكري والنفسي لتجاوز القسوة دون مراعاة تحديات الواقع، أو الترف دون إدراك صعوبات المستقبل .
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
تحديد أسعار مؤقتة للحوم وتعميمها على محلات الجزارة لضبط السوق
انضم إلى قناتنا على واتساب
شمسان بوست / خاص:
أعلنت المؤسسة العامة للمسالخ وأسواق اللحوم في مدينة تعز عن تحديد أسعار مؤقتة للحوم، وذلك بانتظار صدور التسعيرة الرسمية من مكتب الصناعة والتجارة بالمحافظة.
وقال مدير المؤسسة، الأستاذ حسين المقطري، إن الأسعار الجديدة جاءت كالتالي:
لحم الضأن (الرضيع): 16,000 ريال يمني.
لحم الغنم: 16,000 ريال يمني.
لحم العجل: 12,000 ريال يمني.
لحم البقر: 10,000 ريال يمني.
وأضاف المقطري أن هذه الأسعار تم تعميمها على جميع محلات الجزارة في المحافظة، مع التأكيد على ضرورة الالتزام بها لضمان استقرار السوق وحماية المستهلكين.