من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله فهل يعاقب النائم عنها؟
تاريخ النشر: 19th, April 2025 GMT
«من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله»، حديث شائع بين الناس، لكن ما صحته وهل يندرج تحته من ترك صلاة العصر لنومٍ أو عمل؟، وما معنى حديث: «مَنْ تَرَكَ صَلاةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ» وهل المقصود من ذلك إحباط أجر جميع الصلوات وسائر أعمال البر أو أجر صلاة العصر فقط؟
من ترك صلاة العصر فقد حبط عملهتقول دار الإفتاء المصرية، إنه قد نص العلماء على أنَّ حصول ما قد يبطل الطاعات بالمعاصي إنما يكون بحصول ما يفسدها في عينها من دخول أمرٍ مذمومٍ عليها؛ كالرياء وابتغاء السمعة، أو عدم الإخلاص فيها أو الفساد في النية، لا بحصول المعصية في طاعة أخرى مستقلة عنها، أو في جنسٍ آخر من الطاعات.
قال الإمام الآمِدِيُّ في "أبكار الأفكار" (4/ 385-386، ط. دار الكتب والوثائق القومية-القاهرة) في الردِّ على شبهة القائلين بكون المعصية محبطةً للأعمال مطلقًا: [إن التقابل بين الطاعة والمعصية: إنما يتصور في فعلٍ واحدٍ بالنسبة إلى جهةٍ واحدةٍ، بأن يكون مطيعًا بعينِ ما هو عاصٍ مِن جهة واحدة، وأما أن يكون مطيعًا في شيء، وعاصيًا بغيره، فلا امتناع فيه، كيف وأن هؤلاء وإن أوجبوا إحباط ثواب الطاعات بالكبيرة الواحدة، فإنهم لا يمنعون من الحكم على ما صدر من صاحب الكبيرة من أنواع العبادات... كالصلاة، والصوم، والحج، وغيره بالصحة، ووقوعها موقع الامتثال، والخروج عن عهدة أمر الشارع؛ مع حصول معصية في غيرها، بخلاف ما يقارن الشرك منها، وإجماع الأمة دلَّ على ذلك، وعلى هذا: فلا يمتنع اجتماع الطاعة والمعصية، وأن يكون مثابًا على هذه ومعاقبًا على هذه. فإنَّ التعظيم والإهانة إنما يمتنع اجتماعهما من شخصٍ واحدٍ لواحدٍ، إن اتحدت جهةُ التعظيم والإهانة، وإلا فبتقدير أن يكون مُعَظَّمًا من جهة، مهانًا مِن جهةٍ، مُعَظَّمًا مِن جهةِ طاعته، مهانًا مِن جهةِ معصيته؛ فلا مانع فيه] اهـ.
وقد تجلَّى ذلك الفهم واتضح لدى العلماء من خلال شرحهم لحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الوارد في الحثِّ على أن تُصلَّى صلاةُ العصر في وقتها والتحذير من أن تركها يحبط عملها، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ» أخرجه الإمام البخاري في "الصحيح".
والمراد من الحديث كما فهمه علماء الأمة: هو أنه قد خسر أجر هذه الصلاة بخصوصها والذي يحصل عليه مَن يصليها في وقتها، لا أجر غيرها من الصلوات ولا غيرها من الأعمال.
قال الإمام ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ في "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" (14/ 125، ط. أوقاف المغرب): [حبط عمله، أي: حبط عمله فيها فلم يحصل على أجر من صلاها في وقتها، يعني: أنه إذا عملها بعد خروج وقتها فَقَدَ أَجْرَ عملها في وقتها وفضله، والله أعلم، لا أنه حبط عمله جملة في سائر الصلوات وسائر أعمال البر، أعوذ بالله من مثل هذا التأويل فإنه مذهب الخوارج] اهـ.
وقال الإمام النَّوَوِيُّ في "شرحه على صحيح مسلم" (5/ 126، ط. دار إحياء التراث العربي): [الشرع ورد في العصر ولم تتحقق العلة في هذا الحكم فلا يلحق بها غيرها بالشك والتوهم] اهـ.
وقال الـمُلَّا عَلِيُّ الْقَارِيُّ في "مرقاة المفاتيح" (2/ 529، ط. دار الفكر): [قد حبط (عمله) أي: بطل كمال عمل يومه ذلك إذ لم يثب ثوابًا موفرًا بترك الصلاة الوسطى، فتعبيره بالحبوط وهو البطلان للتهديد قاله ابن الملك. يعني: ليس ذلك من إبطال ما سبق من عمله... بل يحمل الحبوط على نقصان عمله في يومه، لا سيما في الوقت الذي تقرر أن يرفع أعمال العباد إلى الله تعالى فيه] اهـ.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله صلاة العصر المزيد أن یکون م فی وقتها م ن جهة
إقرأ أيضاً:
القصيدة طريدة الشاعر
(1)
يطاردها كل حين، يبحث عنها في غابات الخيال، يسير وراءها إلى حافة الكون، تهرب منه كلما اقترب منها، كفراشة متمنعة، يحاول اللحاق بها، يخترق السراب، ويهيم في الغيم، وينثر حَب الريح في طريقها علّه يصطادها، وفي كل مرة تغيب عنه، فيحن إليها، ويتمنى عودتها.
(2)
هجرَته منذ زمن، ذابت في البعيد، فتّش عنها بين نجمتين، ذهب إلى أطلالها القديمة، أغراها بالحرير، وأرسل لها رسول الجنون، ورشها بعطر الحنين، وترامى لها كغصن راك، وعصر في كفيها ماء ورد العشق، وتوسّل إليها أن تعود..
لم يكن لكل ذلك أثر.. هجرته بعناد، دون أن تلتفت لمعاناته.
(3)
كم هي قاسية هذه المعشوقة، كم هي باذخة في الجمال، نافرة في الحسن، متمنعة، وخجولة، ومتمردة، ومتنمّرة، ومدللة، لا ترخي جدائلها إلا إن أرادت، ولا تستسلم إلا إن آمنت بشاعرها، ولا تأبه لأولئك الذين يحاولون اقتيادها دون إرادتها، فهي تعلم، وهم يعلمون أنها ستظل عصية على الخيال.
(4)
هربت منه في جبال الموت، وسارت بين جواري القصر، وتعلّقت في أهداب أنثى بعيدة، واستثارت كل مفاتنها، وغارت في كهوف العاشقين، تحمل وزرها بين يديها، وتشعل فتيل القريحة على هواها، وتعيد الشاعر الغائب إلى مكانه الأول.. هي تفعل كل شيء.. والشاعر يقف على تلة الانتظار، ينتظر عودتها من منفاها الأخير، بأمل العاشق، وقلب الملهوف.
(5)
ها هي.. تبدو من بعيد، تأتي على خيل الغيوم، بقوامها الممشوق، وجمالها الأخاذ، تطل من بين الكلمات، كلمة، كلمة، حتى يكتمل المعنى، ويغيب الشاعر في غيبوبة الكتابة، ينسى كل ما حوله، ومن حوله، يسيح في فضاء اللغة، ويعصر خمر العبارة في فم الخيال، ويذوب، يذوب رويدا رويدا، في عالم غير مرئي، ومختلف، يقتطف من جناته ما يشاء من الأزهار، حتى تتكون باقة القصيدة، ويكتمل المعنى، وتعود الروح للشاعر المجنون من جديد.
(6)
يعود الشاعر من عالمه المسكون بالكلمات، تعود إليه الحياة، تبدأ الروح تدب في أوصاله من جديد، تتحرك أوتار قلبه، ويعود من هذيانه، ورحلته الغرائبية، يعود وفي يديه صيده الثمين.. مخلوقة رائعة، تسمّى «قصيدة».
(7)
ليست قصيدة تلك التي تشبه غيرها.
مسعود الحمداني كاتب وشاعر عماني