كتّاب إماراتيون ومغاربة: الماء في الأدب رحلة رمزية بين الحياة والتحول
تاريخ النشر: 20th, April 2025 GMT
أكد كتّاب من الإمارات والمغرب أن حضور الماء في السرد الأدبي يمثل رمزاً للتحول والحياة والارتباط بالذاكرة الإنسانية، مشيرين إلى أن علاقة الأدباء بالماء تتجاوز الرمزية التقليدية لتعبر عن تجارب شخصية ومخيلة متجددة.
جاء ذلك خلال جلسة حوارية بعنوان "الماء في السرد الأدبي"، نظمتها هيئة الشارقة للكتاب، ضمن فعاليات الشارقة ضيف شرف الدورة الثلاثين لمعرض الرباط الدولي للنشر والكتاب، تحدث خلالها الكاتبة الإماراتية لولوة المنصوري، والكاتب المغربي محفوظ عبد اللطيف، وأدارتها الكاتبة شيخة المطيري.
وافتتح الكاتب محفوظ عبد اللطيف مداخلته بالتأكيد على أن صور الماء في الأدب تتعدد تبعاً للرؤى والأجناس الأدبية المختلفة، موضحاً أن الماء حين يظهر في شكل نهر أو جدول يرمز إلى الحيوية والاستمرار، بينما يرتبط البحر غالباً بموضوعات الهجرة والمجهول والصراع مع الحياة.
وأشار إلى تأثير كتاب "الماء والأحلام" لغاستون باشلار على قراءته الرمزية للماء، حيث اعتبر أن استعارة الماء تستدعي التحول الدائم وعدم الثبات، لافتاً إلى أن علاقة الإنسان بالبحر تتسم بنوع من الصراع النفسي المركب، يجمع بين السادية والمازوخية الرمزية.
وأوضح محفوظ عبد اللطيف أن النهر قد يظهر في السرد كرمز للفرح حين يكون مصدر حياة، أو كرمز للعدوان حين يفيض ويجتاح البيئات السكانية، مشيراً إلى أن رواية "الخبز الحافي" لمحمد شكري تقدم نماذج متعددة لعلاقة الإنسان بالبحر في مختلف مراحل حياته.
من جانبها، تناولت الكاتبة لولوة المنصوري حضور الماء في السرد الإماراتي، مؤكدة أن علاقتها بالماء بدأت منذ طفولتها في بيئة أودية الهجر وسهل جلفار، حيث شكّل الماء جزءاً أصيلاً من الذاكرة الجماعية للأسلاف.
وأشارت إلى أن الإنسان في الإمارات كان دائماً في سعي دائم وراء الماء، سواء عبر الغوص أو عبر حفر الأرض بحثاً عن موارد المياه، ما انعكس لاحقاً على الأدب الإماراتي عبر حضور الماء كرمز للأمومة والحنين والحياة.
وأشارت الكاتبة لولوة المنصوري إلى أن فكرة "الأنهار المنسية" شكّلت محوراً أساسياً في بناء روايتها "قوس الرمل"، حيث استلهمت هذه الصورة من قراءاتها في كتابات الرحالة مثل جون فيليبي، الذي كان يدوّن في تقاريره أسماء أنهار وأودية طواها النسيان أو غابت عن الذاكرة الجغرافية الحديثة.
وأوضحت أن هذه الأنهار، التي لم تعد معروفة أو تم تجاهلها عبر الزمن، أوحت لها بفكرة سردية تتخيل فيها عالماً صحراوياً مهدداً بطوفان خفي قادم، في إعادة صياغة رمزية للعلاقة بين الإنسان والمكان والماء، مؤكدة أن توثيق هذه الذاكرة الطبيعية هو جزء من مسؤولية الكاتب تجاه بيئته وهويته الثقافية.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
أدونيس وجائزة نوبل فى الأدب
حاضناً سنبلة الوقت ورأسى برج نار:
ما الدم الضارب فى الرمل، وما هذا الأفول؟
أدونيس
التقيت أدونيس مرتين؛ الأولى فى مونتريال حين كنت طالب دراسات عليا، والثانية فى الإمارات حيث كنت أدرس فى جامعة مرموقة. وفى المرتين بدا لى رجلاً مهيباً، واسع الثقافة، جريئاً فى آرائه، لا يخشى الاصطدام بالتيار، ولا يهادن فى الفكر أو الدين أو السياسة. لكنه، حين يقرأ شعره، يتحول إلى لغز شعرى مغلق؛ كأن كلماته تتصاعد من برج لغوى شاهق لا تصل أصداؤه إلا إلى القلة المتمرسة فى التأويل. أدونيس المفكر قريب من الناس بوضوح منطقه ونصاعة لغته، أما أدونيس الشاعر فيبدو متعالياً، غارقاً فى الرموز والأساطير والاشتقاقات الفكرية التى تربك المتلقى وتقصيه.
كل خريف يتكرر المشهد نفسه: العرب ينتظرون جائزة نوبل للأدب، ويعلو اسم أدونيس ثم يخفت، كأن القدر يأبى أن يمنحه التتويج الذى يليق به. وأكثر من ثلاثة عقود واسمه فى القوائم، كأنه مكتوب بحبر سرى فى أرشيف الأكاديمية السويدية: يقرأ ولا يعلن. والسؤال يتجدد: لماذا لا يفوز أدونيس؟
قد يقول البعض إن أدونيس تجاوز الجائزة، أو أن نوبل ليست مقياس العبقرية. لكن وراء تجاهله أسباب تتجاوز الذوق الأدبى وحده. فقصيدته، رغم عمقها الجمالى واتساع أفقها الفلسفى، تفتقر إلى الجسر الإنسانى الذى يربط الفن بالوجدان العام. هل كان من الممكن أن نسمع أشعار أدونيس تدوى فى مظاهرات الربيع العربى كما كانت أشعار الشابى ونجم والأبنودى؟
يكتب أدونيس من علٍ، من فضاء ذهنى مغلق يتطلب أدوات نقدية لفك شيفراته. إنه شاعر النخبة بامتياز، يستدعى الأساطير والرموز والمرجعيات الغربية والصوفية فى بناء لغوى معقد يبهر العقل لكنه يرهق القلب.
المفارقة أن أدونيس فى أحاديثه ومحاضراته أكثر وضوحاً وبساطة. فى اللقاءات العامة يبدو متحدثاً فذاً، صادق الحضور، قادراً على تقريب المعنى من الناس، فيما شعره يبنى بينه وبينهم جداراً من البلور السميك: يرى ولا يمس.
فى المقابل، فاز هذا العام الروائى المجرى لازلو كرازناهوركاى “عن أعماله الرؤيوية التى تؤكد فى خضم الرعب المروع قوة الفن”. يكتب كرازناهوركاى عن الإنسان الضعيف أمام عبث الوجود، عن البحث عن المعنى فى الظلام. أدبه قاتم لكنه دافئ، معقد لكنه مشبع بالعاطفة. إنه الكاتب الذى يعانق القارئ فى خوفه، بينما أدونيس كثيراً ما يبدو كمن يوبخ القارئ على ضعفه.
ربما هنا تكمن المعضلة: أدونيس أراد أن يخلص الشعر من عاطفته ليجعله فلسفة، فخسر التواصل مع جمهوره. حمل مشروع الحداثة إلى أقصى حدوده، لكنه لم ينزلها إلى الناس. ظل حداثياً أكثر مما ينبغى، وفيلسوفاً أكثر مما يحتمل الشعر. وهكذا سيبقى اسمه يتردد كل خريف، بين الأمل والخذلان، كشاعر عظيم لم يمنحه العالم جائزة، لأنه كتب للعقل ونسى أن القلب هو من يصوت أخيراً.