صدمات الطفولة.. كيف تترك بصمتها في العقل والجسم؟
تاريخ النشر: 23rd, April 2025 GMT
لا تمر مشاعر القلق أو الصدمات التي يختبرها الطفل مرورًا عابرًا، بل يستمر تأثيرها العقلي والنفسي والبدني حتى مراحل متقدمة من العمر، حيث قد تظهر اضطرابات في المزاج، والاكتئاب، وقد تصل إلى الإصابة بألزهايمر. لكن الأسوأ من ذلك هو أن هذه النتائج تتفاقم إذا لم يتم تلقي العلاج المناسب.
صدمات منذ اليوم الأول في الحياةيمكن للطفل حديث الولادة أن يختبر في يومه الأول بعد الميلاد ما يكفي من التوتر والأحداث المجهدة التي قد تصل إلى مرحلة الصدمة أو ما يُعرف بـ"التروما"، والتي تهدد الأطفال من عمر يوم واحد وحتى 18 عامًا.
وهو ما يظهر في صورة علامات واضحة وعديدة على الطفل، تؤكد إصابته بالصدمة أبرزها:
إعلان شعور الأطفال في سنة ما قبل المدرسة بالخوف من الانفصال والكوابيس والبكاء أو الصراخ كثيرا مع ضعف الشهية. إصابة الأطفال في عمر المرحلة الابتدائية بالقلق، والشعور بالذنب والخجل وعدم التركيز، مع صعوبة النوم والانسحاب من المجتمع وعدم الاهتمام، مع عدوانية واضحة. إصابة الأطفال في عمر المدارس المتوسطة والثانوية بالاكتئاب وإيذاء النفس وتعاطي المخدرات وأيضا الانسحاب أو عدم الاهتمام أو اتباع السلوك المحفوف بالمخاطر والعدوان.في عام 2012، حاول مجموعة من الباحثين في البرازيل دراسة "تأثير ضغوط الطفولة على الأمراض النفسية" بصورة أعمق، تحديدا عبر التصوير بالرنين المغناطيسي، وقد أظهرت تقنيات التصوير العصبي العديد من التغيرات العصبية الهيكلية مثل:
انكماش الحصين وهو الجزء المسؤول عن الذاكرة في الدماغ، وأيضا انكماش الجسم الثفني وهي عبارة عن حزمة من الألياف العصبية تعمل على ربط نصفي الدماغ أحدهما مع الآخر وتبادل المعلومات. زيادة خطر الإصابة باضطرابات المزاج. زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب. زيادة خطر الإصابة بالاضطراب ثنائي القطب. إمكانية الإصابة بالفصام. زيادة احتمالات إدمان المخدرات.وفي مقال علمي نشر بمجلة "السلوك البشري في البيئة الاجتماعية" عام 2018 أشارت الباحثة هيثر دي إلى العواقب السلبية طويلة المدى للصدمات المعقدة، تقول دي "تتسبب مثل تلك الصدمات في تغيرات عصبية حيوية تؤثر على نمو الإنسان وتسبب تغيرات كبيرة في وظائف المخ وهياكله المسؤولة عن الأداء الإدراكي والجسدي، فضلا عن أعراض جسدية وعقلية وعاطفية يمكن أن تستمر حتى مرحلة البلوغ".
مزيد من التأثيرات البدنية والنفسية والعقلية تظهر على الأطفال بوضوح عقب التعرض للصدمات أبرزها:
إعلان الشعور بالإجهاد البدني وأعراض جسدية مثل الصداع وآلام المعدة غير المبررة. تأثر القدرات المعرفية والعمليات العاطفية العقلية فتصبح أمور مثل حل المشكلات والتخطيط وتعلم معلومات جديدة، والتفكير وفق منطق فعال أمرا صعبا وغير ممكن. تدني احترام الذات والشعور بعدم القيمة والعار، والذنب واللوم المتواصل للذات والشعور بالعجز. صعوبة في إدارة العواطف التي تصبح مع الوقت عامرة بالخوف والقلق. تأثر قدرات الطفل على تكوين علاقات اجتماعية مع الأصدقاء أو مقدمي الرعاية أو المحيطين به بشكل طبيعي.الأطفال أكثر عرضة للتأثر بالأحداث المجهدة في حياتهم بسبب ضعف قدرتهم على التعامل مع التوتر. وقد ربط باحثون من معهد برشلونة للصحة العالمية -بالتعاون مع عدة مراكز أخرى- بين ضغوط منتصف العمر وصدمات الطفولة، وزيادة خطر الإصابة بمرض ألزهايمر نتيجة لارتفاع مستويات بروتين بيتا أميلويد، الذي يعد بروتينًا أساسيًا في تطور مرض ألزهايمر، بالإضافة إلى زيادة احتمالات الإصابة بالتهاب الأعصاب.
ويقول الباحث إيدر إرينازا أوركيو، أحد المشاركين في الدراسة، إن الاستجابة للتوتر تختلف بين الأفراد؛ ففي حين يتراكم بروتين الأميلويد لدى الرجال، تصاب النساء بضمور الدماغ. ويزداد الأثر بشكل أكبر لدى الأشخاص الذين لديهم تاريخ من الأمراض النفسية، حيث يتأثرون لاحقًا بانخفاض حجم المادة الرمادية في أدمغتهم مع تقدمهم في العمر.
هكذا تُجنب طفلك المعاناة مبكرا"لا يمكن تجنيب الأطفال الصدمات أو المعاناة، فهي خارج دائرة التحكم، كالمرض أو التعرض لمشاهد سيئة، أو الحوادث وغيرها". تحسم الأخصائية النفسية دعاء السماني الأمر مؤكدة للجزيرة نت "سوف يعاني الطفل ويتعرض للصدمات على طول الطريق، ولذلك جانب إيجابي فهي تساهم في تهذيب النفس، وتساعد الطفل على النمو وتكوين أساليب ومهارات أفضل للتكيف، لكن هذا مرهون بالطريقة التي يتم التعامل بها مع الطفل عقب الصدمات".
إعلانوتنصح السماني بإسعافات نفسية أولية إن تعرض الطفل لصدمة أو إجهاد نفسي شديد، تقول "في البداية ندع الطفل يتحدث بحرية عما حدث بطريقته، دون أسئلة تشعره بالتقصير أو أنه مسؤول عما جرى، أو أنه كان يمكن أن يتصرف بطريقة أفضل، التعافي من الصدمات يستغرق وقتا، يختلف من طفل لآخر بحسب شخصيته وطبيعة الصدمة التي تعرض لها، المهم ملاحظة سلوكه، والطريقة التي يتعامل بها مع من حوله، مادامت طبيعية فهو في طريقه للتحسن، أما إذا تأثرت حياته أو بدا عليه تغييرات فيجب اللجوء لمختص نفسي".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات زیادة خطر الإصابة الأطفال فی
إقرأ أيضاً:
«العقل الثاني» لميسي يودّع الملاعب!
معتز الشامي (أبوظبي)
في أغسطس 2012، وعلى أرض ملعب السادار أمام أوساسونا، كانت الشرارة الأولى لعلاقة كروية استثنائية، تلقّى دافيد فيا الكرة، مرّرها إلى جوردي ألبا المتقدم على الجناح، رفع الأخير رأسه ورأى ليونيل ميسي يهرب من رقابة ديفيد تيمور، وأرسل له تمريرة حاسمة، والنتيجة يعرفها الجميع.
إنها أول تمريرة حاسمة من ألبا لميسي، وبداية شراكة استمرت لأكثر من عقد، أصبحت خلالها «وصلة تَخاطر كروي» لا مثيل لها في كرة القدم الحديثة.
ومع إعلان ألبا اعتزاله بنهاية الموسم الحالي من الدوري الأميركي، يُطوى فصل ذهبي من مسيرة ميسي، ولعب الاثنان معاً 413 مباراة في برشلونة وإنتر ميامي، صنع خلالها ألبا لميسي 33 هدفاً، بينما ردّ له النجم الأرجنتيني الجميل بـ15 تمريرة حاسمة، لكن هذه الأرقام، كما يقول ألبا نفسه، «لا تعبّر عن الروح بيننا، كنا نفهم بعضنا بنظرة واحدة»
ميسي ودّع صديقه بكلمات مؤثرة عبر إنستجرام قائلاً: «سأفتقدك كثيراً، سيبدو غريباً أن أنظر إلى يساري ولا أراك هناك، من سيعيد لي الكرات الآن؟»
ولم تكن الانطلاقة مثالية دائماً، وبين 2012 و2016 أعاقتهما الإصابات المتكررة، وغابت شراكتهما لفترات طويلة، ومع صعود نيمار من الجهة اليسرى، تغيّر توزيع الأدوار الهجومية.
لكن الموسم 2016-2017 حمل لحظتهما الخالدة، تمريرة ألبا في الدقيقة الأخيرة لميسي في الكلاسيكو أمام ريال مدريد ليحسم الفوز 3-2 في البرنابيو ويُشعل سباق اللقب.
ومع تولّي إرنستو فالفيردي قيادة برشلونة عام 2017، أعيد تفعيل تلك المعادلة السحرية، حيث جعل فالفيردي ميسي أكثر حرية في العمق، فيما منح ألبا حرية التقدم من الجهة اليسرى، لتصبح تمريراته العرضية السريعة لميسي واحدة من «أسلحة البارسا الفتّاكة».
شهدت تلك الفترة ذروة التفاهم بينهما، خصوصاً في لقاء سيلتا فيجو بكأس الملك 2018، حين تبادلا الأدوار بثلاث تمريرات وهدفين في 15 دقيقة أظهرت انسجاماً «تخاطرياً» أقرب إلى الفن من التكتيك.
وفي موسم 2018، ضد توتنهام في ويمبلي، كرّر الثنائي المشهد ذاته، عبر انطلاقة لألبا، تمريرة خادعة من ميسي، وسيناريو متقن أنهى اللقاء بهدف يُدرّس في مدارس كرة القدم.
وحين اجتمع الثنائي مجدداً في إنتر ميامي إلى جانب بوسكيتس، استعاد الجمهور ذكريات برشلونة، ألبا صنع لميسي 10 أهداف في جميع المسابقات الأميركية، بينما ردّ ميسي بخمس تمريرات مؤثرة لزميله الإسباني، من أبرزها تمريرته الساحرة ضد نيويورك ريد بولز في يوليو 2024.
ومثلما كان الحال في كتالونيا، استفاد آخرون أيضاً، وتمريرة ميسي إلى ألبا صارت مقدمة لهدف سجله لويس سواريز ضد سانت لويس في يونيو.
ورغم تقدّمه في السن، تكيّف ألبا مع متطلبات اللعب الحديثة، فصار يصنع الفرص لميسي من مراكز أكثر تنوّعاً، حتى من العمق أحياناً، كما أظهرت خرائط التمرير في الدوري الأميركي.
ولا يعني اعتزال جوردي ألبا رحيل ظهير أيسر بارع فقط، بل انطفاء أحد أفضل خطوط الإمداد في تاريخ كرة القدم، وكان ألبا «المفتاح» الذي يفتح لميسي كل الأبواب المغلقة، والرفيق الذي يفهم الإشارة قبل أن تأتي الكلمة.