روعة الحكي، وجمال السرد، ودقّة الملاحظة، لا تجدها مكتملة إلا في كتابات ومجالسة أستاذ الأجيال، الراحل المقيم، عيسى الحلو.
ذكريات الصالونات الأدبية، والمنتديات الثقافية، والحوارات الماتعة مع الكبار: الطيب صالح، عبد الله الطيب، الشوش، والفيتوري… تزداد نكهة وعمقًا حين تمر عبر ذاكرة “ود الحلو”.
في عام ٢٠٢١، قصدناه في منزله بحي الجامعة بأم درمان، بعد إفطار رمضاني بدار جاره النبيل، الصحفي البارز إسماعيل آدم، صديق الجميع وأخو الإخوان.
كُنا مجموعة صحفية تمثل مزيجًا من أجيال الثمانينات والألفية الثالثة، نستظل بفيء تجربة تمتد من ستينيات الوعي حتى اللحظة الراهنة.
⸻
بري المحس.. وحرائق السياسة
الذاكرة لا تزال تفوح بعطرها الفوّاح: إسماعيل آدم، جمال عبد القادر، إسماعيل محمد علي، وعيدروس.
تتدفق صور منزل “بُرِّي المحس”، حيث نهارات الخرطوم يسرقها لصوص النهار، فلا يتركون إلا “الشُرّابات” والحسرة…!
وفي خلفية المشهد، تنتفض البلاد، تتشكّل حكومة الصادق المهدي وتتفكك، تتوافق وتتناقض، بينما الأحداث تتسارع، والأخبار من كل صوب.
والمسك الطيب، الراحل هاشم كرار، كان آنذاك يشعل نار أسئلته تحت مقعد الصادق في آخر حوار قبل تحرّك مدرّعات الترابي، ورفع صيوان زفاف آل الكوباني!
حينها قال الصادق المهدي كمن يُسلّم أمره للقدر:
“إذا سقطت حكومتي، فلن أشيع باللعنات!”
⸻
مواتر سوداء.. وأخبار لا تموت
الرباعي الصحفي يطارد الأخبار على متن مواتر السوزوكي السوداء، ما بين مجلس الوزراء، الجمعية التأسيسية، دُور الأحزاب، ومنازل القيادات.
لم تكن الأخبار سلعة سريعة التلف كما الآن، بل كانت تعيش أيّامًا، وتُقطع بها المسافات إلى مكتبات المناقل، ود مدني، الأبيض، دنقلا، بورتسودان، والجنينة.
أما اليوم، فالأخبار تتبخّر مع هفيف الثواني، والصحفيون يركنون إلى الراحة، يتداولون الأخبار الخاصة بينهم بزهد عجيب في التميّز.
⸻
مائدة إسماعيل.. وزيارة الوداع
في منزل إسماعيل، كانت السهرة عذبة: نقاشات جادة في السياسة والمجتمع، ونُكت طريفة، وذكريات نديّة.
مائدة عامرة بمطايب دارفور ومنتجات البندر الخرطومي، تحت سماء فيها شجر وماء ونجوم تتلألأ.
وكان مسك الختام: زيارة أستاذنا الراحل عيسى الحلو، الذي غاب عن سنتر الخرطوم منذ إغلاق العزيزة“الرأي العام”.
⸻
كاتب القصة.. ومربي الذائقة
في شرخ الشباب، كنا نتابع كتاباته بشغف: في القصة القصيرة، الرواية، والنقد، عبر “الثقافة السودانية”، “الخرطوم”، والملاحق الأدبية.
من ريش الببغاء، إلى عجوزان فوق الشجرة، ووردة حمراء من أجل مريم، وحمى الفوضى والتماسك… كانت نصوصه نوافذ على عوالم ساحرة لا تُنسى.
وجدناه على سرير الحوش، يستعد للنوم، تحيط به رعاية الأميرة “نون”، هبة الله ومكرمته، المتفانية الحنونة.
وصديقنا البدوي يوسف، بذاكرته الحديدية، يلتقط كل جملة من عيسى كما تُلتقط الدرر.
أما محمد عبد القادر، فقد قاد الحديث ببراعة، يتنقّل بنا من حقل إلى بُستان، ومن ذاكرة إلى أخرى.
⸻
ختام بلقاء لا يُنسى
خرجنا من منزل الأستاذ عيسى الحلو، نحمل في صدورنا محبةً لا توصف، ووعدًا بلقاءات قادمة.
خرجنا نحمل روايته الأخيرة “نسيان ما لم يحدث”، بتوقيع أنيق، وحبر على الأصابع، وقُبلة على جبينه لا تغيب.
⸻
سلامٌ على ود الحلو…
رحم الله أستاذنا الأديب الكبير عيسى الحلو، الذي كتب بالحبر والروح، ومشى بين الناس بسكينة الحكماء ونُبل الكبار.
غاب الجسد، لكن الحضور يزداد رسوخًا كلما عدنا إلى كتبه، أو تذكرنا ابتسامته، أو أعدنا قراءة سطر من سطوره التي تُضيء العتمة وتزين المستقبل.
سلامٌ عليك في الخالدين، أيها الحكّاء البديع…
ولك منّا الدعاء، ومن الذكرى ما يُزهر كلما ذبل الكلام.
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
آخر تطورات الحالة الصحية للفنان حمدي إسماعيل بعد نقله للمستشفى
تصدر الفنان حمدي إسماعيل المشهد خلال الأيام القليلة الماضية، عقب تعرضه لوعكة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى بمستشفى القوات المسلحة بالمعادي قبل أن تتحسن حالته حسبما أعلن الفريق الطبي الطبيب المعالج له.
تحسن حالة الفنان حمد إسماعيلوأكد الفريق الطبي المعالج للفنان حمدي إسماعيل، أن حالته تحسنت بشكل ملحوظ، حيث تم نقله اليوم من العناية المركزة إلى غرفة إقامة بالمستشفى، مع استمرار قرار منع الزيارة لمدة ثلاثة أيام مقبلة لضمان استكمال التعافي.
وأشار الأطباء إلى أن حمدي إسماعيل كان قد خضع لعملية قسطرة مخية عاجلة لوقف نزيف في المخ والسيطرة على تمدد خطير فى الأوعية الدموية، وهو ما يهدد بحدوث انفجار دماغي مفاجئ.
كما لفت الفريق الطبي، أن حالته مستقرة، ووعيه كامل، ويتجاوب بشكل جيد مع العلاج، لكن المرحلة الحالية تتطلب هدوءًا تامًا ومتابعة دقيقة على مدار الساعة.
أبرز أعمال حمدي إسماعيلوقدم الفنان حمدي إسماعيل العديد من الأعمال الدرامية المميزة مثل «ليالي الحلمية، السقوط في بئر سبع، البرنس، العراف، مأمون وشركاه».
اقرأ أيضاًممنوع عنه الزيارة 5 أيام.. آخر تطورات الحالة الصحية للفنان حمدي إسماعيل
الأطباء يطمئنون محبيه.. آخر تطورات الحالة الصحية للفنان حمدي إسماعيل
أصيب بنزيف بالمخ.. نقل الفنان حمدي إسماعيل إلى مستشفى بالمعادي