التوزيع الوظيفي.. بين الواقع والاعتبارات الإنسانية
تاريخ النشر: 24th, April 2025 GMT
عباس المسكري
مهنة التعليم والتمريض ليست مجرد وظائف، بل هي رسائل حياة تُكتب بأيدي أولئك الذين يكرسون أرواحهم لخدمة الآخرين، إنهم المعلمون والممرضون الذين يقفون في الصفوف الأمامية، ليزرعوا الأمل في عيون الأجيال ويهدوا العناية لمن هم في أمس الحاجة إليها.
وهذه المهن تتجاوز كونها وظائف يومية، فهي لبنة أساسية في بناء المجتمعات؛ فالعقول تُصاغ والكفاءات تُبنى على أيدي هؤلاء الأبطال الذين يضعون علمهم وحبهم في خدمة الإنسان، ومع ذلك، لا بد من أن يُحاط هؤلاء الكوادر بالعناية والدعم، بدءًا من لحظة تعيينهم، ليحظوا بالاستقرار النفسي والإجتماعي الذي يعزز قدرتهم على العطاء المتواصل، فتُثمر جهودهم وتظل بصماتهم حاضرة في كل زاوية من زوايا المجتمع.
في قلب كل قرار إداري، هناك إنسانٌ يعيش تحديات قد تكون أكبر من مجرد إنتقال جغرافي، في واقع الحال، يُعيّن العديد من المعلمين والممرضين في أماكن نائية، على بُعد مئات الكيلومترات عن موطنهم، رغم وجود شواغر في مناطقهم أو تلك القريبة منها، فليس مجرد تحديد مكان العمل هو ما يحكم حياة هؤلاء، بل التحديات النفسية والإجتماعية التي يتعرضون لها، فالموظف الذي يُجبر على ترك أسرته، خصوصًا في حالات العناية بالوالدين المسنين أو تربية الأطفال الصغار، يصبح في صراع مستمر بين إلتزامه الوظيفي ومسؤولياته الأسرية، وفي هذا التباعد بين الواجبين، يتشكل عبء لا يمكن تحمله بسهولة، إذ يمتد الشعور بالوحدة والقلق ليُحاصر الموظف، مما ينعكس سلبًا على أدائه وجودة العطاء الذي يقدم.
وتظل الغُربة القسرية عن الأهل، ذلك الشعور الذي يثقل قلب الموظف، ويجعل روحه تتيه بين أبعاد العمل وحنين الوطن، وما أن تبتعد المسافة بينه وبين من يحب، حتى يصبح القلق رفيقًا دائمًا، يعبث بصفو عقله ويشوش على نقاء قلبه، وهذا التشتت النفسي لا يمر دون أثر، فهو يخلق فراغًا في داخله، يتراءى له كظلال داكنة تحجب ضوء شغفه، فتتضاءل همته، وتتراجع رغبة العطاء، ومن هنا، قد يكون لهذا العبء الثقيل أن يفتك بجودة العمل، بل يصل ببعضهم إلى حدود فقدان الأمل والإنسحاب من الميدان، رغم أن فؤادهم مليء بعشق المهنة ورغبة صادقة في تقديم كل ما هو نافع ومؤثر.
تبدو هذه القضية، للوهلة الأولى، مسألة إدارية بحتة، لكنها في حقيقتها تتجاوز الأرقام والجداول إلى أعماق إنسانية وإجتماعية لا يمكن إغفالها، فالموظف ليس مجرد إسم في كشف توزيع، بل هو إنسان يحمل بين جنباته آمالًا وأحلامًا، ويدير حياة مليئة بالتحديات والتضحيات، إنه لا يعيش في معزل عن محيطه، بل ينتمي إلى أسرة وأرض وأحبة، يواجه مسؤولياتهم وتطلعاتهم، وإن هذه الأبعاد الإنسانية يجب أن تكون جزءًا لا يتجزأ من قرارات صُنّاع القرار، إذ لا يمكننا النظر إلى الموظف كقطعة من آلة العمل، بل يجب أن نراه كعنصر حي ينبض بالحب والواجب، ويستحق كل الإهتمام والرعاية التي تضمن له التوازن بين واجبه المهني وأسرته.
ومن هنا، نتوجه بقلوب مملوءة بالثقة والتقدير إلى أصحاب القرار، نناشدهم برحابة صدرهم وسمو نظرتهم أن يُدرجوا البُعد الإنساني ضمن إعتبارات التوزيع الوظيفي، فالموظف ليس آلة إنتاج، بل روح تُثمر حين تزرع في بيئة قريبة من أهلها، آمنة في حضن أسرتها، وإن تمركز الموظف في محيطه الجغرافي لا يُسهم فقط في إستقراره النفسي والإجتماعي، بل يُعزز إحساسه بالإنتماء، ويضاعف من جودة عطائه، ويقوي أواصر العلاقة بينه وبين المجتمع الذي يخدمه.
إن مراعاة الظروف الإنسانية في التوزيع الوظيفي للمعلمين والممرضين ليس مطلبًا إداريًا فحسب، بل استثمار في مستقبل المجتمع ، فاستقرارهم النفسي والاجتماعي يُترجم إلى عقول مُبدعة وأيادٍ حانية تُشكل أجيالًا وتُعافي أرواحًا، لذا ندعو إلى سياسات تُحقق هذا التوازن، ليظل هؤلاء الأبطال شعلة تنير دروب التقدم الوطني.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
جمعية رعاية الأيتام بالمعنى تسلّم شهادات اجتياز دورة الإسعافات الأولية
سلّمت جمعية رعاية الأيتام بالمعنى والأعمال الخيرية، شهادات اجتياز دورة الإسعافات الأولية في دورتها الثانية عشرة، بحضور الإعلامي أحمد بكري رئيس مجلس إدارة الجمعية، وبإشراف هالة الحساني المشرفة العامة والمسؤولة عن تدريب الدورة.
وأكد أحمد بكري رئيس مجلس إدارة جمعية رعاية الأيتام والأعمال الخيرية بالمعنا بمحافظة قنا، أن المبادرة تُعد مبادرة مميزة وناجحة لتدريب الفتيات والشباب الذي تجاوز عددهم إلى 300 متدرب ومتدربة لمدة عام ونصف، مشيراً إلى أن الدورة تشهد تطوراً ملحوظاً وإقبالاً متزايداً، حيث تعتمد فعاليات الدورة على التدريب العملي واستخدام الأجهزة الطبية مثل قياس الضغط والسكر وعلاج الحروق، وتزوّد الدورة التدريبة الأفراد بمهارات أساسية لإنقاذ الأرواح، ومنع تفاقم الإصابات، والتصرف بثقة في حالات الطوارئ، مع تخفيف الألم وتعزيز السلامة في العمل والمجتمع ورفع الوعي الصحي، كما تمثل إضافة قيمة للسيرة الذاتية، حيث تمكّن المتدرب من تقييم الحالة وتأمين السلامة والتعامل مع الجروح والنزيف والحروق والاختناق وفقدان الوعي وتثبيت الكسور والتعرّف على الأزمات الصحية الحادة
ووجه رئيس مجلس الإدارة التحية للمتدربات اللاتي أبدين اجتهاداً وإصراراً وعزيمة، مؤكداً أن لهن دوراً مهماً في خدمة المجتمع، وأن الدورة تفتح آفاقاً لفرص العمل والمساهمة في إنقاذ المرضى، داعياً الجميع للالتحاق بها برسوم رمزية في إطار العمل الخيري.
من جانبها، أعربت هالة الحساني عن سعادتها بنجاح المبادرة التي أطلقتها مع الدكتورة شادية بكري تحت شعار «انفع نفسك وغيرك»، مؤكدة أن الهدف إنساني وأخلاقي يقوم على الصدق في النية والمعلومة الصحيحة وابتغاء مرضاة الله، مشيرة إلى مشاركة متدربات من تخصصات مختلفة مثل الحقوق والتمريض والهندسة.
وفي ختام الفعالية، عبّرت المتدربات عن حجم الاستفادة التي حققنها من الدورة وإدراكهن لمسؤولية العمل الإنساني، خاصة في التعامل مع الجروح والإصابات، موجّهات الشكر لإدارة الجمعية ولمشرفة الدورة، مؤكدات أن التدريب شكّل لهن بداية جديدة في خدمة المجتمع.