عبدالحافظ معجب

هناك حيث الغرف المعتمة في الجناح الغربي للبيت الأبيض مقر تمركز الشر داخل أروقة المكتب البيضاوي تُحاكُ مؤامرات الشيطان بعيداً عن ضجيجِ الكاميرات، وهناك تحديداً تَنسجُ واشنطنُ حروبَها التركيبيّة بخيطانٍ مِن وَهْمٍ.. كأنّها مُخرجةٌ تُعيدُ تصويرَ فيلمِها الفاشلِ بسيناريو أكثرَ تعقيداً.

اليمنُ هنا ليس مجرّدَ موقعٍ جغرافيٍّ، بل “جريمةٌ مثاليّة” تُحاولُ أمريكا حلَّها بمنطقِ أفلامِها البوليسيّة: (حربٌ مُركَّبةٌ) تختلطُ فيها القنابلُ بالفتنِ والتضليل الإعلامي والصواريخُ بالأكاذيبِ، لكنّها تنسى أنّ أبطالَ هذه الروايةِ لا يقرأونَ من نصوصِهم، بل يكتبونَ فصولَ المقاومةِ والثبات والصمود بدماءٍ لا تنضبُ.

أولى المشاهدِ كانتْ (الغاراتُ الجويّة).. رُكامٌ مِن صمتٍ! كأنّ الطائراتَ الأمريكيّةَ تُلقِي وَحياً على صحراءٍ لا تسمعُ إلاّ همسَ التاريخ: “أهلا بكم في مقبرة الغزاة حيث دُفِنَتْ أحلامُ الإمبراطوريّات”. لم تكن السماءُ اليمنيّةُ سوى مرآةٍ عكستْ عجزَ ترامبَ عن فهمِ معادلةٍ بسيطةٍ: اليمني الذي يُولَدُ من رحمِ المُعاناةِ جيلاً بعد جيل لا يمكن أن تروضُهُ القُدُراتُ النوويّة، فتحوّلَ الفشلُ العسكريُّ إلى “كوميديا سوداء” تُعرِي أسطورةَ القوةِ الأمريكيّةِ، بينما تُواصلُ غزّةُ – في الخلفيّة – تلقي ضوءَ القمرِ مِن عيونِ اليمنيّين.

الآن، وبعدَ أن صارتْ (حاملاتُ الطائراتِ) في البحر الأحمرِ أشبهَ بسفن أشباح، تُلقي بظلالِ الهزيمةِ على مياهِ الخليج، تنتقلُ أمريكا إلى الفصلِ الثاني مِن دراما الحربِ المُركَّبة: (مُختبرُ الفوضى)، إنّه السيناريو الأكثرُ خبثاً تفجيرُ الأزماتِ الداخليّةِ، وزرعُ الشكِّ في أوساط المجتمع وتصويرُ الوحدةِ الوطنيّةِ كـ”جريمةٍ مُغلَّفةٍ بالورقِ الوطني”. لكنّهم ينسونَ أنّ اليمنَ – كشخصيّةٍ رئيسةٍ في روايةِ تشيخوف – لا تُطلقُ رصاصةَ الضعفِ إلاّ إذا كانَتْ مُوجَّهةً إلى قلبِ العدوِّ.

ما يُشبهُ (العدوى) في الرواياتِ البوليسيّة، تُحاولُ أمريكا حقنَ المجتمعِ اليمنيِّ بفيروسِ الفتنة المُعلَّبة، لكنّ الدمَّ اليمنيَّ يَمتلكُ مضاداتٍ حيويّةً مِن نوعٍ خاصّ، إنه الوعيُ الأمنيُّ الذي يقرأُ المؤامرةَ قبلَ اكتمالِ حروفِها، والإنتماء الوطني الذي يتحوّلُ إلى سِترٍ مِن نارٍ ضدَّ مُخطَّطاتِ “التفكيك”، هنا تُصبحُ كلُّ ندبةٍ في جسدِ الوطنِ شاهداً على إخفاقِ الحربِ النفسيّةِ، وكلُّ طلقةٍ صاروخيّةٍ مِن صنعاءَ نحو القطع الأمريكية في البحر الأحمرِ رسالةً مُشفَّرةً، “لا تُوجد حربٌ مُركَّبةٌ تُهزِمُ شعباً مُركَّباً مِن بارود الإرادة”.

في المشهدِ الأخيرِ، حيثُ تتدخّلُ الماكنةُ الإعلاميّةُ الأمريكيّةُ بأبواق ودمى سعودية – إماراتية – قطرية – تركية لِصناعةِ وَهْمِ النصرِ، يعودُ اليمنيُّونَ إلى أسلوبِهم القديمِ في فضحِ الأكاذيب (مدري) هي الصمتُ الذي يُشبهُ تلكَ اللحظةَ في الأفلامِ البوليسيّةِ حيثُ يكتشفُ المحقّقُ أنَّ الجاني الحقيقيَّ هو مَنْ ظنَّ نفسَهُ خارجَ الشبهاتِ.

صمتٌ يختزلُ كلَّ خططِ الحربِ المُركَّبةِ في سؤالٍ وجوديٍّ: كيفَ لِحربٍ أنْ تنتصرَ على أرضٍ تتنفّسُ أسماءَ أبنائِها قبلَ أكسجينِ السماءِ؟

اليمنُ لا يحتاجُ إلى (بطولات خارقة) لإنقاذِهِ.. هو يُدركُ أنَّ انتصار الحربَ التركيبيّةَ، مجرّدُ وهمٍ مِن مخيّلةِ مَنْ اعتادُوا كتابةَ النهاياتِ السعيدةِ لجرائمِهم، أمّا في البلاد السعيدة، فالنهايةُ الوحيدةُ المُمكنةُ هي سقوطُ الأقنعةِ، وتكسيرُ أقلامِ مَنْ ظنّوا أنَّهم يَملِكونَ حبرَ التاريخِ. اليمنُ – ببساطةٍ – يُعيدُ تعريفَ الحربِ: ليستْ معركةَ أسلحةٍ، بل اختبارُ إرادةٍ.. وإرادةُ هذا الشعبِ تُشبهُ جملةً مُقتضبةً في روايةٍ طويلةٍ: (لا تُناقشْ) فنحن قوم (لا نبالي) واجعلوها حرب كبرى عالمية.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: الذی ی

إقرأ أيضاً:

بعشرات السفن.. أسطول الصمود يبحر مجددًا نحو غزة

أوضح المنظمون، أنهم يعتمدون على الممر البحري لأنهم يرون أن إسرائيل تقيد بشدة دخول المساعدات عبر المعابر البرية. اعلان

أعلنت الناشطة المناخية غريتا تونبرغ ومنظمة "أسطول الصمود العالمي" يوم الأحد عن عزمها إطلاق محاولة جديدة لكسر الحصار البحري على قطاع غزة، في خطوة تُعدّ الأحدث ضمن سلسلة نشاطات مناهضة للسياسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.

ووفقًا لبيانات نشرها المنظمون ونقلتها "جيروزاليم بوست"، فإن عشرات السفن من أكثر من 40 دولة ستُبحر في 31 أغسطس باتجاه غزة، على أن تنضم إليها دفعة إضافية من السفن تنطلق من تونس في 4 سبتمبر، في إطار ما يصفونه بـ"مهمة إنسانية وسياسية" تهدف إلى إنهاء ما يعتبرونه "حصارًا غير قانوني".

وقالت تونبرغ في مقطع فيديو نشرته عبر إنستغرام: "سنبحر مجددًا لكسر الحصار"، مشيرة إلى أن السفن لن تحمل مساعدات فقط، بل رسالة واضحة: "الحصار يجب أن ينتهي". وظهر في الفيديو مشاركون سابقون في أنشطة مماثلة، من بينهم الممثل البريطاني ليام كونينغهام وماندلا مانديلا، حفيد الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا.

وأوضح المنظمون، أنهم يعتمدون على الممر البحري لأنهم يرون أن إسرائيل تقيد بشدة دخول المساعدات عبر المعابر البرية، بالتعاون، كما يزعمون، مع "مؤسسة غزة الإنسانية".

Related سفينة "حنظلة" تتحدى الحصار وتقترب من قطاع غزة وسط ترقب إسرائيليإسرائيل تبدأ ترحيل ناشطي سفينة "حنظلة" بعد محاولتهم كسر الحصار على غزةلحظات موثقة على البث المباشر.. الجيش الإسرائيلي يقتحم سفينة حنظلة ويحتجز طاقمها

وكانت محاولة تونبرغ السابقة لاختراق الحصار قد حملت كمية رمزية من المساعدات، ورُفض دخولها من قبل السلطات الإسرائيلية.

واعترف منظمو الأسطول بوجود خطر عالٍ من اعتراض السفن من قبل البحرية الإسرائيلية، لكنهم أكدوا أن "الاهتمام الدولي يُغيّر المعادلة"، ويرفع التكلفة السياسية لأي تدخل عسكري محتمل.

وبحسب "جيروزاليم بوست"، لم ترد قوات الجيش الإسرائيلي على طلبات التعليق حتى الآن.

وتأتي هذه المحاولة في سياق سلسلة من الأنشطة التي نفذها تحالفات نشطاء دولية، كان أبرزها أسطول "مافي مرمرا" عام 2010، الذي انتهى باشتباك دامٍ بين نشطاء وقوات خاصة إسرائيلية، أسفر عن مقتل 10 من أفراد الأسطول وإصابة 10 من جنود وحدة "شاييتت 13".

وسبق أن حاولت تونبرغ الوصول الى قطاع غزة في يونيو الماضي على متن سفينة تُدعى "مادلين"، قبل أن تُرحّل مع آخرين، في حين رفض عدد من النشطاء الترحيل. كما تعرضت سفينة تابعة لتحالف "أسطول الحرية" للتعطيل في مايو، يُعتقد أن طائرة مُسيرة كانت وراء الحادث، فيما صُودرت سفينة "حنظلة" في يوليو الماضي، وجرى فتح تحقيقات مع 13 ناشطًا.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • "أسطول الصمود" يستعد للإبحار نحو غزة لكسر الحصار
  • الحاج أبو محمد… بائع الأمل الذي تحدى الحرب بابتسامة
  • بعشرات السفن.. أسطول الصمود يبحر مجددًا نحو غزة
  • طلوع الفجر تفضح هشاشة الدفاعات الإسرائيلية أمام سيناريو هجوم إيراني مباغت | تقرير
  • صحيفة عبرية: حماس لا تزال تُمسك بالسلطة في غزة رغم ضراوة الحرب الأشد في التاريخ الحديث
  • عباس في مواجهة سيناريو “الخليفة الجاهز” بدعم عربي وإملاءات خارجية - تفاصيل
  • بنك الشرق اليمني للتمويل الأصغر الإسلامي: ريادة مصرفية تُعيد رسم الخريطة المالية في اليمن
  • اليمن في عيون العالم .. كيف ينظر العرب والغرب إلى الموقف اليمني من غزة وفلسطين؟
  • أين عُمان من «أسطول الصمود العالمي»؟
  • تركيا: سنُفشل مع مصر أي سيناريو لتهجير الفلسطينيين من غزة