خاص سودانايل: دخلت الحرب السودانية اللعينة والبشعة عامها الثالث ولا زالت مستمرة ولا توجد أي إشارة لقرب انتهاءها فكل طرف يصر على أن يحسم الصراع لصالحه عبر فوهة البندقية ، مات أكثر من مائة ألف من المدنيين ومثلهم من العسكريين وأصيب مئات الالاف بجروح بعضها خطير وفقد معظم المصابين أطرافهم ولم يسلم منها سوداني فمن لم يفقد روحه فقد أعزً الاقرباء والأصدقاء وكل ممتلكاته ومقتنياته وفر الملايين بين لاجئ في دول الجوار ونازح داخل السودان، والاسوأ من ذلك دفع الالاف من النساء والاطفال أجسادهم ثمنا لهذه الحرب اللعينة حيث امتهنت كرامتهم واصبح الاغتصاب احدى وسائل الحرب القذرة.



خسائر المؤسسات الاعلامية البشرية والمادية:

بالطبع كان الصحفيون السودانيون هم أكثر من دفع الثمن قتلا وتشريدا وفقدا لأعمالهم حيث رصدت 514 حالة انتهاك بحق الصحفيين وقتل 21 صحفي وصحفية في مختلف أنحاء السودان اغلبهن داخل الخرطوم وقتل (5) منهم في ولايات دارفور بعضهم اثاء ممارسة المهنة ولقى 4 منهم حتفهم في معتقلات قوات الدعم السريع، معظم الانتهاكات كانت تتم في مناطق سيطرتهم، كما فقد أكثر من (90%) من منتسبي الصحافة عملهم نتيجة للتدمير شبه الكامل الذي الذي طال تلك المؤسسات الإعلاميّة من صحف ومطابع، وإذاعات، وقنوات فضائية وضياع أرشيف قيم لا يمكن تعويضه إلى جانب أن سلطات الأمر الواقع من طرفي النزاع قامت بالسيطرة على هذه المؤسسات الاعلامية واضطرتها  للعمل في ظروفٍ أمنية، وسياسية، بالغة التعقيد ، وشهد العام الماضي وحده (28) حالة تهديد، (11) منها لصحفيات ، وتعرض العديد من الصحفيين للضرب والتعذيب والاعتقالات جريرتهم الوحيدة هي أنهم صحفيون ويمارسون مهنتهم وقد تم رصد (40) حالة اخفاء قسري واعتقال واحتجاز لصحفيين من بينهم (6) صحفيات ليبلغ العدد الكلي لحالات الاخفاء والاعتقال والاحتجاز منذ اندلاع الحرب إلى (69) من بينهم (13) صحفية، وذلك حسب ما ذكرته نقابة الصحفيين في بيانها الصادر بتاريخ 15 أبريل 2025م بمناسبة مرور عامين على اندلاع الحرب.

هجرة الاعلاميين إلى الخارج:

وتحت هذه الظروف اضطر معظم الصحفيين إلى النزوح إلى بعض مناطق السودان الآمنة داخل السودان منهم من ترك مهنة الصحافة ولجأ إلى ممارسة مهن أخرى، والبعض الاخر غادر إلى خارج السودان إلى دول السودان حيث اختار معظمهم اللجوء الى القاهرة ويوغندا وكينيا أو اللجوء حيث يمكنهم من ممارسة أعمالهم الصحفية هناك ولكن أيضا بشروط تلك الدول، بعض الصحفيين الذين لجأوا إلى الخارج يعيشون أوضاع معيشية وانسانية صعبة.

انتشار خطاب الكراهية والأخبار الكاذبة والمضّللة

ونتيجة لغياب دور الصحافة المسئولة والمهنية المحايدة عمل كل طرف من أطراف النزاع على نشر الأخبار والمعلومات الكاذبة والمضللة وتغييب الحقيقة حيث برزت وجوه جديدة لا علاقة لها بالمهنية والمهنة تتبع لطرفي الصراع فرضت نفسها وعملت على تغذية خطاب الكراهية والعنصرية والقبلية خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وجدت الدعم والحماية من قبل طرفي الصراع وهي في مأمن من المساءلة القانونية مما جعلها تمعن في رسالتها الاعلامية النتنة وبكل أسف تجد هذه العناصر المتابعة من الالاف مما ساعد في انتشار خطابات الكراهيّة ورجوع العديد من أفراد المجتمع إلى القبيلة والعشيرة، الشئ الذي ينذر بتفكك المجتمع وضياعه.

منتدى الإعلام السوداني ونقابة الصحفيين والدور المنتظر منهم:

ولكل تلك الاسباب التي ذكرناها سابقا ولكي يلعب الاعلام الدور المناط به في التنوير وتطوير قطاع الصحافة والاعلام والدفاع عن حرية الصحافة والتعبير ونشر وتعزيز قيم السلام والمصالحة وحقوق الانسان والديمقراطية والعمل على وقف الحرب تم تأسيس (منتدى الاعلام السوداني) في فبراير 2024م وهو تحالف يضم نخبة من المؤسسات والمنظمات الصحفية والاعلامية  المستقلة في السودان، وبدأ المنتدى نشاطه الرسمي في ابريل 2004م وقد لعب المنتدى دورا هاما ومؤثرا من خلال غرفة التحرير المشتركة وذلك بالنشر المتزامن على كافة المنصات حول قضايا الحرب والسلام وما يترتب عليهما من انتهاكات إلى جانب التقاير والأخبار التي تصدر من جميع أعضائه.

طالب المنتدى طرفي النزاع بوقف القتال فورا ودون شروط، وتحكيم صوت الحكمة والعقل، وتوفير الحماية للمدنيين دون استثناء في كافة أنحاء السودان، كما طالب طرفي الصراع بصون كرامة المواطن وحقوقه الأساسية، وضمان الحريات الديمقراطية، وفي مقدمتها حرية الصحافة والتعبير، وأدان المنتدى التدخل الخارجي السلبي في الشأن السوداني، مما أدى إلى تغذية الصراع وإطالة أمد الحرب وناشد المنتدى الاطراف الخارجية بترك السودانيين يقرروا مصيرهم بأنفسهم.

وفي ذلك خاطب المنتدى المجتمع الدولي والاقليمي بضرورة تقديم الدعم اللازم والمستدام لمؤسسات المجتمع المدني السوداني، خاصة المؤسسات الاعلامية المستقلة لكي تقوم بدورها المناط بها في التنوير ورصد الانتهاكات، والدفاع عن الحريات العامة، والتنديد بجرائم الحرب المرتكبة ضد المدنيين، والمساهمة في جهود تحقيق العدالة والمصالحة الوطنية.

وكذلك لعبت نقابة الصحفيين السودانيين دورا هاما أيضا في رصد الانتهاكات التي طالت الصحفيين والمواطنين حيث أصدرت النقابة 14 تقريرًا يوثق انتهاكات الصحفيين في البلاد.

وقد وثّقت سكرتارية الحريات بنقابة الصحفيين خلال العام الماضي 110 حالة انتهاك ضد الصحفيين، فيما بلغ إجمالي الانتهاكات المسجلة منذ اندلاع النزاع في السودان نحو 520 حالة، من بينها 77 حالة تهديد موثقة، استهدفت 32 صحفية.

وأوضحت النقابة أنها تواجه صعوبات كبيرة في التواصل مع الصحفيين العاملين في المناطق المختلفة بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة وانقطاع الاتصالات وشبكة الانترنت.

وطالبت نقابة الصحفيين جميع المنظمات المدافعة عن حرية الصحافة والتعبير، والمنظمات الحقوقية، وعلى رأسها لجنة حماية الصحفيين، باتخاذ إجراءات عاجلة لضمان أمن وسلامة الصحفيين السودانيين، ووقف حملات التحريض الممنهجة التي تشكل انتهاكًا صارخًا للمواثيق الدولية التي تكفل حماية الصحفيين في أوقات الحروب والنزاعات المسلحة.

خطورة ممارسة مهنة الصحافة في زمن الحروب والصراعات

أصبح من الخطورة بمكان أن تمارس مهنة الصحافة في زمن الحروب والصراعات فقد تعرض كثير من الصحفيين والصحفيات لمتاعب جمة وصلت لحد القتل والتعذيب والاعتقالات بتهم التجسس والتخابر فالهوية الصحفية أصبحت مثار شك ولها تبعاتها بل أصبح معظم الصحفيين تحت رقابة الاجهرة الامنية وينظر إليهم بعين الريبة والشك من قبل الاطراف المتنازعة تهمتهم الوحيدة هي البحث عن الحقيقة ونقلها إلى العالم، ولم تسلم أمتعتهم ومنازلهم من التفتيش ونهب ومصادرة  ممتلكاتهم خاصة في المناطق التي تقع تحت سيطرة الدعم السريع.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: المؤسسات الاعلامیة

إقرأ أيضاً:

المسافة السياسية بين واشنطون والخرطوم

الذي يقرأ تاريخ المسافات السياسية بين واشنطن و عواصم الدول الأخرى في العالم يستطيع أن يتنبأ بالسياسة الأمريكية خارج حدودها، و أمريكا تمددت قواتها خارج حدودها في ” الحرب الاسبانية الأمريكية” حيث احتلت أمريكا الفلبين عام 1898م بموجب معاهدة باريس بين البلدين، و خرجت من الفبين بعد تصاعد المعارضة المسلحة ضدها في 1946م.. و أيضا أرسلت أمريكا قواتها إلي الصراع في فيتنام عام 1965 و اشتعلت الحرب ضدها من قبل الثوار في فيتنام الشمالية حتى خرجت قواتها في عام 1973، و لكنها واصلت مساندتها و دعمها إلي فيتنام الجنوبية حتى سقط النظام فيها عام 1975م.. و دخلت أمريكا حرب كوريا مناصرة لكوريا الشمالية 1950م و شاركت حتى وقف الحرب 1953م ثم بنت قواعدها في كوريا الجنوبية من خلال اتفاقية للدفاع المشترك.. و غزت افغانستان في 2001م للقضاء على نظام طالبان، خرجت منها عام 2021م و رجع طالبان.. كل هذه الحرب كانت لأسباب إستراتيجية تتعلق بالمصالح الأمريكية في مناطق أسيا.. و شجعت أسرائيل على ضرب إيران أيضا للقضاء على البرنامج النووي الإيراني حتى لا تمتلك إيران أسلحة ردع في أيادي دول لا تدور في الفلك الأمريكي.. و أمريكا هي التي طلبت وقف الحرب بين إيران و إسرائيل..

السؤال هل إمريكا لها مصالح ذاتية في السودان تجعلها تتخذ موقفا لإعلان حرب بقواتها في السودان.؟

أمريكا قررت التحالف مع السودان في عقد ستينات القرن الماضي باعتبار دولة محورية في المنطقة الإستراتيجية الرابطة بين منطقة الشرق الأوسط و أفريقيا، و أيضا إحدى الدول التي تطل على البحر الأحمر الذي تمر به أكثر من 70% من التجارة العالمية.. و تجعله ذراعها في هذه المنطقة لمحاربة التمدد الشيوعي، و رفض السودانيون ذلك، و رفضوا المعونة الأمريكية.. و رجعت أمريكا للسودان من خلال شركة شيفرون عام 1975م و خرجت من السودان في 1984م متعللة أن الحرب التي اندلعت 1983 تؤثر على أعمالها.. رجعت بقوة في عهد الرئيس بيل كلينتون عام 1997م حيث أعلنت مادلين أولبرايت في كمبالا إزالة نظام الإنقاذ بالحرب و فشل مسعاها ذلك.. ثم رجعت أمريكا للسودان بعد ثورة ديسمبر 2018م و رفعت تمثيلها الدوبلوماسي بدرجة سفير ” جون غودوفري” لكي تشارك في هندسة السياسة في السودان من خلال ما سمي باللجنة الرباعية ” أمريكا و بريطانيا و السعودية و الأمارات” و أمريكا هي صاحبة فكرة ” الإتفاق الإطاري” الذي قدمته مساعدة وزير الخارجية الأمريكي ” مولي في” و هي أيضا التي جاءت ب “فكرة ورشة نقابة المحاميين” لكي تساعد في زيادة قاعدة المشاركة في ” الإتفاق الإطاري” و بموجبها تم استيعاب المؤتمر الشعبي جناح علي الحاج و أنصار السنة.. و أمريكا هي صاحبة فكرة ” تقدم” عندما طلبت من الأربعة ” نور الدين ساتي و الباقر العفيف و عبد الرحمن الأمين و بكري الجاك” و جميعهم كانوا مقيمين في أمريكا و مقربين من وزارة الخارجية أن يدعوا إلي تحالف القوى المدنية لتوسيع قاعدة المشاركة.. كانت أمريكا تريد أن تغير قيادة ” قحت المركزي” اعتقادا منها أنها أصبحت قيادات دون قواع شعبية تدعمها، و بالتالي تأتي بقيادات يكون لها قوة في الشارع السودان لذلك دفعت بحمدوك لرئاسة التحالف و عدد من المستقلين و تراجعت القيادات السياسية…

طلبت أمريكا من ” قحت المركزي” أن تعقد مؤتمرها في القاهرة بهدف أن تصدر بيان تنادي فيه بتوسيع قاعدة المشاركة، و إذا كان هناك شرط يكون قاصرا فقط دون مشاركة “المؤنمر الوطني” و بالتالي تفتح الباب أمام الكتل الإسلامية الأخرى. و بالفعل تم عقد المؤتمر و صدر البيان و لم يجد إستجابة.. ثم تولت ” تقدم” إدارة الملف، و لكنها اخطأت إستراتيجيا عندما ذهبت إلي أديس أبابا و وقعت على ” إعلان إديس ابابا” مع الميليشيا الأمر الذي جعلها تقع تحت هجوم شرس للمناوئين لها.. و بعدها حصل اجتماع القاهرة ثم باريس و جنيف، و جميعها لم تساعد على إحداث تغيير في الساحة داعم لتقدم، رغم الإستعانة برموز إسلامية و يسارية و غيرها لإنجاح هذه الاجتماعات، و لكن لم تنجح.. و فشلت بريطانيا و الأمارات في تحريك القضية في ” مجلس الأمن” بهدف التدخل عبر قوات دولية تحت البند السابع، أو حماية للإغاثة، و فشلت المحاولات جميعها في منظمات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.. خاصة الداعية لحماية الإغاثة بقوات دولية وفشلت بفيتو روسي..

تغيرت الإدارة الأمريكية التي قامت بتلك المجهودات، بهدف أن تحدث تغييرا في قيادة الدولة للقوى التي تعتقد أنها سوف تنفذ لها مصالحها، سياسيا و شعبيا، و حتى جدة نفسها أصبحت من مخلفات الفشل، إدارة ترامب لم تأتي بمبعوث أمريكي يدير معركتها في السودان، أنما طلبت حضور وزراء خارجية بعض الدول التي تعتقد لهم تأثيرا في مجريات الحرب، للتشاور حول تحقيق السلام في السودان، و لكي يكون داعما للرئيس ترامب أن ينال جائزة نوبل للسلام.. و أيضا أن يجدوا مخارجا لدولة الأمارات الداعم الأساس للميليشيا من الحملة الشعبية السودانية ضدها.. و أمريكا ليست بعيدة من حرب السودان مادام هي تشكل حماية للأمارات، و تمدها بالسلاح الأمريكي الذي وجد في مخازن الميليشيا.. أمريكا لن تتدخل بصورة مباشرة في الحرب، و لكنها تبحث عن سبل مرضية على أن تصبح البلاد دون ميليشيا.. لا توجد مصالح لأمريكا مباشرة في السودان، و لكنها وسيط لإرضاء الأمارات..

أن التيارات السودانية منقسمة إلي ثلاثة أقسام… الأولى تؤيد الجيش و تصر على استمرار الحرب حتى الانتصار على الميليشيا ثم بعد ذلك يبدأ الحوار السياسي السوداني بين القوى السياسي دون أية شروط مسبقة.. الثانية يريدون تدخلا أجنبيا لأنهم يعتقدوا أن الخارج سوف يشكل لهم رافعة للسلطة، و من ثم حمايتهم داخل السودان.. الثالثة هي أقرب للمجموعة الثانية و لكنها تحاول أن تتجمل ببعض الشعارات، و هي أقرب للإنتهازية من المواقف المبدئية.. أن اجتماع واشنطن لن يفرض شيئا على الشعب و لن يمارس عليه ضغطا.. هي فقط تغيير موقع جغرافي لما حدث في جدة، و إرضاء أمريكا لبعض حلفائها..

زين العابدين صالح عبد الرحمن

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • انفصال فعلي".. حميدتي يعلن حكومة ومجلسا رئاسياً من قلب دارفور ويصعّد التحدي للجيش السوداني!
  • المسافة السياسية بين واشنطون والخرطوم
  • 1.3 مليون نازح سوداني يعودون إلى ديارهم وسط دمار شامل ونداءات أممية للدعم العاجل
  • شبح الحرب يلوح في سماء آسيا.. اشتعال الحدود بين تايلاند وكمبوديا ومجلس الأمن يتحرك
  • المعركة الفاصلة لاستعادة السودان
  • الجنيه السوداني يتراجع إلى مستوى قياسي مع ارتفاع الواردات
  • الجنيه السوداني يتراجع إلى مستوى قياسي
  • فقاعات وقتيّة.. الدولار يهدأ قليلا مقابل الجنيه السوداني
  • دريان من بعبدا: التنسيق بين الرئاسات الثلاث يبقى ضرورياً للحفاظ على استقرار المؤسسات
  • وزير الاستثمار السعودي: أشيد بالخطوات الجريئة والإيجابية والشجاعة التي اتخذتها الحكومة السورية لتحسين مناخ الاستثمار وتسهيل الإجراءات الاستثمارية