نصوص قبطية وسياقات تاريخية حول اتحاد مملكتي نوباديا (مريس) والمقرة: إعادة قراءة في ضوء المصادر
تاريخ النشر: 30th, April 2025 GMT
يُعدّ موضوع اتحاد مملكتي نوباديا (مريس) والمقرة من القضايا المفصلية في دراسة تاريخ السودان الوسيط، خاصة في علاقته بالكنيسة القبطية من جهة، وبالحضور الإسلامي في وادي النيل من جهة أخرى. فمنذ انهيار مملكة مروي في القرن الرابع الميلادي نتيجة للجفاف وتحركات سكانية كبيرة – كما تشير دراسات هيلسون وسامية بشير وهندرسون – برزت ثلاث ممالك نوبية كبرى: نوباديا، المقرة، وعلوة.
ومع تعدد الروايات حول توقيت وكيفية اتحاد نوباديا والمقرة، يقدم لنا المقال الأخير للدكتور أحمد الياس حسين مادة جديدة ومهمة تُستقى من نصوص قبطية نادرة، تشير إلى وجود توتر بين المملكتين استمر حتى أواخر القرن السابع الميلادي، وتطرح فرضية دقيقة بأن الاتحاد لم يتم قبل نحو عام 700م، وهو ما يخالف الرواية الكلاسيكية التي تضع الاتحاد قبل حملة عبد الله بن سعد على النوبة سنة 31هـ/652م.
في هذا المقال المطوّر، نعيد النظر في هذه الفرضية من خلال مقارنة النصوص القبطية، والمرويات الإسلامية، والدراسات الحديثة (خاصة Hendrickx وVantini)، ونتناول دلالات المصطلحات والمواقف السياسية-الدينية التي وردت في تلك النصوص.
أولاً: السياق السياسي والكنسي بين نوباديا والمقرة
ورد في سيرة البطرك إسحاق التي كتبها أبا منا نحو عام 700م أن ملك المقرة أرسل رسالة إلى بطرك الإسكندرية يشكو فيها من عجز كنسي بسبب منع ملك "موريتانيا" مرور الأساقفة من مصر إلى المقرة. وقد فُسِّر مصطلح "موريتانيا" خطأً على أنه إشارة إلى المغرب، بينما توضح الشروح والهوامش أن المقصود بها هو ملك نوباديا، استنادًا إلى تفسير يوحنا النقيوسي الذي يصف "بربر مديريتي النوبة وأفريقية" بالموريتانيين.
هذا المعطى مهم جداً لأنه يُثبت أن مملكة نوباديا كانت لا تزال قائمة ومتمايزة عن المقرة حتى بعد عام 67هـ/686م، أي بعد أكثر من ثلاثين عاماً من معاهدة البقط. كما أن رسالة البطرك إسحاق التي تدعو إلى المصالحة بين الملكين توضح أن العلاقة بين المملكتين لم تكن ودية في تلك المرحلة، وأن وحدة القرار الكنسي لم تكن ممكنة بعد.
ثانياً: نصوص معاهدة البقط وإشكالية تحديد الطرف الموقع
تشير رواية المقريزي إلى أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح وقّع معاهدة البقط مع "ملك النوبة"، دون ذكر اسم المملكة تحديداً. غير أن النص يشير إلى أن حدود هذه المملكة تصل إلى أسوان، ما دفع العديد من المؤرخين إلى الافتراض بأن نوباديا كانت قد دُمجت فعلياً تحت سلطة المقرة آنذاك. غير أن هذا التفسير يتنافى مع مضمون الرسائل القبطية التي تُظهر بوضوح استمرار وجود ملكين حتى بعد عقد المعاهدة.
ويبدو أن ما حصل لم يكن اتحاداً مؤسسياً نهائياً، بل ربما خضوعاً سياسياً تدريجياً من نوباديا للمقرة، دون أن يفضي ذلك فوراً إلى إلغاء الكيان السياسي لنوباديا، وهو ما يفسر تأخر وحدة الكنيسة والإدارة إلى ما بعد نهاية القرن السابع.
ثالثاً: البُعد الديني والصراع المذهبي كأحد أسباب الانقسام
كان التباين المذهبي عاملاً أساسياً في الفتور بين المملكتين. فقد تبعت نوباديا الكنيسة القبطية، بينما تبعت المقرة الكنيسة الملكانية في بداية الأمر، مما خلق نوعاً من "الازدواجية المسيحية" داخل بلاد النوبة. وبعد أن غادر بطرك الكنيسة الملكانية الإسكندرية في القرن الأول الهجري، خضعت الكنيستان في مصر والنوبة لسلطة البطريرك القبطي، مما مهد تدريجياً لتوحيد الرؤية الدينية، وبالتالي السياسية.
رابعاً: دلالات التسمية "موريتانيا" ومفاهيم الهوية النوبية في النصوص
من أهم الإشارات التحليلية التي تطرق إليها الدكتور أحمد الياس حسين هو استخدام مصطلح "موريتانيا" للإشارة إلى نوباديا. ويُظهر هذا الاستخدام كيف كانت مفاهيم الجغرافيا السياسية في النصوص الكنسية مرتبطة بالرؤية الرومانية القديمة التي تصنّف سكان الجنوب ضمن إطار "البربر"، دون دقة في التفريق بين النوبة وغرب شمال إفريقيا. هذا الفهم يساعد على تفسير الالتباسات في قراءة بعض المصادر البيزنطية والقبطية عن السودان القديم.
خامساً: نحو تأريخ أكثر دقة لاتحاد المملكتين
استناداً إلى الوثائق القبطية التي كتبها أبا منا، وإلى تحليل فانتيني وهندركس، يمكن القول إن الاتحاد الفعلي بين نوباديا والمقرة لم يتم قبل عام 700م، أي بعد عقود من معاهدة البقط. بل إن هذا الاتحاد كان على الأرجح عملية تدريجية امتدت على مدار النصف الثاني من القرن السابع الميلادي، عبر تقارب كنسي ثم إداري، حتى أضحت نوباديا إقليماً شمالياً ضمن مملكة المقرة الكبرى.
خاتمة: المقال الجديد للدكتور أحمد الياس يضيف بعداً مهماً لفهم المرحلة، ليس فقط عبر تقديم النصوص، بل من خلال تأويل دقيق لمفاهيمها وسياقاتها. ويظهر أن التاريخ النوبي في تلك الحقبة لا يمكن اختزاله في مجرد معاهدة سياسية، بل هو صراع مذهبي وجغرافي وهوياتي، انعكس في تأخر الاتحاد بين المملكتين. ومن هنا، تظل إعادة قراءة النصوص القبطية والإسلامية ضرورة لفهم تاريخ السودان المبكر بتوازن واستقلال عن الرواية الرسمية التقليدية.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: بین المملکتین
إقرأ أيضاً:
جامعة حلوان تطلق دورة احترافية في تحرير النصوص والتدقيق الإملائي
في إطار استراتيجية جامعة حلوان الهادفة إلى تطوير مهارات طلابها اللغوية وتأهيلهم لسوق العمل الحديث، أعلن مركز اللغات للأغراض المتخصصة بكلية الآداب عن فتح باب التسجيل في دورة تدريبية جديدة تحت عنوان "تحرير النصوص والتدقيق الإملائي"، يقدمها الدكتور محمد الكيلاني، الخبير المتميز في مجال اللغة العربية وتحرير النصوص.
تأتي هذه الدورة تحت رعاية الدكتور السيد قنديل، رئيس جامعة حلوان، الدكتور أحمد راوي، عميد كلية الآداب، الدكتور سلام سيد وكيل الكلية لشؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، في إطار جهود الجامعة المستمرة لتعزيز القدرات اللغوية والكتابية للطلاب.
أكد الدكتور شادي الكردي، مدير مركز اللغات للأغراض المتخصصة، أن هذه الدورة تمثل خطوة مهمة ضمن سلسلة برامج تدريبية تهدف إلى الارتقاء بالكفاءة اللغوية والتحريرية للطلاب، بما يتماشى مع متطلبات سوق العمل. وأضاف: "نحرص في مركز اللغات على تقديم برامج متخصصة تجمع بين الجانب النظري والتدريب العملي، مما يتيح للطلاب اكتساب مهارات التعبير بلغة سليمة وواضحة، وهو أمر ضروري لمواكبة تحديات العصر".
تغطي الدورة موضوعات متعددة، مع تطبيقات عملية تساعد الطلاب على تطوير مهاراتهم في صياغة النصوص بشكل احترافي. وسيتم الإعلان عن مواعيد بدء الدورة فور اكتمال عدد المتدربين.
ودعا مركز اللغات جميع الراغبين في الانضمام إلى سرعة التسجيل بمقر المركز في كلية الآداب بالدور الأرضي، وتبلغ رسوم الاشتراك 600 جنيه للطالب المصري، مع تقديم صورة من بطاقة الرقم القومي، بينما يُسدد الطالب الوافد 150 دولارًا ويُقدم صورة من جواز السفر.
للمزيد من المعلومات والحجز، يمكن التواصل على الرقم 01018611471.
تأتي هذه الدورة كجزء من جهود جامعة حلوان لتزويد الطلاب بالمهارات اللغوية الأساسية التي تمكّنهم من المنافسة في سوق العمل وتفتح لهم آفاقًا جديدة نحو التميز والنجاح المهني.