شهد معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته التاسعة والعشرين تحولا مزدوجا في ملامح المشهد الثقافي والإعلامي العماني، حيث اجتمع التوجّه نحو تعزيز الحضور الرقمي الآمن للأطفال من خلال "واجهة الطفل" في منصة "عين"، مع تكثيف الحضور الفكري والأدبي العماني في توثيق "طوفان الأقصى"، عبر 3 إصدارات تميزت بتنوعها وعمقها، ما يعكس وعيا إستراتيجيا بأهمية الإعلام الموجه للأجيال، والاصطفاف الفكري مع القضايا الإنسانية.

وأطلقت وزارة الإعلام واجهة الطفل ضمن منصة "عين"، لتكون منصة رقمية متخصصة تعنى بتقديم محتوى معرفي وتربوي وترفيهي موجه للأطفال، في تجربة تسعى لتكريس حضور رقمي آمن وفاعل للطفل العماني في الفضاء الإعلامي.

رؤية وطنية لمستقبل الطفل

وزير الإعلام الدكتور عبد الله بن ناصر الحراصي أكد أن المنصة تجسيد لتوجهات سلطان عمان للاستثمار في الطفل العماني من المراحل المبكرة، من خلال التوظيف الإيجابي للتقنيات الحديثة لصياغة وعي الأجيال، وأضاف "الواجهة ليست مجرد جانب ترفيهي، بل بيئة معرفية شاملة، تلبي احتياجات الطفل العماني النفسية والتعليمية والقيمية، وتواكب في الوقت نفسه التطورات الرقمية العالمية".

وأشار الحراصي إلى أن الطفل اليوم لم يعد مجرد متلقٍّ للمعلومة بل "شريك فاعل في صُنع المعرفة وتشكيل المستقبل، ولهذا تم تصميم الواجهة لتقدم محتوى يتحدث بلغته، ويثير فضوله، ويرسّخ الهوية العمانية والقيم الأصيلة، ويفتح آفاق الإبداع أمامه".

إعلان

ويؤكد الوزير استمرار العمل على تطوير هذه الواجهة، بما يتلاءم مع احتياجات الأطفال وتطلعاتهم، وبما يواكب التحولات التقنية والمعرفية المتسارعة.

بنية غنية ومحتوى متنوع

تقدم "واجهة الطفل" أكثر من 8500 مادة سمعية ومرئية، مخصصة للفئة العمرية من 4 إلى 18 سنة، وتشمل أعمالا حصرية مثل برنامج "رحلات وسام" الذي يعيد رواية الأساطير العمانية بطريقة مبسطة، و"أستوديو ألفة" الذي يعزز مفاهيم الهوية والمواطنة وتعزيز السمت العماني.

وتتوفر أيضا مجموعة من الكتب الصوتية التي تهدف إلى تنمية معارفهم ومهاراتهم وتحفيز الخيال وتعزيز القراءة، بعضها مسجل بأصوات أطفال بهدف تمكين مواهبهم ومهاراتهم، وإبرازها إعلاميا.

وأوضحت د. أمل بنت محمد النوفلية المديرة العامة للإعلام الإلكتروني بوزارة الإعلام، للجزيرة نت، أن واجهة الطفل جاءت لتواكب تطلعات الجمهور، المتعطش لوجود محتوى آمن للطفل، في ظل وجود منصات إلكترونية عديدة.

وتتيح الواجهة للطفل إنشاء حساب خاص، واختيار رمزه الكرتوني، وتحميل المحتوى ومشاهدته دون اتصال بالإنترنت، مع إمكانية متابعة المواد حيث توقف المستخدم، إلى جانب خاصية البحث والتصفح السهل. كما خصصت مساحة لإبداعات صُناع المحتوى الأطفال، مما يسهم في تقديم نماذج إعلامية مستقبلية.

وأكدت النوفلية أن وزارة الإعلام حرصت أن تجعل الطفل شريكا فاعلا في صناعة المحتوى الرقمي من خلال احتضان صُناع المحتوى والموهوبين من الناشئة في شتى المجالات؛ بهدف بناء القدرات، وإثراء المحتوى الإلكتروني العماني والعربي الموجّه للطفل.

وتدعم المنصة النفاذ الرقمي لذوي الإعاقة؛ إذ تقدم محتوى بلغة الإشارة وآخر صوتيا يراعي احتياجات ذوي الإعاقة السمعية والبصرية، وقد شارك أطفال في تقديم هذه المواد لتكون أقرب لجمهورهم.

تفاعل الأسرة وتعزيز القراءة

ترى الدكتورة وفاء بنت سالم الشامسية، المختصة في أدب الطفل، أن واجهة الطفل في منصة "عين" تمثل تحولا نوعيا نحو بناء بيئة معرفية رقمية آمنة، تربط بين الأصالة الثقافية والحداثة التكنولوجية، وتوفر محتوى أدبيا يراعي السياق المحلي ويشجع على القراءة باللغة العربية، مما يسهم في تعزيز الهوية اللغوية والوطنية لدى الناشئة.

إعلان

وتعتبر أن المنصة لا تكتفي بتقديم المعلومات، بل تعتمد على القصة والمثال والحوار الداخلي في بناء وعي الطفل، وهو ما يسهم في تنمية مهارات التفكير النقدي، والتمييز بين الصواب والخطأ، كما يعزز قدرات الطفل على الخيال والتعاطف والانفتاح على الآخر. وترى أن المنصة قادرة على تبسيط مفاهيم معقدة كحماية البيئة، وتقبل الاختلاف، والأمن الرقمي، من خلال نصوص تفاعلية مناسبة للمراحل العمرية المختلفة.

وتشير الشامسية إلى أن أدب الطفل هو أداة فاعلة لغرس القيم، ليس من خلال الوعظ المباشر، بل عبر شخصيات تجسّد القيم في سياق قصصي حي، فمن خلال قصص عن أطفال يحافظون على التراث أو يساعدون الكبار أو يشاركون في خدمة المجتمع، يتم ترسيخ قيم الانتماء والمواطنة.

وتمثل "واجهة الطفل" جزءا من مشروع أشمل تقوده منصة "عين" التي أطلقت رسميا في يناير 2022، وتضم اليوم أكثر من 65 ألف مادة بين مرئية ومسموعة وكتب صوتية، وقد تجاوز عدد مرات الاستماع والمشاهدة فيها 16 مليونا.

وتصل خدمات المنصة إلى أكثر من 170 دولة، مما يمنحها بُعدا دوليا واسعا، يعكس ثقة متزايدة في المحتوى العماني لدى الجاليات العربية والمجتمعات المهتمة بالمحتوى التربوي.

الكاتب العماني الشاب منذر بن نعيم السعدي يوقع كتابه "طوفان الأقصى: حروب الأقصى بين السياسة والميدان" (مواقع التواصل) "طوفان الأقصى"

في موازاة هذا التحول الرقمي، برز في معرض مسقط 3 إصدارات عمانية تناولت عملية "طوفان الأقصى"، العملية العسكرية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في أكتوبر 2023، والتي أحدثت منعطفا مفصليا في الوعي السياسي والثقافي تجاه القضية الفلسطينية.

العمل الأول صدر عن الكاتب العماني الشاب منذر بن نعيم السعدي، وجاء بعنوان "طوفان الأقصى: حروب الأقصى بين السياسة والميدان"، وعلى الرغم من حداثة سنه كطالب جامعي، قدم السعدي معالجة مبسطة ومكثفة لمسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، من وعد بلفور وحتى عملية طوفان الأقصى.

إعلان

وفي تصريح خاص لـ"الجزيرة نت"، قال السعدي "لاحظت خلال متابعتي للأحداث وجود مفاهيم خاطئة أو غموض لدى البعض. شعرت أن من واجبي تسليط الضوء على بعض الحقائق وتصحيح الصور المغلوطة، حتى وإن كان جهدي متواضعا".

الكتاب الذي يحوي 158 صفحة، مُقسَّم إلى 15 فصلا، يبدأ بمقدمة حول أهمية القضية الفلسطينية، ويمر بمحطات مفصلية، منها نشوء الجيش الإسرائيلي، ومجازر النكبة، وحروب 1967 و1973، والانتفاضتان، وصولا إلى ما وصفه المؤلف بـ"المنعطف الجذري" الذي شكّله طوفان الأقصى.

ويضيف "العالم بعد الطوفان لن يكون كما كان قبله. المثقف لم يعد ترفا، بل ضرورة في مواجهة حملات التشويه، لا سيما تجاه فلسطين".

انصح زوار #معرض_مسقط_الدولى_للكتاب بشراء رواية طوفان الاقصى لمؤلفها إسماعيل البوسعيدي
وكتاب طوفان الاقصى للكاتب منذر السعدي.#معرض_مسقط_الدولى_للكتاب pic.twitter.com/W3tgLw55Cz

— د.حمود النوفلي (@hamoodalnoofli) April 26, 2025

أما العمل الثاني فهو رواية بعنوان "طوفان الأقصى: وكان وعدا مفعولا" للكاتب إسماعيل بن أحمد البوسعيدي، وقد صدرت عن دار "لبان" للنشر. وجاءت الرواية في 195 صفحة، وتُقدَّم بأسلوب المشاهد القصيرة التي تتناوب على سردها شخصيات متعددة بأحداث مختلفة، ما يخلق ملحمة إنسانية تعيد رسم خريطة المقاومة الفلسطينية، وتغوص في تداخلات الإيمان والفعل البشري والذاكرة الجماعية.

تبدأ الرواية بفصل بعنوان "غزة"، لا تقدم فيه المدينة كجغرافيا محاصرة فحسب، بل كأيقونة للصمود. يقول السارد في افتتاحها "هنا غزة… مدينة صغيرة بحجمها، عظيمة بحلمها". ومن هناك، ينفتح السرد على مشاهد واقعية مشحونة بالألم والأمل، تعيد تشكيل علاقة القارئ بالقضية الفلسطينية عبر مسار روحي وإنساني.

تستلهم الرواية وعدا قرآنيا بالتمكين من الآية "وكان وعدا مفعولا"، في توظيف ديني ذكي لا يأتي بصيغة خطاب وعظي، بل كإطار رمزي يحرك البناء السردي ويوجهه نحو أفق تعبيري عميق.

بحمدالله.. صدر كتابي "طوفان الأقصى.. رصد الأحداث وقراءة المتغيرات"، عن مركز الندوة الثقافي ومؤسسة شرفات الدولية.
سيكون موجوداً بإذن الله في معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته القادمة.

||????|| pic.twitter.com/9cUbll2yth

— خميس العدوي (@kadwi69) April 13, 2025

أما الإصدار الثالث فجاء من المفكر والكاتب خميس بن راشد العدوي، بعنوان "طوفان الأقصى: رصد الأحداث وقراءة المتغيرات"، وصدر عن "مركز الندوة الثقافي" في ولاية بهلا.

إعلان

ويتضمن الكتاب 30 مقالة رأي سبق للعدوي نشرها في صحيفة "عمان" اليومية، جمعت ونظمت موضوعيا لتغطي الخلفيات التاريخية والدينية والسياسية للصراع، وتحلل الحدث العسكري، وتستقرئ التحولات في الخطاب الإقليمي والدولي بعد السابع من أكتوبر.

قسّم العدوي كتابه إلى 3 حلقات رئيسة:

الأولى: تتناول الجذور التاريخية والدينية للصراع العربي الإسرائيلي. الثانية: ترصد التفاعلات الإقليمية والدولية في أعقاب العملية وتتبع فيها أحداثه. الثالثة: تقدم المواضيع الذي كتبها تحت إيحاء ووقع طوفان الأقصى وتطرق لدعوة السلطنة لإصلاح بنية النظام الدولي، استنادا إلى مواقفها المتوازنة.

ولا يكتفي العدوي بتوثيق المواقف الرسمية، بل يعرضها كامتداد لهوية الدولة القائمة على التوازن والدبلوماسية والإنسانية، ويشير إلى أن مسقط، منذ اللحظة الأولى، تبنت خطابا إنسانيا واضحا تجاه العدوان على غزة، بما يتسق مع نهجها التاريخي في معالجة القضايا الإقليمية الحساسة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات طوفان الأقصى واجهة الطفل معرض مسقط من خلال

إقرأ أيضاً:

هل اللوحة مرجع بصري لأرشفة المعمار العماني؟

تتغير وجوه المدن بسرعة، وتتلاشى الملامح القديمة أسرع من القدرة على الإمساك بها. فالقرى والبيوت القديمة، والأبواب، التي أكسبت العمارة العمانية خصوصيتها المتفردة ليست جمادات ساكنة بل ذاكرة تسعى لتستعاد بأدوات تعبيرية شتى، منها الفن التشكيلي بوصفه أداة لنقل الذاكرة الشكلية للمكان بل والشعورية أيضا.

وبين الشكل والشعور، والفرشاة و المناظير، نبحث عن دور اللوحة كمرجع بصري يستعاد من خلاله المعمار العماني ويوثق، ومن خلال تجارب معماريين وفنانين تشكيليين وباحثين ومعماريين نثير في السطور القادمة التساؤلات حول استعادة ملامح المعمار العماني القديم عبر الفن التشكيلي/اللوحة ، ومدى إسهام الأعمال الفنية في حفظ الذاكرة المكانية أو إثارة الوعي المعماري، والفرق بين توثيق المعمار بالرسم وبين المخطط.

التغير السريع للمدن

يقول المهندس علي اللواتي حول مسألة استعادة ملامح المعمار العماني القديم عبر الفن التشكيلي -اللوحة- في زمن يتغير فيها وجه المدينة سريعا: "الفنون البصرية، ومنها الفن التشكيلي في سلطنة عمان، لها دور مهم في توثيق المشهد المعماري القديم خصوصا في الفترات التي سبقت اختراع الكاميرا وانعدام الصور الفوتوغرافية. جذبت عمان نظرا لموقعها المطل على المحيط الهندي عددا من من الرحالة والمستكشفين الذين وثقوا عبر الرسم مناظر مختلفة في لوحات اليوم تُعد وثائق مرئية مهمة تساعد على فهم و استعادة ملامح المدن العمانية القديمة وتفتح نوافذ لاستكشاف تفاصيل المعمار القديم ولو بصورة جزئية".

ويضيف المهندس أحمد العلوي فيما يخص اعتبار اللوحة كمرجعية في بعض المعالم خاصة المعالم التراثية أنها "تكون ظاهرة كشواهد ولسيت كظاهرة كاملة كقلعة أوحصن أوبرج متهدم، ولكن نأخذها من رسومات قديمة من الفنانين التشكيليين، بحيث نرجع لها وونعتبرها مصدر تاريخي من أجل إعادة البناء مثلا، ونستمد منها الأصل في ملامح أي معلم قديم حتى في البيوت التي آلت للسقوط نستعيد ملامحها من اللوحات، وهذا أمر جميل جدا لكن في الوقت الحاضر هو عبارة عن توثيق لبعض المعالم من خلال الرسامين، الذين إذا رسموا مثلا بناء لجنوب الشرقية بطريقة ما، فنستمد منها سواء كانت أبواب، نوافذ، عناصر خشبية، بشكل عام، المظهر الخارجي للبناء".

التوثيق وإثارة الوعي المعماري

وفي سؤال: هل يمكن أن تسهم الأعمال الفنية -حتى لو لم تكن دقيقة هندسيا- في حفظ الذاكرة المكانية أو إثارة الوعي المعماري؟ رأى اللواتي أنه عبر دراسة الأعمال الفنية يمكن إعادة النظر في بعض التصورات الراسخة عن العمارة العمانية. وقال: "بعض العناصر الزخرفية التي تعدّ اليوم أصيلة أو ضاربة في عمق التاريخ، لا تظهر في تلك الرسومات إلا في أواخر القرن التاسع عشر ما يدل على أنها جديدة نسبيا خلاف الاعتقاد الشائع وهذا يقودنا لطرح تساؤلات حول السياقات التي أدت إلى ظهورها وتطورها في العمارة العمانية. وهذا بالضرورة يتيح فرصة لفجوات بحثية تستحق الدراسة، خاصة أن هذه التغيرات متأخرة نسبيا ويمكن تتبعها وتحليلها بسهولة."

وأكد العلوي على أن إمكانية اللوحة الفنية في التوثيق غير عادية. وأضاف: "نحن نعتمد عليها في ترميم المعالم في بعض الأحيان، وذلك عن طريق رواية شخص كبير في السن يرسم الفنان بناء عليها المعلم المندثر، ثم يأتي دورنا في الترميم بناء على ما قالته الللوحة المستندة على الرواية الشفهية."

دور موازي

في الحديث عن الفن ودوره الموازي والمكمل للتوثيق المعماري، أشار اللواتي أنه لا يمكن فصل التوثيق المعماري عن الفنون البصرية الأخرى، وأضاف: "المساقط والمناظير المعمارية سواء كانت ثنائية أو ثلاثية الأبعاد هي في جوهرها تعبيرات بلغة فنية تخضع لذات القواعد التي يستخدمها الفنانون التشكيليون ما يجعل الفن أساسيا في توثيق العمارة".

وحول إمكانية التعاون بين المعماريين والفنانين في مشاريع توثيق المكان والحفاظ على الذاكرة المعمارية، يقول العلوي: "التعاون بين المعماريين والفنانين في مشاريع توثيق المكان أمر ضروري جدا وعلاقة مهمة، وحتى تفعيل ذلك خلال الزيارات الميدانية سيشكل إضافة ولمسة فارقة، من حيث الأفكار الهندسية من خلال خيال الفنان التشكيلي، وهذا الأمر يخدم الطرفين من وجهة نظري."

فيما قال اللواتي: "لا أحبذ الفصل بين المعماري والفنان؛ فالمعماري هو فنان والعمارة من أمهات الفنون. العديد من الفنانين الكبار كانوا معماريين أيضا مثل مايكل أنجلو كان معماريا متقدما على زمانه وله تصاميم معمارية لم ترى النور بسبب ضعف التقنية الانشائية آنذاك وفي كل الأحوال المباني بالنسبة لمعمارييها ليست مجرد منتج وظيفي وشكلي بل عملا فنيا متكاملا ومن هنا فإن الفعل المعماري هو ممارسة فنية مشفوعة باعتبارات هندسية ووظيفية".

المكان أم الشعور؟

في الجانب الآخر سألنا الفنانين التشكيلين: حين ترسم مكانا عمانيا قديما (قرية، بيت، باب...الخ) ، هل ترسم "المكان" كما كان؟ أم كما شعرت به؟

أجاب الفنان سعود الحنيني: "عندما أرسم مكانًا عمانيًا قديمًا، أنطلق من إحساسي الشخصي وتجربتي العاطفية مع هذا المكان. أسعى لالتقاط روح المكان وما يحمله من ذكريات ومشاعر، وليس تصويره بشكل دقيق كما كان في الماضي. هذا الفهم يجعل اللوحة تعبر عن أكثر من مجرد معمار؛ إنها تنقل تجربة حياة متكاملة ومشاعر إنسانية تعكس محبة للفن وللأماكن التي تحكي قصصاً".

ورأى الفنان سالم السلامي أن الأماكن الأثرية القديمة كالبيوت والأبواب والنوافذ وغيرها، بحد ذاتها تُمثل هوية خاصة، وقال: "عندما يشرع الفنان في الرسم فهو يحافظ على ملامح المكان بعناصره ومفرداته وذلك من خلال المشاهدة الحيَّة والمباشرة أو من خلال المخزون الذهني، مع ذلك يظل للأمكنة أبعاد أخرى تتعدى خاصية الجمادات، إذ أنها تحمل في داخلها مشاعر ، أحاسيس، ذكريات، رائحة، وأحاديث وغير ذلك، هنا سنجد الفنان يترجم المشهد وفق حالة خاصة من خلال الخطوط، اللون، التكوين والإيقاع، ليجسد نسيج من الإنفعال الذي يُضفي على اللوحة الفنية إحساساً عميقاً."

بين الرسم والصورة

وحول الفرق، في نظر الفنان ، بين توثيق المعمار بالرسم، وبين الصورة أو المخطط، أشار الحنيني إلى أن توثيق المعمار بالرسم يعد أكثر من مجرد تسجيل بصري؛ إنه يعبر عن الرؤية الشخصية للفنان والطريقة التي يشعر بها تجاه هذا المعمار. وأضاف: "الرسم يسمح بتجسيد المشاعر والأحاسيس، بينما الصور والمخططات توفر وثائق دقيقة وهندسية للمكان. لهذا، يعتبر الرسم بمثابة نافذة إلى عالم المشاعر والتجارب الإنسانية، يتجاوز الجانب الهندسي إلى ما هو أعمق".

وقال السلامي: "ما يميِّز توثيق المعمار بواسطة الرسم هو حرية ترجمة المشهد من خلال إثراء المخيِّلة و المخزون الذهني في آنٍ واحد إضافةً إلى المشاهدة الفورية للمكان، فهذه أدوات تتيح للفنان اللعب على "خاصية الحذف و الإضافة" فالمعمار المندثر والمُغيَّبة ملامحهُ يستطيع الفنان بأدواته من تجسيدها وإحياءها وكأنها واقع مُعاش، والعناصر المشوهة والدخيلة على المشهد يمكنه حذفها وهكذا،، ولكنه في نفس الوقت يكون حريصاً على محافظته للهوية الأصيلة لملامح أي عِمارة حسب موقعها الزماني والمكاني".

مرجع بصري

وفي سؤالهم حول إمكانية أن تكون هذه اللوحات مرجعا بصريا حقيقيا في أرشفة الأماكن قال السلامي: "الرسم يُشبه الكتابة القصصية المُفصَّلة، فالفنان بطبيعته يُبرز جزئيات دون أخرى في المشهد وكأنه يُصوِّر المشهد بشخصيات جوهرية، مما يُسهل على المتلقي فهم المشهد، فهذا يعطي للوحة الفنية قيمة بصرية يجعل منها أنموذج مثالي للمراجع لمختلف الفئات العمرية".

ورأى الحنيني أن هذه اللوحات يمكن أن تكون مرجعا بصريا حقيقيا يجب الحفاظ عليه. فهي تمثل تجسيدا لأحاسيس وتجارب متجذرة في الثقافة العمانية، وأنماط الحياة القديمة. وأضاف: "هذه الأعمال الفنية تساهم في توثيق الهوية الثقافية، وتساعد الأجيال القادمة في فهم الماضي، مما يعزز شعور الانتماء".

أمكنة أم ذاكرة؟

وفيما إذا كان الفنانان يرسمان أمكنة؟ أم ذاكرة؟

فسعود الحنيني: يرى نفسه يرسم ذاكرة أكثر من أمكنة. وقال: "إن العمل الفني بالنسبة لي هو وسيلة لتوثيق ذاكرة الأماكن وتجاربها؛ تلك الذكريات التي تتفاعل مع المشاهد وتخلق تواصلًا مع الماضي. فكل لوحة تُعد رحلة عاطفية في الزمان والمكان، تعبر عن تاريخ وثقافة وحياة إنسانية غنية، تساهم هذه الجهود الفنية في تعزيز الذاكرة المعمارية لعُمان وتعكس الصلة القوية بين الفن والتراث".

وأحاب السلامي: "شخصياً،، أرسم الذاكرة، حتى أن مجموعة أعمالي الفنية أسميتها "ذاكرة الأجيال" فالأمكنة في نظري ليست مجرَّد جمادات، بل هي أمكنة نابضة بالحياة والبحث في مكنونها الجمالي بقالب فنِّي بحت مُتعة لا تُضاهى."

مقالات مشابهة

  • تطورات "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة 3 أغسطس
  • اختتام الدورة الخامسة “طوفان الأقصى” لكوادر وزارة الشباب
  • اسماعيل الشيخ يكتب: صناعة المحتوى في زمن الفقاعة
  • هل اللوحة مرجع بصري لأرشفة المعمار العماني؟
  • تطورات "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة 2 أغسطس
  • «تعريفات ترامب» تعيد ترتيب المشهد الاقتصادي العالمي
  • ما السر في طول أمد معركة “طوفان الأقصى”؟
  • تطورات "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة 1 أغسطس
  • عمليات كتائب القسام ضمن معركة "طوفان الأقصى" 31 يوليو
  • اختتام دوري طوفان الأقصى الكروي بمديرية السياني