تتزايد وجوه الشبه الواضحة لجرائم الإبادة الإسرائيلية في غزة، مع كل ما سبقها من جرائم حرب في التاريخ المعاصر، فجريمة تجويع غزة، بتشديد إسرائيل الحصار على أكثر من مليوني فلسطيني، تُضاف لسلسلة جرائم إسرائيلية دمرت حياة الفلسطينيين هناك، بعد استهداف كل قطاعات الحياة المحيطة بهم. وهي من حيث التوصيف والفعل والسلوك، تتفوق بأحد جوانبها على ما سبقها من جرائم حرب وإبادة وضد الإنسانية، والتي ساهمت مع أمور أخرى، في رفع بعض الأصوات الخجولة على مستوى الأمم المتحدة للتحذير من عواقب استخدام الجوع كسلاح ضد المدنيين، الذين استُخدمت وجُربت ضدهم وعلى أجسادهم وبيوتهم وأرضهم كل أنواع القنابل والصواريخ الحديثة التي خلفت مآسٍ وكوارث لم ينفع التحذير السابق من "العواقب" في منع إسرائيل من المضي في الجريمة.
الصور والشهادات والتقارير القادمة من غزة، تشير إلى استخفاف إسرائيل بالقانون الدولي، وإلى استهتار عربي ودولي بهذه الجرائم والعجز عن التحرك الفوري لإنقاذ الضحايا.
الأساليب الوحشية الإسرائيلية في غزة تذكر العالم بأساليب نازية وفاشية وبربرية، وحرب التجويع واحدة منها، وتُذكر الفلسطينيين بمعظم الإجابات التاريخية على سؤال كيف حدثت نكبتهم الأولى عام 1948؟ وكيف هُزمت جيوش أنظمة عربية بإعادة احتلال كل فلسطين عام 1967، وكيف حدث الخذلان الكبير لتمرير الفاجعة الفلسطينية.
ما تلقاه قضية فلسطين من تأييد شعبي حول العالم، بصفتها قضية تمس المجتمع البشري إنسانيا وحضاريا وبوصلة للعدالة الإنسانية، يطرح سؤالا على معظم السياسيين العرب ونخبهم وقادتهم، الذين يتابعون مجريات جريمة الجوع والإبادة الجماعية: هل تمت استعارة مواقف غربية وأمريكية في الصمت والخذلان، لتكون خجولة ومخزية لهذا الحد، وبأن تكون معدومة في الشوارع العربية
معظم السياسيين والمؤرخين والدبلوماسيين في الغرب يتابعون مجريات جرائم إسرائيل في غزة، ويتخذون من أسلوب الصمت عن وحشية إسرائيل، بعدم تفسيرها في سياق القانون الدولي الإنساني، أسلوب يؤكد على مبدأ النفاق الممارس بالقانون الدولي كله، من خلال تكريس خطاب غربي مستند للسردية الصهيونية بالمطلق، على الأقل بعد بدء إسرائيل العدوان الشامل على غزة، والذي رسمته الحكومات الغربية مع الولايات المتحدة وفق سردية صهيونية، دون تمييز لدوافع الشعب الفلسطيني للتحرر من الاحتلال وحقه في الحرية والعدالة وفي مقاومة الاحتلال، فمنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، توحد الخطاب الرسمي الغربي في خلط مقصود بين معاداة السامية وإدانة إسرائيل، للتهرب من استحقاق تبعات جرائم الإبادة والتطهير العرقي في غزة.
لكن، لا يمكن شرح الصمت عن جريمة الجوع في غزة، وتطبيق إسرائيل حرفيا لمبدأ التعامل مع مليوني فلسطيني كـ"حيوانات بشرية" بإبادتهم والتخلص منهم، إلا وفق التساهل مع بقية الجرائم الإسرائيلية، التي دمرت وحرقت المستشفيات والمدارس، واستهدفت تجمعات السكان المدنيين في بيوتهم والنازحين في خيامهم، وقتل الصحفيين والأطباء والمسعفين، واستهداف فرق الإغاثة وتدمير مضخات المياه والصرف الصحي وشبكات الكهرباء، وتشديد الحصار ومنع إدخال أي مساعدات لغزة، فمن نجا من الإبادة، أطفالا ونساء وشيوخا، يواجهون مصير الموت جوعا.
وشرح السياسة الصهيونية المتّبعة مع الشعب الفلسطيني عموما، يكمن في العقيدة التي يحملها قادة إسرائيل وحكوماتها المتعاقبة للشعب الفلسطيني، فعقيدة الإبادة متجذرة وراسخة في هذه العقلية، منذ النكبة عام 1948، فالتهجير والجرائم الاستعمارية لم تنته ولن تتوقف عند حدود غزة، يكفي مراقبة سلوك وسياسات الاحتلال الاستعمارية المتبعة في الضفة والقدس وعلى سكان فلسطينيي الداخل المحتل عام 1948، مع العربدة الصهيونية في المنطقة العربية على نطاق هائل لفهم سياسة الإبادة والفصل العنصري.
ما تلقاه قضية فلسطين من تأييد شعبي حول العالم، بصفتها قضية تمس المجتمع البشري إنسانيا وحضاريا وبوصلة للعدالة الإنسانية، يطرح سؤالا على معظم السياسيين العرب ونخبهم وقادتهم، الذين يتابعون مجريات جريمة الجوع والإبادة الجماعية: هل تمت استعارة مواقف غربية وأمريكية في الصمت والخذلان، لتكون خجولة ومخزية لهذا الحد، وبأن تكون معدومة في الشوارع العربية، على الأقل غياب تحركات شعبية وسياسية رافضة للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني وتكون ضاغطة على حكوماتها؟ وهذا بفضل بعض السياسات العربية الممالأة مواقف الإدارة الأمريكية من إسرائيل.
وفي المقابل، ليس من الواقعي الافتراض أن سياسة فلسطينية رسمية ستتمكن بسهولة وبساطة من التغلب على معيقات كبلت نفسها بها لمنع شعبها من الانخراط في دعم أشقائه في غزة، والتعبير عن رفضه ومواجهته للمشروع الاستعماري الصهيوني فوق أرضه.
تكتيك الفشل العربي المتبع في مواجهة العدوان الإسرائيلي غزة، هو باللجوء لنفس المفردات والعبارات والاجتماعات، على مستوى قمة زعماء أو وزراء، ثم قراءة بيانات تحذير وشجب وغيرها من كلام، بالتوازي مع كل ما فضحته سياسات غربية وأمريكية ارتكزت لفشل عربي وممارسة النفاق للاحتلال مع فارق التأكيد بدعم القول بالفعل بمد الاحتلال بكل وسائل إكمال الجريمة، مقابل خذلان عربي شامل رسمي وشعبي، كل ذلك تجاوز مراحل العجز إلى مرحلة التواطؤ في الجريمة
وعليه فالتأييد الشعبي في مجتمعات غربية لقضية فلسطين غير كافٍ للتعويل عليه لوقف المشروع الصهيوني، في ظل الاستكانة العربية بمديح المواقف الدولية وإعفاء الذات من مسؤولية مواقف جادة من العدوان الإسرائيلي في غزة والضفة والمنطقة العربية، ما لم تستجب سياسة عربية لمصالحها الوطنية بكل أبعادها وتفاصيلها للتعويل على قدرة ذاتية لمواجهة عدوان سيصل كل المنطقة بحسب أطماع نتنياهو المبشر بشرق أوسط جديد، عنوانه عزل فلسطين قضية وشعبا عن محيطها العربي، والاستفراد بها وتصفيتها هو مفتاح لهذا التغيير المنشود بحسب أوهامه وأوهام حلفائه في محور التطبيع والتحالف العربي.
المواقف من جرائم الإبادة الجماعية في غزة، ومن جريمة التجويع، تجعل من آفاق القضية الفلسطينية قاتمة للغاية، والعدوان على غزة أصبح كاشفا لمعظم ديمقراطيات العالم الحاضرة في الأمم المتحدة، للدفاع عن ميثاق وشرعية حقوق الإنسان وحريته، وللأسف الشديد ما نشهده من تحولات دراماتيكية للتنصل من القضية الفلسطينية عربيا، ومن خلال تجريم وشيطنة مقاومتها، ومنع التعاطف مع عدالتها، يخدم جرائم الإبادة الجماعية من حيث يدري البعض أو لا يدري بأن هذه السياسة تقوض مبادئ العدالة الدولية وتضعف مواقف عربية تواجه مخاطر توسعية صهيونية. فالمجاعة التي تتعرض لها غزة لا يتحمل مسؤوليتها الاحتلال فقط، بل كل من هو قادر على إيصال المساعدات، وفك الحصار وفرض عقوبات على الاحتلال انطلاقا من مبادئ القانون الإنساني الدولي وتنفيذا له.
تكتيك الفشل العربي المتبع في مواجهة العدوان الإسرائيلي غزة، هو باللجوء لنفس المفردات والعبارات والاجتماعات، على مستوى قمة زعماء أو وزراء، ثم قراءة بيانات تحذير وشجب وغيرها من كلام، بالتوازي مع كل ما فضحته سياسات غربية وأمريكية ارتكزت لفشل عربي وممارسة النفاق للاحتلال مع فارق التأكيد بدعم القول بالفعل بمد الاحتلال بكل وسائل إكمال الجريمة، مقابل خذلان عربي شامل رسمي وشعبي، كل ذلك تجاوز مراحل العجز إلى مرحلة التواطؤ في الجريمة، من خلال التحلل الظاهر في إنقاذ الغزيين. والتواطؤ بمراقبة عدوان المحتل المتسع في الضفة والقدس وسوريا ولبنان واليمن، هو نجاح لسياسة نتنياهو الذي يتفاخر بأن إسرائيل تسعى لتغيير الشرق الأوسط، وفي بعض سياسات عربية بعودتها لقرع طبل نزعتها القُطرية بعيدا عن قضية فلسطين وشعبها، فهذا إنجاز إسرائيلي متميز لمحاولة فسخ عرى دعم عربي لقضية فلسطين، كيف لا والإبادة وحرب الجوع تنفذ على مرأى ومسمع عواصم قريبة وبعيدة في هذا الكوكب.
x.com/nizar_sahli
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الإسرائيلية غزة جرائم فلسطيني التواطؤ إسرائيل فلسطين غزة جرائم تواطؤ قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات رياضة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإبادة الجماعیة جرائم الإبادة قضیة فلسطین فی غزة
إقرأ أيضاً:
عشرات الشهداء في غزة وتحذير دولي من جرائم الاحتلال بالقتل والتجويع
قالت مصادر في مستشفيات غزة إن 72 فلسطينيا استُشهدوا بمناطق عدة في قطاع غزة منذ فجر أمس الخميس، بينهم 7 قرب مراكز توزيع المساعدات، وسط تحذير دولي من تداعيات المأساة التي يعيشها سكان القطاع بسبب الاحتلال الإسرائيلي.
وقد أكد مصدر طبي في "مستشفى شهداء الأقصى" في دير البلح أن المستشفى استقبل 17 شهيدا، بينهم أطفال، بعد قصف مسيرات إسرائيلية منطقة السوق المركزي في المدينة.
وقال المركز الفلسطيني للإعلام إن جيش الاحتلال نفذ عمليات نسف ضخمة للمباني السكنية في المناطق الشرقية لمدينة غزة.
وأضاف المركز أن جيش الاحتلال فجّر 3 روبوتات مفخخة في محيط شارع مسعود شرق جباليا البلد شمال قطاع غزة.
وفي خان يونس، شيّع فلسطينيون جثامين 7 أشخاص استُشهدوا في قصف لقوات الاحتلال استهدف خياما تؤوي نازحين بمنطقة المواصي، غربي المدينة.
وقصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية عددا من المنازل في منطقة أبو إسكندر بحي الشيخ رضوان شمال غرب مدينة غزة، وأظهرت صور خاصة بالجزيرة اللحظات الأولى التي أعقبت القصف الذي ألحق القصف دمارا كبيرا بالمنازل.
سوء التغذيةفي السياق ذاته، أفادت مصادر طبية بمستشفى المعمداني في مدينة غزة بوفاة الطفل الرضيع أحمد طليب نتيجة سوء التغذية والجفاف، ليرتفع بذلك عدد الشهداء الأطفال نتيجة سوء التغذية في قطاع غزة إلى 61 طفلا، حسب المكتب الإعلامي الحكومي بغزة.
وذكرت وزارة الصحة في غزة أن 70 ألف طفل يعانون من أعراض صحية نتيجة سوء التغذية، ومنع الاحتلال إدخال حليب الأطفال للقطاع منذ 4 أشهر.
وكانت منظمة اليونيسيف قد أشارت في تقرير لها إلى ارتفاع عدد الأطفال الذين تم إدخالهم للعلاج من سوء التغذية الحاد بنسبة 50% الشهر الماضي، مقارنة بشهر أبريل/نيسان الماضي.
من جهتها، قالت غادة الحداد، مسؤولة الإعلام والاتصالات بمنظمة "أوكسفام"، إن الأوضاع الإنسانية في غزة كارثية وتتدهور، ويصعب وصفها.
إعلانوفي حديث للجزيرة، قالت الحداد إن القطاع يعاني نقصا في كل الإمدادات الغذائية والطبية، وشددت على أن إسرائيل تستخدم التجويع كسياسة حرب، وتتعمد قصف منشآت المياه.
نقطة تحولبدوره، حذر المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) فيليب لازاريني من نقطة تحول تمر بها الأرض الفلسطينية المحتلة، ومن أن اللاجئين الفلسطينيين يعيشون قلقا عميقا، في حين يتم تدمير "الأونروا" التي اعتمدوا عليها لأجيال.
وقال لازاريني إن العالم يشهد تنفيذ مشروع استغرق إعداده عقودا، لفصل الفلسطينيين عن فلسطين، معتبرا أن آلية توزيع المساعدات الحالية في قطاع غزة كارثية، ومذلّة، وتزهق الأرواح، وهي تتويج بشع لأكثر من 20 شهرا من التقاعس والإفلات من العقاب، راح ضحيتها 55 ألف شخص، أغلبهم من النساء والأطفال.
وأضاف لازاريني أن كل هذا يأتي في وقت تتفاقم فيه آثار ما وصفها بالعمليات العسكرية الوحشية التي تنفذها القوات الإسرائيلية بالضفة الغربية المحتلة تتواصل فيه عمليات الضم والتهجير.
عقوبات محتملةفي السياق ذاته، حذّر رئيس "شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية" في قطاع غزة أمجد الشوا من تداعيات التصعيد الخطير للاحتلال ضد القطاع.
وقال الشوا، في مقابلة مع الجزيرة، إن عمليات استهداف من يسعى للحصول على مساعدات غذائية تستدعي تحركا عاجلا لوقف هذه الآلية.
كما دعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بشكل فوري ودون عوائق.
وأكدت فون دير لاين خلال القمة الأوروبية في بروكسل دعوتها "لوقف دائم لإطلاق النار والإفراج عن الرهائن في قطاع غزة".
وكان البيان النهائي للقمة الأوروبية التي عُقدت في بروكسل قد أجّل الحسم في مسألة عقوبات محتملة على إسرائيل إلى اجتماع وزراء خارجية الاتحاد المقرر في منتصف الشهر المقبل.
وقد دان بيان للقمة التصعيد والعنف الاستيطاني والتوسّع غير القانوني للمستوطنات والعمليات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية.
ودعا البيان إلى فرض عقوبات على المستوطنين المتطرفين والداعمين لهم، مشيرا إلى أنه ستتم مناقشة تقرير بشأن امتثال إسرائيل لاتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في يوليو/تموز.
كما دعا الاتحاد الأوروبي إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، والإفراج غير المشروط عن جميع المحتجزين، وطالب إسرائيل برفع الحصار بالكامل، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.
وندد البيان بالوضع الإنساني الكارثي في غزة، خاصة المجاعة وسقوط الضحايا المدنيين، محمّلا حركة حماس المسؤولية "عن رفضها تسليم الرهائن المتبقين"، ودعا إلى مزيد من العقوبات عليها.