القامشلي- تحت غطاء بلاستيكي مهترئ في منطقة الجزيرة السورية، ينحني المزارع محمد لتفقد شتلات الخيار والباذنجان الصغيرة التي يحاول إنقاذها من حرارة مبكرة، بعدما خسر من موسم القمح بالكامل.

في هذه المنطقة لم يعد المزارعون يتحدثون عن "الموسم"، بل عن "محاولات للبقاء". فقد زرع محمد الشتاء الماضي أكثر من 90 دونما من القمح والكمون، لكنها "ذهبت كلها هباء، بلا نقطة مطر تسندها".

لقد انتهى الموسم الشتوي قبل أن يبدأ، ولم يكن أمام محمد سوى الزراعة الصيفية باستخدام الطاقة الشمسية لتشغيل مضخة المياه، كخيار أخير لتقليل التكاليف والنجاة من الإفلاس.

ولم يكن محمد المزارع الوحيد الذي واجه المصير ذاته، بل هو نموذج لعشرات الآلاف في منطقة الجزيرة السورية ممن تغيّرت حياتهم جذريا بسبب الجفاف وتغير المناخ وغياب دعم حكومي فعلي.

زراعة تختنق

تمتد الجزيرة السورية -المنطقة الواقعة بين نهري دجلة والفرات- على مساحات زراعية كانت تُعرف لعقود بأنها "سلة غذاء سوريا"، إذ كانت تنتج معظم القمح والشعير في البلاد.

لكن منذ عام 2019، فقدت هذه الأراضي لونها الأخضر، وبدأت تتحول إلى مساحات شاحبة لا تَعِد بشيء. وتبدّلت ملامح المشهد الزراعي بشكل دراماتيكي.

الجزيرة السورية تُعرف بكونها سلة غذاء سوريا (الجزيرة) تغيّر المناخ وتراجع الأمطار

وبحسب تقارير محلية، تراجع إنتاج القمح في الحسكة من 805 آلاف طن عام 2020 إلى أقل من 210 آلاف طن الموسم الماضي، أي بخسارة تتجاوز 74% من حجم الإنتاج.

إعلان

ويعتمد نحو 70% من الأراضي الزراعية السورية على الأمطار، مما جعلها أولى ضحايا التغير المناخي.

وتفاقمت الأزمة مع غلاء الأسمدة، وشحّ البذور، وارتفاع كلفة الوقود أو ندرته، إضافة إلى تدهور شبكات الري، وانخفاض منسوب المياه الجوفية.

انسحاب من القمح

وفي هذا السياق، قرر عيسى (مزارع خمسيني من ريف الحسكة) التخلي هذا العام عن زراعة القمح بعدما خسر كامل موسمه السابق على مساحة 15 دونما.

"لم أعد أحتمل الخسارة. زرعت 8 دونمات فقط من القطن، واستخدمت ألواح طاقة شمسية بالتقسيط لتشغيل مضخة المياه. النجاة هنا لا تعتمد على سياسة زراعية، بل على الشمس"، يقول عيسى للجزيرة نت.

أما محمود -وهو مزارع آخر من المنطقة- فاختار اللجوء إلى زراعة الخضروات الصيفية في أنفاق بلاستيكية، لكنها "مغامرة محفوفة بالقلق"، كما يقول.

ويضيف: "نزرع بقلق، ونعرف أن الفشل وارد، لكن لا بديل لدينا".

ويشكو المزارع من ارتفاع أسعار الأسمدة، وانعدام الدعم، ويصف الوضع الزراعي في الجزيرة السورية بأنه "مقامرة خاسرة".

خطر على الأمن الغذائي

يحذّر المهندس الزراعي مصطفى علي من أن ما يحدث في الجزيرة السورية يتجاوز كونه موسما سيئا، ويشكّل -وفق حديثه للجزيرة نت- "تحولا إستراتيجيا خطيرا في مستقبل الأمن الغذائي لسوريا".

ويضيف أن "غياب خطة حكومية واضحة لدعم الفلاحين في مواجهة التغيرات المناخية أدى إلى انسحاب تدريجي من زراعة المحاصيل الإستراتيجية، وعلى رأسها القمح، الذي كان يمثل لعقود عنوانا للسيادة الزراعية السورية.

ويتابع أن "أكثر من 90% من السكان في المنطقة يعيشون تحت خط الفقر، وفق تقارير أممية، وفي الوقت ذاته تنهار قدرتهم على إنتاج الغذاء، خصوصا في مناطق كانت تقود الزراعة في البلاد".

ويستطرد: "إذا لم يكن هناك تدخل فعلي وإستراتيجية طارئة لدعم الإنتاج الزراعي، فقد نجد أنفسنا أمام أزمة غذائية وطنية تبدأ من مزارعي الجزيرة ولا تنتهي على موائد السكان".

إعلان

وبينما يستمر المزارعون في الجزيرة السورية باللجوء إلى بدائل صيفية في محاولة لتقليل الخسائر، تبقى الأزمة أعمق من مجرد تبديل موسم أو محصول.

في غياب دعم فعلي، ومع استمرار الجفاف وارتفاع التكاليف، يبدو أن الزراعة في الجزيرة السورية باتت على مفترق طرق.. فإما دعمٌ طارئ، أو مجاعة قادمة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات فی الجزیرة السوریة

إقرأ أيضاً:

"المطاحن العُمانية" تستقبل أكثر من 8 آلاف طنّ من القمح المحلي دعمًا للأمن الغذائي

مسقط- الرؤية

بدأت شركة المطاحن العُمانية استقبال القمح العُماني خلال هذا الموسم من المزارعين العُمانيين، في امتداد لنهج الشركة في استثمار المنتج الوطني من القمح لإنتاج الطحين حتى يكون متاحًا في الأسواق، وانطلقت عملية الاستلام في مقر الشركة بولاية مطرح تحت رعاية سعادة الدكتور أحمد بن ناصر البكري وكيل وزارة الثروة الزراعيّة والسمكيّة وموارد المياه للزراعة.

ومن المتوقع أن تصل كمية القمح العُماني التي تستقبلها الشركة هذا الموسم أكثر من 8 آلاف طن من إجمالي نحو 10 آلاف طن متوقع في حصاد هذا الموسم؛ حيث إن الشركة تدعم المزارعين بشراء أصناف من القمح العُماني عبر برنامج شراء القمح الذي يستمر للسنة الخامسة على التوالي، ويتعزّز من التوسع في زراعة المحصول بالتعاون مع وزارة الثروة الزراعيّة والسمكيّة وموارد المياه، وتطوير منتجات القمح العُماني (البر العُماني).

وقال هيثم آل فنة العريمي الرئيس التنفيذي لشركة المطاحن العُمانية إن المطاحن العُمانية تعمل على تحقيق غايات رؤية "عُمان 2040" لتمكين المشروعات العُمانية وتشجيع الاستثمار الزراعي وإن شراء القمح المحلي يوفر سوقًا مستقرة لمحصول القمح المحلي، مما يشجع المزارعين على الاستمرار في زراعته كما يعزز الدخل الريفي ويُسهم في تنمية المجتمعات الزراعية. وأضاف أن عملية الشراء توجد حلقة اقتصادية مكتملة بين المزارع، والمستهلك المحلي إضافة إلى دعم الصناعات المرتبطة مثل النقل، والتخزين، والخدمات اللوجستية فضلا عن التقليل من البصمة الكربونية المرتبطة بنقل واستيراد القمح من الخارج ما يعزز أهداف التنمية المستدامة.

وأكد العريمي على أن المطاحن العُمانية تعمل على تمتين منظومة الأمن الغذائي بسلطنة عُمان وتعزيز وجود الإنتاج الوطني الزراعي في سوق الغذاء، مع دعم المزارعين العُمانيين وتمكينهم من الدخول في سوق المنتجات الغذائية من خلال إنتاج طحين البر الذي تنتجه الشركة الذي يعد أول مشروع لإنتاج الطحين من خام قمح عُماني بنسبة مائة بالمائة في تاريخ الصناعة الغذائية في سلطنة عُمان.

مقالات مشابهة

  • الأمن الغذائي.. 4.779 مليار جنيه استثمارات مشروعات الزراعة في خطة 2025/2026
  • وزير الزراعة يكلّف محمد الخطيب بتسيير أعمال المدير التنفيذي للإصلاح الزراعي
  • وزير الزراعة يكلف محمد الخطيب بتسيير أعمال المدير التنفيذي للإصلاح الزراعي
  • "المطاحن العُمانية" تستقبل أكثر من 8 آلاف طنّ من القمح المحلي دعمًا للأمن الغذائي
  • عاجل- مدبولي يتفقد مشروعات استراتيجية في مجال الأمن الغذائي والتجارة اللوجستية
  • “تحقيق الأمن الغذائي”.. تنفيذي سنجة يبحث تحديات الموسم الزراعى مع وزير الانتاج بسنار
  • الإبل في الحدود الشمالية ثروة طبيعية تعزز الأمن الغذائي والاقتصاد المحلي
  • تتجاوز 7.5 مليون رأس.. الإبل في الحدود الشمالية ثروة طبيعية تعزز الأمن الغذائي والاقتصاد المحلي
  • وزير الزراعة يبحث مع الفاو خطة التعاون لتحقيق التعافي في القطاع ‏الزراعي
  • وزير الزراعة يبحث مع منظمات عالمية تطوير المتحف الزراعي وحديقة الأسماك