لماذا ستخسر الولايات المتحدة معركتها مع الصين؟
تاريخ النشر: 6th, May 2025 GMT
يوم التحرير الذي خصصه دونالد ترامب للإعلان عما يُفتَرض أنها رسوم جمركية متبادلة ضد معظم بلدان العالم تحوَّل بعد تراجعه المتعجِّل عنها تحت ضغط الأسواق إلى حرب تجارية مع الصين. وربما هذا ما كان مقصودا أو غير مقصود منذ البداية.
إذن، هل يمكن أن يكسب ترامب هذه الحرب ضد الصين؟ في الواقع، هل يمكن للولايات المتحدة بعد عودة ترامب الثانية أن تأمل في التفوق في تنافسها الأوسع نطاقا مع الصين؟ الإجابة على السؤالين هي بالنفي.
كتب ترامب في تدوينة عام 2018 «الحروب التجارية جيدة ومن اليسير كسبها» كفكرة عامة هذا غير صحيح. فالحروب التجارية تؤذي كلا الطرفين. وفي حين من الممكن أن تنتهي الحرب التجارية بالتوصل إلى اتفاق يفيد كلا الجانبين إلا أن هذه النتيجة مستبعدة، بل من المرجح أن يفيد أي اتفاق من هذه الشاكلة أحد الطرفين على حساب الطرف الآخر. ومن المفترض أن مثل هذا الاتفاق هو ما يأمل فيه ترامب. أي أن تكسب الولايات المتحدة وتخسر الصين.
في اللحظة الراهنة تفرض واشنطن رسما جمركيا بنسبة 145% على الواردات الصينية فيما تفرض بكين رسما بنسبة 125% على الولايات المتحدة. كذلك فرضت الصين قيودا على صادرات «المعادن النادرة» للولايات المتحدة.
هذه الرسوم في الواقع حواجز عالية جدا ومانعة للتجارة. ويبدو مثل هذا الوضع «مواجهة لا يمكن أن ينتصر فيها أي طرف» بين القوتين العظميين؟ يميل المرء إلى الاعتقاد بأن الخطة الأمريكية (إذا كانت هنالك خطة أصلا) هي إقناع الشركاء التجاريين بفرض حواجز ثقيلة على الواردات من الصين مقابل حصولهم على اتفاقيات تفضيلية في التجارة (وربما في مجالات أخرى كالأمن) مع الولايات المتحدة. لكن هل هذه النتيجة ممكنة؟ الإجابة بالنفي.
أحد أسباب ذلك أن الصين تملك أوراقا قوية أيضا، فهنالك العديد من القوى المهمة التي لديها تبادل تجاري أكبر مع الصين مقارنة بالولايات المتحدة، من بين هذه البلدان استراليا والبرازيل والهند واندونيسيا واليابان وكوريا الجنوبية. نعم الولايات المتحدة سوقُ تصدير أكثر أهمية من الصين لبلدان عديدة مهمة لأسبابٍ من بينها العجوزات التجارية التي يشكو منها ترامب.
لكن الصين أيضا سوق مهمة لعدة بلدان.. بالإضافة إلى ذلك الصين مصدر واردات ضرورية لا يمكن إحلال العديد منها؟ فالواردات هي بعد كل شيء غرض التجارة.
الأهم أن الولايات المتحدة لم تعد مؤتمنة، فحين تتعامل على أساس المقايضات الآنية مع البلدان الأخرى تسعى دائما إلى الحصول على صفقات أفضل، ولا ينبغي لأي بلد «بكامل قواه العقلية» أن يرهن مستقبله لمثل هذا الشريك خصوصا في مواجهة الصين، وتعامُل ترامب مع كندا يشكل لحظة فاصلة. لقد ردَّ الكنديون عليه بإعادة انتخاب الليبراليين. فهل سيتعلم ترامب من هذا؟ هل يمكن للفهد أن يغير بُقَع جلده؟ هذه طبيعته. ترامب أيضا رجل اختاره الناخبون الأمريكيون مرتين.
الى ذلك، فك الارتباط مع الصين ينطوي على مخاطر، فالصين لن تنسى ومن المستبعد أن تغفر. وهي على الأقل تعتقد بأن شعبها أفضل في تحمل المعاناة الاقتصادية من الأمريكيين.
كما أن الحرب التجارية بالنسبة لها صدمة «طلب» أساسا في حين إنها للولايات المتحدة أساسا صدمة «عرض.» وإحلال الطلب المفقود أكثر سهولة من إحلال العرض المفقود.
الخلاصة، لن تحصل الولايات المتحدة على الاتفاقيات التي يبدو أنها تسعى إليها ولا على الانتصار الذي تأمل فيه على الصين. وافتراضي هو أن ترامب، مع اتضاح ذلك للبيت الأبيض، سيتراجع على الأقل جزئيا من حروبه التجارية معلنا الانتصار ثم يمضي في اتجاه آخر.
لكن ذلك لن يغير من واقع أن الولايات المتحدة تتنافس حقا مع الصين من أجل النفوذ الدولي. والمؤسف أن الولايات المتحدة اليوم ليست تلك الولايات المتحدة التي يريد العديدون منها أن تنجح في هذه المنافسة.
أمريكا ترامب لن تتفوق، فسكانها ربع سكان الصين واقتصادها بنفس حجم اقتصاد الصين فقط لأنها أوفر إنتاجا، ولا يزال نفوذها الثقافي والفكري والسياسي يفوق كثيرا نفوذ الصين لأن مبادئها وأفكارها أكثر جاذبية وأمكنها إيجاد تحالفات قوية تعزز هذا النفوذ مع البلدان المماثلة لها في توجهاتها. باختصار لقد ورثت أصولا ضخمة وتنعَّمت بها.
الآن دعونا ننظر فيما يحدث في ظل نظام حكم ترامب. ما يحدث مساعي تهدف إلى تحويل حكم القانون إلى أداة انتقام وتفكيك حكومة الولايات المتحدة واحتقار القوانين التي تشكل أساس الحكومة الشرعية والهجوم على البحث العلمي واستقلال الجامعات الأمريكية العظيمة. ما يحدث أيضا شنُّ الحروب على الإحصائيات الموثوقة والعداء تجاه المهاجرين على الرغم من أنهم ظلوا يشكلون قواعد نجاح الولايات المتحدة على مَرِّ الأجيال والإنكار الصريح لعلم الطب وعلم المناخ ورفض معظم الأفكار الأساسية في اقتصاديات التجارة.
هذا بالإضافة إلى مساواة قادة روسيا بقادة أوكرانيا أو حتى تفضيلهم عليهم والاحتقار العلني لتحالفات ومؤسسات تعاون يرتكز عليها النظام العالمي الذي أقامته الولايات المتحدة. كل هذا يحدث بواسطة حركة سياسية احتضنت تمرد يناير 2021 (اقتحام مبنى الكونجرس بواسطة أنصار ترامب عقب خسارته الانتخابات الرئاسية وقتها- المترجم.) نعم النظام الاقتصادي العالمي بحاجة حقا إلى تحسين. والحجة وراء مطالبة الصين بأن تتحول إلى النمو الذي يقوده الاستهلاك مُقنِعة جدا. ومن الواضح أيضا أن الكثير من الإصلاح مطلوب داخل الولايات المتحدة. لكن ما يحدث الآن ليس إصلاحا بل تحطيم لقواعد نجاح الولايات المتحدة في الداخل والخارج، وسيكون من الصعب تصحيح ذلك، وسيكون من المستحيل للناس نسيان من تسبب في ذلك وما تسبب في ذلك.
الولايات المتحدة التي تحاول إحلال حكم القانون والدستور برأسمالية المحاسيب الفاسدة لن تتفوق على الصين. والولايات المتحدة التي تتعامل مع البلدان الأخرى على أساس نفعي محض لن يُخلِص حلفاؤها في دعمها. العالم بحاجة الى الولايات المتحدة التي تنافس الصين وتتعاون معها. لكن للأسف في وضعها الحالي ستفشل فيهما كليهما.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة التی أن الولایات المتحدة مع الصین ما یحدث
إقرأ أيضاً:
دول الخليج هي التي ستملي سياسة أمريكا الخارجية
درج دونالد ترامب على أن يحقق مراده بطريقته. ولكن هذا قد يتغير هذا الأسبوع حينما يواجه الفوضى التي تسبب فيها في الشرق الأوسط. ففيما يبدأ رحلة على مدى ثلاثة أيام إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، يتعهد رئيس الولايات المتحدة بأمور عظام. وهو كدأبه واهم. فالواقع هو أن سياسات الولايات المتحدة المتهورة المتعارضة المهملة في المنطقة تحقق فشلا عاما. ولا غنى عن تصحيح مسار جذري.
وقادة الخليج لديهم من القوة ما يتيح تقويم مسار ترامب، لو أنهم قرروا استعمال هذه القوة. فهو يعتمد عليهم اعتمادا غير مسبوق ـ يفوق كثيرا اعتماده على أوروبا ـ بوصفهم وسطاء دبلومسيين، وشركاء أمنيين، وداعمين ماليين. والنهج الذي يتبعه في فلسطين فيوشك أن يبلغ بها نكبة ثانية هو مزيج من الانحياز والقسوة والجهل المحض. ودونما عون من العرب، قد تبقى الولايات المتحدة وإسرائيل في شرك مأزق سياسي مدمر لا نهاية له.
يعرف ترامب أنه ليس بوسعه تجاهل رؤى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ونظرائه في الخليج بشأن غزة وسوريا واليمن. وهم يعارضون محاربة إيران التي سبق أن هددت بها الولايات المتحدة وإسرائيل. وترامب بحاجة إليهم حلفاء له في نزاعه التجاري والجمركي مع الصين. وقد استضاف دبلوماسيون خليجيون محادثات سلام أوكرانية روسية دعمها ترامب شخصيا. وهو حريص أشد الحرص على إبقاء أسعار النفط على انخفاضها.
فضلا عن أنه طامع في صفقات استثمارية ومبيعات سلاح في الشرق الأوسط بمليارات الدولارات.
غير أن للدعم الخليجي ثمنا لا بد من دفعه. وانظروا على سبيل المثال إلى أمل ترامب في توسيع ما يعرف بالاتفاقات الإبراهيمية لتطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية. فمهما يكن ما يقوله ترامب، يتعهد محمد بن سلمان بأن هذا لن يحدث بدون ضمان تقدُّم نحو دولة فلسطينية مستقلة، وذلك احتمال تمقته حكومة إسرائيل. وقد وصف محمد بن سلمان ما وقع من قتل بعد السابع من أكتوبر لأكثر من اثنين وخمسين ألف فلسطيني في غزة بـ«الإبادة». وفي الرياض، سوف يلاقي ترامب ضغطا كبيرا لإنهاء الحصار الإسرائيلي وإعادة فرض وقف إطلاق النار.
تزداد العلاقات الأمريكية الإسرائيلية توترا، في ظل رفض ترامب حتى الآن الدعوات لإضافة العاصمة الإسرائيلية إلى جدول زيارته. وبغض النظر عن أثر الرهائن الإسرائيليين الذين لا يزالون محتجزين لدى حماس، فإن بنيامين نتنياهو وحلفاءه في اليمين المتطرف يخططون لاحتلال عسكري طويل الأمد لغزة ولعمليات طرد جماعي للفلسطينيين. وبرغم دعم ترامب قبل شهرين وحديثه الأهوج عن إقامة «رفييرا في الشرق الأوسط»، يبدو أنه قد أدرك متأخرا أن السلام لا يتحقق على هذا النحو.
ولقد فوجئ نتنياهو ـ المستمر في تحريضه للولايات المتحدة على الانضمام إلى إسرائيل في عمل عسكري ضد إيران هذا العام ـ بإعلان ترامب المفاجئ الشهر الماضي عن محادثات مع طهران حول البرنامج النووي. كما جاء تراجع ترامب الفجائي بالقدر نفسه الأسبوع الماضي بإنهاء الضربات الجوية الأمريكية لليمن بمثابة ضربة مفاجئة لإسرائيل المستمرة في قصف الحوثيين. ويأتي هذان التحولان في السياسة، بجانب تغير نبرة ترامب فيما يتعلق بغزة، نتيجة ضغط خليجي فعال.
كما يريد القادة العرب بدعم تركي أن يحجِّم ترامب عمليات إسرائيل العسكرية في لبنان، وفي سوريا بصفة خاصة التي تتعرض لضرباتها المتكررة منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر. فجميع أعضاء مجلس التعاون الخليجي الستة يؤيدون التعامل مع رئيس سوريا المؤقت أحمد الشرع وحكومته الائتلافية.
ويقول الشرع: إنه لا يريد القتال مع إسرائيل وينصب تركيزه على إعادة توحيد بلده المحطم. وقد أسفرت زيارته المهمة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر عن عروض سخية بمساعدات في إعادة الإعمار. غير أن ترامب، خلافا لبريطانيا والاتحاد الأوروبي، يرفض تخفيف عقوبات حقبة الأسد. وهذا خطأ جسيم يعرقل آمال السوريين في بداية جديدة، وقد يسمح لإيران وروسيا بالرجوع إليها. صحيح أن تحول سوريا إلى بلد ديمقراطي موال للغرب مغنم عظيم، لكنه يبدو في الوقت الراهن أشبه بفرصة مهدرة.
لو أن ترامب يريد أن يضمن دعم الخليج لأجندته الأوسع، فعليه أن يعطي في المقابل شيئا ذا قيمة. وقد يكون ذلك إحياء للاتفاق النووي الأمريكي الأوروبي لعام 2015 مع إيران في عام (الذي تراجع عنه بحماقة في عام 2018)، مع ضمان ألا يشن نتنياهو والمتشددون في طهران حربا أخرى. ويحتمل جدا أن يقدم ترامب على هذه الخطوة. فهو يزعم أنه «رئيس السلام». وهذه فرصته ليثبت هذا.
يمكن لاتباع أمريكا نهجا أكثر استنارة تجاه غزة وسوريا أن ينقذ أهدافا أخرى لترامب، من قبيل: تخفيض أسعار الطاقة وتعزيز الاستثمار الخليجي في الشركات والوظائف بالولايات المتحدة. ومواقف المملكة العربية السعودية محورية في كلا الأمرين. فالتخفيضات المستدامة في أسعار الوقود بالنسبة للمستهلك قد تهدئ ناخبي ترامب المحبطين وتساعد في ترويض التضخم في الولايات المتحدة. وقد طرح محمد بن سلمان في يناير صفقة استثمارية أمريكية لمدة أربع سنوات بقيمة ستمئة مليار دولار. وقد يليها المزيد.
فهل بوسع هذه الجزرة البدينة أن تكون السبب الرئيسي لاختيار ترامب للسعودية لتكون أول زيارة رسمية له بعد تنصيبه مثلما فعل في 2017؟ وثمة إغراء إضافي يتمثل في الاتفاقية الأمنية الأمريكية السعودية التي تشمل حزمة أسلحة أولية للرياض بقيمة مائة مليار دولار يجري العمل عليها. وسوف تنشأ فرص كثيرة لشركات ترامب العائلية أيضا لو كان لنا مؤشر في منتجع الجولف الفاخر في قطر. فرغبة ترامب العارمة في تحقيق الأرباح لا تتأثر أوهى تأثر باحتمال تضارب المصالح.
إن تنامي قوة ونفوذ دول الخليج حقيقة لا مهرب منها في الحياة الجيوسياسية والاقتصادية في القرن الحادي والعشرين. لكن لو كان ترامب رجلا أكثر شجاعة، وأكثر استقامة، لذهب إلى غزة في الأسبوع القادم ليرى بنفسه الخراب الذي تسبب فيه هو وحلفاؤه في اليمين المتطرف.
ولكنه لن يفعل هذا. فمعروف للكافة أن ترامب ليس هذا الرجل النبيل. ومعروف أيضا أنه ليس برجل دولة.
سيمون تيسدال معلق الشؤون الخارجية في صحيفة ذي جارديان.
عن الجارديان البريطانية