«قد يلجأ الناس إلى مدينة يظنّون أنّها فاضلة لتعويض ما فاتهم، ولكن الكمال غير موجود فـي الوجود» هذه هي الكلمة التي ثبّتها الكاتب أسامة السليمي فـي دليل عرض (يوتوبيا) الذي قدّمته جماعة خشبة المسرح ضمن فعاليات مهرجان جامعة ظفار للمسرح، وجاءت لتحمل الكثير من المفاتيح التي ننطلق منها لقراءة العرض الذي أخرجه محمد الحمداني، وأوّل هذه المفاتيح عنوان العرض (يوتوبيا)، فمنذ أن رسم إفلاطون عوالم (المدينة الفاضلة)، شغلت الفلاسفة والمفكّرين والأدباء، وناقشوها فـي أعمالهم الإبداعية، وكتبهم،
فالمجتمعات المثالية تبقى تسكن فـي أذهانهم، وتقيم فـي مدن الأحلام، وغالبا ما يلجأون إليها هربا من الواقع، كلما ضاقوا به، بحثا عن الأفضل، من هنا تبدأ مسرحية (يوتوبيا)، فالمهرجون يجرّبون حظّهم فـي هذه المدينة، بعد أن فشلوا فـي إثبات قدراتهم فـي مدينتهم -مدينة الفشل-، طمعا بالنجاح، يتقدّمهم (بهلوان) الذي لا يمتلك موهبة، وزوجته (مريوشة) المتقلّبة المزاج التي تحاول السيطرة على زوجها، وإثبات نفسها، أمام (دلدوحة) المسؤولة عن استقبال المهرجين الجدد و(ضحاكة) المسؤولة عن تدريبهم، ويستهل (بهلوان) المشهد الأول بالحديث عن العروض السابقة التي قدّمها ولم تنل نصيبا من النجاح، بل إن الجمهور رماه بالطماطم والعلب الفارغة، والسبب برأيه،
أن الفلاسفة صعب إرضاء أمزجتهم، وما دامت خيوط الإبداع بأيديهم، لذا أعلنوا حربا عليه وبقية المهرّجين وكما يرى، أن العروض التي يقدّمها الفلاسفة لا أحد من عامة الناس يفهمها، فهي موجهة للنخب، لذا وجدوا من الأفضل لهم مغادرة تلك المدينة، والقدوم إلى المدينة الفاضلة، ليجرّبوا حظّهم فـيها، والواضح أن المؤلف يعكس بهذا المشهد معاناة الممثلين الذين يقدّمون عروضا جماهيرية أمام النُخب المثقفة، فلن يحصلوا على اعتراف بمواهبهم، فـي المهرجانات، بل غالبا ما يهاجمهم النقّاد والأكاديميون،
ويتحدّثون عنهم من علوّ شاهق، ويوصفون ما يقدمونه من عروض بالإسفاف، وهذا يجعلهم يبحثون عن مدينة تحتضنهم، وتعوّضهم عن فشلهم، وتلك المدينة ستكون بالنسبة لهم (فاضلة) لأنهم يقطفون فـيها ثمار النجاح، وينالون السعادة التي يحلمون بها، وفـي المشهد الثاني الذي جاء تعبيريّا، يحمل المهرّجون صندوقا وحين يفتحونه يقفزون من الفرح، فذلك الصندوق لم يكن سوى صندوق النجاح الذي سرقوه ليستمدوا منه طاقة النجاح الأبدي فـيقسمون «سنصون المدينة ونحافظ على نجاحاتها وممتلكاتها وأن نفدي الصندوق بأرواحنا.
ويطلبون من الصندوق ممثلين ناجحين وتصيبهم المفاجأة عندما يدخل عليهم فجأة (بهلوان) و(مريوشة)، فـيرحّبون بالقادمين من مستنقع الفشل البعيد، وحين يفكران بتقديم عرض جديد يدركان أنّ الموازين تختلف فـي المدينة الفاضلة، وتتغيّر المقاييس، وقبل البدء يُذكّر (بهلوان) الجميع بصندوق النجاح المسروق من المستقبل، فهو ينطوي على جميع الأسرار التي يحتاجون إليها فـي رحلة النجاح، لكن سرعان ما داهمهم الشعور بالخيبة، فالصندوق لم يسعفهم، ولم يصدقوا (بهلوان) فالصندوق لا يختلف عن سواه من الصناديق، ويحتدم الصراع، وتقول (مريوشة) لسكّان المدينة «أنتم لا تختلفون عن الوحوش الخارجية التي تهدّم الأحلام وتغتصب الطموح»، وسألتهم: «المدينة الفاضلة بمن؟ أين الفضل الذي تتكلّمون عنه؟»، وتتفاجأ بأن الصندوق قد سُرق،
ولكن من السارق؟ يجيب الكاهن «السارق منكم وفـيكم أتى من البعيد الفاشل وعاش معكم ليسرقكم» ولم يكن السارق سوى (بهلوان)، وحين يعترف بفعلته ويُسجن ويقدّم للمحاكمة، يدخل فـي مساومة على الحكم، وينجح، ويقرّر جميع المهرجين تعيين (بهلوان) ملكا عليهم، لأن الألعاب كلها صارت فـي حوزته بعد سرقة الصندوق، وبهذا المشهد ينتهي العرض الذي جمع بين الفانتازيا والمقولات الفلسفـية، والتأملات،
والمفارقات الساخرة، واللعب على الخشبة بخفّة، ورشاقة، فتحوّلت إلى سيرك مهرّجين، وساعد العزف الحي والمؤثرات الصوتية فـي إضفاء جماليات سمعية على العرض، ومن خلال الأداء الحركي، عبّرت أجساد الممثلين عن الكثير من المضامين، وخصوصا محمد الحمداني الذي أدّى دور (بهلوان) وبشاير البادي التي أدت دور (مريوشة) إلى جانب بقية فريق العرض: الغالية اليعربية، أشجان الصبحية، ملهم الرواحي، أسعد عبدالرب،
ونجح المخرج محمد الحمداني فـي توزيع المجاميع على الخشبة، ورسم المشاهد، وتحريك قطع الديكور ضمن مساحات محسوبة بدقة، وأسهمت الإضاءة فـي تعميق أبعاده الدلالية، فقطف العرض جائزة أفضل إضاءة، مثلما قطف جائزة أفضل نصّ، وأفضل إخراج، وأفضل ممثلة (بشاير البادي) وأفضل عرض متكامل فـي المهرجان الذي كشف لنا من خلال هذا العرض وسواه العديد من الطاقات الشابة الموهوبة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المدینة الفاضلة
إقرأ أيضاً:
وزير الإدارة المحلية والبيئة لـ سانا: من أبرز المشاريع بحلب، مشروع الحيدرية، وهو مشروع سكني إستراتيجي لإعادة إعمار الأحياء المتضررة في مدينة حلب، بتكلفة تبلغ 40 مليون دولار، ويوفر بيئة عمرانية حديثة تلبي احتياجات المواطنين، ومول المهندسين بتكلفة تبلغ 25 م
2025-08-07SAMERسابق وزير الإدارة المحلية والبيئة المهندس محمد عنجراني لـ سانا: في إطار الخطة الوطنية للنهوض بكل القطاعات في مختلف المحافظات السورية، تم توقيع عدد من مذكرات التفاهم المهمة التي تهدف إلى إقامة مشاريع تنموية واستثمارية متكاملة تشمل قطاعات السكن، السياحة، البيئة، والخدماتالتالي وزير الإدارة المحلية والبيئة لـ سانا: من مشاريع حماة، مشروع وادي الجوز، وهو ضاحية سكنية وتجارية حديثة بتكلفة تبلغ 282 مليون دولار لتحسين الواقع السكني في المحافظة انظر ايضاًوزير الإدارة المحلية والبيئة لـ سانا: من مشاريع حماة، مشروع وادي الجوز، وهو ضاحية سكنية وتجارية حديثة بتكلفة تبلغ 282 مليون دولار لتحسين الواقع السكني في المحافظة
آخر الأخبار 2025-08-07وزير الإدارة المحلية والبيئة المهندس محمد عنجراني لـ سانا: في إطار الخطة الوطنية للنهوض بكل القطاعات في مختلف المحافظات السورية، تم توقيع عدد من مذكرات التفاهم المهمة التي تهدف إلى إقامة مشاريع تنموية واستثمارية متكاملة تشمل قطاعات السكن، السياحة، البيئة، والخدمات 2025-08-07خبراء الأمم المتحدة: سلاح التجويع الذي تستخدمه إسرائيل في غزة جريمة بموجب القانون الدولي 2025-08-07التربية تعلن نتائج شهادة التعليم الأساسي العام والشرعي غداً الجمعة 2025-08-07البداية من أوغاريت… تجهيز شواطئ مجانية للمصطافين في اللاذقية 2025-08-07الداخلية السورية تواصل ملاحقة داعش وفلول النظام.. أمن راسخ وخلايا تتساقط 2025-08-07وزير الأشغال العامة والإسكان يناقش مع محافظ إدلب الواقع السكني والمشاريع الاستثمارية في المحافظة 2025-08-07مصدر مسؤول في وزارة العدل لـ سانا: إحالة قضاة ما يسمى “اللجنة القانونية العليا” بالسويداء إلى التحقيق لمخالفتهم قانون السلطة القضائية 2025-08-07الرئيس الشرع يبحث مع وزير الخارجية التركي التطورات الإقليمية والعالمية 2025-08-07أيمن أبو غليون يوثق تجربته الرياضية الثورية من حمص إلى إدلب 2025-08-07بدء صيانة محطة أفاميا في حماة بعد توقف 14 عاماً لإعادة تشغيلها
صور من سورية منوعات مرصد كوبرنيكوس للتغير المناخي: العالم يسجل ثالث أكثر شهور تموز حرارة على الأرض 2025-08-07 اكتشاف معبد عمره 6 قرون وسط تركيا 2025-08-06
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |