الاستدامة بوصفها استراتيجية.. عُمان وامتحان التحول العادل
تاريخ النشر: 11th, May 2025 GMT
تبدأ غدًا فعاليات معرض ومؤتمر عُمان للبترول والطاقة وأسبوع عُمان للاستدامة لعام 2025، فيما يمكن أن يوصف بأنه منصة متكاملة تُجسد أهمية تأمين الطاقة واستدامتها. ويجسد المؤتمر الذي يحمل عنوان «التنمية المستدامة: تحقيق التوازن بين التقدم والحفاظ على البيئة» أحد أهم مفارقات المرحلة التي يعيشها العالم وتتمثل في الطريقة التي تبقي فيها الدول على محركات النمو بالقدر نفسه الذي تعمل فيه على كبح الانبعاثات الكربونية وتصفيرها.
وتكمن مفارقة هذا المؤتمر -وهي بالمناسبة مفارقة هذا القرن الذي نعيشه- في أن الدول التي لم تنهِ بعد سباقها التنموي، تُطلب منها الآن بدء سباق جديد نحو اقتصاد ما بعد الوقود الأحفوري، دون أن تُمنح الأدوات الكافية لخوضه. ومع أن الكثير من الدراسات تؤكد أن خريطة الطاقة العالمية يجب أن تتغير، إلا أن ما لا يُقال كثيرا هو إن هذا التغيير يجري على أرض غير مستوية.. فبينما تملك الاقتصادات المتقدمة البنية والتمويل والتكنولوجيا اللازمة لتقليل انبعاثاتها، تُطالب بقية الدول بالامتثال للمعايير ذاتها، لكن دون الأدوات ذاتها!
تدرك سلطنة عُمان هذا النوع من الرهان وتتحرك بوتيرة لافتة، تتجاوز أحيانا ما نشهده في بعض الاقتصادات المتقدمة للانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة، بل والعمل من أجل أن تكون الأولى عالميا في إنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم، وبدأت في بناء ممرات اقتصادية لتصديره بدءا من عام 2029.
تدرك عُمان تماما أن النفط لن يختفي غدا، لكنها في الوقت نفسه تعي أنه فقد صفته كمحرك استراتيجي للمستقبل؛لذلك فإن القيمة الحقيقية لهذا المؤتمر لا تكمن فقط في عرض الحاضر، بل في كيف يُعاد تصميم نموذج الطاقة الوطني ليستوعب متغيرات الغد: مزيد من الغاز، تكامل ذكي مع الهيدروجين الأخضر، ورقمنة تسهّل التحول ولا تقاومه.
لكن الاستدامة ليست مسألة طاقة فقط؛ إنها إعادة هيكلة للنمو ذاته، ولذلك فإن أسبوع الاستدامة يُمثل الوعي الصاعد بأن التحول لا يمكن أن يُدار من قطاع الطاقة وحده، حيث تشير الدراسات إلى أن الاقتصاد الدائري لم يعد مجرد خيار أخلاقي فقط، ولكنه بات ضرورة تجارية واستراتيجية، خاصة في الدول التي تعاني من محدودية الموارد وتضخم الفاقد.
ما يميز الرؤية العُمانية في موضوع الطاقة الأحفورية والطاقة الخضراء هو إدراكها أن الاستدامة ليست نقيضا للنمو، بل هي شرط استمراره؛ فالتنمية التي تُهدد بيئتها تستهلك مستقبلها، والنمو غير القابل للتكرار ليس نموا، بل هو ذلك التوهج الأخير الذي يسبق مرحلة الخفوت الدائم.
لكن يبقى السؤال: هل يمكن لهذا النوع من المبادرات أن يغيّر قواعد اللعبة؟ الجواب يتوقف على ما إذا كانت هذه الفعاليات ستتحول إلى أدوات لصياغة عقود جديدة للطاقة والاقتصاد، أو تظل مجرد تقاطع مناسبات بين وفود وشركات.
والتحول الحقيقي يقاس بمدى قدرة الحكومات على إعادة تعريف أولوياتها، وتوجيه الإنفاق نحو القطاعات التي تُنتج قيمة طويلة الأمد، لا فقط عوائد مؤقتة. وهذا يتطلب شجاعة سياسية لا تقل عن الجرأة التقنية وسلطنة عُمان، في هذا السياق، لا تصوغ فقط استراتيجياتها، بل تكتب فصلا مختلفا في علاقة العالم بالموارد، حيث لا يكون النفط عبئا تاريخيا، بل جسرا نحو مستقبل أكثر ذكاء.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التی ت
إقرأ أيضاً:
الفيتو الأبدي للغرب على الطاقة النووية العربية والإسلامية
تستمر الحرب الإسرائيلية – الأمريكية ضد إيران، وتستمر الخلاصات والنتائج في التبلور بشكل جلي وواضح، لتؤكد أن العالم العربي – الإسلامي يقف يتيما في مواجهة القوى الكبرى وسط التطورات الجارية ويعيش حالة أشبه بالتي أدت الى استعماره في القرن التاسع عشر والعشرين.
وعلى الرغم من وجود الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تضطلع بمهمة مراقبة الأنشطة النووية، أقدمت إسرائيل على شنّ هجوم على إيران، ثم تبعتها الولايات المتحدة بهدف تدمير المشروع النووي الفارسي، في انتهاك صارخ للقانون الدولي وتجاوزٍ للمساعي الدبلوماسية.
يأتي هذا التصعيد ليكرّس واقعًا بات من المسلّمات: رفضُ الغرب القاطع لامتلاك أي دولة عربية أو إسلامية لمشروع نووي، حتى وإن كان مخصصًا للأغراض السلمية، مثل إنتاج الكهرباء لتعزيز الصناعة أو تحلية مياه البحر.
فلا يمكن لأي دولة عربية أو إسلامية أن تطمح بامتلاك الطاقة النووية إلا بإذن مسبق وتحت رقابة صارمة من الدول الغربية. ولن يسمح الغرب بتكرار تجربة باكستان، التي نجحت في امتلاك السلاح النووي في لحظة فراغ جيو – سياسي، أعقبت سقوط جدار برلين ودخول العالم مرحلة من التشتت الإيديولوجي والسياسي والعسكري، ربما من حظ باكستان أنها بعيدة جغرافيا ولا يمكن لطيرانها الحربي مهاجمة هذا البلد الآسيوي.
لقد أصبحت إسرائيل أكثر من أي وقت مضى أداة رئيسية في يد الغرب بشقيه، العسكري والسياسي، الذي لا يريد أن يكون الحزام الجنوبي للبحر المتوسط من المغرب حتى باكستان مزدهرا وقويا ويمتلك مستقبلا اقتصاديا وأمنيا.
وكذلك أصبحت أداة في يد الغرب الديني بشتى فرقه ومذاهبه بين الكنيسة، التي لا تريد تكتلا إسلاميا تستعيد معه حقبة القرون الوسطى، عندما كانت الحضارة الإسلامية منارة وأوروبا ظلاما، ثم الجماعة المسيحية التي تؤمن بعودة المسيح المخلص من خلال سيطرة اليهود على الشرق الأوسط، ولعبهم دور مفجر الحرب الدينية الكبرى. هذه الجماعة التي لها تأثير كبير على صنع القرار الأمريكي، وترى في كل دولة عربية وإسلامية، وإن كان حكامها ليبراليين أو ملحدين خطرا يجب، ليس فقط احتواؤها وإنما إذلالها.
في خلاصة أخرى، لم يعد النقاش الغربي حول إيران مقتصرًا على مشروعها النووي، بل انتقل، إلى ضرورة تقييد برنامجها الصاروخي. وهي رسالة واضحة مفادها السيطرة على القدرة الصناعية الحربية لدول الجنوب وخاصة الإسلامية منها، حيث لا يجب أن تمتلك أسلحة متطورة تهدد بها مصالح الغرب أو مجرد تحقيق نوع من الردع النسبي ضد الاعتداءات، حتى لا تساهم في صنع القرار العالمي.
المعادلة صريحة من خلال التطورات الجارية في العلاقة بين الشرق والغرب وهي أنه: لا يُسمح لأي دولة جنوبية خاصة مسلمة امتلاك أسلحة متطورة قد تهدد المصالح الغربية أو تفرض نفسها شريكًا في صناعة القرار العالمي.
وعلى ضوء هذا، يتحوّل الأمن القومي لهذه الدول إلى ورقة يتحكم فيها الغرب، يُلوّح بها في كل المفاوضات، كما يقايض بها السيادة مقابل «الحماية» والحصول على الامتيازات الاقتصادية.
الرسالة الأعمق من كل ذلك هي أن الغرب يريد من الدول الإسلامية وخاصة إيران وتركيا وباكستان ألا تتجاوز عتبة تقنية عسكرية محددة حتى لا تشكل خطرا.
وهكذا، النموذج الإيراني اليوم ليس سوى حلقة أخرى ضمن مسلسل طويل. الغرب يتحيّن الفرصة لممارسة الضغوط نفسها على تركيا، التي طورت صناعة طائرات مسيّرة مقلقة، وربما تشفع لها مؤقتا عضويتها في الحلف الأطلسي، وعلى إسلام آباد، التي ما زال امتلاكها للسلاح النووي يثير التوجّس في العواصم الغربية التي قد تنتهز أي فرصة لضربها بدعم من الهند.
دائما في إطار ما كشفته هذه الحرب هو استمرار الغرب ككتلة موحدة برفقة إسرائيل في شن الحروب الكبرى، وخاصة في الشرق الأوسط، وتواصل الغرب في ضمان أمن الكيان. وعليه، تأتي هذه الحرب الجديدة لتفرض سؤالا جوهريا كذلك وهو هل يمكن لإسرائيل خوض الحرب بمفردها في مواجهة حركة أو دولة في الشرق الأوسط؟ اعتادت أصوات تبجيل القوة الإسرائيلية، ولكنهم تناسوا أنه في مواجهة حزب الله وحركة حماس، احتاجت إسرائيل لدعم غربي لا مشروط من السلاح والدعم الاستخباراتي. وكما يحدث الآن في المواجهة مع إيران: هل كانت إسرائيل، رغم تفوقها الجوي، ستصمد في حرب طويلة بدون سند عسكري غربي؟ الجواب لا. اعتدنا الحديث عن حروب إسرائيل والقوى المجاورة، سواء دول أو حركات، والواقع يجب أن نتحدث عن مواجهة الغرب لهذه الدول والقوى عبر إسرائيل.
مقابل هذا، أبانت روسيا والصين عن موقف يمكن اعتباره محتشما ومحدود التأثير، وهما البلدان اللذان وقعا مع طهران اتفاقيات استراتيجية بما فيها التعاون العسكري.
تدرك بكين وموسكو استهداف الغرب لإيران، وتدركان عدم توفر إيران على أنظمة دفاع جوي متقدمة، ورغم هذا، لم يبادر البلدان لتزويد القوات الإيرانية بأنظمة مثل إس 400 في الحالة الروسية مثلا.
يطرح هذا الواقع تساؤلًا جوهريًا: إلى أي مدى يمكن التعويل على روسيا وبكين كحليفين في أوقات الأزمات؟ فالتجارب السابقة تُظهر أن الدول التي اعتمدت بشكل كبير على دعم البلدين، ولا سيما روسيا التي كانت تدور دول في فلكها، انتهى بها المطاف إما إلى الهزيمة أو إلى التفكك، ما يعزز الشكوك حول مدى جدّية التزام موسكو وبكين تجاه حلفائهما، خاصة عندما تشتدّ الضغوط وتتطلب المواقف تدخلًا حاسمًا.
ويزداد التساؤل بحكم أن روسيا تبنت ومنذ العقد الماضي الدفاع عن الدول الحليفة والصديقة في عقيدتها الحربية. هذا التخاذل هو الذي جعل قائد الثورة الإيرانية علي خامنئي يدعو الى مطالبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم 23 الشهر الجاري لدعم أكبر.
في غضون ذلك، تأتي التطورات الإيرانية لتؤكد أن الموضوع النووي هو مظهر من مظاهر صراع الحضارات، لقد قرر الغرب أن يعرقل حصول أي دولة إسلامية على هذه الطاقة وإن تطلب الأمر الحرب، وهي الحرب التي تجري الآن.
القدس العربي