البلاد – جدة
في مشهد يعكس صعود السعودية كلاعبٍ محوري في السياسة الدولية، برزت الرياض كوسيط فاعل وحاسم في الأزمة الأخيرة التي كادت أن تشعل فتيل نزاع مفتوح بين الجارتين النوويتين “باكستان والهند”، فبينما التزمت أغلب العواصم العالمية بالتصريحات الدبلوماسية الحذرة، بادرت المملكة بخطوات ملموسة وسريعة، جعلتها الدولة الوحيدة التي أوفدت مبعوثًا خاصًا للبلدين، جامعًا بين ثقل العلاقات السياسية وحنكة التحرك الدبلوماسي.

هذا التحرك السعودي لم يأتِ من فراغ، بل تأسس على رصيد متراكم من الثقة لدى الطرفين، إذ تنظر باكستان إلى المملكة كشريك استراتيجي وتاريخي، فيما تنظر الهند بعين الاعتبار للدور المتوازن الذي تلعبه الرياض، خصوصًا مع تنامي العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين. لذلك، حين اشتعلت الأزمة عقب أحداث كشمير المؤلمة في أبريل 2025، لم يكن مستغربًا أن يلتفت العالم إلى الرياض بحثًا عن دور قيادي قادر على كبح التصعيد.
التحرّك الذي قاده سمو وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان من خلال اتصالات مباشرة مع نظيريه الهندي والباكستاني، تلاه إرسال وزير الدولة للشؤون الخارجية، عادل الجبير، في جولة مكوكية بين إسلام آباد ونيودلهي، مثل تطورًا نوعيًا في دبلوماسية الأزمات السعودية. تلك الزيارة لم تكن استعراضية، بل مثلت نقلة حقيقية باتجاه التهدئة، وهو ما أجمعت عليه التصريحات الإيجابية من الجانبين.
التقدير الصريح من رئيس الوزراء الباكستاني محمد شهباز شريف، والإشادة العلنية من وزير الخارجية محمد إسحاق دار بدور المملكة، بل وتصريح الأخير بأن “الوساطة السعودية أساسية في التوصل إلى وقف النار”، أكدت الرواية السعودية حول دورها المركزي. ورغم محورية الوساطة الأمريكية في اللحظة الأخيرة، إلا أن الجهود السعودية الموازية كانت هي من مهدت الأرضية السياسية والنفسية للقبول بالتهدئة.
إن إنهاء التصعيد في وقت قياسي -بعد أقل من أسبوعين من بدايته- لم يكن ليحدث لولا الثقة العالية التي يتمتع بها التحرك السعودي في الأوساط السياسية للبلدين، كما أن خصوصية الدور السعودي تكمن في قدرته على الجمع بين الطرفين دون إثارة حساسية الهند تجاه الوساطات الدولية، ولا شك أن هذا الإنجاز يعزز من صورة المملكة كقوة استقرار إقليمي ذات بُعد عالمي.
وفي ظل واقع دولي متقلّب، تبرهن السعودية أنها ليست مجرد لاعب اقتصادي في الأسواق العالمية، بل قوة دبلوماسية قادرة على إطفاء الحرائق في أكثر المناطق حساسية. وإذا كانت منطقة جنوب آسيا قد نجت من نيران حرب محتملة، فإن الفضل –وفق المؤشرات والتصريحات الرسمية– يعود أولًا إلى الرياض التي أثبتت أن الحكمة والسرعة في آنٍ واحد ليستا مستحيلتين في عالم السياسة.
وما يلفت الانتباه في أداء المملكة خلال هذه الأزمة ليس فقط المبادرة الفورية، بل القدرة على بناء مسار توافقي دون فرض شروط أو البحث عن مكاسب سياسية مباشرة، فالسعودية، التي تتبنى في سياستها الخارجية مفهوم “الدبلوماسية الهادئة الفاعلة”، استطاعت أن تتعامل مع الملف بحساسية شديدة، خصوصًا مع الفجوة العميقة بين المواقف الهندية والباكستانية، ورفض نيودلهي لأي تدخل خارجي في قضية كشمير. ومع ذلك، قبلت الهند استقبال المبعوث السعودي، وهو ما يعكس الإدراك الكامل لمكانة الرياض وتأثيرها.
الأوساط السياسية في جنوب آسيا، وحتى داخل مراكز الدراسات الغربية، بدأت تطرح تساؤلات بشأن ما إذا كانت السعودية بصدد بلورة عقيدة دبلوماسية جديدة، تُعيد رسم معادلات التهدئة في مناطق التوتر الآسيوي، فالقدرة على التدخل الفوري، ونسج خيوط التهدئة في أزمة نووية محتملة، تشير إلى تحول في تموضع المملكة كضامن إقليمي للأمن، خصوصًا في ظل انشغال قوى كبرى بأولويات متعددة في شرق أوروبا ومنطقة المحيطين.
تزامن الجهد السعودي مع حالة من النضج الاستراتيجي في صياغة الرسائل الإعلامية المصاحبة، حيث جرى التركيز على مفاهيم الاستقرار والتعايش والمصالح المشتركة، دون الانحياز لطرف على حساب آخر. وقد ساهم ذلك في ترسيخ الرواية السعودية، ليس فقط لدى الإعلام المحلي والإقليمي، بل حتى ضمن الخطاب الرسمي لكل من باكستان والهند، مما أضفى شرعية مضاعفة على الدور الذي قامت به المملكة.

جهود المملكة وأثرها في خفض التصعيد:

– السعودية الدولة الوحيدة التي أرسلت مبعوثًا خاصًا للبلدين

– وقف إطلاق النار تحقق بجهود سعودية في وقت قياسي

– اتصالات سعودية مباشرة منذ بداية الأزمة لضبط النفس

– تقدير باكستان والهند للدور السعودي المحوري

– المملكة ساهمت في تجنيب المنطقة حربا مدمِّرة

المصدر: صحيفة البلاد

إقرأ أيضاً:

عطاف: الحركية التي تطبع العلاقات “الجزائرية-التونسية” تقوم على ثلاثة أبعاد أساسية

قال وزير الدولة وزير الشؤون الخارجية والشؤون الإفريقية أحمد عطاف، أن الحركية التي تطبع العلاقات “الجزائرية-التونسية” تقوم على ثلاثة أبعاد أساسية. البعد السياسي والأمني، البعد الاقتصادي، والبعد الإنساني

وأضاف عطاف، خلال انطلاق أشغال اجتماع لجنة المتابعة “الجزائرية-التونسية” بتونس تحت إشراف وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية أحمد عطاف ونظيره التونسي محمد علي النفطي. أن لجنة المتابعة تلتئم اليوم تحضيرا للدورة الـ23 للجنة المشتركة الكبرى الجزائرية - التونسية للتعاون الثنائي. المقرر انعقادها غدا تحت الرئاسة المشتركة للوزير الأول سيفي غريب رفقة رئيسة الحكومة التونسية سارة الزعفراني.

وأكد عطاف، أن لجنة المتابعة “الجزائرية – التونسية” تمثل محطة أساسية في مسار التحضير للدورة الـ23 للجنة المشتركة الكبرى. باعتبارها آلية لتقييم ما تحقق خلال الأشهر الماضية واستشراف الخطوات المقبلة بهدف الإرتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية التي أقرها قائدا البلدين الرئيس عبد المجيد تبون والرئيس قيس سعيد.

من جهته، وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج محمد علي النفطي أكد أن قيادتي البلدين عازمتان على الارتقاء بالتعاون الثنائي إلى مستويات أكثر فاعلية. بما يتماشى مع المتغيرات الإقليمية والدولية من خلال رؤية مشتركة ومقاربات منسقة ومبادرات جديدة في قطاعات متعددة.

كما شدّد على الطابع الأخوي والتاريخي الذي يجمع الجزائر وتونس. وعلى الثقة المتبادلة التي طبعت العلاقات بينهما في مختلف المراحل.

مقالات مشابهة

  • “السعودي الألماني” تفتتح عيادة جديدة في الشارقة
  • الخارجية الأمريكية: قرار الأمم المتحدة بشأن غزة “غير جاد ومنحاز ضد إسرائيل”
  • الأونروا: بيان المملكة والدول الإسلامية جاء في توقيت حاسم
  • الشرق الأوسط: الرياض ترفض استنساخ نموذج الحوثي عبر تحركات الانتقالي في حضرموت.. عاجل
  • “التحالف الإسلامي” يوقّع مذكرة تعاون مع الصندوق السعودي للتنمية
  • عطاف: الحركية التي تطبع العلاقات “الجزائرية-التونسية” تقوم على ثلاثة أبعاد أساسية
  • حل لغز القراءات الغريبة التي سجلتها مركبة “فوياجر 2” لأورانوس عام 1986
  • مازة يتألق ويُنقذ ليفركوزن بـ “أسيست” حاسم أمام نيوكاسل
  • تطوير آليات دعم العمل البرلماني السعودي – القطري
  • “أوب-أوب-أوب، مثل رشاش صغير” .. ترامب يتغزل بشفتي المتحدثة باسم البيت الأبيض – فيديو