تحركات دبلوماسية مكوكية رتَّبت المشهد بين “الجارتين”.. السعودية وسيط حاسم في الأزمة الهندية – الباكستانية
تاريخ النشر: 12th, May 2025 GMT
البلاد – جدة
في مشهد يعكس صعود السعودية كلاعبٍ محوري في السياسة الدولية، برزت الرياض كوسيط فاعل وحاسم في الأزمة الأخيرة التي كادت أن تشعل فتيل نزاع مفتوح بين الجارتين النوويتين “باكستان والهند”، فبينما التزمت أغلب العواصم العالمية بالتصريحات الدبلوماسية الحذرة، بادرت المملكة بخطوات ملموسة وسريعة، جعلتها الدولة الوحيدة التي أوفدت مبعوثًا خاصًا للبلدين، جامعًا بين ثقل العلاقات السياسية وحنكة التحرك الدبلوماسي.
هذا التحرك السعودي لم يأتِ من فراغ، بل تأسس على رصيد متراكم من الثقة لدى الطرفين، إذ تنظر باكستان إلى المملكة كشريك استراتيجي وتاريخي، فيما تنظر الهند بعين الاعتبار للدور المتوازن الذي تلعبه الرياض، خصوصًا مع تنامي العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين. لذلك، حين اشتعلت الأزمة عقب أحداث كشمير المؤلمة في أبريل 2025، لم يكن مستغربًا أن يلتفت العالم إلى الرياض بحثًا عن دور قيادي قادر على كبح التصعيد.
التحرّك الذي قاده سمو وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان من خلال اتصالات مباشرة مع نظيريه الهندي والباكستاني، تلاه إرسال وزير الدولة للشؤون الخارجية، عادل الجبير، في جولة مكوكية بين إسلام آباد ونيودلهي، مثل تطورًا نوعيًا في دبلوماسية الأزمات السعودية. تلك الزيارة لم تكن استعراضية، بل مثلت نقلة حقيقية باتجاه التهدئة، وهو ما أجمعت عليه التصريحات الإيجابية من الجانبين.
التقدير الصريح من رئيس الوزراء الباكستاني محمد شهباز شريف، والإشادة العلنية من وزير الخارجية محمد إسحاق دار بدور المملكة، بل وتصريح الأخير بأن “الوساطة السعودية أساسية في التوصل إلى وقف النار”، أكدت الرواية السعودية حول دورها المركزي. ورغم محورية الوساطة الأمريكية في اللحظة الأخيرة، إلا أن الجهود السعودية الموازية كانت هي من مهدت الأرضية السياسية والنفسية للقبول بالتهدئة.
إن إنهاء التصعيد في وقت قياسي -بعد أقل من أسبوعين من بدايته- لم يكن ليحدث لولا الثقة العالية التي يتمتع بها التحرك السعودي في الأوساط السياسية للبلدين، كما أن خصوصية الدور السعودي تكمن في قدرته على الجمع بين الطرفين دون إثارة حساسية الهند تجاه الوساطات الدولية، ولا شك أن هذا الإنجاز يعزز من صورة المملكة كقوة استقرار إقليمي ذات بُعد عالمي.
وفي ظل واقع دولي متقلّب، تبرهن السعودية أنها ليست مجرد لاعب اقتصادي في الأسواق العالمية، بل قوة دبلوماسية قادرة على إطفاء الحرائق في أكثر المناطق حساسية. وإذا كانت منطقة جنوب آسيا قد نجت من نيران حرب محتملة، فإن الفضل –وفق المؤشرات والتصريحات الرسمية– يعود أولًا إلى الرياض التي أثبتت أن الحكمة والسرعة في آنٍ واحد ليستا مستحيلتين في عالم السياسة.
وما يلفت الانتباه في أداء المملكة خلال هذه الأزمة ليس فقط المبادرة الفورية، بل القدرة على بناء مسار توافقي دون فرض شروط أو البحث عن مكاسب سياسية مباشرة، فالسعودية، التي تتبنى في سياستها الخارجية مفهوم “الدبلوماسية الهادئة الفاعلة”، استطاعت أن تتعامل مع الملف بحساسية شديدة، خصوصًا مع الفجوة العميقة بين المواقف الهندية والباكستانية، ورفض نيودلهي لأي تدخل خارجي في قضية كشمير. ومع ذلك، قبلت الهند استقبال المبعوث السعودي، وهو ما يعكس الإدراك الكامل لمكانة الرياض وتأثيرها.
الأوساط السياسية في جنوب آسيا، وحتى داخل مراكز الدراسات الغربية، بدأت تطرح تساؤلات بشأن ما إذا كانت السعودية بصدد بلورة عقيدة دبلوماسية جديدة، تُعيد رسم معادلات التهدئة في مناطق التوتر الآسيوي، فالقدرة على التدخل الفوري، ونسج خيوط التهدئة في أزمة نووية محتملة، تشير إلى تحول في تموضع المملكة كضامن إقليمي للأمن، خصوصًا في ظل انشغال قوى كبرى بأولويات متعددة في شرق أوروبا ومنطقة المحيطين.
تزامن الجهد السعودي مع حالة من النضج الاستراتيجي في صياغة الرسائل الإعلامية المصاحبة، حيث جرى التركيز على مفاهيم الاستقرار والتعايش والمصالح المشتركة، دون الانحياز لطرف على حساب آخر. وقد ساهم ذلك في ترسيخ الرواية السعودية، ليس فقط لدى الإعلام المحلي والإقليمي، بل حتى ضمن الخطاب الرسمي لكل من باكستان والهند، مما أضفى شرعية مضاعفة على الدور الذي قامت به المملكة.
جهود المملكة وأثرها في خفض التصعيد:
– السعودية الدولة الوحيدة التي أرسلت مبعوثًا خاصًا للبلدين
– وقف إطلاق النار تحقق بجهود سعودية في وقت قياسي
– اتصالات سعودية مباشرة منذ بداية الأزمة لضبط النفس
– تقدير باكستان والهند للدور السعودي المحوري
– المملكة ساهمت في تجنيب المنطقة حربا مدمِّرة
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
إيكونوميست: هذه المواجهة الهندية الباكستانية مختلفة بشكل خطير
قالت صحيفة إيكونوميست إن الأزمة بين الهند وباكستان تبدو هذه المرة مختلفة تماما عن سابقاتها، إذ يستخدم الجانبان أسلحة متطورة مستوردة، ومن بينها الطائرات المسيرة المسلحة، ويضربان أهدافا خارج كشمير.
وأوضحت الصحيفة أن الطرفين تبادلا الاتهامات بشن هجمات عسكرية جديدة منذ أن شنت الهند غارة جوية على باكستان، انتقاما لهجوم في كشمير، واعتبرت أن القتال بين البلدين بلغ حدًا لم يبلغه منذ 25 عاما، مما ينذر بدوامة تصعيد خطيرة تزيد من احتمال المواجهة النووية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إعلام إسرائيلي: جنودنا يقتلون بغزة ووالدة أسير حذرنا من ذلك مراراlist 2 of 2فورين أفيرز: هكذا تفوق الحوثيون على الولايات المتحدةend of listوتقول الهند إن نحو 300 أو 400 طائرة مسيرة باكستانية دخلت مجالها الجوي لاختبار دفاعاتها، وإنها أرسلت في المقابل طائرات مسيرة مسلحة لمهاجمة منشآت الدفاع الجوي في باكستان، في حين زعمت إسلام آباد أنها أسقطت 77 طائرة هندية مسيّرة، واتهمت الهند بدفع البلدين إلى شفا حرب شاملة.
ومع أن الأزمات بين الهند وباكستان مألوفة، فإن هذه الأزمة -كما ترى الصحيفة- تدخل مرحلة جديدة محفوفة بالمخاطر، لأن الجانبين ابتعدا عن النمط الذي اتبعاه خلال مواجهتيهما السابقتين اللتين اندلعتا بسبب هجمات في كشمير، إذ اقتصرت أولاهما على منطقة ضيقة من كشمير، والثانية على غارات جوية سريعة ذات تأثير محدود.
إعلانأما في هذه المرة، فتبدو الهند عازمة على ترسيخ "هيمنة التصعيد"، مظهرة لباكستان قدرتها ونيتها على الرد على أي هجوم جديد بهجوم أكثر ضررا، مما قد يدفع باكستان "الأضعف" إلى اللجوء إلى التهديدات النووية، مثلما فعلت خلال أزمة عام 1990.
مؤشرات مشجعةمن ناحيته، يقول سريناث راغافان من جامعة أشوكا الهندية: "يبدو أننا في وضع تصعيدي تقليدي؛ كل جانب يريد إظهار قدرته على رفع مستوى التحدي وإبداء العزيمة، ولكن إذا لم يمنح أي طرف غريمه مخرجا، فقد تسوء الأمور بسرعة كبيرة. الأمر يتطلب تدخلا أجنبيا كبيرا لوضع حد للحرب".
ولكن الصحيفة لم يتضح لها من القوة الأجنبية التي يمكنها القيام بدور الوسيط، لأن الصين قريبة جدا من باكستان، وبريطانيا والاتحاد الأوروبي لديهما نفوذ محدود في جنوب آسيا، أما الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فيبدو أنه لا يرغب في التدخل، رغم تعبيره عن أمله في انتهاء القتال قريبا.
ومما يزيد من خطورة هذه المواجهة استخدام الأسلحة المتطورة، إذ نشرت الهند أحدث طائراتها المقاتلة من طراز رافال الفرنسية، وطائرات هاروب المسيرة الإسرائيلية، ونظام الدفاع الجوي "إس-400" الروسي المتطور، في حين تمتلك باكستان مقاتلات "إف-16" الأميركية، ومقاتلات صينية جديدة من طراز "جيه-10 سي" (J-10C) المجهزة بصواريخ بعيدة المدى من طراز "بي إل 15″، كما تمتلك طائرات هجومية مسيرة من الصين وتركيا.
وتشكل الطائرات المسيرة -حسب الصحيفة- ديناميكية جديدة، لأنها تتيح لكل طرف شن هجمات أكثر إثارة للقلق وتأثيرا من نيران المدفعية، كما أن بيئة المعلومات تغيرت بعد آخر مواجهة عسكرية رئيسية بين البلدين، فسهل استخدام الذكاء الاصطناعي إنتاج المعلومات المضللة ومشاركتها بشكل كبير، كما سهل الرقابة السريعة على كميات هائلة من المعلومات عبر الإنترنت.
إعلانوخلص الموقع إلى أن هناك بعض المؤشرات المشجعة، كإنشاء قناة اتصال جديدة بين مستشاري البلدين للأمن القومي، وكعدم استخدام صواريخ قادرة على حمل رؤوس حربية نووية، وكعدم اللجوء إلى التهديدات النووية، لكن العالم -رغم ذلك- عليه أن يكون في حالة تأهب قصوى لأي من هذه الإشارات خلال الأيام المقبلة.