تحدثت في المقال السابق عن ورطة الدكتور سعد الدين الهلالي، في تبنيه عرض الآراء الشاذة والغريبة، ووعدت بالكشف عمن ورطه في هذا الأمر، وهو للأسف شخصية إعلامية تتصدر برنامجا دينيا شهيرا على إحدى القنوات الفضائية، وحقيقة أمره أنه لا يرقى أن يكون تلميذا للدكتور الهلالي أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر، ولكنه استطاع إقناعه أن يقتحم قلعة الإعلام، وقد كان عازفا عن ذلك مكتفيا بمكانته العلمية راضيا بشهرته بين طلابه بالحفظ الجيد والاطلاع الواسع، وبذل جهده لتلاميذه «لعلهم يفقهون».
ذلك المفصول من كلية أصول الدين لتكرار مرات رسوبه وعدم حفظه للقرآن الكريم، كانت نصيحته الأولى للدكتور سعد أن يغوص في كتب الفقه ويظهر الشاذ فيها والغريب منها حتى يحقق شهرة واسعة في أقصر وقت ممكن، وقد كان، ولكنها شهرة بغيضة جلبت عليه ما لا يقبله عالم، ويعرف قدر ما يحمله من علم صحيح.
ثقتي كبيرة في فطنة القارئ العزيز، الذى بالضرورة قد تعرف على اسم الشخص الذي ورط الدكتور الهلالي في هذا المنهج السقيم.
الأمر الآخر هو قاعدة «استفت قلبك» التي انطلق منها الدكتور الهلالي لتسفيه الآراء الفقهية واتهام الفقهاء بأنهم أوصياء على الناس، وأن الناس لا يحتاجون إلى المفتين، وانتهى به الأمر للتساؤل في البرنامج الذي يستضيفه كل أسبوع هذا الإعلامي، قال الهلالي: هل كان هناك مفتي في عصر الرسول أو في عصر أبي بكر أو في عصر عمر؟ وهو تساؤل أقل ما يوصف به أنه سؤال مغرض، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان هو المفتي الأول، وكان يبعث العلماء من الصحابة لإفتاء الناس في الأمصار، فهذا معاذ بن جبل، كان من أعلم الصحابة وأفقههم، وقد ولاه النبي صلى الله عليه وسلم قضاء اليمن وتعليمهم أمور دينهم، وعندما سأله النبي صلى الله عليه وسلم: «بِمَ تَحْكُمُ؟ قال معاذ: بِكِتَابِ اللَّهِ. قال: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ قال: بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: "فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قال: أَجْتَهِدُ بِرَأْيِي وَلَا آلُو. فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ»، وهذا يدل على المنهجية التي كان يسير عليها معاذ بن جبل رضي الله عنه في القضاء والفتوى، وهو منهج قويم يسير عليه أهل العلم الراسخون إلى يومنا هذا، وكان رضي الله عنه يتمتع بعلم غزير وفهم عميق للشريعة، مما أهله لمسؤولية الإفتاء العظيمة.
وقاعدة «استفت قلبك» قاعدة صحيحة، وردت في نص حديث مشهور، عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْأَسَدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وقد اختلف العلماء في درجته، والراجح عند كثير من العلماء أنه حسن لذاته أو حسن لغيره بمجموع طرقه وشواهده، وإن كان في بعض أسانيده ضعف. وقد اعتنى به العلماء في كتبهم واستشهدوا به في مواضع الترجيح والاستفتاء القلبي في الأمور المشتبهة.
وينبغي فهم الحديث في سياقه الصحيح، فهو لا يعني مخالفة النصوص الشرعية الواضحة أو فتاوى أهل العلم الراسخين لمجرد هوى النفس. وإنما يُعمل به عند الاشتباه وعدم وضوح الحكم، وعندما يتردد القلب وينفر من أمر ما، خاصة إذا تعارضت فتوى معينة مع ما يستقر في النفس المؤمنة التقية، وليس لعموم الناس من أهل الهوى والغرض والفساد القلبي.
وإن شاء الله تعالى نستكمل الحديث في هذه القضية إن كان في العمر بقية، ونستعرض بعض أقوال العلماء المعتبرين في شرح حديث «وابصة» [email protected].
اقرأ أيضاًكل أسبوع.. تاريخ أسود للصهاينة في الغدر ونقض العهود
كل أسبوع.. زكاة الفطر والعيد والعيدية
كل أسبوع.. «بدر» معركة فاصلة ودروس خالدة
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: إبراهيم نصر كل أسبوع صلى الله علیه وسلم کل أسبوع
إقرأ أيضاً:
قرية كاملة يولد سكانها عمياناً.. لغز وراثي يحير العلماء
#سواليف
في #أعماق_الصحراء، وبعيداً عن #مظاهر #الحياة_الحديثة، تقف #قرية #دالي_كوامبي النائية كأحد أكثر #المواقع #غرابة على #وجه #الأرض؛ حيث يشهد سكانها منذ قرون #ظاهرة_وراثية #استثنائية تتمثل في ولادة واحد من كل اثنين تقريباً #فاقدي_البصر، في مجتمع يعيش عزلة شبه كاملة عن العالم الخارجي.
وتقع القرية على بُعد نحو 1000 كيلومتر من العاصمة الموريتانية نواكشوط، وتوصف بأنها الأكثر عزلة في البلاد، مما يجعل الوصول إليها مهمة شاقة للباحثين والرحالة.
ووفقاً للخبراء، فإن هذه العزلة القاسية ساهمت في انتقال اضطراب جيني نادر عبر الأجيال يجعلهم يصابون بالعمى، نتيجة الانغلاق الجغرافي وغياب التنوع الجيني.
ورغم ذلك، يشير سكّان القرية إلى تفسير مختلف تماماً لهذا العمى؛ إذ يؤكد عمدة القرية أن الأمر يعود إلى نبوءة قديمة مضى عليها عشرة أجيال، تحدثت عن ميلاد رجل صالح فاقد للبصر، وأن العمى أصبح قدراً ملازماً لأهل القرية منذ ذلك الحين.
وبينما يتمسك السكّان بهذا الاعتقاد، يرى الباحثون أن القرابة الداخلية والانعزال الممتد لقرون يلعبان الدور الحاسم في استمرار الظاهرة.
مقالات ذات صلةورغم التحديات التي يفرضها فقدان البصر، طوّر السكان قدرة لافتة على التأقلم، إذ يتحرك الأهالي داخل البيوت والطرقات الرملية بدقة مدهشة، مستندين إلى حاسة السمع واللمس والذاكرة المكانية، وإلى شبكة تضامن مجتمعي متينة تشكّل العمود الفقري لحياتهم اليومية.
أيضاً القرية تفتقر إلى الكهرباء والإنترنت ومعظم مقومات الحياة الحديثة، ومع ذلك، يواصل الأهالي حياتهم وفق أساليب تقليدية متوارثة، ويعتمدون على تعاونهم العميق لتجاوز قسوة البيئة الصحراوية وظروف الإعاقة البصرية، بل ويستقبلون الزوار النادرين بترحاب دافئ، مشاركينهم قصصهم ومعتقداتهم التي نسجتها الأجيال.
وحتى الآن، لا تزال “دالي كوامبي” محوراً لبحوث علمية ووثائقيات دولية، في محاولة لفهم هذا اللغز الوراثي الفريد، رغم تأكيد الخبراء أن العزلة الطويلة هي العامل الأبرز في انتقال الخلل الجيني عبر الزمن.