منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، والعالم يشهد جريمة إبادة جماعية في غزة لا يشوبها غموض في التوصيف ولا نقص في الأدلة. أكثر من مئة ألف شهيد وجريح، آلاف العائلات أُبيدت بالكامل، وأكثر من 70 في المئة من سكان القطاع إما نزحوا قسرا أو يعيشون تحت خطر المجاعة المباشرة، فيما تستمر آلة الحرب الإسرائيلية بالتدمير الممنهج للمستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء والمرافق الحيوية، في ظل صمت دولي مخزٍ، وتواطؤ سياسي لا يحتاج إلى تحليل عميق.



وفي الوقت الذي نحتاج فيه إلى تكثيف الجهود لكسر الحصار ووقف الإبادة وملاحقة مجرمي الحرب عبر كل منبر ومحفل، تطل علينا بعض التصريحات والقرارات السياسية التي تطرح مسألة "الاعتراف بدولة فلسطينية" كنوع من "الاختراق الدبلوماسي" أو "الإنجاز الرمزي". دعونا نتحدث بصراحة: هذا الحديث الآن، وبهذه الطريقة، ليس فقط خارج السياق، بل قد يساهم عن غير قصد في حرف البوصلة وتشتيت الأولويات.

الاعتراف الرمزي.. لصالح من؟

يُطرح الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل بعض الحكومات الغربية وكأنه منّة أخلاقية أو تسوية عادلة، بينما هو في الواقع لا يخرج عن كونه تكتيكا لإعادة تلميع صورتهم في ظل الفظائع المرتكبة في غزة. والأدهى أن هذا الاعتراف لا يستند إلى حدود واضحة، ولا يتضمن آليات لإنهاء الاحتلال أو ضمان عودة اللاجئين، أو حتى توفير الحماية للفلسطينيين الواقعين تحت القصف والتهجير.

يُطرح الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل بعض الحكومات الغربية وكأنه منّة أخلاقية أو تسوية عادلة، بينما هو في الواقع لا يخرج عن كونه تكتيكا لإعادة تلميع صورتهم في ظل الفظائع المرتكبة في غزة. والأدهى أن هذا الاعتراف لا يستند إلى حدود واضحة، ولا يتضمن آليات لإنهاء الاحتلال أو ضمان عودة اللاجئين
إن منطق المكافأة السياسية لأطراف السلطة الفلسطينية، التي لم تقدم أي نتائج عملية لشعبها منذ سنوات، هو منطق قاصر. فهل الاعتراف بدولة لا حدود لها، ولا سيادة لها، ولا قدرة لها على حماية شعبها، هو إنجاز؟ أم هو مجرد شرعنة لتفريغ النضال الفلسطيني من مضمونه، مقابل امتيازات بروتوكولية و"كراسي دبلوماسية" لا تُطعم نازحا في رفح ولا تحمي طبيبا في الشفاء؟

غزة هي البوصلة

كل جهد لا يُترجم إلى ضغط فوري لوقف المجازر، أو دعم ملموس لفك الحصار، أو تحريك ملف الجرائم إلى محكمة الجنايات الدولية، هو جهد مهدور في الوقت الخطأ. نحن أمام كارثة إنسانية موثقة بالصوت والصورة، وتحتاج إلى استجابة غير مشروطة ولا مؤجلة.

وكل محاولة للحديث عن "حل الدولتين" دون أن تتوقف الحرب، ودون أن تُفك القيود عن غزة، هي محاولة لتزيين جدار السجن قبل أن يُفتح بابه.

مَن يفاوض باسم مَن؟

كما يجب أن يُطرح سؤال أخلاقي وواقعي: من يفاوض الآن؟ ومن يملك تفويضا شعبيا للحديث باسم الفلسطينيين؟ لا انتخابات منذ أكثر من 15 عاما، ولا وحدة وطنية، ولا خطة إنقاذ واضحة. وبالتالي فإن أي مكاسب دبلوماسية يتم تسجيلها باسم "السلطة" لن تترجم إلى حماية حقيقية لأبناء الشعب على الأرض.

وإذا كان هناك من يرى في الاعترافات الرمزية رصيدا سياسيا للمستقبل، فنقول له: أي مستقبل نتحدث عنه بينما الحاضر يحترق؟ لن يُبنى المستقبل على رماد غزة.

لا تطلب غزة الكثير، فقط أن يتوقف نزفها، أن يُفتح لها المعبر، وأن يُعاد إعمارها، وأن تُرفع عنها الوصاية السياسية والإنسانية. أما من يبحث عن مجد سياسي أو حضور دبلوماسي فليبحث عنه في زمن آخر، وفي سياق مختلف
العالم لا يحترم إلا القوة.. والوحدة

الدرس الأوضح من حرب غزة هو أن العالم لا يصغي لصوت الضعف، ولا يكترث لأعداد الضحايا، بل يبدأ بالحراك فقط عندما تُكسر هيبة المحتل أو تُهدد مصالحه. ولهذا فإن وحدة الخطاب الفلسطيني، ومركزية غزة كعنوان للمرحلة، وتحريك أدوات القوة القانونية والحقوقية والإعلامية، هي الخطوات الأكثر إلحاحا.

أما تشتيت الجهود في مسارات سياسية رمادية، فقد ثبت تاريخيا أنه لا يقدم شيئا سوى التراخي في القضايا الجوهرية، واستنزاف الوقت والطاقة.

لنعطِ غزة ما تستحق

لا تطلب غزة الكثير، فقط أن يتوقف نزفها، أن يُفتح لها المعبر، وأن يُعاد إعمارها، وأن تُرفع عنها الوصاية السياسية والإنسانية. أما من يبحث عن مجد سياسي أو حضور دبلوماسي فليبحث عنه في زمن آخر، وفي سياق مختلف.

لقد صار واضحا: كل جهد لا يصب في وقف الإبادة وكسر الحصار وملاحقة مجرمي الحرب هو جهد لا يخدم إلا الاحتلال، ولو نُفّذ بحسن نية. فلتبقَ البوصلة نحو غزة.. ولا شيء غير غزة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء غزة فلسطينية الاحتلال احتلال فلسطين غزة دولة قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

الاعتراف الفرنسي بدولة فلسطين

بادرة الاعتراف الفرنسي بالدولة الفلسطينية باتت أمرا ملحا في ظل ما تشهده غزة والضفة الغربية من معاناة مستمرة بسبب حرب الإبادة الجماعية والعدوان المستمر على الأراضي الفلسطينية من قبل حكومة الاحتلال الإسرائيلي وأن اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية لم يعد مجرد خيار دبلوماسي، بل أصبح ضرورة أخلاقية وسياسية ومطلبا إستراتيجيا، في وقت تستمر فيه حرب الإبادة على غزة تحت الحصار الشامل، ويذبح فيه المدنيون، ويستهدف العاملون في المجال الإنساني، وتدمر البنية التحتية الحيوية بشكل منهجي، وفي الوقت الذي أدلى فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ببعض التصريحات العلنية بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فإن تنفيذ ما قاله أصبح ضروري لتحقيق الاستقرار والسلام بالمنطقة.
إنه على مدى أشهر، ظلت دعوات وقف التصعيد بلا صدى، وانهار ما تبقى من عملية السلام، ويعاني الشعب الفلسطيني الذي تخلت عنه القوى الكبرى من جرائم متصاعدة، وفي هذا السياق يتعين على فرنسا أرض الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعضو الدائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والدولة المؤثرة داخل الاتحاد الأوروبي، أن تتخذ خطوة واضحة وهي الاعتراف رسميا بدولة فلسطين، وحان الوقت لأن تلعب فرنسا دورا قياديا في هذا المسار من أجل العدالة والاستقرار الدولي ووضع حد لحرب الإبادة التي تمارسها القوة القائمة بالاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس.
الاعتراف بالدولة الفلسطينية يتوافق تماما مع الالتزامات التي اتخذتها فرنسا في المحافل الدولية متعددة الأطراف ففي عام 2011، صوتت لصالح انضمام فلسطين إلى منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) مما ساهم في قبولها كدولة كاملة العضوية ومؤخرا في 18 أبريل 2024، وخلال التصويت في مجلس الأمن بهدف جعل فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، صوتت فرنسا لصالح القرار.
وأعلنت فرنسا عزمها الاعتراف بدولة فلسطين، انطلاقًا من إيمانها الراسخ بضرورة حل سياسي مستدام في منطقة الشرق الأوسط، يضمن الأمن والاستقرار لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين، وقال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو خلال جلسة استماع في الجمعية الوطنية الفرنسية، أن بلاده ترى أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يمثل خطوة ضرورية لدفع جهود السلام، وتحقيق حل الدولتين، بما يخدم مصالح جميع الأطراف، ويضع حدا لدوامة العنف المستمرة في المنطقة.
الاعتراف بدولة فلسطين يؤكد على ان الشعب الفلسطيني يمتلك الحق في الحرية وتقرير المصير ويتوافق مع قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بالقضية الفلسطينية ويعزز من فرص صناعة السلام العادل بدلا من الحروب وسفك الدماء ويضع حد للتطرف والعنف الإسرائيلي ويؤكد على  انه لا سلام دائم دون عدالة، ولا عدالة دون الاعتراف بالحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، من بينها الحق في إقامة دولة قابلة للحياة وذات سيادة ضمن حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
ومن شأن هذه الخطوة أن تجعل فرنسا أول عضو دائم في مجلس الأمن الدولي تعترف بدولة فلسطين، ويعترف نحو 150 بلدا بالدولة الفلسطينية، وفي مايو/أيار 2024 اتخذت هذه الخطوة كل من أيرلندا والنروج وإسبانيا، وكذلك سلوفينيا في يونيو/حزيران الماضي، وستكون فرنسا القوة الأوروبية الأكثر أهمية التي تعترف بالدولة الفلسطينية، وبات من المهم ان تتخذ فرنسا موقفها التاريخي المنتظر والمشروع والضروري وتعلن اعترافها بالدولة الفلسطينية وعليها ان لا تفوت هذه الفرصة لكتابة صفحة عادلة وقوية في تاريخها المعاصر وتلتحق بركب الدول الحرة التي اعترفت في فلسطين.
(الدستور الأردنية)

مقالات مشابهة

  • فرنسا على مقربة من الاعتراف بالدولة الفلسطينية
  • مشاهد لا تحتمل لأب فلسطيني يحاول إنقاذ طفله من حريق هائل سببه قصف إسرائيلي على خان يونس
  • الاعتراف الفرنسي بدولة فلسطين
  • نجلاء العسيلي: كلمة الرئيس السيسي بالقمة العربية أعادت توجيه البوصلة لجوهر الصراع
  • باشات: كلمة الرئيس أمام القمة العربية تصوب البوصلة تجاه جوهر الصراع في الشرق الأوسط
  • الصحة : ترسيخ ثقافة مكافحة العدوى ضمن أولوياتنا
  • فيديو ذكاء اصطناعي يثير تفاعلا خلال قمة المجموعة السياسية الأوروبية
  • مجدي المتناوي: “كاس” قد تُعلق إعلان بطل الدوري لحين حسم قضية القمة
  • أحمد سالم: لا يوجد إجابة واضحة لسبب عدم خصم ثلاث نقاط أخرى بنهاية الموسم