لبنان ٢٤:
2024-06-17@09:30:07 GMT

الراعي: لصالح من يحرم لبنان من رئيس له؟

تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT

الراعي: لصالح من يحرم لبنان من رئيس له؟

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد في الصرح البطريركي في الصيفي في الديمان يعاونه المطران جوزيف نفاع والمونسنيور فيكتور كيروز والاب فادي تابت والخوري خليل عرب وامين سر البطريرك الاب هادي ضو ، في حضور عدد كبير من المؤمنين.  
وبعد تلاوة الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان "المطلوب واحد" (لو 10: 42)، قال فيها: "المطلوب الأوحد الذي يشير إليه الربّ يسوع هو سماع كلمة الله، أقراءةً كان أم سماعًا، أم كرازة أم تعليمًا.

وبالنسبة إلينا نحن المسيحيّين، كلمة الله هي شخص يسوع المسيح، الإله الكامل والإنسان الكامل. الذي كتب عنه يوحنّا الإنجيليّ: "في البدء كان الكلمة، ...، والكلمة هو الله، ... ، والكلمة صار بشرًا وسكن بيننا" (يو 1: 1 و 14). سماع كلمة الله "كمطلوب أوحد" لا يقصي أي عمل آخر، بل يتقدّمه ليعطيه معنى وقيمة واندفاعًا. هذا ما أراد الربّ يسوع قوله لمرتا المنهمكة في شؤون الضيافة، فيما أختها مريم راحت تسمع كلمة الله من فم يسوع قبل أن تبدأ عملها. ما أجمل وأغنى أن يبدأ الإنسان نهاره بقراءة نصّ صغير من الإنجيل أو من الكتب المقدّسة. فإن فَعَلَ كان عمله صالحًا ومثمرًا، ونال قوّة وديناميّة وحبًّا للخدمة والعطاء بحبّ. فلا ننسى أنّ يسوع-الكلمة يخاطب كلّ إنسان في مختلف مراحل حياته الحلوة والمرّة: أكان في حالة الصحّة أو المرض، أم في حالة الغنى أوالفقر، أم في حالة العيش الكريم أو الظلم. فيسوع-عمّانوئيل، "الله معنا" هو رفيق درب كلّ إنسان ليقطعه بسلام". 
تابع: "يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة التي فيها نسمع الله يكلّمنا في القراءات والأناشيد، ونحن نخاطبه بدورنا في الصلوات التي نرفعها. وإذ أرحّب بكم جميعًا، أوجّه تحيّة خاصّة إلى عائلة المرحوم النائب السابق الدكتور سليمان بولس بك كنعان الذّي ودّعناه بالأسى وصلاة الرجاء منذ عشرة أيّام مع زوجته وأولاده وأهالي جزّين ومنطقتها التي تحفظ له الجميل بفضل ما حقّق من خدمات وإنجازات. ونوجّه تحيّة خاصّة لعائلة المرحومة ماري ديراني قزّي التي ودّعناها بالأسى الشديد وصلاة الرجاء في مطلع هذا الأسبوع مع بناتها وابنيها وعائلاتهم وأنسبائهم، ومع أهالي طبرجا والكسليك والكثيرين من معارفهم وأصدقائهم. إنّ القاسم المشترك بين المرحومين عزيزينا هو سنوات الألم الذي تحمّلاه بالصبر والصلاة. فنصلّي في هذه الذبيحة الإلهيّة لراحة نفسيهما ولعزاء أسرتيهما، سائلين المسيح الفادي الذي أشركهما في آلامه أن يشركهما في مجد قيامته. في إنجيل اليوم يدعونا الربّ يسوع للبحث عن "المطلوب الأوحد" (لو 10: 42) وهو سماع كلام الله، يقول القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني: "إنّ كلام الله يحمل قوّة وسلطانًا عظيمين. فكان للكنيسة وللمسيحيّين ركنًا عظيمًا، ومنعة في الإيمان، وغذاء روحيًّا للفكر والقلب، ومعينًا روحيًّا لا ينضب" (رجاء جديد للبنان، 39)".   وقال: "يسوع المسيح هو إيّاه كلمة الله، ولذا "جلست مريم عند قدميه لتسمع كلامه"، قبل أن تقوم بواجب الضيافة. فكانت هي الضيف على مائدة كلمته الإلهيّة، قبل أن يكون هو ضيفًا على مائدة خبزها الماديّ. يقول القدّيس إيرونيموس: "من يجهل الإنجيل والكتب المقدّسة، يجهل المسيح". أمّا معرفة المسيح، بحسب القدّيس بولس الرسول: هي "المعرفة الأسمى" (فيل 3: 8). في هذه العلاقة بيننا وبين المسيح-الكلمة، يكون أنّنا نتكلّم معه عندما نصلّي، وأنّه هو يكلّمنا عندما نسمع كلامه (القدّيس أمبروسيوس: راجع الدستور العقائديّ "كلمة الله"، 25). هذا هو "المطلوب الأوحد" الذي يعطي نكهة لجميع أعمال الإنسان، ويصلحها كما بالملح.  فيا ليت المسؤولين السياسيّين عندنا يسمعون في قرارة نفوسهم كلام الله، وبخاصّة الذّين في قبضة يدهم فتح البرلمان اللبنانيّ، ودعوة المجلس لعقد جلسات إنتخابيّة متتالية لرئيس الجمهوريّة، وفقًا لمنطوق المادة 49 من الدستور". 

  أضاف: "في زمن الأسئلة، نسأل: لصالح من تُحرم دولة لبنان من رئيس لها، بدونه تنشلّ المؤسّسات؟ ولماذا يُنتهك منذ عشرة أشهر الميثاق الوطنيّ لسنة 1943 الذي كرّسه إتّفاق الطائف سنة 1989، وينصّ على أن يكون رئيس الجمهوريّة مسيحيًّا مارونيًّا، ورئيس مجلس النوّاب مسلمًا شيعيًّا، ورئيس الحكومة مسلمًا سنيًّا، كتعبير فعليّ للعيش المشترك؟ ونسأل بالتالي النافذين الممعنين في انتهاك هذا الميثاق الوطنيّ: كيف توفّقون بين هذا الإنتهاك السافر والمتمادي ومقدّمة الدستور التي تنصّ على أن "لا شرعيّة لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك (ي)؟" ألا يطال هذا النصّ شرعيّة ممارسة المجلس النيابيّ والحكومة؟ طرحنا هذه الأسئلة لأنّنا متمسّكون بالثوابت الوطنيّة: المؤسّسات الدستوريّة، ميثاق العيش المشترك بالتكامل والمساواة والإحترام المتبادل، لبنان وطن لكلّ أبنائه مع الولاء الكامل له دون سواه، سيادة لبنان الداخليّة على كامل أراضيه".
وختم الراعي: "يا ليتكم أيّها المسؤولون السياسيّون، من ناحيةٍ أخرى، تشعرون مع المزارع اللبنانيّ في معاناته، من مثل التكاليف الباهظة لمستلزمات الانتاج من أدوية واسمدة وبذار وعلف ولقاحات وادوية بيطرية، واضطراره لتسديدها بالدولار؛ ومن مثل غزو الاسواق اللبنانية بالمنتوجات الزراعية غير اللبنانية والممنوع ادخالها بأمر من وزارة الزراعة لحماية المنتوج المحلي. فإنّا نتوجه الى الاجهزة العسكرية والامنية والجمارك لضبط التهريب واقفال المعابر الحدودية غير الشرعية، ولتعزيز الرقابة والاجراءات على المعابر الحدودية حماية للمزارع وللمنتوج المحلي. وفي المناسبة ننوه بما قامت به بالأمس فرق وزارة الزراعة في كل المناطق اللبنانية بالتعاون مع جهاز امن الدولة وباشراف القضاء المختص من ضبط كميات من العنب والخضار غير اللبنانية الـمُهرّبة. ونوجه التحية الى وزارة الزراعة على جهودها في تسويق المنتوجات اللبنانية في الاسواق المحلية والخارجية وكان اخرها موافقة الاتحاد الاوروبي على اعادة تصدير العسل اللبناني الى اسواقه، وهذا ما حصل في هذين اليومين. فلنصلّ إلى الله كي يحرّك ضمائر المسؤولين السياسيّين، فيتجرّدوا من مصالحهم الخاصّة والقئويّة والمذهبيّة، ويعملوا من أجل خلاص لبنان وتأمين الخير العام. للثالوث القدّوس الآب والإبن والروح القدس كلّ مجدٍ وشكران الآن وإلى الأبد، آمين".

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: کلمة الله

إقرأ أيضاً:

الخطيب: لبنان لن يكون الا بلد التعايش والاخوة

أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى العلامة الشيخ علي الخطيب صلاة عيد الاضحى، في مسجد الامام الصادق مستديرة شاتيلا، بعدما القى خطبتي العيد اللتين قال فيهما: "هذا يوم الأضحى جعله الله للمسلمين عيداً ولمحمد ذخراً وشرفاً وكرامةً ومزيداً، فنسألك اللهمّ في هذا اليوم أن تُصلي عليه كما صلّيت على ابراهيم وآل ابراهيم في العالمين، وأن تبارك لنا وللمسلمين فيه وتغفر لنا ولهم ولأمواتنا وأمواتهم ولشهدائنا وشهدائهم الذين بذلوا دماءهم وأرواحهم في سبيلك وأموالهم خدمة لأيتامهم وعيالهم وعوائل المجاهدين.


اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَحَصِّنْ ثُغُورَ الْمُسْلِمِينَ بِعِزَّتِكَ، وَأَيِّدْ حُمَاتَهَا بِقُوَّتِكَ، وَأَسْبِغْ عَطَايَاهُمْ مِنْ جِدَتِكَ.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَكَثِّرْ عِدَّتَهُمْ، وَاشْحَذْ أَسْلِحَتَهُمْ، وَاحْرُسْ حَوْزَتَهُمْ، وَامْنَعْ حَوْمَتَهُمْ، وَأَلِّفْ جَمْعَهُمْ، وَدَبِّرْ أَمْرَهُمْ، وَوَاتِرْ بَيْنَ مِيَرِهِمْ، وَتَوَحَّدْ بِكِفَايَةِ مُؤَنِهِمْ، وَاعْضُدْهُمْ بِالنَّصْرِ، وَأَعِنْهُمْ بِالصَّبْرِ، وَالْطُفْ لَهُمْ فِي الْمَكْرِ.

واغفر اللهمّ للمؤمنين والمؤمنات المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات لا سيما لوالدينا وأرحامنا، اللهمّ آمنا في أوطاننا ولا تسلط علينا من لا يخافك فينا وعجّل لنا في فرج وليّك وانصره نصراً عزيزاً وافتح له فتحاً يسيراً.

اللهمّ إنّا نشكو إليك فقد نبينا وغيبة ولينا وكثرة عدونا وقلة عددنا وشدة الفتن بنا وتظاهُر الزمان علينا، فصلّ على محمد وآل محمد وأعنا على ذلك بفتح منك تُعجّله ونصرٍ تُعزه وسلطانِ حقٍ تظهره ورحمةٍ منك تجلّلناها وعافيةٍ منك تُلبِسُناها برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم وبارك للحجاج بحجّهم وتقبّل منهم وأعدهم إلى اهلهم سالمين غانمين يا رب العالمين". الخطبة الثانية

قال تعالى: (وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ يَأۡتُوكَ رِجَالٗا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٖ يَأۡتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٖ *لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۖ فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡبَآئِسَ ٱلۡفَقِيرَ). لقد أمر الله تعالى الناس من استطاع منهم ان يحج إلى البيت الحرام فقال (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا).

كمظهرٍ من مظاهر التزام الأمة التوحيد والعبودية لله سبحانه والبراءة من الكفر والشرك ورجم للشيطان تعبيراً عن مواجهة قوى الشر ومظهر من مظاهر التعبير عن الوحدة، هذه الوحدة التي تتجلى في وحدة الأداء لمناسك الحج كجماعة مع وحدة في الزمان والمكان فكانت فريضة الحج في مضمونها الى جانب التعبّد لله تعالى تعبيراً واضحاً عن إرادة توحيدها بشكل عملي إظهاراً لعظمتها وتعاضدها وتكاتفها، وهذا الجانب هو أعظم المنافع التي تجنيها الامة، وتحدث الله تعالى عنها في قوله: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ)

لقد وثَّقَ الله سبحانه في فريضة الحج بين الجانبين بين التوحيد والوحدة، فلا توحيد بلا وحدة ولا وحدة بلا توحيد فهما أمران متلازمان.

لقد أراد الله تعالى بهذا الدمج بين التوحيد والوحدة أن يُعطي الوحدة صفة العبادة بعد أن أكّد على كل منهما بشكل مستقل فقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)، (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ).

فكانت الدعوة إلى الاعتصام بحبل الله وعدم التفرّق كشرط للتمكّن من تحقيق الأهداف وعدم الفشل فيها، لكن أتى التأكيد عليها في الحجّ لإعطائها صفة العبادة، وهو نفس المعنى الذي تشير اليه الآية الاخرى وهي قوله تعالى (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ).

فليسا هنا أي الوحدة والعبادة لله تعالى أمرين مستقلين بل الربط بينهما واضح، وان الامة كأمة لن تكون امة عابدة لله وخاضعة لسلطانه ومؤدية للمهمة التي وجدت من اجلها الا عبر وحدتها والا فهي تفقد صفتها كأمة ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.

فلم يكن الهدف فقط ايمان الأفراد وإنما إيجاد الأمة المؤمنة، فلا بدّ من أن ينتسب الفرد إلى الأمة ولا يكتفى منه الاتيان بالواجبات كما عليه حال الأمة اليوم فيصلون أو يصومون أو يحجّون ولو معاً ولكن كمظهر دون أن تربطه هذه العبادات بالجماعة في همومها وشجونها وتحقيق أهدافها التي كانت من أجلها، بل ان الأمة لن تكون امة دون أن يجمعها هدف واحد أجمله الله تعالى تحت عنوان واحد هو الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الهدف الذي تحّدث عنه في الآية المباركة عن فلسفة الحج إلى البيت الحرام حين قال: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ)، جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس، به تقوم مصالحهم الدينية من الصلاة والحج والعمرة، ومصالحهم الدنيوية بالأمن في الحرم وجباية ثمرات كل شيء إليه، وجعل الأشهر الحرم وهي: (ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب) قيامًا لهم بأمنهم فيها من قتال غيرهم لهم، والهدي والقلائد الْمُشْعَرَة بأنها مسوقة إلى الحرم قيامًا لهم بأمن أصحابها من التعرض لهم بأذى، (ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ، فإن تشريعه لذلك - لجلب المصالح لكم ودفع المضار عنكم قبل حصولها - دليل على علمه بما يصلح للعباد.

فالغاية التي يريدها الله من تشريع الحج كعبادة سنوية يتوالون على ممارستها هي ترسيخ وحدة الامة في اذهانهم وتوثيق الصلة فيما بينهم على تعدد انتماءاتهم وتباعد بلدانهم واجناسهم وألوانهم ولغاتهم وعاداتهم وما زالت هذه العبادة تؤدي هذا الدور على الرغم من المحاولات الحثيثة التي تبذل من أجل تشويهها واعطائها البعد الطقوسي وتفريغها من هذا المحتوى العميق كما هو الحال في الجهد الثقافي التجهيلي لتشويه البعد المعنوي لسائر العبادات وأن تتحوّل إلى طقوس وعادات ومظاهر فارغة من أبعادها التربوية والثقافية والاجتماعية والسياسية التي لم تنشأ عبثاً وإنما لما تمثله من أسسٍ متينةٍ للبناء الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والتربوي والثقافي بهدف تفكيك عوامل وحدة الامة الحضارية والرسالية وقوتها في مواجهة قوى الضلال والفساد والانحراف، ولذلك كان التركيز من أعدائها على تشويه الرسالة التي تشكل مضمونها وتُبرّر وجودها والعمل على اللعب بالمفاهيم والتشويه الثقافي فشوَّه مفهوم الجهاد واعطي معنى ارهابياً فوُصِمَت الحركات المقاومة بالارهاب والحركات الارهابية بالجهادية ونشر الفساد وأُعطيّ صفة الحرية، بينما أُعطيَ الالتزام بالقيم الاخلاقية والمعنوية صفة التخلّف واثارة عوامل الفرقة باثارة العصبيات القومية والمذهبية والطائفية والتركيز على عوامل التفرقة ودعم حركات التطرف والتكفير لتمزيق كيان الامة لتكون الأمة الفاشلة التي لا تستطيع أن تقف أمام اعدائها والطامعين بها".

وتابع: "قد أدّت بعض الانظمة الحاكمة في العالمين العربي والإسلامي دوراً قذراً في هذا المجال وسَهَّلت للغرب القيام بهذه المهمة عبر الخضوع للبرامج التربوية والاعلامية التي فرضتها الدوائر الغربية التي عملت بخبث عبر مراكز البحث والدراسات المتخصصة والمختلفة للتفتيش عن مواطن القوة لدى المسلمين وعن الطرق التي يمكن عبرها ضرب هذه النقاط وتحويلها إلى نقاط ضعف تُسهّل لها المهمة بأقل الاكلاف لكنها وعلى الرغم من السعي الدؤوب والتقدم خطوات كبيرة نحو تحقيق هذا الهدف لم تستطع بلوغه لسببين: 

الأول: إلهي: عبر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ). 

ثانياً: قوة وهيمنة، هذه القيم الذي ورد التعبير عنه بالنور في هذه الآية وفي آية النور وهي قوله تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)

 فالأمر الالهي الحتمي حماية القيم المعنوية وهي مضمون رسالات الانبياء التي تُمثّلها رسالة الاسلام بأعلى مراتبها وبأفضل الوسائل والطرق، وهي وإن بانَ لبعض الوقت انها تراجعت لمصلحة الانحراف والفساد، ولكن هذا لغاية الامتحان والاختبار للأشخاص وللأمة التي قد تتراجع في مرحلة من المراحل ولكن النتيجة انه انتصار مؤقت سرعان ما يتبدد ويزول، والمثل العملي لها متكرر دائما في الحياة وخصوصاً في حياة أمتنا ولا يمكن تعدادها ولكن سأتحدث عن المرحلة التي نعيشها اليوم في مواجهة الطغيان الغربي وخصوصاً مرحلة الاستسلام العربي التي تمظهرت بما سُمِيَ باتفاقيات السلام العربي الاسرائيلي التي تَوَجَت مرحلةً من الصراع الثقافي والفكري والعسكري.

لقد بدا للكثيرين أن الامر انتهى وأن الغرب سَجَّل انتصاره العسكري والحضاري الأخير على العرب والمسلمين، وبالتالي على العرب والمسلمين ان يتعاطوا مع هذا الهزيمة كأمر واقع لكن ما الذي حصل؟ إنّ الامةَ لم تستسلم ولم تتعامل معه كأمر واقع ولم تُقرّ بالهزيمة، الامر الذي وَلَّد مقاومة لما حصل أساسها فكري ثقافي إيماني استطاعت خلال فترة قصيرة نسبياً أن تصارع وتقاوم حالة اليأس التي نشأت بفعل التراجع العربي الإسلامي المتأثر بما حاول الغرب تثبيته في اذهان أبناء الأمة لقد كانت المقاومة أساساً فكرية تتبنى المفاهيم الايمانية، ثم انعكست واقعاً وسلوكاً بالمقاومة الفعلية والعسكرية ونجحت في كسر التابو الذي حاول الغرب وأتباعه من المتغربين أن يجروا الامة الى التعاطي معه كذلك وفي مرحلة اخرى من مراحل الصراع تطورت هذه المقاومة، واستطاعت ان تعيد للامة الثقة بنفسها، وفي المرحلة الثالثة وهي التي نعيشها اليوم أن تستطيع مهاجمة العدو وتَشُنّ عليه حرباً في داخل الكيان، فتحوّلت من مقاومة تواجه العدو على أرضها وتدافع عن نفسها إلى حالة الهجوم وتضع العدو في حالة صراع على الوجود".

وقال: "وضع طوفان الاقصى بمساندة قوى المقاومة العدو في هذه المرحلة من الصراع الذي يراه بحق انه صراع على وجوده أليس هذا الواقع انتصاراً للقيم وان كان الثمن غاليا لكن تصوروا العكس وأن المقاومة لم تقم فما هي الصورة التي سنكون عليها؟. لقد كانت الحرب في الأساس التي خيضت على أمتنا وانتصر العدو بها هي حرب نفسية وثقافية، حرب كسر الإرادة، حرب ضرب المعنويات ولم تكن على الإطلاق حرباً حقيقية، والا فلم يكن للعدو بكل ما يمتلك ومع كل من يقف وراءه أن يُسجّل انتصاراً واحداً في هذه المعركة، وهو الآن ما زال يعتمد هذه الوسيلة ويساعده فيها ويُروّجُ له البعض ممن فقدوا الرؤية وافتقدوا البصيرة ويحسبون انهم على شيء وهم ليسوا على شيء. بعض هؤلاء يمارسون اليوم سياسة عبدالله بن أبي سلول الذي عناه الله تعالى بقوله في سورة المنافقين: (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ).

ولم يستطيعوا أن يفقهوا الشخصية المؤمنة التي يصفها الله تعالى بقوله (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ). اليوم يتهدّدنا العدو انه سينهي حربه على رفح ليشنّ حرباً على لبنان، لكن أولاً ليخرج سالماً من رفح فقد أثخنته المقاومة في قطاع غزة بالجراح.

ثانياً: ماذا كان يفعل على الجبهة اللبنانية حتى الآن؟!!!

ثالثاً: أنت من تهدد؟؟ تهدد فرسان المصر ورجالاً أعاروا جماجمهم لله الذين لا يخافون الموت ويطلبون من الله الشهادة وقد تعلموا من الامام الحسين سيد الشهداء المواقف (أبالقتل تهددني يا بن الطلقاء إن الموت لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة).  انه لمن المؤسف أن تتطابق بعض المواقف الداخلية مع الموقف الاسرائيلي في مواجهة المقاومة التي لولاها لما بقي للبنان من وجود. إنّ لبنان لن يكون الا بلد التعايش والاخوة ولن نترك لاسرائيل فرصة لتقسيمه أو تقزيمه فنحن لم نُقدّم دماء شهدائنا على مذبح أصحاب الاهواء والغرائز.  أما كيف يكون عيد مع ما يعيشه أهلنا في غزة وجنوب لبنان؟ فإننا نكبر بهم وبشهدائهم وبتضحياتهم فهم لم يقدموا ذلك عبثاً ولم تذهب تضحياتهم هباءً وإنما أنتج عزاً وفخراً، فمن لديه أمثالكم نال عزاً وفخراً، إنّ عيد أمتنا أن يكون لنا مثل هؤلاء العظماء". 

واردف: "نحن اليوم في عيد الأضحى نتقدّم من أهلنا اهل الشهداء في فلسطين ولبنان والعراق واليمن على طريق القدس بالافتخار وبالاعتزاز بمواقفهم وبتضحياتهم وبتضحيات أبنائهم الغالية، نفتخر بكرمكم فأنتم أجود من أعطى، أنتم من قدّمتم أغلى الأضاحي، أنتم من أحرمتم وسعيتم وطفتم ورجمتم الشياطين حقاً، أنتم من حججتم إلى الله، فنعم الإحرام إحرامكم والطواف طوافكم والسعي سعيكم والرمي رميكم ونعم الاضحية أضحيتكم، تقبل الله منكم بأفضل القبول، فحجاً مقبولاً وسعياً مشكوراً، وتحيةً لكم وعيداً مباركاً لأهل القرى الجنوبية الصامدة وأهلِها النازحين، يعاد عليكم بالعودة منتصرين مرفوعي الرأس كما في كل انتصار كما في الخامس والعشرين من أيار عدتم بالعزة والكرامة وما هُدّم عُمِّر ويُعَمَّرُ من جديد بإذن الله، واذا كان العدو هَدَمَ اليوم داراً فقد هدمتم له فوق الدار دار وجلبتم له الخزي والعار.  وتذكروا قول سيدكم علي بن أبي طالب: "الموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين".

هذا، وزار الخطيب ضريحي الامام الشيخ محمد مهدي شمس الدين ،والامام الشيخ عبد الامير قبلان ، وروضتي الشهداء والشهيدين لتلاوة سورة الفاتحة عن ارواحهم .

مقالات مشابهة

  • الخطيب: لبنان لن يكون الا بلد التعايش والاخوة
  • الراعي: نريد شخصيّة إستثنائيّة لرئاسة الجمهوريّة
  • عودة: على حكماء هذا البلد أن يتفقوا على مبادىء واضحة وتفاسير موضوعية لكل ما يختلف عليه اللبنانيون
  • السينودوس الماروني: لا أولوية تعلو على أولوية انتخاب رئيس وعلى النواب القيام الفوري بواجبهم الدستوري
  • الراعي: لا يمكن ترك لبنان من دون رئيس وهذا المطلوب منه
  • لجنة التنسيق اللبنانية - الكندية في البرلمان الكندي.. ورسائل مهمة تخصّ لبنان
  • الملك يلقي كلمة في جلسة بقمة مجموعة السبع بإيطاليا
  • رئيس الحكومة اللبنانية: الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على الجنوب "عدوان تدميري"
  • رئيس الحكومة اللبنانية: الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على الجنوب «عدوان تدميري»
  • ميقاتي: ما تفعله إسرائيل بجنوب لبنان عدوان تدميري وإرهابي