تلفت النظر في مسار السينما تلك الأفلام التي تبنى على أساس دور الشخصية الواحدة التي تستحوذ على أغلب المشاهد فضلا عن كونها مرتبطة بمكان واحد يصبح بمثابة الجغرافيا التي ترتبط بأفعال الشخصية وأهدافها.

هذا النوع من الأفلام وعلى الرغم من حضور شخصيات ثانوية الا انه يبقى محافظا على جاذبيته واهميته من وجهة نظر الجمهور العريض وخاصة في أفلام الحركة والمغامرات والتي تبنى على أساس أفعال وردود أفعال الشخصيات الرئيسية والثانوية.

وكنا قد شاهدنا أفلاما من هذا النوع برزت فيها قيمة الشخصية الواحدة وهي مؤطرة بحيز مكاني تمارس من خلاله افعالها وتصارع خصومها ولنا أن نتذكر أفلاما مثل الفيلم الكلاسيكي 12 رجلا غاضبون – 1957، وفيلم 127 ساعة- 2007، وفيلم أي تي ام -2012، وفيلم الزورق 2018، وفيلم نقطة الغليان -2021، وفيلم نادي الإفطار -1985، وفيلم قطار الطلقة -2022، وفيلم الامتحان -2009، وفيلم السقوط -2022، وفيلم أصدقاء العالم 2020، وفيلم المذنب 2018، وفيلم في الداخل 2023، وفيلم الكارثة 2012، وفيلم السيدة جولي -2022، وفيلم لا خروج -2022، وفيلم غرفة الهلع -2002، وفيلم المنصة -2019، وأفلام أخرى.

وفي هذا الفيلم للمخرجة اندي تينانت هنالك ثنائية الشخصية والمكان التي تلعب دورا محوريا في البناء الدرامي لهذا الفيلم حيث تواجه لاوري – تقوم بالدور الممثلة ايزابيل فورمان، وضعا استثنائية في نطاق المكان الذي تديره وهو عبارة عن مخازن شخصية محدودة المساحة للإيجار ورثتها عن عائلتها، ويصادف أن تكون هي المناوبة في الليل لتبدأ الأحداث في تلك الليلة وهي سلسلة من المطاردات بين الممرات وفي أماكن التخزين حيث تكتشف في احد تلك المخازن شخصا في حالة إغماء وقد ربط ذراعه بتغذية الجلوكوز بعد ان تم استئصال عضو من أعضائه وحيث ما يزال جرحه طريّا.

هذا الحدث يشكل تحولا استثنائيا ما نلبث أن ندرك خيوطه من خلال محاولة جولس – يقوم بالدور الممثل دون جونسن، الدخول الى المكان وفتح الغرفة المخزنية التي تحمل الرقم 234 والتي تم سجن ذلك الشخص المسجى وهو شبه فاقد الوعي، وهنا تسعى لاوري لإنقاذ ذلك الشخص الذي يدّعي انه لا يعلم شيئاً عن الجراحة التي أجريت له وانه قد تعرض للاختطاف.

هذا الايهام الذي برع فيه كاتب السيناريو والمخرجة هو الذي جعل لاوري وكذلك الجمهور يتعاطفون مع الضحية ضد أولئك الأشرار وحيث ستبدأ سلسلة من المطاردات تحت جنح الظلام والكر والفر فيما كان هدف لاوري هو انقاذ ذلك المريض المختطف بينما لا تتكشف في وسط هذا الصراع المحتدم دوافع تلك العصابة في ملاحقته وهو ما تعجز لا وري عن الوصول اليه في البداية.

وخلال ذلك يمكننا تحديد مسارات السرد السينمائي التي اعتمدها كاتب السيناريو بارتكازه على مسار سردي يرتبط بالمراحل التي مرت بها الشخصية الرئيسية لا وري في اكتشاف الحقيقة وراء تلك الجريمة فيما يتقاطع معه مسار سردي آخر وهو المرتبط بشخصية كلايتون- الجريح الذي ما يزال يستخدم اقصى ما عنده لمقاومة الخصوم لكن الخط الثالث الذي سوف يقلب المعادلة فيتمثل في ما هو مجهول، ويرتبط بشخصية كلايتون حيث انه ليس الا شخص محتجز لدى الشرطة التي تنقله الى المستشفى لاستئصال احدى كليتيه بسبب اصابته بمرض السرطان وليس هنالك تجارة أعضاء او ما شابه.

هذا التحول في البناء الدرامي وفي مسارات السرد هو الذي سوف يصعّد الاحداث ويزيد من المواجهات والصراع وبذلك نكون مع حبكات ثانوية تقرّب الشخصيات من خط المواجهة الأخير.

وفي هذا الصدد يقول الناقد جوش هيث في موقعه الشخصي" أن ميزة هذا الفيلم هو فيما يتعلق بالحبكة الدرامية التي سوف تتحول سريعا إلى فوضى عارمة تتضمن غموضاً في تحديد الهوية، ومواجهات وإطلاق نار تحت المطر، واختطافا، وتعذيبا، ومفاجآت غير متوقعة تماما ومن جهة أخرى يعتمد الفيلم على نوع من التوتر المُتراكم الذي ما يلبث ان ينهار تحت وطأة الانعطافات في الحبكة وحيث لا يوجد ما هو استثنائي في مسار الأحداث حتى نموها وتطورها وانكشاف شخصية القاتل المتسلسل".

اما الناقدة كاتي هوغان من موقع فيلم هوندس فترى "أن طاقم التمثيل الجيد، مع عددٍ محدود من الشخصيات، والأداء المتميز لإيزابيل فورمان في دور لوري، كل ذلك جعل هذا الفيلم مُشوقا ومُثيرا وينطوي على كثير من المُفاجآت".

يمكننا ان نضيف الى ذلك أن هذا الفيلم بالإضافة الى جودة التمثيل فيمكننا أن نعده من نوع الأفلام قليلة التكلفة من الناحية الإنتاجية بسبب محدودية الأماكن التي تم التصوير فيها لاسيما وأن أغلبها هي أماكن حقيقية يضاف الى ذلك بساطة السرد في خليط من مشاهد الحركة والجريمة والاثارة وهو ما يحسب للمخرجة في توظيف هذه المعطيات لصنع فيلم جدير بالمشاهدة وينطوي على مقومات تؤهله ليكون فيلما ناجحا وفي كونه يجمع عناصر متعددة تتعلق بالشخصيات والمكان واوقات التصوير تم توظيفها في اطار البناء الدرامي المتماسك.

واذا انتقلنا الى إشكالية الشخصية والمكان فالملاحظ أن اغلب المشاهد قد تم تصويرها مع استخدام إضاءة منخفضة ليلا وهو ما نجح مدير التصوير ( جون بارديو) في تقديمه من خلال نسق صوري زاد من مساحة التشويق والترقب لاسيما في ظل مشاهد المطاردات وحيث تجد لاوري نفسها محاصرة في ذلك الحيز المكاني واستخدام قدرتها على الحركة السريعة ورد الفعل السريع من اجل انقاذ نفسها والضحية المختطف في البداية ثم انكشاف ان المختطف ما هو الا قاتل متسلسل مما سوف يقلب الصراع فيما بين لا وري وبينه.

هذه الجوانب التعبيرية الصورية يضاف اليها المونتاج والموسيقى كلها تظافرت لتجعل هذا الفيلم موضع اهتمام على مستوى النقاد لاسيما وانه قدم الممثلة ايزابيل فورمان في دور مختلف وغير معهود وهي التي رسخت شخصيتها واداؤها في أفلام الرعب بشكل خاص ونتذكر هنا فيلمها اورفان بجزئيه 2009 و 2022 وأيضا فيلم الرعب " لا تدعني أذهب -2013 وفيلم الرعب " آخر ما شهدته ماري " -2021 وأفلام أخرى.

...

اخراج/ اندي تينانت

سيناريو/ ديريك ستينر

تمثيل / ايزابيل فورمان في دور لاوري، دون جونسن في دور جولس، جاك هيوستن في دور كلايتون، جيمس دومونت في دور ليون، كريستوفر بيكر في دور دوك، ماني غالان في دور دانتي.

مدير التصوير/ جون بارديو

موسيقى/ جورج فينتون

التقييمات/ أي أم دي بي 6 من 10، موقع كومن سينس 4 من 5، موقع فيلم هوندس 3 من 5

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذا الفیلم فی دور

إقرأ أيضاً:

«مصطفى بكري»: السيسي هو الرئيس الوحيد الذي قال «لا » لـ ترامب

أكد الإعلامي مصطفى بكري، أن الرئيس السيسي هو الوحيد الذي قال للرئيس الأمريكي، ترامب «لا»، لافتا إلى أنه الوحيد الذي رفض زيارة أمريكا، وقال إنه لن يزورها إلا بشروط وهي: «لا للتهجير، يجب إدخال المساعدات الإنسانية، يجب وقف العدوان المستمر على غزة».

وأوضح « مصطفى بكري»، خلال تقديمه برنامج «حقائق وأسرار»، أن «الرئيس السيسي مستهدف من قوى ليست بالقليلة، باعتباره رئيسا لأكبر دولة عربية».

وأشار « مصطفى بكري» إلى أنه «بناء على ما سبق، فمن الطبيعي أن الإدارة الأمريكية تعمل على تهميش دور مصر»، مضيفا: «نحن أمام رئيس أمريكي غاضب من كل شيء».

السيسي وترامب

وأكد مصطفى بكري، أن «مصر الآن هي هدف لكل من يريدها أن تكون مثل ليبيا وسوريا»، مشددا على أن «مصر في مرحلة يجب فيها الاصطفاف الوطني خلف الرئيس السيسي».

وفي رسالته للرئيس السيسي، قال مصطفى بكري: « أنت بالنسبة للناس المنقذ، الذي انتزعهم من براثن المؤامرات التي كانت تحيط بالبلاد من كل جانب، منعت وقوع الفتنة بين المسلمين والمسيحيين، وأنقذتنا من الإرهاب في سيناء، وطورت سلاح البلاد لتنقذها من بطش إسرائيل وأمريكا الجاري حاليا في الشرق الأوسط».

وأضاف «أنت الذي ضحى بالكثير والكثير لأجل هذه البلاد، أنت المنجز، ما تحقق في العشر سنوات الماضية كان مذهلا ومدهشا بالنسبة لكل دول العالم».

واختتم مصطفى بكري رسالته للرئيس السيسي قائلا: «إيماني حقيقي بقيادتك، وإنني لموقن بأن المستحيل يمكن تحقيقه في عهدك»

اقرأ أيضاًفي برنامجه «حقائق وأسرار».. مصطفى بكري يستعرض الجدل المستمر حول قانون الإيجار القديم

«متآمرون وإرهابيون».. مصطفى بكري يوجه كلمة نارية إلى الشامتين في وفاة القاضي شعبان الشامي

مصطفى بكري يحيي ذكرى رحيل شقيقه محمود بكلمات مؤثرة: ستبقى خالدا في القلب يا قرة عيني

مقالات مشابهة

  • “أطباء بلا حدود”: الجحيم الذي يُقاسيه أهالي غزة يتفاقم كل دقيقة
  • غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء
  • وزير الداخلية يعلن عن الموافقة على تكفل الدولة بمشروع حماية مدينة بوسعادة من أخطار الفيضانات
  • هدد الشرطة التركية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.. فما الذي حصل؟!
  • عادل إمام.. الزعيم الذي كتب تاريخ الفن بضحك ودهاء
  • مدير إدارة المستشفيات بالمنوفية يشارك في إنقاذ مريضة خلال جولة ليلية بمستشفى قويسنا المركزي
  • الوحدة .. سر النجاح الذي غاب عن البقية
  • مدير إدارة يشارك في إنقاذ مريضة خلال جولة ليلية بمستشفى قويسنا
  • «مصطفى بكري»: السيسي هو الرئيس الوحيد الذي قال «لا » لـ ترامب