سوريا ما بعد الأسد.. صراعات الجيران وانقسامات المجتمع مع انهيار دولة المخابرات
تاريخ النشر: 21st, May 2025 GMT
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، تقريرا، للصحفيين لويزا لوفلوك، وزكريا زكريا، وسلوان جرجس، قالوا فيه إنّ: "نظام بشار الأسد المخلوع كان قد حوّل سوريا إلى دولة مخابرات، بمراقبةٍ قلبت البلاد على نفسها".
وأضاف التقرير الذي ترجمته "عربي21" أنّ: "الجيران والزملاء تبادل أخبار بعضهم البعض في كل حيّ ومكان عمل: ما قالوا، وأين ذهبوا، ومن جاء لتناول العشاء".
وتابع: "بعد أكثر من نصف قرن، انهار ذلك النظام الخانق بين عشية وضحاها في كانون الأول/ ديسمبر، مع زحف قوات الثوار نحو العاصمة دمشق. وخلّف وراءه مجتمعا منقسما، يُخيّم عليه سؤال عمّن ساهم سرا في استبداد آل الأسد".
وبحسب التقرير، كان حمدي البربري يعتني بمجموعة من الحمام الزاجل على سطح منزله في آذار/ مارس عندما سمع أول رصاصة تخترق وجهه. يتذكر أنه انحنى، ثم مرّت أخرى بسرعة، وسقط على ظهره وهو يصعد الدرج. كان يعرف من أي منزل انطلقت الرصاصات.
"شتم الجيران والده، أبو أيمن، الخباز، واصفين إياه بأنه مخبر لنظام الأسد خلال الحرب الأهلية السورية الطويلة" يردف التقرير، مبرزا أن "أبو أيمن ينفي كونه مخبرا، لكنه أقرّ في مقابلة أجريت معه مؤخرا بأنه قاد قوات الأمن من فرع المخابرات العسكرية، إلى منازل أشخاص يعرفهم، وقال إنهم هددوه. وهو وحمدي قد ماتوا أثناء الاحتجاز".
وأورد: "على بُعد بضعة أبواب من منزل البربري، كانت تسكن عائلة المغربي، الذين قالوا إنهم معروفون في المنطقة منذ فترة طويلة كمعارضين للحكومة. استذكروا موجة من الخوف أطلقها خلال الحرب موالون للأسد، ضمّت أبو أيمن وابنه الأكبر وسيم. وقالوا إن أحمد المغربي وابن عمه موسى اعتُقلا على يد القوة وتعرضا للتعذيب لاحقا".
قال أحمد، مشيرا إلى قضيته: "كان المخبر أبو أيمن. لقد آذى عائلتنا كثيرا". بينما أنكر أبو أيمن تورطه في اعتقال أحمد، وقال إنه أبلغ عن مواطنيه السوريين في مناسبة واحدة فقط. وقال أبو أيمن: "كنت دائما مؤيدا لأهل حيي".
ووفقا للتقرير ذاته، فإنه: "في الأشهر التي تلت سقوط الأسد، تكرّرت حالات التوتر، كالتي بين هاتين العائلتين مرّات عدّة، بجميع أنحاء البلاد، إذ عبر من تمّ الإبلاغ عن شكاواهم ضد من زُعم أنهم خانوهم. تُشكل هذه الخلافات تحديا كبيرا للحكومة السورية الجديدة، التي تواجه أيضا انقسامات، حيث دعت السلطات الجديدة إلى التعافي والوحدة الوطنية، لكنها لم تُقدّم سوى اقتراحات قليلة حول كيفية تحقيق ذلك".
وأضاف: "تعيش عائلتا البربري والمغربي في حي التضامن بدمشق، الذي صُوّر في دعاية نظام الأسد كنموذج للوئام الاجتماعي. لكن على مدار الحرب، اختفى آلاف من سكان التضامن، بعضهم في السجون، والبعض الآخر في قبور ضحلة بين المنازل. غالبا ما كان الضحايا والجناة جيرانا".
ولفت إلى أنه: "في المدارس، قدّم المعلمون بلاغات بعد أن أفصح الأطفال عما سمعوه في منازلهم. في الأسابيع التي تلت سقوط الأسد، يتذكر السكان أن أحد الطلاب، عاد لمواجهة مديرة مدرسته، مُحمّلا إياها مسؤولية اختفاء والديه. وقالت امرأة أخرى إن أصدقاء زوجها المنفصل عنها أبلغوا السلطات بتعاطفها مع المعارضة".
ونقلا عن أبو أيمن البربري، تابع التقرير أنه: "بعد أن حاولت مجموعة من سكان حي مجاور ابتزازه للحصول على المال، ساعد قوات الأمن في تحديد هوية المسؤولين، وقاد القوات ليلا إلى منازلهم"، متابعا بأنه: "انضم لمجموعة محلية موالية للحكومة، تُعرف باسم قوات الدفاع الوطني، كانت تقوم بدوريات في المنطقة".
وتابع التقرير بأنّ: "أحمد المغربي قال إنه احتُجز بعد وقت قصير من رؤية شقيقته وهي تُهين صورة للرئيس. وأضاف أن ابن عمه موسى أُلقي القبض عليه بعد عدة أشهر، بعد اشتباك مع جاره في الطابق العلوي، الذي كان أيضا قد انضم إلى قوات الدفاع الوطني. سحبه ضباط بملابس مدنية من شاحنته، تاركين أطفاله الصغار وحدهم في المقعد الخلفي".
واسترسل: "في فرع فلسطين، قال موسى، إن السجانين أطفأوا السجائر في أطرافه وجرحوها بالزجاج المكسور، وعلّقوا أحمد من معصميه حتى انكسرا. وعندما سُمح لأفراد عائلة المغربي أخيرا بزيارة السجن، قالوا إنهم لم يتعرفوا على الشابين إلا عندما نادوا بأسمائهم".
"قال إنه مع تقدم قوات الثوار نحو العاصمة السورية في 7 كانون الأول/ ديسمبر، ومع شروق شمس صباح الثامن من كانون الأول/ ديسمبر، وقف موسى وأحمد المغربي مذهولين في الشارع بينما مزّقت الحشود ملصقات الأسد من الجدران. اختفت نقطة تفتيش قوات الدفاع الوطني، وانتهى معها الرعب الذي أثارته. سمح موسى لأطفاله باللعب في الخارج لأول مرة منذ سنوات" وفقا للتقرير نفسه الذي ترجمته "عربي21".
وتابع: "اندلعت التوترات في الزقاق بعد ثلاثة أيام، بينما كان حمدي وإخوته يُجهّزون خبز اليوم داخل المخبز، حسبما أفاد أفراد العائلة. قال حمدي إن حوالي اثني عشر رجلا ملثما وصلوا مُسلحين، وسحبوا قمصان الرجال فوق رؤوسهم وأجبروهم على الوقوف على الحائط بينما أطلق المارة صرخات عدائية".
وأضاف: "صرخ أحدهم: والدك متورط في القتل. تذكر حمدي صراخه: أرجوكم، إذا كنتم ستتهمونه، فعليكم بتقديم دليل. كان يسمع زوجته تبكي وتتوسل إلى الرجال أن يرحموهم. في النهاية، رضوا".
وأورد: "في أول خطاب له كرئيس جديد لسوريا، خاطب أحمد الشرع، الأمة، قائلا إن العدالة الحقيقية تأتي من: تحقيق السلم الأهلي وملاحقة المجرمين الملطخين بالدماء السورية، سواء ممن اختبأوا داخل البلاد أو فروا خارجها".
وتابع: "أنشأت الحكومة مراكز مصالحة، حيث سلم الجنود السابقون وعناصر المخابرات، وهم قلقون وشاحبو الوجوه، أسلحتهم رسميا، مقابل بطاقات هوية مدنية. لكن العملية كانت اختيارية، وتجاوزها عدد متزايد من الموالين لنظام الأسد بالرحيل إلى مناطق أخرى من البلاد".
واسترسل: "في التضامن، صُدم العديد من السكان عندما انتشرت أنباء عن عودة فادي صقر، الرئيس السابق لقوات الدفاع الوطني، لفترة وجيزة حرا طليقا، بعد مصالحته رسميا مع السلطات الجديدة. وقال البعض إنه عاد لحضور اجتماع محلي؛ زعم آخرون، أنه زار موقع مجزرة اتُهمت قوات الدفاع الوطني بارتكابها. توافد السكان للاحتجاج بالمئات".
"في أنحاء حي التضامن، أفاد سكان أن بعض المخبرين المعروفين والموالين للنظام حاولوا التفاوض مع جيرانهم. سلّم أحد الرجال شقته لمقاتلين من المعارضة عادوا مع سقوط الأسد. وقال إن العائلة التي حمّلها موسى مسؤولية سجنه حضرت لمنزله لتقدم له سيارة باهظة الثمن. وأضافوا أن عائلة المغربي عانت من ضائقة مالية بسبب الاعتقالات، حيث دفعوا أكثر من 200 ألف دولار رشاوى مقابل معلومات عن مكان موسى ونيل حريته" وفقا للتقرير.
وأبرز: "بعد إخلاء السجون وإطلاق سراح نزلائها الناجين، نشر الصحفيون الاستقصائيون قصصا تصف ما كُشف عنه في الملفات المُخزّنة هناك: أي العائلات لديها مُخبرون بينهم والتفاصيل التي أبلغوا عنها والتي شقت طريقها إلى تقارير الاستخبارات".
إلى ذلك، أجّجت مواقع التواصل الاجتماعي الشعور المتزايد بانعدام الأمن بين الموالين السابقين للأسد، بمن فيهم المُخبرون، مع تدفق مستمر من التقارير حول هجمات لجان الأمن الأهلية ضد أشخاص تربطهم صلات حقيقية أو مُتصوّرة بنظامه السابق.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة دولية بشار الأسد سوريا سوريا بشار الأسد سوريا الجديدة احمد الشرع المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قوات الدفاع الوطنی أبو أیمن قال إنه
إقرأ أيضاً:
بعد 60 عامًا على إعدام إيلي كوهين.. هل تتسلم إسرائيل رفات أشهر جواسيسها من سوريا؟
في تطور لافت يعكس استمرار السعي الإسرائيلي لتوثيق إرث أخطر جواسيسها في العالم العربي، أعلنت إسرائيل، يوم الأحد 18 مايو 2025، عن نجاح عملية استخباراتية سرية نفذها جهاز "الموساد"، أسفرت عن نقل نحو 2500 مستند وصورة ومقتنيات شخصية تعود للجاسوس الشهير إيلي كوهين، من داخل الأراضي السورية إلى إسرائيل، بعد أكثر من ستة عقود على إعدامه.
وفي بيان رسمي، قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن العملية أسفرت عن "جلب الأرشيف السوري الرسمي الخاص بكوهين، والذي احتفظت به المخابرات السورية بطريقة سرية للغاية لعقود من الزمن"، مشيرًا إلى أن هذا الأرشيف يضم آلاف القطع الأثرية والوثائق، وقد تم نقلها إلى إسرائيل في إطار الاستعداد لإحياء الذكرى الستين لإعدام كوهين في 18 مايو 1965، في ساحة المرجة بدمشق.
وأوضح البيان أن الأرشيف الذي تم الحصول عليه يحتوي على وثائق أصلية وأغراض شخصية عديدة، بينها:
• وصية كوهين الأصلية التي كتبها قبل ساعات من إعدامه، والتي لم يكن قد تم الكشف عن نسختها الأصلية سابقًا.
• تسجيلات ووثائق من ملفات التحقيق التي أجرتها المخابرات السورية مع كوهين ومع مسؤولين سوريين كانوا على تواصل مباشر معه.
• رسائل كتبها إلى أفراد أسرته.
• صور من أنشطته الاستخباراتية خلال مهمته في سوريا.
• مقتنيات شخصية صودرت من منزله عقب اعتقاله في يناير 1965.
وقد تم تقديم بعض هذه الوثائق والأغراض بشكل رسمي إلى أرملته، نادية كوهين، في إطار تكريم رمزي لذكراه.
هوية الجاسوس وتاريخهيُذكر أن إيلي كوهين، واسمه الحقيقي "إلياهو بن شاؤول كوهين"، وُلد في مدينة الإسكندرية عام 1924 لعائلة هاجرت من مدينة حلب السورية إلى مصر.
جندته المخابرات الإسرائيلية "الموساد" للعمل جاسوسًا في سوريا تحت هوية مزيفة باسم "كامل أمين ثابت"، ونجح في التغلغل داخل النخبة السياسية والعسكرية السورية خلال الستينيات، إلى أن تم اكتشاف أمره، فحُكم عليه بالإعدام ونُفذ الحكم في ساحة المرجة بدمشق عام 1965.
جهود مستمرة للعثور على رفاتهورغم مرور أكثر من ستة عقود على إعدامه، لا تزال إسرائيل تسعى لمعرفة مكان دفنه، دون تحقيق نتائج تُذكر حتى الآن. وكانت تل أبيب قد حصلت قبل أعوام على ساعة اليد الخاصة به، غير أن استعادة الأرشيف السوري لم تتضمن أي إشارة إلى مصير رفاته.
وفي تطور ذي صلة، أفادت صحيفة "الأخبار" اللبنانية، صباح الجمعة، نقلًا عن دبلوماسيين عرب، بأن الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع لا تستبعد إمكانية تسليم إسرائيل رفات إيلي كوهين. ورغم عدم وجود تأكيد رسمي لهذه المعلومات من أي جهة أخرى، إلا أن التقرير أشار إلى تقدم ملموس في جهود الوساطة الأمنية.
وفي مقال لرئيس تحرير الصحيفة، إبراهيم الأمين، ورد أن الاجتماعات التي عُقدت في العاصمة الإماراتية أبوظبي بين ممثلين عن نظام الشرع ومسؤولين أميركيين وإسرائيليين، شملت تفاهمًا غير معلن قد يؤدي إلى خطوات سورية تهدف إلى تهدئة الأوضاع مع إسرائيل.
ووفق المقال، فإن الأمريكيين عرضوا "كل الإغراءات الضرورية" على دمشق مقابل تنفيذ هذه الخطوات، بما في ذلك الكشف عن أماكن دفن جثامين جنود إسرائيليين اختفوا في سوريا خلال اجتياح لبنان عام 1982.