صحيفة الجزيرة:
2025-07-08@06:53:03 GMT

تحوّل صناعي في المملكة تقوده رؤية 2030

تاريخ النشر: 23rd, May 2025 GMT

تشهد المملكة تحولًا تاريخيًّا غير مسبوق، إذ تُعيد رسم ملامح اقتصادها ببوصلة جديدة تقود اتجاهاتها رؤية المملكة 2030، فبينما كان النفط يشكل لعقود طويلة العمود الفقري للاقتصاد الوطني، تتجه المملكة اليوم نحو تنويع مصادر دخلها، وتوفير القيمة المضافة في مختلف القطاعات، وفي مقدمتها القطاع الصناعي.

 

ولتحقيق تلك المستهدفات تعمل المملكة على تأسيس قاعدة صناعية متينة تنافس عالميًّا، تقوم على توطين الصناعات الإستراتيجية المتقدمة، وتمكين التقنية والمعرفة والابتكار، بالاعتماد على بنية تحتية ذكية ومتطوّرة.


وتنفذ هذا التحول الصناعي في المملكة منظومة صناعية متكاملة وشاملة تقودها وزارة الصناعة والثروة المعدنية، يُبنى على مستهدفات الإستراتيجية الوطنية للصناعة التي تعد المحرك الأساسي للنهضة الصناعية السعودية، التي ظهرت ملامحها جلية في المدن الصناعية والتجمعات المتخصصة المتقدمة في مختلف مناطق المملكة، حيث تركز تلك المدن والتجمعات على قطاعات حيوية كصناعة الطيران، والسيارات، والصناعات الغذائية، والصناعات التعدينية، والبتروكيماويات.
وبلغ عدد المدن الصناعية (40) مدينة، كما وصل عدد المصانع إلى (12) ألف مصنع بنهاية عام 2024، مع سعي المملكة إلى الوصول إلى (36) ألف مصنع بحلول عام 2035.
ولا تقتصر مستهدفات هذه المدن والتجمعات على التصنيع والإنتاج، بل تعد نواة لمراكز اقتصادية قائمة على الربط الذكي بين مواقع التصنيع والأسواق المحلية والعالمية عبر شبكة من الموانئ الحديثة، وخطوط السكك الحديدية، والطرق البرية المتطورة.
وإدراكًا منها لأهمية التنويع الاقتصادي وتطوير القطاعي الصناعي، ضخَّت المملكة استثمارات نوعية لتطوير بنية تحتية متكاملة قوية، عبر بناء مدن صناعية وتجمعات متخصصة، تستهدف رفع القيمة المضافة في الصناعة الوطنية، وتوطين تقنيات التصنيع المتقدمة.
وفي هذا السياق، تبرز مدينتا الجبيل وينبع الصناعيتان قطبين رئيسين في قطاع البتروكيماويات العالمي، فيما أصبحت مدينة رأس الخير على سواحل الخليج مركزًا محوريًّا للصناعات التعدينية، وتحتضن مجمعًا لمعادن الألومنيوم، يعد أحد أكبر وأشمل المجمعات الصناعية عالميًّا، بالإضافة إلى إنتاج الفوسفات والمعادن الأخرى.
وفي الجنوب الغربي من المملكة، تتقدم مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية بوصفها مركزًا للصناعات الثقيلة والأنشطة كثيفة الاستهلاك للطاقة، إلى جانب الصناعات الغذائية والأنشطة الزراعية.
وفي مدينة الملك عبدالله الاقتصادية “KAEC”، يبرز نموذج صناعي فريد يدمج بين التصنيع واللوجستيات، حيث تضم أحد أكثر الموانئ تطورًا في العالم، مما يعزز مكانتها مركزًا للتجارة العالمية.
وفي قلب المملكة، تأتي مدينة سدير للصناعة والأعمال باعتبارها منطقة صناعية ولوجستية متخصصة، تستقطب استثمارات مهمة في الصناعات الدوائية والغذائية والتصنيع الخفيف، وتسهم في تطوير سلسلة الإمداد الوطني.
ودعمًا لتنافسية القطاع الصناعي عالميًّا، وتوطين الصناعات الواعدة؛ أطلقت المملكة عددًا من التجمعات الصناعية المتخصصة التي تمثل محاور إستراتيجية لتطوير صناعات المستقبل.
ودشنت المملكة في جدة، وتحديدًا في واحة “مدن”، “أيرو بارك الأولى”، التي تُعد أول تجمع متخصص لصناعة وصيانة الطائرات، وتمتد على مساحة (1.2) مليون متر مربع، وتُقام بالتعاون بين وزارة الصناعة والثروة المعدنية، والهيئة العامة للطيران المدني، بهدف توطين التقنيات المتقدمة وتوفير بيئة استثمارية محفزة لصناعة الطيران، عبر منشآت تصنيع حديثة ومراكز بحث وتطوير متقدمة تركز على مكونات الطائرات، وأنظمة الدفاع والتقنيات الفضائية، معززًا بموقع إستراتيجي قريب من مطار الملك عبدالعزيز الدولي وميناء جدة الإسلامي.
ويأتي هذا التوجه في إطار رؤية أشمل تستهدف تحويل المملكة إلى مركز إقليمي وعالمي للنقل الجوي، بقدرة استيعابية تصل إلى (30) مليون مسافر وسعة شحن سنوية تبلغ مليونا طن.
وفي مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، يأتي مجمع الملك سلمان لصناعة السيارات ليوفر بيئة ومتكاملة ومحفزة لتصنيع السيارات التقليدية والكهربائية، عبر توطين التقنيات واستقطاب رواد الصناعة العالميين لإنتاج (300) ألف سيارة سنويًّا في مجمع صناعي واحد.
ويهدف هذا التجمع إلى جعل المملكة لاعبًا رئيسًا في قطاع التنقل المستدام، من خلال شراكات إستراتيجية مع كبرى الشركات العالمية لتوطين الإنتاج ونقل التقنيات، وتطوير سلاسل الإمداد بشكل متكامل.
وأطلقت المملكة عدة تجمعات لصناعة الغذاء تعزز الأمن الغذائي، شملت أكبر تجمع من نوعه في العالم لتصنيع الأغذية بمدينة جدة، يقام على مساحة (11) مليون متر مربع، ويضم (75) مصنعًا بمساحات تصل إلى (107) آلاف متر مربع، ومستودعات ضخمة بمساحة (134) ألف متر مربع.
وجرى تطوير هذا التجمع باستثمارات تصل إلى (20) مليار ريال، بهدف دعم الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الواردات، وخفض التكاليف التشغيلية بنسبة تتراوح بين (5و12%)، بفضل تكامل الخدمات والبنية التحتية المتطورة، ويستهدف التجمع استقطاب أكثر من (800 ) مصنع بحلول عام 2035 في (10) أنشطة نوعية ضمن قطاع الصناعات الغذائية، بما يعزز مكانة المملكة في خارطة تصنيع وتصدير الأغذية عالميًّا.
وفي شهر أبريل الماضي أطلقت الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية “مدن” مجمعًا صناعيًّا للألبان في المدينة الصناعية بالخرج، الذي يمثل خطوة مهمة في تعزيز الأمن الغذائي للمملكة، ويغطي المجمع مساحة مليون متر مربع؛ يشمل مصانع للألبان والأعلاف، ومرافق للتعبئة والتغليف، ووحدات للتخزين، ويوفر المجمع الجديد بيئة إنتاج صناعي مستدامة ومتكاملة تضم مصانع جاهزة ومستودعات للتبريد.
ويشكل إنتاج محافظة الخرج من الألبان (70%) من إنتاج المملكة، ويُلبي الطلب في الأسواق المحلية والإقليمية.
وفي مجال البنية التحتية اللوجستية تلعب الموانئ والسكك الحديدية دورًا محوريًّا في دعم هذه التحولات الصناعية، حيث يواصل ميناء جدة الإسلامي أداءه بصفته أهم منفذ للصادرات والواردات الغذائية، بينما يعزز ميناء الملك عبدالله موقعه في خدمة الصناعات عالية القيمة، ويمثل ميناء رأس الخير منفذًا مهمًا لصادرات المعادن، في حين يخدم ميناء جازان المدينة الصناعية ويسهل الصادرات نحو القارة الأفريقية.
إلى جانب ذلك، يمثل خط الشمال – الجنوب أحد أهم مشروعات السكك الحديدية في المملكة، حيث يربط مناطق التعدين بالمدن الصناعية والموانئ، فيما يجري الإعداد لمشروع الجسر البري الذي يُعد من أكثر المشروعات طموحًا، إذ سيربط البحر الأحمر بالخليج العربي، ويعزز من دور المملكة ممرًا رئيسيًا للتجارة الإقليمية والدولية.
ولا يُمثل التحول الصناعي في المملكة مجرد إستراتيجية، بل رؤية بدأ تنفيذها على أرض الواقع، من مصانع تتبنى أحدث التقنيات، وتجمعات صناعية متخصصة في الصناعات المتقدمة مثل الطيران والغذاء والسيارات، حيث تعمل المملكة بوتيرة متسارعة على بناء اقتصاد يتكئ على المعرفة والابتكار، يقوم على بنية تحتية متقدمة وخطط نمو متكاملة.
وبفضل منظومة متكاملة – تشمل موانئ عصرية، وشبكة نقل حديثة، وحوافز استثمارية ذكية – تواصل المملكة استقطاب الاستثمارات النوعية المحلية والعالمية، وتعزيز بيئة أعمال تنافسية تسهم في تمكين تلك الاستثمارات، توفر القيمة المضافة منها في القطاع الصناعي.

 

ومع التقدم المتواصل في تنفيذ مستهدفات رؤية السعودية 2030، تتجه المملكة نحو موقع متقدم على خارطة الصناعة العالمية، لتتحول إلى قوة صناعية رائدة عالميًّا، تُنتج، وتُبدع، وتُصدٍّر، حيث إن ما تشهده المملكة ليست مجرد مرحلة انتقالية لقطاعها الصناعي، بل ثورة صناعية سعودية شاملة، تحكي قصة وطن اختار أن يصنع مستقبله بسواعد أبنائه؛ ليثبت أن الرؤية حين تتحول إلى تنفيذ، يصبح الطموح واقعًا يُبنى عليه الغد.

المصدر: صحيفة الجزيرة

كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية فی المملکة ت المملکة متر مربع مجمع ا

إقرأ أيضاً:

المحتوى المحلي وتنمية اقتصادنا العُماني

يعد المحتوى المحلي ركيزة أساسية لتنمية الاقتصاد الوطني ومهما لتعزيز النمو المستدام في سلطنة عُمان من خلال تشارك جميع فئات المجتمع والقطاعين العام والخاص في تفضيل المحتوى المحلي في المشتريات الحكومية وعمليات شراء الأفراد اليومية؛ لدوره في تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي والمساهمة في تحقيق نمو بالقطاعات الاقتصادية من خلال زيادة الإنفاق على عناصر المحتوى المحلي مثل الصناعات الوطنية والقوى العاملة الوطنية؛ فتفضيله واجب وطني يعزز من التنمية المستدامة.

ولا تقتصر أهمية المحتوى المحلي على تعزيز الصناعات الوطنية فحسب وتشغيل القوى الوطنية، فهناك عوامل نجاح اقتصادية على المستوى الوطني مثل تحسن الميزان التجاري لسلطنة عُمان، وارتفاع الرصيد من العملات الأجنبية، إضافة إلى دور المحتوى المحلي المهم في جذب الاستثمارات الأجنبية، مما يسهم في تكوين بيئة اقتصادية أكثر استقرارا وخصبة لنمو الأعمال واستقطاب المزيد من الكفاءات والخبرات الوطنية في شتى المجالات التجارية والاستثمارية.

لقد كان المحتوى المحلي وما زال يحظى باهتمام كبير على المستوى الوطني منذ أن أصبح عاملا مهما لتعزيز التنمية الاقتصادية وتحقيق الأمن الاستراتيجي، فلم يعد خيارا بل ضرورة استراتيجية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الصناعات وتعزيز الاستقرار والنجاح الاقتصادي في ظل الظروف غير المستقرة المحيطة بمنطقة الخليج والعالم عموما، وفي رأيي علينا ألا نكتفي بتصنيع المنتجات في مراحلها النهائية أو يقتصر دورنا على المرحلة الأخيرة من الإنتاج مثل التجميع والتركيب، ومن المهم أن نكون مساهمين في إنتاج المواد الأساسية في التصنيع والإنتاج حتى يكون المحتوى المحلي عُمانيا 100%، كذلك من المهم أن نطوّر استراتيجيتنا في تعزيز المحتوى المحلي من خلال دراسة احتياجات المصانع العاملة في سلطنة عُمان من المواد والصناعات، بحيث نطور صناعاتنا ومواردنا لتلبي الطلبات والاحتياجات من المواد للمصانع بدلا من الاستيراد من الخارج وبذلك نقلل نحقق أمرين اثنين مهمين، الأول: تحقيق تقدم في الميزان التجاري لصالح سلطنة عُمان مع الدول والآخر تطوير الصناعات الوطنية وتلبية متطلبات السوق المحلي والخارجي.

إن التوجه الوطني لتنمية المحتوى المحلي عبر إنشاء هيئة المشاريع والمناقصات والمحتوى المحلي يعد مؤشرا مهما لتحقيق الأمن الاقتصادي في مرحلة يشوبها العديد من التحديات الاقتصادية والسياسية التي تشهدها المنطقة والعالم أجمع، إذ إن الهيئات عموما أكثر رقابة والتزاما بالأدوار والمسؤوليات المنوطة بها فضلا عن أدوارها التمكينية وتعزيز الثقة بين أطراف إنتاج المحتوى المحلي ومتابعة زيادته في الاقتصاد الوطني، وبتحقيق الاكتفاء الذاتي سنكون قادرين على مواجهة الأزمات الاقتصادية وتأثر سلاسل الإمداد وإحداث ربكة في مؤشرات الاقتصاد الكلي، وعلينا أن نغتنم الفرصة الآن للمسارعة في الاشتغال على تطوير المحتوى المحلي وتنمية قبل أن نتعرض لأزمة اقتصادية أخرى تؤثر على الصناعات الوطنية وتتضرر منها القطاعات الاقتصادية، وهنا نشير إلى دور المحتوى المحلي في دعم القطاع الخاص والسوق العُماني الذي بلا شك سيشهد تطورا وتوسعا مع الالتزام بسياسات المحتوى المحلي، وأدعو مختلف شرائح المجتمع لوضع المحتوى المحلي أولوية عند الشراء من المحال وارتياد الأسواق؛ لدعم الصناعات الوطنية وتنمية الاقتصاد الوطني.

أقترح قيام هيئة المشاريع والمناقصات والمحتوى المحلي بوضع مؤشرات التزام المنتجين والمصنعين المحليين بالمحتوى المحلي من خلال تقديم إقرار بنسبة المحتوى المحلي في كل منتج مع رصد جوائز قيّمة للمشتغلين على زيادة المحتوى المحلي في الصناعات؛ لضمان نجاح التوجه الوطني بتعزيز المحتوى المحلي والمساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني، وتوسّع الناتج المحلي الإجمالي وتحفيز الاستثمار والبحث والتطوير والابتكار، حقيقة نحن بحاجة إلى الاشتغال بشكل جماعي أفرادا ومؤسسات وشركات لتعزيز المحتوى المحلي في سلطنة عُمان حتى يكون رافدا لاقتصادنا العُماني الذي يشهد تطورا ومتانة بفضل السياسات الاقتصادية الفاعلة، وسيستمر في التطور والتوسّع في حال الالتزام بسياسات المحتوى المحلي،

ولذلك تفضيله واجب وطني لتنمية الاقتصاد العُماني لضمان تدفق الأموال داخل القطاعات الاقتصادية ومنع تسرب الأموال إلى الخارج مما يسهم في إنعاش القطاعات خاصة قطاع المقاولات الذي يتطلب مواد يتم استيرادها من الخارج، ولذلك من الضروري تكثيف الصناعات الوطنية في المواد التي يحتاجها قطاع المقاولات وتنمية الأنشطة التجارية المرتبطة بالقطاع عبر توفير مزيد من فرص العمل واستدامتها وتوسّعها وكذلك تعزيز القوة الشرائية، وأقترح الاشتغال على تطوير الصناعات العُمانية حتى تلبي احتياجات السوق المحلي من السلع والخدمات مع البدء بوقف استيراد المواد تدريجيا من الخارج حتى نصل إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من السوق المحلي من خلال تقديم الدعم المالي للمصانع والاستمرار في تقديم الإعفاءات الضريبية لضمان عدم ارتفاع أسعار السلع والخدمات الناتج عن ارتفاع الكلفة التشغيلية للمصانع وبالتالي

ضمان نمو الاقتصاد الوطني وتنويع مصادره.

مقالات مشابهة

  • توجهات إعلامية مبتكرة تنسجم مع رؤية عجمان 2030
  • المحتوى المحلي وتنمية اقتصادنا العُماني
  • ورشة صناعية وسط أحياء سكنية بالمحمدية تثير غضب الساكنة
  • البويرة.. منطقة صناعية جديدة لاحتضان المشاريع الاستثمارية
  • انطلاق التشغيل الرسمي لمنظومة التأمين الصحي الشامل بأسوان ضمن رؤية 2030
  • «دور العلوم الإنسانية في نهضة الوطن وتحقيق رؤية مصر 2030» في ندوة بجامعة الفيوم
  • وزير الطاقة يبحث مع وزير التجارة العماني تطوير مشاريع صناعية بين البلدين
  • أكدت تمكينه وتوسيع أثره بالقطاعات الحيوية.. وزارة “الموارد”: تنمية القطاع التعاوني للمساهمة في مستهدفات رؤية 2030
  • ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030.. «الموارد البشرية» تواصل تنمية قطاع التعاونيات
  • وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تواصل تنمية قطاع التعاونيات ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030