منذ زمن بعيد، أسرت القطط البرتقالية مخيلة الناس، من "جارفيلد" الكسول وعاشق اللازانيا، إلى "تاما" قطة اليابان المشهورة التي أصبحت مديرة محطة قطار. لكن ما لم يكن يعرفه الكثيرون أن لون الفراء هذا، الذي يبدو بريئا وساحرا، كان لسنوات طويلة لغزا وراثيا استعصى على العلماء حله حتى الآن.

ففي إنجاز علمي بارز نشر يوم الخميس 15 مايو/أيار الجاري في دراسة بمجلة "كارنت بيولوجي"، أعلن باحثون من جامعة كيوشو اليابانية بالتعاون مع فريق في جامعة ستانفورد الأميركية عن اكتشاف الطفرة الجينية المسؤولة عن اللون البرتقالي في القطط المنزلية، واضعين بذلك حدا لواحد من أقدم الأسئلة في علم وراثة الحيوانات الأليفة.

المفاجأة لم تكن في وجود الطفرة المسؤولة عن اللون البرتقالي، بل في موقعها (بيكسابي) لغز "الجين البرتقالي" الذي حيّر العلماء

منذ أكثر من قرن، اشتبه العلماء في أن الجين المسؤول عن اللون البرتقالي موجود على الكروموسوم إكس. كانت أغلب القطط البرتقالية من الذكور، في حين أن الإناث يحملن عادة مزيجا من البرتقالي والأسود في شكل فراء مبرقش، كما هو الحال في أنواع "الكاليكو" و"التورتويسشيل"، لكن رغم هذه المؤشرات، لم ينجح قط أحد في تحديد الجين بدقة.

يقول المؤلف الرئيسي للدراسة أستاذ علم الوراثة في جامعة كيوشو اليابانية هيرويكي ساساكي في تصريحات للجزيرة نت "لطالما كان حلمي بوصفي عالما وعاشقا للقطط أيضا أن نعرف ما الذي يجعل بعض القطط برتقالية. كان أمامنا فقط فرضيات، أما اليوم فلدينا الجواب الجيني الحقيقي".

إعلان

بعد تحليل عينات الحمض النووي لـ18 قطة، نصفها برتقالية اللون، اكتشف الفريق أن جميع القطط البرتقالية تتشارك طفرة محددة في جين يعرف باسم "إيه آر إتش جيه إيه بي 36". وتكرر النمط نفسه في أكثر من 49 قطة إضافية من قواعد بيانات جينية دولية، مما منح الاكتشاف قوة علمية معتبرة.

لكن المفاجأة لم تكن في وجود الطفرة، بل في موقعها، فالطفرات لم تغير بنية البروتين، بل كانت في جزء غير مشفر من الجين. يعني هذا أن الجين لا يصنع بروتينا مختلفا، بل يشتغل بشكل مختلف.

"الأمر أشبه بإزالة كاتم الصوت من محرك السيارة"، يشرح ساساكي، مضيفا أن "المحرك نفسه لم يتغير، لكنه أصبح أكثر صخبا. هذا بالضبط ما تفعله هذه الطفرة، تجعل الجين يعمل أكثر من اللازم"، كما أوضح ساساكي في تصريحه للجزيرة نت.

كانت أغلب القطط البرتقالية من الذكور (بيكسابي) هل يؤثر الجين على سلوك القطط؟

لاحقا، استعان الفريق بأطباء بيطريين محليين للحصول على عينات جلد من أربع قطط "كاليكو"، ذات الفراء الملون. فحص العلماء الخلايا الصبغية في المناطق البرتقالية والسوداء من الفراء، ووجدوا أن جين "إيه آر إتش جيه إيه بي 36" كان أنشط بكثير في المناطق البرتقالية.

هذا النشاط الزائد للجين، بحسب الدراسة، يقلل من نشاط مجموعة من الجينات الأخرى المسؤولة عن إنتاج الميلانين الداكن، مما يدفع الخلايا إلى إنتاج صبغة أفتح تعرف باسم "فيوميلانين" وهي التي تمنح القطط لونها البرتقالي المميز.

وما يثير الفضول أن هذا الجين لا ينشط فقط في الجلد، بل في الدماغ والغدد الصماء أيضا. وقد يفتح هذا الباب أمام فرضيات مثيرة مثل الربط بين لون الفراء وطبيعة الشخصية.

ويوضح ساساكي "كثير من الناس يعتقدون أن القطط البرتقالية أكثر ودا أو أكثر شراسة"، ويضيف "لا توجد أدلة علمية قاطعة حتى الآن، لكن من يدري؟ ربما يكشف المستقبل عن علاقة حقيقية بين الجينات والسلوك".

إعلان

اللافت أن هذا الجين -وفقا للمؤلف الرئيسي للدراسة- موجود أيضا لدى البشر، وقد ارتبط في بعض الدراسات بحالات مثل سرطان الجلد وتساقط الشعر. ولذلك، يأمل الباحث أن يسهم هذا الاكتشاف في تطوير أبحاث طبية مستقبلية، تتجاوز حدود علم الحيوان إلى الإنسان.

كما يخطط الفريق لاستكشاف أصول الجين عبر تحليل رسومات القطط في الحضارات القديمة، بل وحتى فحص الحمض النووي لقطط محنطة في مصر القديمة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

قرية كاملة يولد سكانها عمياناً.. لغز وراثي يحير العلماء

#سواليف

في #أعماق_الصحراء، وبعيداً عن #مظاهر #الحياة_الحديثة، تقف #قرية #دالي_كوامبي النائية كأحد أكثر #المواقع #غرابة على #وجه #الأرض؛ حيث يشهد سكانها منذ قرون #ظاهرة_وراثية #استثنائية تتمثل في ولادة واحد من كل اثنين تقريباً #فاقدي_البصر، في مجتمع يعيش عزلة شبه كاملة عن العالم الخارجي.
وتقع القرية على بُعد نحو 1000 كيلومتر من العاصمة الموريتانية نواكشوط، وتوصف بأنها الأكثر عزلة في البلاد، مما يجعل الوصول إليها مهمة شاقة للباحثين والرحالة.
ووفقاً للخبراء، فإن هذه العزلة القاسية ساهمت في انتقال اضطراب جيني نادر عبر الأجيال يجعلهم يصابون بالعمى، نتيجة الانغلاق الجغرافي وغياب التنوع الجيني.

ورغم ذلك، يشير سكّان القرية إلى تفسير مختلف تماماً لهذا العمى؛ إذ يؤكد عمدة القرية أن الأمر يعود إلى نبوءة قديمة مضى عليها عشرة أجيال، تحدثت عن ميلاد رجل صالح فاقد للبصر، وأن العمى أصبح قدراً ملازماً لأهل القرية منذ ذلك الحين.

وبينما يتمسك السكّان بهذا الاعتقاد، يرى الباحثون أن القرابة الداخلية والانعزال الممتد لقرون يلعبان الدور الحاسم في استمرار الظاهرة.

مقالات ذات صلة قائمة مفصلة صادمة عن مشاهير وأصحاب نفود وردت أسماؤهم في ملفات المجرم الجنسي إبستين 2025/12/11

ورغم التحديات التي يفرضها فقدان البصر، طوّر السكان قدرة لافتة على التأقلم، إذ يتحرك الأهالي داخل البيوت والطرقات الرملية بدقة مدهشة، مستندين إلى حاسة السمع واللمس والذاكرة المكانية، وإلى شبكة تضامن مجتمعي متينة تشكّل العمود الفقري لحياتهم اليومية.

أيضاً القرية تفتقر إلى الكهرباء والإنترنت ومعظم مقومات الحياة الحديثة، ومع ذلك، يواصل الأهالي حياتهم وفق أساليب تقليدية متوارثة، ويعتمدون على تعاونهم العميق لتجاوز قسوة البيئة الصحراوية وظروف الإعاقة البصرية، بل ويستقبلون الزوار النادرين بترحاب دافئ، مشاركينهم قصصهم ومعتقداتهم التي نسجتها الأجيال.

وحتى الآن، لا تزال “دالي كوامبي” محوراً لبحوث علمية ووثائقيات دولية، في محاولة لفهم هذا اللغز الوراثي الفريد، رغم تأكيد الخبراء أن العزلة الطويلة هي العامل الأبرز في انتقال الخلل الجيني عبر الزمن.

مقالات مشابهة

  • مفاجأة لعشاق السلسلة..اكتشاف كوكب حرب النجوم الحقيقي
  • حقن للتخسيس مخصصة للقطط قريبا في الأسواق
  • اكتشاف مادة كيميائية في الشوكولاتة تبطئ تطور الشيخوخة
  • مسألة وقت | العلماء يحذرون من زلزال قوي يضرب إسطنبول .. ماذا يحدث؟
  • العلاقة المتبادلة بين الاقتصاد البرتقالي والتحول الرقمي (1- 3)
  • أضخم انفجار شمسي في تاريخ الأرض.. ماذا لو تكرر اليوم؟
  • طائر الجنّة يلهم العلماء لصناعة القماش الأشد سوادا في العالم
  • قرية كاملة يولد سكانها عمياناً.. لغز وراثي يحير العلماء
  • جامعة أبوظبي تختتم «المؤتمر الدولي لمستقبل أكثر استدامة»
  • عادل نعمان: الإسراء والمعراج أنكرهم عدد كبير من العلماء