جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-13@05:01:33 GMT

الاستقالة الصامتة

تاريخ النشر: 25th, May 2025 GMT

الاستقالة الصامتة

 

 

 

             

خالد بن حمد الرواحي

ليس كل استقالة قرارًا مهنيًا باردًا يُتخذ في لحظة غضب، بل كثير منها صرخة صامتة لا يسمعها أحد. يُغادر الموظف دون أن يُحدث ضجيجًا، لكن ما يتركه خلفه قد يكون أثقل مما يتخيله المسؤولون: خبرة ضاعت، توازن اختل، وفجوة إنسانية لا تملؤها التوصيفات الوظيفية. هذا المقال لا يتحدَّث عن الورقة التي تُسلَّم، بل عن الشعور الذي يتراكم، وعن الفراغ الذي لا يُدرك إلا حين تظهر الحاجة إلى من رحل.

حين يُغادر موظف ذو خبرة، لا تخسر المؤسسة مجرد فرد، بل تفقد عقلًا اعتاد حل المشكلات، وذاكرة مؤسسية لا تُقدّر بثمن، تشكّلت عبر التجربة، ومهارات لا تُدرّس في الكتيبات. وغالبًا لا تدرك الإدارة ذلك فورًا، بل عندما تقع في موقف استثنائي لا ينفع معه الإجراء المُعتاد، بل تحتاج فيه إلى من يعرف التفاصيل ويملك الحكمة. وقد سلّطت منصة الثقافة الإدارية الضوء على هذا الأثر من خلال إنفوجرافيك أوضح أن غياب الخبرات المتراكمة يفاقم من ارتباك العمل. وتشير دراسة نُشرت في هارفارد بيزنس ريفيو (2022) بعنوان "لماذا يُغادر أصحاب المواهب المتميزة وماذا نفعل حيال ذلك"، إلى أن تكلفة استبدال موظف مؤهل قد تصل إلى 200٪ من راتبه السنوي، عند احتساب خسارة المعرفة وتكاليف التأهيل والهبوط المؤقت في الكفاءة.

لكن لماذا يستقيل الموظفون أصلًا؟ في الغالب، لا يُغادر الموظف لأنه يكره المؤسسة، بل لأنه أحبها لسنوات ولم يجد مقابلًا لذلك. عشر سنوات من الالتزام بلا ترقية، ولا شكر، ولا رؤية لمستقبل مهني واضح. يشعر الموظف أحيانًا أن صبره بات يُستغل، وأنَّ المؤسسة تعتمد على احتماله لا على كفاءته. وقد لا يكون القرار سهلًا على الموظف الذي أحبّ المؤسسة لسنوات، وأعطاها دون مقابل يُذكر. فأن تغادر مكانًا أحببته لا يعني أنك كرهته، بل أنك لم تعد قادرًا على احتمال الشعور المتكرر بأنك غير مرئي، وأن ما تقدمه لا يُقابل بما يليق. هو لا يغادر غاضبًا، بل مُحبطًا، مُنهكًا من انتظار التقدير. فكم من موظفٍ ظل ينتظر تقييمًا منصفًا أو وعدًا تُرك معلقًا لسنوات، حتى وجد نفسه مضطرًا للمغادرة، لا رغبةً بل دفاعًا عن كرامته المهنية.

ولا يُنكر منصف أنَّ بعض الإدارات تواجه تحديات حقيقية، سواء كانت مرتبطة بالقيود التشريعية أو بوجود قصور في الهيكل الإداري، مما يعيق قدرتها على تحقيق العدالة. لكن الاعتراف بهذه التحديات، والتواصل الصريح مع الموظفين بشأنها، يمكن أن يصنع فرقًا كبيرًا، ويُبقي الثقة قائمة حتى في أصعب الظروف. غير أن المشكلة لا تتوقف داخل المؤسسة، بل تمتد إلى الخارج؛ إذ إن غياب الخبرات يُضعف استجابة المؤسسة للمتعاملين معها، ويُربك فرق العمل، ويؤثر في جودة القرارات في اللحظات الحرجة. ومع تكرار هذه الاستقالات، تبدأ المؤسسة في فقدان ما هو أثمن من الأشخاص: الثقة الداخلية، والروح الجماعية، والشعور بالانتماء. وعندما يرحل أولئك الذين كانوا يُلهمون زملاءهم بصمت، لا يختفي الأداء فحسب، بل تختلّ التوازنات النفسية في الفريق، ويتسرّب القلق إلى من تبقّى.

لا يعني ذلك أن الحل مستحيل. فهناك تجارب دولية – مثل اليابان وألمانيا – أظهرت، وفقًا لتقارير دولية في مجال الموارد البشرية، أن خفض معدلات الاستقالة يبدأ من خطوات بسيطة: وضع مسارات نمو وظيفي واضحة، تعزيز العدالة، والاستماع الدوري للموظفين. يمكن لأي مؤسسة أن تبدأ بسؤال مباشر: ما الذي يجعلكم تفكرون في البقاء؟ فالإجابة وحدها قد تفتح أبوابًا جديدة لصناعة الولاء الحقيقي، قبل أن يُصبح الرحيل خيارًا لا رجعة فيه. وقد لا يكون ممكنًا إرضاء الجميع، لكن من الممكن إرسال رسالة واضحة لكل موظف: نراك، ونُقدّرك، ونبني معك لا عليك. وفي بعض الحالات، نجحت مؤسسات في استعادة موظفين كانوا على وشك الاستقالة، فقط لأنهم شعروا بأن أحدًا استمع لهم بصدق في اللحظة الأخيرة. فالاحتواء لا يحتاج دائمًا إلى قرارات، بل أحيانًا إلى كلمة تُقال في وقتها.

 

وما يُثير القلق أن استمرار هذه الممارسات لا يتفق مع روح رؤية عُمان 2040، التي تضع الإنسان في قلب التنمية، وتدعو إلى بيئة عمل جاذبة تُحافظ على العقول قبل أن تُخطط لاستقطاب غيرها. فالاستقالة، في حقيقتها، لا تبدأ يوم مغادرة المكتب... بل يوم يكتشف الموظف أن وجوده لم يعد يحدث فرقًا. فهل سنبقى نعدّ خسائرنا بصمت؟ أم نحسم الأمر اليوم، ونبني بيئة يُفكّر الجميع بالبقاء فيها، لا بالهروب منها؟

 

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

طالبة حقوق متهمة بإهانة موظف أثناء تأدية مهامه

تابعت محكمة الشراقة اليوم الخميس طالبة جامعية، تخصص حقوق تدعى”س.س”،بتهمة إهانة موظف أثناء تأدية مهامهم وذلك على خلفية رفضها الخضوع لأوامر رجال الشرطة خلال مداهمة شاطئ عمومي بسيدي فرج برفض تخفيض صوت الموسيقى والتوقف عن اللعب بالشماريخ والألعاب النارية خلال إحيائهم لحفل بالشاطئ.

تحريك الدعوى العمومية جاء عقب عملية تدخل لمصالح الشرطة القضائية في إطار تنظيم الشواطئ ومنع الاستغلال غير شرعي لها و تأمين الشواطئ حفاظا على راحة المصطافين بسيدي فرج، حيث لفت انتباه رجال الشرطة إطلاق شماريخ وألعاب نارية مصحوبة بموسيقى عالية، حيث تقدم احد رجال الشرطة طالبا خفض صور الموسيقى وتوقيف الألعاب النارية، وهو الأمر الذي رفضته إحدى المحاضرات المعنيات بذلك ويتعلق الامر بالمدعوة”س.س” هاته الأخيرة دخلت في مناوشات مع رجال الشرطة، الامر الذي دفع لتحويلهالمركز الشرطة واحتجازها بعد الاشتباه في التقاطها صورا لرجال القوة العمومية، وتمت عقب التحقيق معها متابعتها بتهمة إهانة موظف أثناء تأدية مهامه.
المتهمة مثلت أمام المحكمة وانكرت كل ما نسب لها أكدت أنها كانت برفقة عائلتها بشاليهات سيدي فرج يحتفلون في وقت كان المكان مكتظا بالعائلات تحتفل بنجاحات شهادة التعليم المتوسط”البيام”، وأن رجال الشرطة داهموا الأماكن بشكل عنيف أخاف الأطفال الذين كانوا برفقة عائلاتهم، وأن رجال الشرطة اتهموها بتصويرهم وهو ما لم يحصل، وواحتجزوها لمدة ساعتين،ووقعت على محضر السماع تحت الصغط وانكرت بشكل قاطع إهانتها لرجال الشرطة أو الاعتداء عليهم.
من جهتها دفاع المتهمة أكدت أن أركان التهمة المتابع بها موكلتها غير قائمة وطالبت بإفادتها بالبراءة.
وعليه التمس وكيل الجمهورية توقيع عقوبة 3 سنوات حبسا نافذة مع 100 ألف دج غرامة مالية، لتقضي المحكمة بعد المداولة القانونية بتوقيع عقوبة مالية غير مافذة تقدر ب 20 ألف دج.

مقالات مشابهة

  • تفاصيل التعدي على موظف بسلاح داخل شقة في المعصرة
  • غادر إلى لندن.. معز عمر بخيت يعلن إصابته بكسر في الساق وانفصال في مفصل الكاحل
  • الخارجية الأمريكية تبدأ عملية تسريح أكثر من 1300 موظف
  • فوضى العملات تحوّل راتب الموظف اليمني إلى ورقة تائهة 
  • الخارجية الأميركية تبدأ عملية تسريح جماعي لأكثر من 1300 موظف
  • إصابة موظف بصعق كهربائى خلال تأدية عمله بقنا
  • إدانة موظف جماعي بعد ضبطه متلبساً بتلقي رشوة بوجدة
  • نتنياهو ينهي زيارته لواشنطن وهكذا وصفها الإعلام العبري
  • طالبة حقوق متهمة بإهانة موظف أثناء تأدية مهامه
  • استقالة مفاجئة لقائد بارز في الحزام الأمني بأبين تثير قلقًا واسعًا!