فوضى التعددية هل 500 حزب في انتخابات العراق نعمة أم نقمة؟
تاريخ النشر: 26th, May 2025 GMT
بقلم : الحقوقية انوار داود الخفاجي ..
في بلد مثل العراق، حيث الديمقراطية ما زالت في طور التشكل بعد عقود من الدكتاتورية والحروب، يطفو على السطح سؤال محوري هل يعقل أن يشارك أكثر من 500 حزب في العملية الانتخابية؟ سؤال مشروع يعكس حجم التحدي الذي يواجهه العراق في بناء نظام سياسي مستقر ومؤسساتي. هذا الرقم الضخم قد يُقرأ من زاويتين:
الأولى تُبرز تنوع التمثيل السياسي والانفتاح الديمقراطي.
الثانية تفضح حالة التشتت والانقسام وغياب المشاريع الوطنية الجامعة.
من الناحية النظرية، فإن مشاركة هذا العدد الكبير من الأحزاب في الانتخابات تمثل مظهراً من مظاهر التعددية السياسية والانفتاح الديمقراطي. فهي تُعبّر عن حرية التعبير والتنظيم، وتمكّن فئات وشرائح متعددة من الشعب من مختلف الأعراق والطوائف والمناطق من التمثيل السياسي. وهذا قد يعزز الشفافية ويكسر احتكار السلطة من قبل النخب التقليدية، ويعطي فرصة لبروز قيادات جديدة قد تحمل رؤى إصلاحية حقيقية.
كما أن كثرة الأحزاب قد تدفع نحو خلق تحالفات سياسية واسعة، مما يُجبر القوى السياسية على التفاهم والجلوس إلى طاولة الحوار. وهذا بحد ذاته يمكن أن يكون خطوة نحو بناء ثقافة ديمقراطية تقوم على التوافق لا الإقصاء.
لكن الواقع العملي يرسم صورة أكثر تعقيداً. فوجود أكثر من 500 حزب يعني عملياً غياب برامج سياسية واضحة، وتشظي الأصوات، وانعدام الاستقرار السياسي. كثير من هذه الأحزاب عبارة عن كيانات شخصية أو عائلية، أُسست لأهداف انتخابية ضيقة أو لتمثيل مصالح فئوية دون رؤية وطنية جامعة. هذا يُنتج برلماناً مفككاً، يصعب فيه تشكيل حكومات قوية وقادرة على تنفيذ برامج إصلاحية.
كما أن هذا الكم الهائل من الأحزاب يخلق نوعاً من الإرباك لدى الناخب، ويصعّب عليه عملية الاختيار. وغالباً ما تُستغل هذه الفوضى لتزوير الانتخابات أو شراء الأصوات، ما يُفقد العملية الانتخابية مصداقيتها ويُكرّس نفور المواطن من المشاركة.
ليس من المنطقي أن يستمر هذا الكم غير المنظم من الأحزاب بدون ضوابط قانونية وتشريعية واضحة. يجب أن يكون هناك قانون أحزاب صارم يضع معايير حقيقية لتأسيس الأحزاب، تشمل عدد الأعضاء، البرنامج السياسي، التمويل، ومدة النشاط السياسي. هذا لا يعني قمع التعددية، بل تنظيمها بما يخدم المصلحة الوطنية.
ختاماً، فإن الديمقراطية لا تُقاس بعدد الأحزاب، بل بقدرتها على إنتاج نظام عادل، مستقر، وتمثيلي. العراق بحاجة إلى أحزاب فاعلة لا أحزاب متعددة فقط، وإلى مشروع وطني جامع لا أصوات متنافرة. وبين فوضى التعددية وشبح الدكتاتورية، يبقى الأمل معقوداً على وعي الناخب، وإرادة إصلاحية جادة تنقذ البلد من فوضى لا طائل منها.
انوار داود الخفاجيالمصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
نعمة الغباء !
مناظير الاثنين 26 مايو، 2025
زهير السراج
* لا شيء يثير الشفقة أكثر من ذلك المشهد العبثي الذي ظهر به أنصار الحرب والكيزان وهُم يسخرون من العقوبات الأمريكية الأخيرة على حكومة الأمر الواقع في بورتسودان، والتي شملت تقييد الصادرات الأمريكية للسودان، ومنع الحكومة من الحصول على قروض من المصارف الأمريكية بسبب استخدامها لغاز الكلور السام في عدة مناطق بالبلاد منها مليط بشمال دارفور، وخرقها لاتفاقية حظر استخدام الأسلحة الكيماوية.
* ولقد تجلّى الغباء في أبشع صوره عندما أخذت أبواقهم تنهق بكل بلاهة: "السودان لا يستورد شيئاً من أمريكا، فما الضرر؟!". ويا له من جهل مركب يفضح محدودية الأفق وضيق الفهم، ويكشف عن عقول توقفت عند حدود "العدس " و"البوش " وكأنّ العالم كله يدور حول شوالات السكر وجرادل الزيت!
* هؤلاء الجهلة لا يدركون أن القضية ليست مجرد استيراد أو تصدير! القضية أن حكومة بورتسودان، حكومة الانقلابيين الفاشلين، قد أصبحت الآن رسمياً حكومة مارقة في نظر القانون الدولي، حكومة قاتلة لشعبها باستخدام أسلحة محرمة دولياً، وهذا وحده كفيل بأن يجعلها في خانة الحكومات الملوثة سياسياً وأخلاقياً !
* أي مستثمر أو بنك أو حكومة في العالم سيفكر ألف مرة قبل أن يضع يده في يد حكومة متهمة باستخدام السلاح الكيماوي ضد شعبها. هل يظن هؤلاء البلهاء أن المسألة هى "إستيراد بامبرز" من أمريكا؟! المسألة أن هذه العقوبات وصمة عار ستلاحقهم في كل مكان وزمان وكل مؤتمر ومحفل دولي، وستُستخدم كذريعة لتشديد أي عقوبات لاحقة، سواء من أمريكا أو أوروبا أو حتى من دول صديقة لهم.
* أما قمة الجهل والغباء فقد برزت في تلك الحكاية الساذجة بأن العقوبات جاءت بعد زيارة ترامب للإمارات وحصوله على أموال منها! بالله عليكم، هل هذه عقول تفكر أم كائنات غبية بآذان طويلة تلوك نظريات المؤامرة دون أدنى فهم؟!
* الحقيقة التي يعرفها إى إنسان بسيط أن إجراءات فرض العقوبات بدأت في عهد الرئيس بايدن في العام الماضي، وليس بعد مجيء ترامب، ولكن لأن الأنظمة الغربية أنظمة مؤسسات، فإن القرارات تمر بمراحل طويلة من التحليل والاجازة، خاصة إذا كانت تتعلق بجريمة استخدام سلاح كيماوي، لذلك تأخر القرار حتى ظهرت نتائجه أخيراً بعد التحاليل المختبرية لعينات التربة والمياه والجثث المحترقة التي أُخذت من مناطق في السودان وأثبتت استخدام غاز الكلور السام. هذا هو النظام الغربي، وهذه هي آليات عمله التي لا يفهمها الكيزان وأشباههم والقطيع الذي يسير وراءهم.
* انعموا ايها الناهقون بجهلكم وغباء حكومتكم الفاشلة التي ارتكبت جريمة حرب باستخدام الكيماوي ضد شعبها معتقدةً أنها تستطيع خداع العالم والإفلات من العقاب!
* رحم الله المتنبئ الذي قال: "ذو العقلِ يشقى في النعيم بعقلهِ *** وأخُ الجهالةِ في الشقاوة ينعمُ" !
manazzeer@yahoo.com