بقلم : الحقوقية انوار داود الخفاجي ..

في بلد مثل العراق، حيث الديمقراطية ما زالت في طور التشكل بعد عقود من الدكتاتورية والحروب، يطفو على السطح سؤال محوري هل يعقل أن يشارك أكثر من 500 حزب في العملية الانتخابية؟ سؤال مشروع يعكس حجم التحدي الذي يواجهه العراق في بناء نظام سياسي مستقر ومؤسساتي. هذا الرقم الضخم قد يُقرأ من زاويتين:
الأولى تُبرز تنوع التمثيل السياسي والانفتاح الديمقراطي.


الثانية تفضح حالة التشتت والانقسام وغياب المشاريع الوطنية الجامعة.

من الناحية النظرية، فإن مشاركة هذا العدد الكبير من الأحزاب في الانتخابات تمثل مظهراً من مظاهر التعددية السياسية والانفتاح الديمقراطي. فهي تُعبّر عن حرية التعبير والتنظيم، وتمكّن فئات وشرائح متعددة من الشعب من مختلف الأعراق والطوائف والمناطق من التمثيل السياسي. وهذا قد يعزز الشفافية ويكسر احتكار السلطة من قبل النخب التقليدية، ويعطي فرصة لبروز قيادات جديدة قد تحمل رؤى إصلاحية حقيقية.
كما أن كثرة الأحزاب قد تدفع نحو خلق تحالفات سياسية واسعة، مما يُجبر القوى السياسية على التفاهم والجلوس إلى طاولة الحوار. وهذا بحد ذاته يمكن أن يكون خطوة نحو بناء ثقافة ديمقراطية تقوم على التوافق لا الإقصاء.

لكن الواقع العملي يرسم صورة أكثر تعقيداً. فوجود أكثر من 500 حزب يعني عملياً غياب برامج سياسية واضحة، وتشظي الأصوات، وانعدام الاستقرار السياسي. كثير من هذه الأحزاب عبارة عن كيانات شخصية أو عائلية، أُسست لأهداف انتخابية ضيقة أو لتمثيل مصالح فئوية دون رؤية وطنية جامعة. هذا يُنتج برلماناً مفككاً، يصعب فيه تشكيل حكومات قوية وقادرة على تنفيذ برامج إصلاحية.
كما أن هذا الكم الهائل من الأحزاب يخلق نوعاً من الإرباك لدى الناخب، ويصعّب عليه عملية الاختيار. وغالباً ما تُستغل هذه الفوضى لتزوير الانتخابات أو شراء الأصوات، ما يُفقد العملية الانتخابية مصداقيتها ويُكرّس نفور المواطن من المشاركة.
ليس من المنطقي أن يستمر هذا الكم غير المنظم من الأحزاب بدون ضوابط قانونية وتشريعية واضحة. يجب أن يكون هناك قانون أحزاب صارم يضع معايير حقيقية لتأسيس الأحزاب، تشمل عدد الأعضاء، البرنامج السياسي، التمويل، ومدة النشاط السياسي. هذا لا يعني قمع التعددية، بل تنظيمها بما يخدم المصلحة الوطنية.

ختاماً، فإن الديمقراطية لا تُقاس بعدد الأحزاب، بل بقدرتها على إنتاج نظام عادل، مستقر، وتمثيلي. العراق بحاجة إلى أحزاب فاعلة لا أحزاب متعددة فقط، وإلى مشروع وطني جامع لا أصوات متنافرة. وبين فوضى التعددية وشبح الدكتاتورية، يبقى الأمل معقوداً على وعي الناخب، وإرادة إصلاحية جادة تنقذ البلد من فوضى لا طائل منها.

انوار داود الخفاجي

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات

إقرأ أيضاً:

على جمعة: الرضا نعمة عظيمة تجلب السرور للقلب

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ان الرضا يجلب السرور إلى القلب، وسبب ذلك: التسليم. 

واضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، انه على الانسان ان يسلم لله، ولأمره، ولقدره، ولقضائه، تفرح بما يجريه عليك، فيحدث الرضا. قال تعالى: {رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} أي: هناك أُناس رضوا عن ربهم، فنطقَتْ قلوبُهم قبل ألسنتهم: "يا رب، أنا راضٍ، أنا مسرور، يا رب!"


فهذا الانبساط، والسرور، والرضا، إنما جاء من أنني قد سلمت نفسي، فأسلمت لله رب العالمين. قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. "وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا": والتعبير بـ {ويسلّموا تس

كيف أكون مستجاب الدعاء؟.. 8 خطوات مجربة لا تفوتهادعاء الصباح .. ردد أفضل 40 دعوة مستجابة وشاملة للخيرات وتحقق الأمنيات

ليمًا} يُعرف في النحو بالمفعول المطلق، والمفعول المطلق يفيد التأكيد. ذلك أن فعل "يسلّموا" فيه معنى التسليم، ثم جاء المصدر "تسليمًا" ليُكرّر المعنى، فكأن المعنى: "ويسلّموا تسليمًا تسليمًا"، والتكرار فيه تأكيدٌ على كمال الرضا والتسليم لِحُكم الله ورسوله ﷺ.
وقد قال أهل اللغة:  "المفعول المطلق يدل على الحقيقة". 

واشار الى ان الرضا نعمة عظيمة. وكان سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه يقول: "ما أُبالي على أيِّ حالٍ أصبحتُ: على ما أُحبّ أو على ما أكره؛ لأني لا أدري الخيرَ في أيٍّ منهما." وهذا هو الرضا المطلق. 

وكان يقول أيضًا: «لو أن الصبر والشكر بعيران لي في ملكي، ما أبالي على أيهما ركبت». أي: إن أصابتني مصيبة، ركبتُ بعير الصبر، وإن جاءتني نعمة، ركبتُ بعير الشكر؛ تسليم ورضا على كل حال، كل ما يأتي منك، يا رب، جميل.

وكان سيدنا عمر بن عبد العزيز يقول: «أصبحت وما لي في الأمور من اختيار». أي: لا أرى لي إرادة مع إرادة الله، توكلٌ، ورضا، وتسليم. 

وليس معنى "ترك الأمور لله" أن نترك الأسباب، أو نهمل شؤون الدنيا، بل المعنى: أن يكون القلب معلّقًا بالله، مطمئنًا لحكمه، راضيًا بقضائه،
وهذا شعورٌ جميل، يزيد المؤمنَ ثقةً بالله، وثقةً بنفسه.

طباعة شارك الرضا كيف اجعل قلبي راضي الرضا بالقضاء والقدر

مقالات مشابهة

  • وزير العدل : تعديلات العقوبات والتنفيذ جاءت ضمن رؤية إصلاحية متكاملة
  • أكثر من 82% من السكان في العراق يستخدمون الأنترنت
  • ????علمتني الحرب .. “ما في شي مضمون”
  • الجزيرة نت تستعرض أبرز ملامح خريطة انتخابات مجلس الشيوخ بمصر
  • محمود فهمي: التنوع السياسي بمجلس الشيوخ ضرورة لممارسة مهامه بكفاءة
  • على جمعة: الرضا نعمة عظيمة تجلب السرور للقلب
  • قمة بريكس تدعو لإطلاق مشاريع علمية وتعزيز التعددية وحوكمة الذكاء الاصطناعي
  • وزير النفط:العراق يمتلك أكثر من (145)مليار برميلاً من النفط و(132) تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي
  • وزير النفط:العراق يمتلك أكثر من (145)مليار برميل من النفط و(132) تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي
  • السوداني يدعو لحماية النظام السياسي