د. عمرو محمد عباس محجوب
لكي نستطيع فهم اي انتصار او هزيمة لأي قوى مقاومة لابد ان ننظر لعوامل مفتاحية تشكل أساس هذا النصر. اول هذه العوامل لاي مشروع مهما كان تقدمياً او انسانيا إذا لم يبن على أساس شعبي قادر على تحمل تضحيات وتبعات هذا المشروع فإنه يحمل جذور فنائه وانكساره. وثاني العوامل ان هذا الأساس، وهو قائم على فكرة ليست دينية او طائفية او جهوية لكن افكار وطنية موحدة لمختلف قطاعات الشعب، يجب ان تكون متجذرة داخل البنى الاجتماعية جميعها ولها امتدادات متنوعة ومتشعبة وعابرة لكل الطوائف والأفكار السياسية.
نشأة ميليشيات الجنجويد في مطلع الألفية، كانت بدعم مباشر من حكومة البشير، بغرض ضرب الحركات المتمردة في دارفور. تسليح هذه الميليشيات ومنحها حصانة قضائية أسس لمعادلة خطيرة: الدولة تستخدم العنف الأهلي لتفكيك المعارضة، لكنها في ذات الوقت تضع بذور تمرد جهوي مستقبلي.
مع سقوط نظام البشير عام 2019 وظهور حكومة مدنية انتقالية لم ينهيا دور الجنجويد. بالعكس، تم دمجهم في المشهد السياسي عبر اتفاقيات هشة (مسار السلام)، بل وأصبحوا قوة شبه دولة ونشأ تناقض حاد: قوى الثورة كانت تطالب بإزالة بنية الدولة القمعية (الجيش للثكنات والجنجويد ينحل)، بينما الجنجويد ازدادوا قوة وسط تردد الدولة وضعف مؤسساتها.
الأسباب الاجتماعية التي شجعت انتصار الجيش السوداني تتعلق ببنية المجتمع السوداني وتفاعله مع الحرب.
اولا: الرفض الشعبي المتزايد لقوات الدعم السريع لاستمرار الانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين (قتل، اغتصاب، نهب) في كافة مناطق الوطن، أدى إلى فقدان الدعم الشعبي والاجتماعي للجنجويد. وتحول كثير من القبائل والمجتمعات المحلية التي كانت مترددة أو متحالفة مع الدعم السريع إلى معارضة نشطة، مما سهّل اختراق هذه المناطق. كما ان وجود حاضنة شعبية في مناطق الشمال والشرق استمرت في دعم الجيش، مما وفر له قاعدة اجتماعية صلبة.
ثانيا: الجيش السوداني، رغم مشاكله التاريخية الطويلة، يُنظر إليه من قبل قطاعات واسعة كرمز لوحدة الدولة السودانية والمؤسسة الحافظة لوحدة أراضي البلاد.
ثالثا: في الدور القبلي والمناطقي لعبت بعض القبائل الكبرى في دارفور وكردفان، التي عانت من تجاوزات الجنجويد، ووفرت معلومات ولوجستيات مهمة للجيش، وظهرت تحالفات قبلية جديدة مع الجيش، خصوصاً عندما بدا واضحاً أن الجنجويد بات يهدد بنية الدولة والمجتمع.
رابعا: نجاح استثمار الجيش في الخطاب الوطني مثل خطاب “الحفاظ على وحدة السودان” و”استعادة الدولة من مليشيات خارجة عن القانون”، مما جلب تعاطفاً اجتماعياً. وتركيز الإعلام المرتبط بالجيش على دور القوات المسلحة كحامي للوطن، في مواجهة “المرتزقة” أو “المتمردين” من الجنجويد.
خامسا: بعد شهور طويلة من الحرب، أصبح المجتمع المدني مرهقاً ومستنزفاً، مما جعله يبحث عن طرف قادر على فرض النظام ووقف القتال والجيش – بفضل بنيته النظامية – بدا أكثر قدرة على فرض الاستقرار مقارنة بالجنجويد الذي اعتمد على العنف والنهب.
لذلك فان نتيجة هذه الأسباب المتعددة أدت لتقاطع الحاضنة الوطنية مع الضغط الاجتماعي والقبلي والرفض الشعبي الشامل مما أضعف الجنجويد وسهّل للجيش استعادة السيطرة. كما ساعدت عدة تكوينات في الفضاء السياسي في لعب أدوار مهمة وحاسمة في تأييد عمليات الجيش ضد المليشيا واهمها أفراد وجماعات الطبقة الوسطى النشيطة التي استطاعت محاصرة الجنجويد وكل مسانديها من تحورات تقدم وصمود وتأسيس والمتعاونين والمتعاونات كما ساهمت النقابات المختلفة والتنظيمات الفئوية وجماعات الشباب والنساء المنضوية في مكونات لجان الطواريء ولجان القرى والمدن والمستنفرين.
يستحق المستنفرين وتكوينات الجماعات والقرى ولجان المقاومات المحلية الذين التحقوا اما بالجيش او المشتركة او كونوا مجموعات مسلحة في القرى والمدن واهمها تجربة الفاشر ، تناولا خاصا ومميزا لأنها شكلت رفع السلاح الشعبي في الدفاع عن الأرض والعرض ربما لأول مرة منذ اكثر من قرن.
عندما اندلع القتال بين الجيش السوداني والجنجويد، انكشفت حقيقة الصراع: الجنجويد ليسوا مجرد ميليشيا بل جيش موازٍ طامع في الحكم. توسع رقعة الانتهاكات بحق المدنيين، خصوصاً في غرب السودان والخرطوم والجزيرة، دفع الأهالي إلى تنظيم أنفسهم.
تميزت هذه التجربة الكبرى بانها تعبر عن حالة الغضب الشعبي العميق بعد الجرائم والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها الجنجويد بحق المدنيين، لذلك أصبح حمل السلاح دفاعاً عن النفس مسألة حياة أو موت بالنسبة للعديد من المجتمعات المحلية.
وادّت لظهور مقاومة شعبية مسلحة من الحركات المحلية التي بدأت تنظم نفسها في شكل لجان مقاومة مسلحة أو كتائب دفاعية تشير إلى أن السلاح لم يعد حكراً على الدولة أو المليشيات، بل أصبح وسيلة للبقاء. واتخذت بعدا رمزيا ان السلاح هنا ليس مجرد أداة مادية، بل هو تعبير عن إرادة الشعب في رفض الإبادة والهيمنة، والبحث عن العدالة والكرامة.
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الرئيس السوري يفاجئ عريسا في حمام دمشق الشعبي (شاهد)
فاجأ الرئيس السوري أحمد الشرع الخميس الحاضرين في أحد الحمّامات الشعبية بدمشق، عندما دخل بشكل غير معلن إلى "حمام العريس" أثناء احتفال تقليدي في أحد أحياء العاصمة القديمة.
وأثار دخوله المفاجئ دهشة العريس والمدعوين، الذين كانوا في خضم طقوس احتفالية صاخبة تقام عادة قبل يوم أو يومين من الزفاف، وتعرف باسم "حمام العريس" وهي من أقدم العادات المرتبطة بالمناسبات الاجتماعية في دمشق.
وتداول ناشطون على مواقع التواصل مقاطع مصورة تظهر الشرع وهو يصافح الحضور ويتبادل معهم الحديث والابتسامات، وسط أجواء من الغناء والطبلة والفرح الشعبي.
ومن جهتها لم تعلن الرئاسة السورية عن الزيارة بشكل رسمي، لكن المشهد تحول إلى مادة تفاعلية على المنصات، وتناقل المستخدمون الصور والفيديوهات مع تعليقات متنوعة.
فوجئ العريس والمعازيم بمرور الرئيس الشرع ومباركته لحفل زفاف في إحدى حارات دمشق القديمة. pic.twitter.com/fOSDKxYbOs — Asya Hesham | آسيا هشام (@AsyaHesham) July 9, 2025
ويحيي أهالي دمشق هذه الطقوس التراثية داخل الحمامات بزفة العريس، واللباس التقليدي، والغناء الجماعي، في مزيج من الفولكلور والتراث الشعبي الذي يعبّر عن الهوية الشامية العريقة.
حدث الأن في #دمشق_القديمة ⏬
عرس في أحد الحمامات الدمشقية ، فوجئ العريس و المعازيم برئيسنا السيد #أحمد_الشرع يبارك الفرحة ???? ????
رب صدفة خير من ألف ميعاد ???? pic.twitter.com/mhfj2vIH6W — خــاڵـــد مـــﺣ͠ــمـــد شــمـيطي ????️ (@abualisar18) July 9, 2025
وأثارت الزيارة نقاشا واسعا على مواقع التواصل، حيث تداول السوريون الصور والفيديوهات بشكل لافت، وسط تعليقات تراوحت بين الترحيب بـ"الخطوة الرمزية" وانتقادات تتعلق بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي تمر بها البلاد.
يذكر أن الرئيس أحمد الشرع يواصل منذ فترة إطلالات لافتة في مواقع غير تقليدية، ضمن ما يعتبره البعض "دبلوماسية الداخل"، التي تسعى لإعادة بناء الثقة بين السلطة والمجتمع، في ظل سياق سياسي واقتصادي معقد تعيشه سوريا منذ أكثر من عقد.