أكد المرصد الأورومتوسطي لحماية الإنسان، أن الإعتداءات التي طالت المتظاهرات في عدن من قبل مليشيا الانتقالي المدعومة إماراتيا، تُجسّد قمعًا منهجيًا مطالبا بالتحقيق والمحاسبة فورًا.

 

وأعرب المرصد في بيان له، عن بالغ قلقه إزاء القمع العنيف الذي مارسته قوات الأمن التابعة لمليشيا الانتقالي، ضد تظاهرة نسوية سلمية خرجت في عدن للمطالبة بتحسين الخدمات الأساسية، مؤكدًا أن استخدام العنف لتفريق التظاهرات يشكل انتهاكًا صارخًا للحق في حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي، ويعكس نهجًا أمنيًا قمعيًا يستدعي وقفًا فوريًا ومحاسبة المسؤولين عنه، وضمان تمكين المواطنين والمواطنات من ممارسة حقوقهم دون خوف أو ترهيب.

 

وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إنّ عناصر أمنية نسائية تابعة لمليشيا الانتقالي "اعتدت بعنف بالغ على متظاهرات يمنيات خرجن سلميًا في 24 مايو/أيار بعدن، إذ مُنعن بالقوة من الوصول إلى ساحة العروض، وتعرّضن للضرب والسحل والملاحقة في الشوارع، وسط طوق أمني شامل خُصّص لمنع أي محاولة لإعادة التجمع".

 

وأوضح المرصد الأورومتوسطي أنّه تلقى شهادات من عدد من النساء المشاركات في التظاهرة أفدن فيها بأنّهن خرجن احتجاجًا على التدهور الحاد في الخدمات الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم والمياه والكهرباء، وسط تقاعس السلطات عن اتخاذ أي خطوات جدية لمعالجة الأزمات التي تمسّ حياة المواطنين اليومية بشكل مباشر.

 

وبحسب البيان، فإنّ مظاهرة النساء في 24 مايو/أيار لم تكن الأولى، إذ سبقتها احتجاجات نسوية في 10 و16 من الشهر ذاته رغم القيود الأمنية التعسفية كاشتراط تصاريح خاصة ومنع التغطية الإعلامية، أعقبتها في 17 مايو/أيار تظاهرة شارك فيها عدد من الرجال للمطالبة بالحقوق ذاتها، انتهت باعتقال عشرة منهم أُفرج عن أربعة لاحقًا، فيما ما يزال الستة الآخرون رهن الاحتجاز، دون توفر معلومات عن أماكن احتجازهم أو أوضاعهم.

 

وأكّد الأورومتوسطي أنّ اعتداءات قوات الأمن على التظاهرات السلمية في عدن تُشكّل انتهاكًا جسيمًا للالتزامات القانونية التي يفرضها القانون الدولي لحقوق الإنسان على اليمن، وعلى وجه الخصوص الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي المكرّس في المادة (20) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة (21) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صدّق عليه اليمن عام 1987، ما يجعله ملزمًا لجميع السلطات، بما فيها الجهات الأمنية المحلية.

ولفت المرصد الأورومتوسطي، إلى أنّ أفعال الاعتداء المرتكبة بحق المتظاهرات، والتي شملت الضرب، والسحل، ونزع الحجاب قسرًا، قد تشكل من حيث طبيعتها، وشدّتها، والغاية من ارتكابها، إلى مستوى التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وهو ما يفرض على الدولة التزامًا قانونيًا باتخاذ تدابير فورية للتحقيق، وضمان المحاسبة، وجبر الضرر، وعدم تكرار مثل هذه الانتهاكات.

 

وقالت ناشطة حقوقية للمرصد الأورومتوسطي، (فضلت إخفاء هويتها) شارك في الاحتجاجات: "توجهنا كعادتنا عصر يوم السبت 24 مايو إلى ساحة العروض بمديرية خور مكسر. لكن للأسف، تم صدّنا ومنعنا من الدخول، وكانت الساحة تشهد تواجدًا أمنيًا نسويًا مكثفًا من كلية التربية حتى إدارة الأمن. مشينا على الأقدام حتى وصلنا، وتجمعنا رغم التضييق، ولكنهم لم يرغبوا بوجودنا، وحاولوا بشتى الوسائل منع وقفتنا، وكانوا يركزون بشكل خاص على منع التصوير. احترمنا التعليمات بعدم التصوير والابتعاد عن المنصة، لكنهم استمروا في ملاحقتنا، وكأنّ لديهم أوامر بالاعتداء علينا".

 

وأضافت أنّه "رغم التهديد ومصادرة هواتف النساء لم نتراجع، ولكننا تحركنا للشارع الخلفي. ورغم ذلك، استمرت القوات الأمنية في تعقبنا وهناك بدأ القمع الأكبر، اعتدت القوات علينا بالضرب والسحل على الأرض، حتى أنّ بعض المحتجات تم نزع حجابهن".

 

وتابعت: "رغم القمع، واصلنا وقفتنا حتى النهاية، وفي غضون ذلك استدعت السلطات فرق مداهمات نسائية وقوات أمن من المجلس الانتقالي وأمن المديرية وأمن المحافظة. جيش كامل ضد مجموعة نساء تطالب بالخدمات فقط".

 

وقالت "دنيا شبوطي"، وهي إحدى المشاركات في المظاهرة: "قطعت القوات الأمنية الطرق المؤدية لساحة العروض أثناء تجمعنا لمظاهرة سلمية للمطالبة بحقوقنا المشروعة، وكانت الأطقم منتشرة بالساحة بأعداد كبيرة. وأثناء تجمّعنا حضرت عدد من العناصر الأمنية النسائية وهددتنا بالاعتقال في حال لم نخل المكان ولكننا رفضنا. تفاجئنا بعد ذلك بقوات الأمن تلاحقنا في كل مكان. تعرّضنا للضرب بالعصي من الشرطة النسائية، وقُذفنا بكلام غير لائق من المجندين الرجال. شاهدت إصابة إحدى المتظاهرات بكسر في قدمها وأخرى بكسر في يدها".

 

وأوضح المرصد الأورومتوسطي أنّ أكثر من مليون من سكان محافظة عدن يعانون من تدهور حاد في الخدمات الأساسية، إذ تصل ساعات انقطاع الكهرباء إلى 20 ساعة يوميًا وتنقطع المياه لأيام دون بدائل، بينما تعطلت المدارس الحكومية لنحو نصف العام الدراسي بسبب إضراب المعلمين احتجاجًا على تدني الرواتب التي لا تتجاوز في المتوسط 35 دولارًا شهريًا، ما يجعلهم، كسائر الموظفين الحكوميين، عاجزين عن تلبية الحد الأدنى من احتياجاتهم المعيشية.

 

وأشار الأورومتوسطي إلى أنّ قطاع الرعاية الصحية في عدن يعاني من ضعف شديد في ظل نقص حاد في الأدوية وارتفاع أسعارها وانتشار سريع للأمراض والأوبئة، إذ سجّلت المحافظة منذ مطلع العام أكثر من 50 ألف حالة اشتباه بالملاريا وألف حالة مؤكدة بحمى الضنك بينها 12 وفاة، وفق مدير إدارة الترصد الوبائي، الذي ربط تفاقم الوضع بتدهور الخدمات الأساسية على نحو واسع.

 

ودعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا والمجلس الانتقالي إلى فتح تحقيق فوري، مستقل وشفاف في الاعتداءات غير المبررة التي استهدفت الاحتجاجات النسوية السلمية في عدن، بما يضمن تحديد المسؤولين عنها ومساءلتهم جنائيًا وإداريًا، وتمكين الضحايا من الوصول إلى سبل إنصاف فعّالة، بما يشمل جبر الضرر ورد الاعتبار، مشددًا على ضرورة احترام الحق في حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي، ووقف اللجوء إلى الحلول الأمنية كوسيلة للتعامل مع المطالب المدنية المشروعة.

 

وطالب المرصد الأورومتوسطي السلطات المعنية بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين على خلفية مشاركتهم في الاحتجاجات السلمية، وعلى وجه الخصوص المتظاهرين الستة الذين اعتُقلوا في 17 مايو/أيار عقب مشاركتهم في تظاهرة سلمية، معتبرًا استمرار احتجازهم دون سند قانوني واضح شكلاً من أشكال الاحتجاز التعسفي المحظور بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.

 

وحثّ المرصد الأورومتوسطي السلطات اليمنية على الاضطلاع بمسؤولياتها القانونية والأخلاقية تجاه المطالب الاجتماعية والاقتصادية العادلة التي عبرت عنها الاحتجاجات، واتخاذ تدابير عاجلة وملموسة لتحسين مستوى الخدمات الأساسية، بما يشمل ضمان انتظام واستقرار إمدادات الكهرباء والمياه، ودعم قطاع الرعاية الصحية، وإنعاش المنظومة التعليمية وسائر القطاعات الحيوية المرتبطة بالحياة اليومية للمواطنين.


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: عدن الانتقالي الامارات الاورومتوسطي انتهاكات المرصد الأورومتوسطی الخدمات الأساسیة لحقوق الإنسان مایو أیار فی عدن

إقرأ أيضاً:

اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. والسودان في قلب الكارثة

اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. والسودان في قلب الكارثة

صفاء الزين

يوافق العاشر من ديسمبر اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وفي المقابل يواجه السودان واحدة من أعنف الأزمات الإنسانية في تاريخه الحديث، ففيه أكثر من 12 مليون نازح ولاجئ وفق تقارير الأمم المتحدة ومنسقية الشؤون الإنسانية (OCHA) خلال ديسمبر 2025م، وما يزيد عن 25 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات عاجلة، وأكثر من 30 ألف قتيل موثق، بينما تبقى أعداد غير معروفة تحت الأنقاض وفي المناطق المعزولة.

الحرب التي اندلعت منذ أبريل 2023م ما زالت تمزّق كل شيء، فالحقوق الأساسية تلاشت بالكامل. الحق في الحياة تحوّل إلى رفاهية بعيدة، قذائف تتساقط فوق الأحياء السكنية، والمدفعية تضرب المستشفيات، والأسواق تتعرض للقصف وسط اكتظاظ المدنيين. الحق في الغذاء يوشك على الانهيار التام، خمسة ملايين سوداني يقفون على حافة مجاعة كارثية تمتد إلى 12 ولاية، والمجاعة أُعلنت رسميًا في أغسطس الماضي.

مع امتداد الحرب اتسعت دائرة العنف في مناطق متعددة، وبات المدنيون يواجهون ضغوطًا وانتهاكات متنوعة ترتبط بطبيعة الاشتباكات واتساع نطاقها، وتشير تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان إلى أن حجم الوقائع في الميدان أكبر من الأرقام المتاحة، فكثير من الحالات لا يجري توثيقها نتيجة غياب الأمان وصعوبة الوصول إلى المناطق المتضررة.

كما أدى استخدام الطيران الحربي في عدد من الجبهات إلى توسيع نطاق الخسائر وسط المدنيين، القصف الجوي طال مناطق مكتظة بالسكان، وتسبب في تدمير واسع للبنية التحتية الأساسية، من طرق ومرافق خدمية ومستشفيات، وتؤكد تقارير الأمم المتحدة أن استمرار الضربات الجوية يزيد من تعقيد الوضع الإنساني، ويعرقل عمليات الإجلاء والإغاثة، ويضاعف من معاناة الأسر المحاصرة بين خطوط القتال.

وقد ظل الأطفال في دائرة الخطر المباشر، لأن أكثر من 19 مليون خارج المدارس، وآلاف جُنّدوا قسرًا في صفوف المتقاتلين، والمئات سقطوا ضحايا للألغام والعبوات الناسف، أما كبار السن وذوو الإعاقة يعيشون وحدهم خلف خطوط النار بلا دواء ولا غذاء.

كما أن المشهد الصحي ينهار لأن المستشفيات تحولت إلى أطلال، والصيدليات فارغة، والمياه النظيفة حلم بعيد في معسكرات النزوح التي تضم أكثر من ستة ملايين شخص.

اليوم العالمي لحقوق الإنسان هذا العام يحمل صيحة واضحة، صيحة في وجه صمت المجتمع الدولي الذي يكتفي بتصريحات لا تغيّر واقعًا يزداد قسوة، وصيحة في وجه كل من يضع “الاستقرار السياسي” فوق حياة الملايين، إن حماية المدنيين واجب قانوني وأخلاقي يحتاج تطبيقًا فوريًا، لا بيانات إدانة مؤجلة.

كما أن احترام حقوق الإنسان في السودان يشكّل الطريق الوحيد للخروج من الحرب، فأي حديث عن المستقبل بلا معنى إذا لم تُحمَ الأرواح اليوم، وإذا لم تُصن الكرامة في هذه اللحظة بالذات.

السودان ليس خبرًا عابرًا في نشرة، لكنه اختبار حقيقي لضمير العالم، النجاح في هذا الاختبار يمنح الملايين فرصة للحياة، والتقاعس يسجّل البشرية كشاهد صامت على واحدة من أفظع المآسي في القرن الحادي والعشرين.

????: [email protected]

الوسومالأمم المتحدة السودان المجتمع الدولي اليوم العالمي لحقوق الإنسان حرب 15 ابريل 2023م صفاء الزين منسقية الشؤون الإنسانية

مقالات مشابهة

  • بحضور حاخامين إسرائيليين.. افتتاح معبد ومدرسة يهودية في سوريا!
  • “الأورومتوسطي”: فصل جسد طفل إلى جزأين يبرز نمط القتل الصهيوني المتعمد في غزة
  • الأورومتوسطي .. دهس جيش الاحتلال طفلًا جريحًا بجرافة عسكرية يجسّد نمطًا مروّعا من القتل
  • المرصد اليمني لحقوق الإنسان ومجلس الشباب المصري يبحثان تفعيل بروتوكول التعاون المشترك
  • في اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. ما هو وضعها في تونس؟
  • في اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. أي وضع حقوقي في تونس؟
  • اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. والسودان في قلب الكارثة
  • في اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. تونس والجزائر تواجهان تراجعًا خطيرًا في الحريات والحقوق المدنية
  • مصر تحتفل باليوم العالمي لحقوق الإنسان
  • الأورومتوسطي: تبعات خطة تقسيم غزة تؤدي فعليًا إلى تهجير السكان الفلسطينيين