أطلق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ناقوس الخطر بشأن ما وصفه بـ"القمع المنهجي" الذي تمارسه الأجهزة الأمنية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، إثر اعتداء عنيف طال متظاهرات سلميات في مدينة عدن، كُنّ يحتججن على تدهور الخدمات الأساسية.

وفي بيان صحفي تلقته "عربي21"، اليوم الخميس، عبّر المرصد عن بالغ قلقه إزاء الانتهاكات الجسيمة التي تعرضت لها المتظاهرات في 24 مايو/أيار، عندما قمعت القوات الأمنية ـ خاصة النسائية ـ وقفة نسوية سلمية، بالضرب والسحل وملاحقة المحتجات في الشوارع، في مشهد صادم يختزل حجم القمع الذي تتعرض له الحريات المدنية في الجنوب اليمني.



وقالت ناشطات تحدثن للمرصد إن عناصر أمنية نسائية منعت بالقوة المحتجات من الوصول إلى ساحة العروض في مديرية خور مكسر، واعتدت عليهن بوحشية، ما أدى إلى إصابات جسدية خطيرة، من بينها كسور في الأطراف، فضلًا عن انتهاكات معنوية تمثّلت في نزع الحجاب قسرًا عن رؤوس بعض النساء.

وأكدت الناشطات أنهن خرجن للمطالبة بأبسط الحقوق اليومية: كهرباء، مياه، خدمات صحية وتعليمية، في ظل انهيار تام لهذه المرافق الحيوية، وسط تجاهل تام من السلطات المحلية.

قمع متصاعد رغم السلمية

بحسب المرصد، لم تكن هذه التظاهرة الأولى، بل سبقتها احتجاجات نسوية مماثلة في 10 و16 مايو، رغم التضييق الأمني، واشتراط تصاريح مسبقة، ومنع التغطية الإعلامية. كما شهدت عدن في 17 مايو مظاهرة مختلطة شارك فيها رجال ونساء، انتهت باعتقال عشرة رجال، لم يُفرج إلا عن أربعة منهم، بينما لا يزال الستة الآخرون رهن الاحتجاز في ظروف غامضة، دون توضيح أماكن وجودهم أو التهم الموجهة إليهم.

وقالت الناشطة دنيا شبوطي في إفادتها للمرصد: "حضرت عدد من المجندات الأمنيات إلى الساحة، وهددننا بالاعتقال، ثم توافدت قوات كبيرة من مختلف الجهات الأمنية، لاحقتنا وضربتنا، وتعرّضنا للإهانات اللفظية من رجال الأمن، وكأننا مجرمات لا محتجات سلميات".

انهيار شامل في الخدمات والمعيشة

تشير بيانات المرصد إلى أن أكثر من مليون من سكان عدن يواجهون أوضاعًا إنسانية صعبة، إذ تنقطع الكهرباء لنحو 20 ساعة يوميًا، والمياه لأيام متواصلة، في وقت توقفت المدارس الحكومية لنصف العام الدراسي نتيجة إضرابات المعلمين المطالبين برفع الرواتب الهزيلة التي لا تتجاوز 35 دولارًا شهريًا.

وفي القطاع الصحي، تم تسجيل أكثر من 50 ألف حالة اشتباه بالملاريا، وألف حالة إصابة مؤكدة بحمى الضنك بينها 12 وفاة منذ مطلع 2024، في ظل نقص حاد في الأدوية وغياب أي استجابة طارئة من السلطات الصحية.

انتهاكات جسيمة للقانون الدولي

أكد المرصد الأورومتوسطي أن الاعتداءات على المتظاهرات تمثل خرقًا فاضحًا لحقوق الإنسان المكفولة بموجب القانون الدولي، وخصوصًا المادة (20) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة (21) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي وقّعت عليه اليمن عام 1987.

وأضاف أن هذه الانتهاكات، خاصة الضرب والسحل ونزع الحجاب، ترقى إلى مستوى التعذيب والمعاملة المهينة، المحظورة بموجب المادة (7) من العهد الدولي لحقوق الإنسان، واتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984.

كما حمّل المرصد السلطات مسؤولية قانونية وأخلاقية عن الإخفاق في توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية، ما يشكّل انتهاكًا صريحًا لحقوق السكان في الصحة والتعليم والحياة الكريمة، ويمثل إخلالًا فادحًا بالتزامات اليمن الدولية، بما في ذلك اتفاقيات حقوق المرأة والطفل والأشخاص ذوي الإعاقة.




دعوات للتحقيق والمساءلة الفورية

وطالب المرصد الأورومتوسطي الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي بفتح تحقيق عاجل، مستقل وشفاف في الاعتداءات، ومحاسبة المسؤولين عنها إداريًا وجنائيًا، وتعويض الضحايا، وضمان عدم تكرارها.

كما دعا إلى الإفراج الفوري عن المعتقلين على خلفية مشاركتهم في الاحتجاجات، وتمكين المنظمات الحقوقية من زيارة مراكز الاحتجاز، والتحقق من أوضاع المحتجزين، ووقف أي ممارسات انتقامية ضد الناشطين.

وشدد المرصد على ضرورة تفعيل خطة استجابة شاملة لتحسين مستوى الخدمات، تشمل إصلاحات إدارية ومالية، وتوفير الموارد اللازمة، وضمان الرقابة المجتمعية على الأداء الحكومي، بما يضمن استدامة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للسكان، ويعيد الاعتبار لكرامة المواطن، وحقه في العيش الآمن والكريم، بعيدًا عن القمع والملاحقة.

عدن تحت قبضة المجلس الانتقالي بدعم إماراتي

تخضع مدينة عدن منذ سنوات لسيطرة فعلية من "المجلس الانتقالي الجنوبي"، الذي يحظى بدعم مباشر من دولة الإمارات العربية المتحدة سياسيًا وعسكريًا. ورغم ادعائه تمثيل مطالب الجنوبيين، يواجه المجلس اتهامات متزايدة بإدارة أمنية قمعية، وفرض قبضة أمنية مشددة تحد من الحريات العامة، وخصوصًا حرية التظاهر والتعبير، في ظل تدهور مستمر في الخدمات الأساسية، وتفاقم الأوضاع الإنسانية في المدينة.

يذكر أن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان هو منظمة حقوقية دولية مستقلة، تتخذ من جنيف مقرًا لها، وتُعنى برصد وتوثيق الانتهاكات ضد الأفراد في مناطق النزاع، لا سيما في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع التركيز على الفئات المهمشة والضعيفة. يعمل المرصد من خلال شبكة من الباحثين والميدانيين، ويُصدر تقارير دورية تهدف إلى تعزيز المساءلة وحماية حقوق الإنسان وفق المعايير الدولية.


المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية اليمن عدن الانتهاكات مظاهرات اليمن انتهاكات عدن المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المرصد الأورومتوسطی لحقوق الإنسان

إقرأ أيضاً:

الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان تشارك بمؤتمر دولي في الدوحة

 

شاركت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان في “المؤتمر الدولي حول الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان الذي عقد تحت عنوان: “الفرص والمخاطر والرؤى لمستقبل أفضل” يومي 27 و28 مايو الجاري بالعاصمة القطرية الدوحة.
ترأس وفد الهيئة سعادة مقصود كروز، رئيس الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان وبمشاركة كل من الدكتور أحمد المنصوري عضو مجلس الأمناء، وحمد البلوشي مدير إدارة الخدمات المساندة، وعبدالعزيز العوباثاني رئيس قسم المنظمات الدولية والإقليمية، وسعيد الأحبابي باحث قانوني لدى الأمانة العامة بالهيئة.
وقد شارك الدكتور أحمد المنصوري بورقة عمل بعنوان “دور الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان في تعزيز الأبعاد الحقوقية والأخلاقية للذكاء الإصطناعي في دولة الإمارات العربية المتحدة” وذلك في في جلسة بعنوان: حقوق الإنسان والذكاء الاصطناعي: مقاربة من منظور المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، والتي سلطت الضوء على ضرورة وضع حقوق الإنسان في صلب مسيرة التطور التكنولوجي لاسيما في مجال الذكاء الاصطناعي.
وعبّر المنصوري عن بالغ شكره وتقديره للجنة الوطنية لحقوق الإنسان في دولة قطر وجميع الشركاء والمنظمين وعلى رأسهم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمفوضية السامية لحقوق الإنسان والتحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان على الدعوة للمشاركة في هذا المؤتمر النوعي الذي يأتي في مرحلة مفصلية تتقاطع فيها الطموحات التقنية مع التحديات الحقوقية العالمية.
وأكد أن الذكاء الاصطناعي بات أحد أبرز المحركات المؤثرة في بنية المجتمعات وآليات الحوكمة وسوق العمل لكنه في الوقت ذاته يثير تساؤلات جوهرية حول حقوق الإنسان وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية.
وتعليقاً على هذه المشاركة، قال سعادة مقصود كروز، رئيس الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان:”أولت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان اهتماماً بالغاً بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي من منظور حقوقي انطلاقاً من إيمانها الراسخ بأن أي تقدم تقني لا يمكن أن يكون مستداماً أو مقبولاً مجتمعياً ما لم يستند إلى قواعد أخلاقية وحقوقية واضحة”.
وأضاف سعادته أن الهيئة حرصت على ترسيخ شراكة استراتيجية مع “مكتب وزير دولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بعد” للعمل على دمج الاعتبارات الحقوقية في السياسات الوطنية المتعلقة بالتقنيات الحديثة مشيراً إلى مشاركة الهيئة في القمة العالمية للحكومات العام الماضي حيث كان الذكاء الاصطناعي حاضراً بقوة، وكذلك المشاركة في “خلوة الذكاء الإصطناعي” في شهر أبريل من العام الجاري حيث أكدت الهيئة حينها أهمية وضع أطر تشريعية وأخلاقية تحكم استخدام هذه التكنولوجيا بما يحترم الحقوق والحريات.
وأكد سعادته ريادة التجربة الإماراتية في هذا المجال لافتاً إلى أن دولة الإمارات كانت أول دولة في العالم تُنشئ منصب وزير دولة للذكاء الاصطناعي عام 2017 وما تبعه من إطلاق استراتيجية وطنية ومجلس وطني للذكاء الاصطناعي بالإضافة للمبادرات والمشاريع النوعية مثل “تصفير البيروقراطية” و”الحكومة الذكية” التي تدمج التقنية من دون إغفال البعد الإنساني.
وأشار إلى ميثاق تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي الذي وضعته الدولة لتحقيق مستهدفات استراتيجيتها الوطنية موضحاً أن الميثاق يضم مبادئ مركزية ومن أبرزها التقدم والتعاون والأخلاق، والمجتمع، والاستدامة، والسلامة.
وأكد سعادته أن مبدأ “الأخلاق” يحتل مكانة محورية إذ يعكس الالتزام العملي بمعالجة تحديات مثل التحيّز والمساءلة والشفافية من خلال تصميم مسؤول يدمج الذكاء الاصطناعي في حياة الإنسان دون المساس بكرامته أو حقوقه.
تأتي مشاركة الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان في إطار إلتزامها بمواصلة دورها مساهما فاعلا في صياغة السياسات المتوازنة بين التقدم التكنولوجي وصون الحقوق والحريات، وحرصها على تعزيز التعاون مع المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وتبادل التجارب لبناء أطر حوكمة تقنية قائمة على الشفافية والمساءلة.وام


مقالات مشابهة

  • «حقوق الإنسان» تشارك في مؤتمر «الذكاء الاصطناعي» بالدوحة
  • الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان تشارك بمؤتمر دولي في الدوحة
  • الأورومتوسطي: الاعتداء على المتظاهرات في عدن يُجسّد نهجا قمعيا يتوجب التحقيق فيه والمحاسبة فورًا
  • الأورومتوسطي: 10% من فلسطينيي غزة ضحايا للإبادة الإسرائيلية
  • الأورومتوسطي: 10% من سكان غزة ضحايا الإبادة الإسرائيلية
  • “الأورومتوسطي”: الاحتلال قتل 7 مجوّعين وأصاب آخرين بنقطتي مساعدات بـ 24 ساعة
  • الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تحذر من أزمة أوكسجين خطيرة بالمركز الصحي للقصيبة
  • “الأورومتوسطي”: “إسرائيل” مستمرة في فرض المجاعة كسلاح إبادة جماعية
  • الأورومتوسطي .. إسرائيل مستمرة في فرض المجاعة وتدفع المدنيين إلى فوضى مذلّة