هذا المقال بقلم الصحفي والكاتب اللبناني عمر حرقوص*، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

لم يكن مستغرباً رد فعل مسؤولي "حزب الله" ومؤسساته الإعلامية على المواقف التي أعلنها رئيس وزراء لبنان نواف سلام حول نهاية عصر "تصدير الثورة الإيرانية"، وتشديده على تطبيق بنود الدستور اللبناني "اتفاق الطائف" لجهة منع ثنائية السلاح وحصره بمؤسسات الدولة، وهو السلاح الموجود لدى "حزب الله" أو بيد منظمات ومجموعات داخل المخيمات الفلسطينية.

عدم استغراب ردود الفعل من "حزب الله" ومكوناته على نواف سلام يأتي من تاريخ التنظيم الرافض لأي مطالبة بتسليم السلاح وتحوله إلى حزب سياسي مثل بقية القوى، على الرغم من جلسات الحوار الطويلة التي عملت لوضع إستراتيجية عسكرية منذ عام 2005 ولم تصل لنتيجة.

خطابات نواف سلام الأخيرة وإحداها على شاشة CNN اعتبرها حزب الله تحدياً لدوره الذي لا يزال يعتقد أنه قادر على تغيير الموازين في المنطقة أو على الأقل في الداخل، خصوصاً بعد نتائج الحرب الأخيرة التي أدت إلى دخول إسرائيل الأراضي اللبنانية والقضاء على قيادة "الحزب" الأساسية وآلاف من عناصره.

08:41نواف سلام يتحدث لـCNN عن فرص لبنان الضائعة والسيطرة على حزب الله وما يريده من الإدارة الأمريكية.. ماذا قال؟

الهجوم الموصوف بـ"الحرب" الذي تعرض له نواف سلام من قبل قادة في "حزب الله" وإعلامه وجمهوره تخطى أدبيات الخطاب السياسي، ليصل حد التلويح باتهامه بالعمالة لإسرائيل، على الرغم من أن الرجل كان يترأس المحكمة الجنائية الدولية حينما أصدرت في عهده طلب توقيف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

لكن موقف نواف سلام الذي يمثل الدولة اللبنانية لم يأتِ من فراغ، بل يستند إلى مجموعة مسائل موضوعية تحتم على بيروت التزام القرارات الدولية وتطبيقها، للقيام بإصلاحات أمنية واقتصادية وسياسية تسمح بالعودة إلى خارطة الدول النامية.

وقبل الحديث عن الضغوط الدولية التي كان آخرها تلويح واشنطن بضرورة التزام بيروت نزع سلاح الميليشيات من خلال إجراءات ملموسة، من الضروري التذكير أن لبنان دفع أثماناً باهظة نتيجة الصراع مع إسرائيل، وكاد قبل 42 عاماً أن يوقع اتفاق سلام معها سُمي "اتفاق 17 مايو/أيار"، قبل أن تطيح به الحرب الأهلية والتدخلات الإقليمية، وأعطى ذاك الاتفاق اللبنانيين مجموعة نقاط تمنع إسرائيل من دخول أراضيه أو مهاجمتها، وتسمح له بالحصول على ترسيم حدودي للبر والبحر.

مقابل رفضه المستمر نقاش مسألة سلاحه داخليًا أظهر "الحزب" تحوّلاً في موقفه تجاه إسرائيل عندما وافق، على اتفاق ترسيم الحدود البحرية في أكتوبر 2022. الاتفاق الذي تم بوساطة أمريكية، أقرّ لإسرائيل حقل "كاريش" النفطي كاملاً، وأفسح المجال أمام الحكومة السابقة التي تمثله لتسويق الاتفاق كـ"إنجاز سيادي"، رغم أن "اتفاق 17 مايو/ أيار" كان لحظ المناطق البحرية من ضمن الحدود اللبنانية، وبموجب الاتفاق الجديد التزم "الحزب" بعدم التعرض للحقل النفطي على الرغم من الحرب المدمرة التي تواجه بها مع إسرائيل خلال نهاية العام الماضي.

وزاد المشهد تغيّراً في خريف 2024، وبعد وساطة أمريكية مباشرة، توصّل الطرفان أي "حزب الله" وإسرائيل إلى تفاهم يُنهي الحرب الميدانية. لكنه لم يكن اتفاق "هدنة" بالمعنى الكلاسيكي، بل وضع خارطة نحو "سلام" غير معلن، تنهي حال الحرب وتمنح إسرائيل القدرة على توجيه الضربات لأي تحرك عسكري لـ"الحزب" في كل المناطق اللبنانية، وهو لم يكن إلا إقراراً عملياً بانتهاء زمن الحرب المفتوحة بين الطرفين ووضع خطوات أولى للسلام أو انتظار تغير عالمي أو إقليمي يعيد لـ"الحزب" دوره الوظيفي، رغم أن الاتفاق "سمح" فعلياً ببقاء 5 مواقع إسرائيلية قرب الحدود حتى الانتهاء من تطبيق بنوده، ومنَع عودة الأهالي إلى قراهم في الشريط الحدودي، وأبقى المجال مفتوحاً أمام الطائرات المسيّرة لاستهداف "الحزب" ميدانياً، وتجاوز في مضمونه ما رفضته الدولة اللبنانية قبل 42 عاماً في "اتفاق 17 مايو/أيار".

مقابل التفاهم الحدودي، صعّد حزب الله هجومه الإعلامي والسياسي الداخلي، رافضاً الحديث عن ضرورة إنهاء "ثنائية السلاح"، وشنّ إعلامه حملة على المطالبين بتسليم السلاح للجيش اللبناني ومن بينهم نواف سلام الذي يرأس حالياً خطاب تنفيذ الدستور والقوانين، الذي لم يكن يتحدث من فراغ، فـ"اتفاق الطائف" الذي يُعدّ المرجع الدستوري الأول للجمهورية الثانية، نصّ صراحة على حلّ جميع الميليشيات المسلحة ومنها بالتأكيد "حزب الله".

ربما يسهل ذكر الكثير من أسباب امتعاض "حزب الله" من أي حديث حول سلاحه، لكنه لم يستطع السكوت عن خطابات نواف سلام التي يبدو أنها أربكت الحزب وفاجأته، فهي تنقل النقاش إلى مستوى جدِّي ورسمي جديد وتعجل من مواعيد "الحوار" الذي يقوم به رئيس البلاد جوزاف عون لتسليم السلاح، ويدفع لوضع مهلة له بدلا من تركه مستمر بفترة زمنية مفتوحة بلا نهاية، كما أنه يفرض عدم انتظار المفاوضات الإيرانية الأميركية التي يعتبرها "محور المقاومة" فرصة ومهلة قد تؤدي لانقلاب الموازين أو إعادة تشكيل التحالفات في المنطقة.

لم يوقّع "حزب الله" اتفاق "سلام" واحد مع إسرائيل، بل اتفاقي. الأول بحريّ أعطاها فيه حقلاً نفطياً، والثاني ميداني سمح لها بالتحرك لتأمين حدودها كاملة. وكلاهما أنهى مرحلة "المقاومة" المسلحة، وإن لم يُعلن ذلك رسمياً. وفي المقابل، تحوّل السلاح إلى أداة لإسكات الداخل وإعلان "الحرب" على المطالبين بتسليمه للدولة.

* عمر حرقوص، صحفي، رئيس تحرير في قناة "الحرة" في دبي قبل إغلاقها، عمل في قناة "العربية" وتلفزيون "المستقبل" اللبناني، وفي عدة صحف ومواقع ودور نشر.

لبنانحزب اللهنشر الجمعة، 30 مايو / أيار 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

المصدر: CNN Arabic

كلمات دلالية: حزب الله مع إسرائیل نواف سلام حزب الله الذی ی لم یکن

إقرأ أيضاً:

هل أجبر ترامب إسرائيل على قبول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة؟

في تطور استثنائي لأحداث العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، المستمر منذ عامين، أعلن فجر اليوم الخميس في مصر التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وينسب البعض هذا الانفراج لضغوط مارسها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي انتقل من موقف الشريك في التصعيد إلى موقع الضاغط على الحكومة الإسرائيلية للقبول بتهدئة وتفاهم سياسي جديد.

ووفق خبراء ومختصين تحدثوا للجزيرة نت، فإن هذا التحول لا يعكس تغيرا جوهريا في طبيعة الدعم الأميركي التقليدي لإسرائيل، بل هو نتيجة تراكمات سياسية وعسكرية واقتصادية، وضغوط شعبية ودولية غير مسبوقة، دفعت كلها واشنطن إلى مراجعة حساباتها في الملف الفلسطيني.

وأجمعت أقول المحللين على أن الإدارة الأميركية لم تعد قادرة على تجاهل التداعيات الإنسانية للعدوان الإسرائيلي، ولا الكلفة المتزايدة لعزلة إسرائيل على الساحة العالمية، خاصة مع تزايد الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، وتوسع حركة التضامن الشعبي حول العالم.

وأشار المختصون السياسيون إلى أن ترامب -الذي صرح بأنه قد يزور المنطقة فعليا لحضور مراسم توقيع الاتفاق- ينظر للصفقة بوصفها إنجازا سياسيا وشخصيا، وسط تساؤلات عدة تُطرح بشأن جدية الأطراف في الالتزام ببنودها، وطبيعة الضمانات المقدَّمة للفلسطينيين.

ويجمع الخبراء أن اتفاق اليوم، رغم أهميته، هو مجرد مرحلة أولى من مسار تفاوضي طويل ومعقد، سبق أن تعثّر مطلع العام الجاري حين أخلت إسرائيل بالبنود المتفق عليها وعادت لشن عمليات عسكرية موسعة.

ويمكن تلخيص أبرز ما جاء في تحليلات المحللون والخبراء في ما يتعلق بموقف ترامب من الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار على النحو التالي:

استمرار دعم ترامب لإسرائيل: بقي ترامب داعما رئيسيا للاحتلال الإسرائيلي ووفّر له غطاء دوليا وعطل قرارات وقف الحرب عدة مرات. غياب أفق الحسم العسكري: أدركت الإدارة الأميركية والإسرائيلية استحالة الحسم السريع ضد المقاومة، مما دفع ترامب لتغيير تكتيكاته. تراجع صورة إسرائيل وأميركا عالميا: أصبحت إسرائيل دولة منبوذة دوليا، وأميركا شريكة في الإبادة، مع تصاعد الاعتراف بدولة فلسطين وتغير اتجاهات الرأي العام العالمي. عزلة دبلوماسية متزايدة: الولايات المتحدة وإسرائيل تواجهان عزلة في المنظمات الدولية، ولم تعُد تحظيان بدعم سوى من دول قليلة. ضغوط شعبية وتحركات تضامنية واسعة: تصاعد الاحتجاجات والمواقف الجماهيرية المناصرة لفلسطين شكّل ضغطا مؤثرا على الطرفين الأميركي والإسرائيلي. ضغط سياسي عربي وإسلامي: تصاعد دور الدول العربية والإسلامية في الضغط على أميركا لوقف الحرب ودعم القضية الفلسطينية. فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها: عجز الجيش الإسرائيلي عن تحقيق مكاسب ميدانية وسياسية رغم الدعم الأميركي. الدافع الشخصي لترامب: رغبة ترامب في الظهور بمظهر رجل السلام وسعيه لنيل جائزة نوبل دفعته للتحرك لإنهاء الحرب. محاولة إنقاذ صورة إسرائيل دوليا: التحرك الأميركي هدفه أيضا تحسين صورة إسرائيل المُشوّهة وإعادة ترميمها في المجتمع الدولي. شكوك حول جدية وضمانات الاتفاق: هناك غياب للضمانات الحقيقية بشأن التزام ترامب وإسرائيل بالاتفاقات واحتمالية نقضها لاحقا. تعقيدات مرحلة ما بعد الاتفاق: خلافات متوقعة حول مستقبل غزة، والحكومة الفلسطينية، ونزع سلاح المقاومة، ورفض فلسطيني لأي وصاية أو إدارة دولية. الحاجة إلى آلية ضمان عربية وإسلامية: ضرورة وجود دور رقابي وضامن عربي وإسلامي يمنع خروق الاتفاقات ويضمن استمرار وقف الحرب. صمود الشعب والمقاومة الفلسطينية: ثبات وصمود الفلسطينيين والمقاومة شكل عنصر حسم أساسيا في إفشال أهداف الاحتلال وفرض معادلة جديدة. إمكانية نقل الأزمة لجبهات أخرى: احتمال لجوء إسرائيل لتوسيع المواجهة لساحات أخرى هروباً من أزمتها الداخلية والخارجية.

تغير موقف ترامب من العدوان على غزة

يمثل التحول الأخير في موقف ترامب من العدوان الإسرائيلي على غزة نقلة فارقة في تعاطي واشنطن مع ملف الحرب، فبعد عامين من الدعم غير المحدود لإسرائيل، باتت الإدارة الأميركية ترى أن استمرارية الصراع تشكل عبئا سياسيا وأخلاقيا يصعب تحمله، خاصة مع اتساع دائرة الفشل الإسرائيلي أمام المقاومة، وتنامي الانتقادات الدولية لدور الولايات المتحدة بوصفها الشريك الأساسي في استمرار الحرب. ويبدو أن حسابات المشهد تغيرت أمام عجز تل أبيب عن إنجاز حسم عسكري، مما دفع واشنطن إلى تكييف موقفها بحثا عن مخرج سياسي أقل كلفة.

إعلان

ويرى المدير العام لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات محسن صالح أن الدعم الأميركي لإسرائيل ظل ثابتا طوال الحرب، وأن ترامب لم يكن يوما بعيدا عن دائرة الشريك في العدوان والدمار، بل وفر للاحتلال غطاء سياسيا ودوليا، واستخدم مرارا حق النقض (فيتو) لتعطيل قرارات أممية تدعو لوقف إطلاق النار.

ويلفت صالح -في تصريحات للجزيرة نت- إلى أن المتغير الأساسي الذي دفع ترامب للتحرك هو الإقرار باستحالة الحسم الميداني، مع تزايد الاعتراف الدولي بفشل إسرائيل في إخضاع المقاومة، كما أقر بذلك رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير في تصريحات صريحة عن تعثر المعركة وامتداد أمدها لأشهر وربما سنوات.

ويؤيد الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون هذا التوصيف، مضيفا أن "ترامب دعم إسرائيل حتى سبتمبر/أيلول الماضي، لكنه اضطر في النهاية إلى إعادة حساباته حين فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أي إنجاز ميداني. وحينها ضاقت الخيارات أمام واشنطن، خاصة مع تصاعد موجة التضامن الشعبي الدولي التي حمّلت الاحتلال مسؤولية جرائم الحرب"، حسب تعبيره.

وأشار المدهون -في تصريحات للجزيرة نت- إلى أن هذا الفشل دفع الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في جدوى دعمها المطلق لإسرائيل في ظل التكاليف السياسية والأخلاقية المتزايدة.

ولم تبعد ملاحظات مدير مركز رؤية للتنمية السياسية أحمد عطاونة كثيرا عما سبق، إذ يرى أن "صورة إسرائيل كدولة منبوذة ومعزولة دوليا، وظهور الولايات المتحدة كداعم وحيد للاحتلال والمشاركة في الإبادة الجماعية في غزة، وضعت كلها الإدارة الأميركية في مواجهة مع العالم كله". على حد قوله.

وتتعزز هذه التحليلات بما أعلنته تقارير صباح اليوم بشأن استعداد الرئيس الأميركي للقيام بزيارة عاجلة إلى المنطقة لحضور توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، وهي تعد خطوة رمزية تعكس رغبة ترامب في التماهي مع لحظة التحول وفرض بصمته الشخصية على مشهد إنهاء الحرب.

محللون: الرئيس الأميركي لم يعد بمقدوره تجاهل الثمن الأخلاقي والسياسي الذي تدفعه أميركا من حرب غزة (الفرنسية)دوافع ترامب الشخصية

وتكشف التحليلات أيضا عن أنه لم يعد بمقدور ترامب تجاهل الثمن الأخلاقي والدبلوماسي الذي تدفعه الولايات المتحدة جراء ارتباطها الوثيق بإسرائيل. وفي المقابل، تظهر التحركات الأخيرة عن أن دوافع ترامب تتجاوز مجرد حسابات السياسة الخارجية، إذ يبرز البعد الشخصي في رغبته بأن يُسجّل كبطل للسلام وينال التكريم الدولي، مستفيدا من اللحظة الراهنة لتعزيز صورته، خاصة وهو على أعتاب استحقاقات انتخابية، ووسط تصاعد الضغوط على إسرائيل والدعم المتراجع له في المؤسسات الدولية.

ويجمع المتحدثون السابقون على أن لدى ترامب دوافع شخصية وسياسية لا يمكن تجاهلها في تفسير هذا التحول، فبحسب صالح، فإن ترامب "يسعى إلى الظهور كبطل للسلام على المسرح الدولي، ويطمح إلى الفوز بجائزة نوبل، مستغلا لحظة مفصلية لصناعة مجده السياسي". مضيفا أن ترامب، رغم حرصه على إسرائيل، أدرك أن استمرار الحرب لم يعد يخدم مصالح واشنطن، بل بات يهدد صورة الولايات المتحدة ويجعلها في موقع الشريك في الإبادة وما يترتب على ذلك من ضغوط قانونية وملاحقة دولية.

إعلان

ويذهب المدهون كذلك إلى أن "البُعد الشخصي حاضر بقوة في تحركات ترامب، خاصة مع اقتراب الانتخابات ورغبته في تقديم نفسه "كرجل سلام" أمام الرأي العام الأميركي والعالمي". مبينا أن "إعلان جائزة نوبل الوشيك دفع ترامب إلى الإسراع في فرض اتفاق يليق بلقب "صانع السلام"، خاصة بعد أن فقدت واشنطن مكانتها الأخلاقية والدبلوماسية نتيجة تكرار استخدام حق الفيتو لصالح الاحتلال".

أما عطاونة، فيعتبر أن رغبة ترامب الجامحة في "الظهور كرجل أنهى الحروب ونال جائزة السلام" كانت حافزا أساسيا وراء هذا التحول، إلى جانب إدراكه أن إسرائيل غير قادرة على حسم المعركة وأن استمرار الحرب بات عبئا سياسيا وعسكريا على الإدارة الأميركية.

لكن مدير عام مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي يضيف على ما سبق أن "الدوافع الشخصية لدى ترامب ليست وحدها الفاعلة، بل تلاقت مع متغيرات دولية غير مسبوقة، وأبرزها الاعترافات المتتالية بالدولة الفلسطينية، وعزل إسرائيل دوليا، حتى أن الولايات المتحدة باتت منبوذة في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة، فلم تدعمها سوى 4 دول صغيرة ومعزولة"، حسب تعبيره.

أسطول الصمود لكسر الحصار على غزة حقق تعاطفا دوليا وشعبيا كبيرا (الأناضول)متغيرات دولية وشعبية

وتكشف الأشهر الأخيرة عن انقلاب نوعي في صورة إسرائيل على الساحة الدولية، يقابله تصاعد سريع في وتيرة التضامن الشعبي مع فلسطين، وباتت العزلة السياسية التي تواجهها تل أبيب غير مسبوقة منذ عقود، مع تحولات في مواقف الرأي العام الأميركي نفسه، وهذه المتغيرات لم تترك أمام واشنطن خيارا سوى مراجعة موقفها، في محاولة لاحتواء تداعيات الشارع العالمي، ومنع تآكل نفوذها في المنطقة وانهيار صدقيتها كقوة كبرى.

ويشدد الرنتاوي – في تصريحاته للجزيرة نت- على أن "الزخم الدولي غير المسبوق، وانقلاب الرأي العام العالمي والأميركي، شكلا نقطة تحول ضاغطة على الإدارة الأميركية". مستشهدا بما سماه "تسونامي" الاعترافات بالدولة الفلسطينية ووصولها إلى 156 دولة تمثل 81% من بلدان العالم، بما في ذلك دول من مناطق النفوذ الإسرائيلي التقليدية وبعض دول أوروبا الغربية.

ويضيف مدير عام مركز القدس للدراسات السياسية أن "الولايات المتحدة وجدت نفسها معزولة تقريبا في مواجهة الإجماع الدولي، بينما الشوارع المنتفضة في أوروبا وأميركا تندد بالإبادة وبالتطهير العرقي، حتى أن نصف الجمهوريين وعددا متزايدا من الشباب الأميركي، بمن فيهم يهود أميركا والإنجيليون، بدؤوا يتعاطفون مع الفلسطينيين وينبذون السياسات الإسرائيلية".

وعن التحركات الشعبية والجماهيرية على مستوى العالم، يلفت عطاونة إلى أن "إسرائيل وُضعت في موضع محرج جدا، وهو ما دفع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى المقارنة بين إسرائيل والنازية في خطابه الأخير بالأمم المتحدة، لمحاولة نفي التهمة عن حكومته".

أما المدهون، فيضيف بعدا قانونيا، مذكرا بأن "القادة الإسرائيليين أصبحوا مطلوبين أمام محكمة الجنايات الدولية، وملاحقين قانونيا"، مما عمق عزلة إسرائيل وأحرج الإدارة الأميركية، واضطر ترامب إلى السعي لتغيير البيئة السياسية من أجل إعادة تصحيح صورة إسرائيل أمام العالم.

ويضيف صالح أن "تضخم موجة الاعترافات الدولية بفلسطين انعكاس لتحول نوعي في البيئة السياسية، وهو ما دفع ترامب للضغط على إسرائيل حتى لا تخسر كليا موقعها الإستراتيجي في المنطقة".

الموقف العربي وصمود المقاومة

ويوازي التحول السياسي الأميركي والأوروبي تصاعد ثقل الضغط العربي والإسلامي، حيث لعبت تحركات الدول الرئيسة والجهود الإقليمية دورا محوريا في تشكيل أفق الاتفاق الأخير، حسب رأي الخبراء الذين تحدثوا للجزيرة نت.

وأضافوا أن تماسك الجبهة الفلسطينية وصمود المقاومة على الأرض أجبرا الأطراف الدولية على الاعتراف بأن أي حل لا يمر عبر الإرادة الفلسطينية المستقلة لن يجد طريقه إلى النجاح.

إعلان

ومن ثم، يلاحظ المدهون أن "التحرك العربي والإسلامي المتصاعد من قطر وتركيا ومصر والسعودية والإمارات وصولا إلى باكستان وإندونيسيا، شكل ضغطا سياسيا مباشرا على ترامب، مشيرا إلى أن هذه الرسائل -التي تبلورت مؤخرا في اجتماعات إقليمية مكثفة- أسهمت في تشكيل موقف أميركي جديد أكثر انفتاحا على التفاوض والبحث عن حلول.

ويضيف المدير العام لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات بأن "صمود المقاومة الفلسطينية وفشل الاحتلال في تنفيذ مخططاته، لا سيما في ملف التهجير أو تحرير الأسرى بالقوة، فرض واقعا جديدا على الأرض، أجبر الإدارة الأميركية على إعادة النظر في إستراتيجيتها، خاصة بعد أن استنزف نتنياهو الوقت والجهد من دون تحقيق أي هدف ملموس".

ويذهب مدير مركز رؤية للتنمية السياسية إلى بعد آخر، ويعتبر أن "إرادة عربية وإسلامية قوية وحدها قادرة على تذليل العقبات في المرحلة الثانية من الاتفاق، خاصة إذا اقتنعت واشنطن بأن عودة الحرب ستضع مستقبل إسرائيل وأميركا على المحك دوليا". ويحذر من أن "مطالب نزع غزة من الحالة السياسية الفلسطينية وإدارتها دوليا لن يقبلها الفلسطينيون، وسيظلون يطالبون بحقهم في السيادة والقرار الوطني المستقل".

وأما مدير عام مركز القدس للدراسات السياسية فيربط ذلك كله بالاتفاق الحالي، قائلا "هذه المرة هناك قوة دفع دولية وعربية مختلفة، وإن إرادة الرئيس الأميركي تتبلور بشكل غير مسبوق، مع توفر ضمانات جديدة للجانب الفلسطيني والوسطاء العرب، وهي تضيق الخناق على نتنياهو وتحدّ من قدرة إسرائيل على المناورة".

ويدخل اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل اليوم الخميس حيز التنفيذ، ليشكل بادرة يمكن أن تفتح نافذة لحل سياسي مستدام في غزة، غير أن هذا الاتفاق -رغم زخمه الدولي والإقليمي وظهور ترامب في صورة الضامن والمبادر- يبقى في مرحلته الأولى، مع وجود عقبات كبيرة تتعلق بضمان التنفيذ، ومفاوضات شائكة حول مستقبل القطاع وشكل الحكم الفلسطيني.

كما تجدر الإشارة إلى أن اتفاقا أوليا كان قد أُبرم في يناير/كانون الثاني الماضي مع بداية ولاية ترامب الحالية، لكنه انهار سريعًا في مارس/آذار بعدما نقض نتنياهو التفاهمات وأعاد فرض الحصار والقصف.

ومع تجدد الاتفاق اليوم، يبقى الرهان على استمرار الضغط الدولي والعربي وصمود الفلسطينيين لضمان تطبيقه وعدم تكرار سيناريو النكوص الذي أعاد إشعال جولة العدوان الأخيرة.

مقالات مشابهة

  • "تصريحات مقلقة" قبيل اتفاق غزة.. ماذا قالت إسرائيل وحماس؟
  • عبد الله الثقافي يكتب: الحرب جرح لا يندمل
  • سلام يكتب بحروف مصرية
  • توكل كرمان ترحب بالاتفاق بين الفلسطينيين وإسرائيل وتدعو لتحويله إلى سلام عادل ينهي الاحتلال
  • إسرائيل تقر اتفاق وقف الحرب وإطلاق سراح المحتجزين
  • باحث: إسرائيل تعيش حالة سلام حذر بعد اتفاق غزة
  • أجهزة التنفس التي جعلت إسرائيل حيّة إلى اليوم
  • إسرائيل تواصل قتل المدنيين في غزة قبل تصديق اتفاق وقف الحرب
  • اتفاق غزة يكتب فصلًا جديدًا في دبلوماسية مصر .. وتحليل استراتيجي يكشف كواليس النجاح
  • هل أجبر ترامب إسرائيل على قبول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة؟