بعد أكثر من ثلاث سنوات من التجميد، يبدو أن السودان بات على مشارف العودة إلى الاتحاد الإفريقي، مدفوعًا بجملة من التحولات السياسية والدبلوماسية التي بدأت تثمر مواقف أكثر تفهمًا من قبل المجتمع القاري تجاه الأزمة السودانية. هذه العودة لا تنفصل عن سياقات إقليمية ودولية، كما أنها تعكس صراعًا محتدمًا بين مساعي تثبيت الدولة الوطنية و محاولات الالتفاف عليها.

في هذا المقال نستعرض مؤشرات هذه العودة المحتملة، والسياقات التي تجعلها ضرورة لتسريع الانتقال.

خلال الأشهر الأخيرة بات السودان على وشك العودة إلى الاتحاد الإفريقي، بعد أكثر من ثلاث سنوات من تعليق عضويته إثر إجراءات 25 أكتوبر 2021. وتُقرأ هذه العودة المحتملة في سياق انعكاس لتحولات داخل المشهد السياسي السوداني، وتفاعل مختلف المؤشرات والمعطيات الإقليمية والدولية المحيطة.

في 19 مايو 2025، أقدم الرئيس البرهان على تعيين الدكتور كامل الطيب إدريس رئيسًا لمجلس الوزراء، في خطوة وُصفت في عدد من التصريحات الدولية بأنها إشارة إيجابية نحو استعادة المسار الدستوري. فقد رحّب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، محمود علي يوسف، بهذا التعيين واعتبره خطوة نحو حكومة قد تسهم في تهيئة البيئة السياسية للانتقال المدني الشامل، وفقًا لما ورد في بيان رسمي صادر عن المفوضية نُشر عبر وسائل إعلام دولية، منها وكالة “رويترز”.

وقد جاء هذا التطور في سياق دبلوماسي حافل بالتحركات السودانية الهادفة إلى إعادة بناء جسور الثقة مع الاتحاد الإفريقي، وهو ما برز بوضوح الأسبوع الماضي من خلال المشاركة الرسمية للسودان في فعالية “يوم إفريقيا” بمقر الاتحاد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وقد ضمّت المشاركة جناحًا ثقافيًا سودانيًا لافتًا، وكانت الأولى منذ قرار التجميد في أكتوبر 2021، وحظيت باهتمام واضح من قيادات إفريقية، أبرزهم رئيس مفوضية الاتحاد ووزير الخارجية الإثيوبي، كما أكدت تغطيات إعلامية لشبكة “BBC Africa”.

كذلك تبنّت قمة إحياء السلم والأمن لجمهورية الكونغو الديمقراطية والمنطقة، والتي انعقدت في مدينة عنتيبي الأوغندية مؤخرًا، بندًا خاصًا تحت عنوان “التضامن مع السودان” في بيانها الختامي. وجاء في البيان دعم لخارطة طريق الحكومة السودانية، وتأكيد على سيادة السودان ورفض الحلول المفروضة من الخارج، وهي صيغة تحمل إدانة مبطنة لأي تدخلات إقليمية مباشرة، خاصة تلك التي تمارسها بعض الدول في دعم الميليشيا .

وقد نقلت وسائل إعلام رسمية، مثل “الشرق”، تصريحات من الوفد السوداني المشارك برئاسة مالك عقار، اتهم فيها دولة الإمارات العربية المتحدة بدعم ميليشيا الدعم السريع المتمردة، وطالبها بوقف الدعم الذي تقدّمه.

لكن التحول الأبرز في العلاقة مع المنظمة تمثل في زيارة وفد مجلس السلم والأمن الإفريقي إلى بورتسودان في أكتوبر 2024 ، برئاسة السفير محمد جاد، سفير مصر لدى الاتحاد. وقد اعتُبرت هذه الزيارة، وفق مراقبين، أبرز محطة في مسار تطبيع العلاقات بين السودان والمنظمة القارية. وتأتي أهمية هذه الزيارة من كونها الأولى منذ اندلاع الحرب، وكونها أيضًا مثّلت اعترافًا ضمنيًا من الاتحاد بضرورة مراجعة مواقفه السابقة تجاه السودان، خاصة بعد أن عبّر الرئيس البرهان عن موقف حازم من توصيف الاتحاد لما جرى في أكتوبر 2021، معتبرًا أن السودان يواجه استعمارًا بالوكالة عبر ميليشيا متمردة مدعومة إقليميًا.

وفي هذا اللقاء، أشار البرهان إلى أن جزءً من البلاد “يقبع تحت احتلال ميليشيا متمردة مدعومة بمرتزقة أجانب”، وهو توصيف وجد طريقه إلى النقاشات الداخلية للمجلس، بحسب تسريبات صحيفة Jeune Afrique في تغطيتها بتاريخ 26 مايو 2025.

وأشار السفير محمد جاد حينها، في تصريحات أدلى بها لوسائل إعلام دولية، من بينها قناة “الحدث”، إلى أن الوفد لمس خلال زيارته تفاهُمًا واسعًا لضرورة استعادة السودان لعضويته، باعتبار ذلك شرطًا أساسيًا لدعم جهود السلام وفتح قنوات التعاون، مؤكدًا أن الزيارة تؤسس لـ”خارطة طريق جديدة” لعودة السودان إلى المنظومة الإفريقية.

وتتزامن هذه التحولات مع استمرار انتهاكات جسيمة ترتكبها ميليشيا الدعم السريع، بحسب ما أكدته منظمات حقوقية ودولية، أبرزها “هيومن رايتس ووتش”، التي وثّقت في تقارير حديثة ارتكاب هذه القوات جرائم حرب في ولايات دارفور وكردفان. وآخر الإدانات صدرت أمس من الخارجية الأمريكية، نتيجة قصف الميليشيا منشأة تابعة لبرنامج الأغذية العالمي في دارفور، كما سبق أن فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على قائدها محمد حمدان دقلو، وسبع من شركاته التي تتخذ من دولة الإمارات العربية المتحدة مقرًا لها.

هذا، وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، فإن استعادة السودان لمقعده في الاتحاد الإفريقي ستكون تتويجًا لتحول سياسي ودبلوماسي كبير، ونجاحًا حقيقيًا للاتحاد الإفريقي في مغادرة موقع “المراقب السلبي” والتحول إلى شريك حقيقي في استعادة الأمن والسلام في السودان. عليه، فإن الأيام المقبلة ستكون حاسمة في تحديد طبيعة العلاقة بين السودان والاتحاد الإفريقي. وحال تحقق ذلك، ستكون الخرطوم قد قطعت شوطًا مهمًا نحو استعادة موقعها كدولة محورية في القارة الإفريقية.
إبراهيم شقلاوي

الأحد 1 يونيو 2025م. [email protected]

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الاتحاد الإفریقی

إقرأ أيضاً:

السفير عدوي: ماقدمته مصر للسودانيين لم يقدمه أحد ولن يقدمه غيرها

قال سفير السودان بجمهورية مصر العربية، عماد عدوي ، إن “ماقدمته جمهورية مصر العربية للسودانيين لم يقدمه أحد ولن يقدمه أحد غيرها”.

وأوضح عدوي في تصريحات صحفية اليوم (الأثنين) لدى حضوره وتشريفه مراسم وداع الرحلة الثانية من العائدين طواعية إلى السودان عبر القطار التي تسيرها منظومة الصناعات الدفاعية: “أبناء السودان قضوا فترة كبيرة في استضافة الشعب المصري عقب نزوحهم الى الشقيقة مصر بعد الهجوم البربري الذي شنته مليشيا الدعم السريع المتمردة والمرتزقة”.

وأكد على أن القوات المسلحة حرصت على الدفاع عن السودان إلى أن تحقق الاستقرار.

وأشار عدوي إن مبادرة العودة الطوعية استفادت من توجيهات كريمة لنائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية ، وزير الصناعة والنقل، الفريق كامل الوزير وجه بتذليل كل التحديات التي تواجه عودة أبناء السودان إلى وطنهم لإعادة إعماره.

بدوره أعرب سفير جمهورية مصر السابق بالسودان، حسام عيسي ، عن أمله في أن يكون تحرير ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار بداية لانتصارات جديدة للقوات المسلحة تؤدي الى تحقيق الاستقرار في كافة أرجاء السودان واستمرار لإستئناف العملية الانتقالية وصولاً الى السودان الذي نسعى إليه،

وأشار إلى أن هذه الرحلات تهدف بشكل أساسي إلى عودة السودانيين الراغبين في العودة إلى أماكن الكثافة السكانية في ولايتي الخرطوم والجزيرة مبينا إن زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني ، الفريق عبد الفتاح البرهان ، وزيارة رئيس الوزراء، كامل إدريس للخرطوم، بهدف الوقوف على عوامل الاستقرار أدت إلى تعزيز الثقة لدى أبناء الشعب السوداني بمصر للعودة إلى بلدهم.

من جانبها كشفت مدير إدارة المسوؤلية المجتمعية بمنظومة الصناعات الدفاعية ورئيس مشروع العودة الطوعية، أميمة عبد الله صالح، عن تسيير المنظومة لعدد 187 رحلة عبر الباصات في مشروع العودة الطوعية حتى الآن.

وقالت إن الرحلات عبر القطار تستهدف مابين 900 ألف سوداني والتي تتكقل بها منظومة الصناعات الدفاعية من القاهرة ووصولا إلى آخر محطات التجمع بالسودان.

وأثنت أميمة على حكومة جمهورية مصر العربية التي قدمت الدعم اللوجستي للعائدين واستقبال الشعب المصري للسودانيين طوال الفترة منذ بداية الحرب.

القاهرة – صباح موسى – نازك شمام
المحقق

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • السودان والاتحاد الإفريقي.. تطورات المشهد..!!
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: الرباعية الدولية .. صراع المصالح يبدد فرص الحل..!
  • العودة الطوعية… السودانيون يودعون ارض الكنانة
  • د. حسن محمد صالح يكتب: متلازمات ولزوميات
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: الفاشر تحتضر ..!
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: والحرب الحقيقية تبدأ الآن
  • ذعادل الباز يكتب: الرباعية في خبر كان… لماذا؟ (2/2)
  • ما هي الصدمة الثلاثية التي تعيق عودة السوريين إلى وطنهم؟
  • السفير عدوي: ماقدمته مصر للسودانيين لم يقدمه أحد ولن يقدمه غيرها
  • الاتحاد الإفريقي يحذر من تقسيم السودان ويرفض الاعتراف بالحكومة الموازية لـ”الدعم السريع”