ليس العيد محطة زمنية عابرة تُختزل في التهاني والذبائح، بل هو لحظة كونية تتجدد فيها معاني الطاعة، وتُختبر فيها نفوس المؤمنين عند مَذبح الفداء، حيث لم يكن الكبش إلا رمزًا لامتحان الإنسان في قدرته على التسليم، لا على الذبح وحده، فحين وقف خليل الله إبراهيم عليه السلام وفي يده سكين، وقلبه يرتجف بحب الله وإيمانه، والابن يسأله أن يُمضي أمره دون تردد، كانت التضحية هنا أعمق من الدم وأبعد من النحر.

ولقد خلد الإسلام هذه اللحظة وجعل منها موسمًا سنويًا يُذكّر البشرية بأن القربان الأكبر هو ما يُقدّمه الإنسان من نفسه لله، من صدق وإخلاص ونية ووفاء , وقد أرسى النبي صلى الله عليه وسلم ملامح هذا اليوم العظيم بتقاليد نبوية راسخة، حين قال: "أفضل الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القرّ" [رواه أبو داود]، وخرج بنفسه في جموع المؤمنين مكبرًا، ضاحكًا مستبشرًا، فكان يذبح وينحر، ثم يخطب في الناس ليعلّمهم معاني التقوى والتراحم والتكافل، لا مجرد مناسك العيد، وقال فيهم: "إن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا" [رواه البخاري ومسلم]، ليؤسس لفرحٍ نابعٍ من طاعة، لا من غفلة.
وعبر القرون، ظل عيد الأضحى أكثر من مجرد طقس، بل تحول إلى مرآة لحال الأمة؛ فحين تعلو القيم، يسمو العيد وتسمو النفوس، وحين يغلب الشكل على الجوهر، يصبح العيد لحظة ترف لا محطة تزكية. ومع ذلك، لا يزال العيد في وجدان الشعوب الإسلامية مساحة للدفء الإنساني، حيث تجتمع العائلات، وتُوزع الأضاحي على الفقراء، ويتجلى مبدأ "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" في أبهى صورة. 
ومن ملامح البهجة في سيرة العيد أن الصحابة كانوا يتبادلون الثياب ويتزينون، بل إن بعضهم كان يعيد ارتداء أفضل ثوبٍ عنده وإن كان قديمًا، لأن العيد في جوهره لا يُقاس بالجديد، بل بالمجيد، أي بما يعيد للروح بهجتها
وفي عيد الأضحى، نحن لا نُحيي ذكرى فداء فقط، بل نستعيد رمزية الاستسلام لله، ونستحضر سؤالًا عميقًا: ماذا نحن مستعدون لأن نُضحّي به من أهوائنا، أنانياتنا، غرورنا، من أجل أن نكون أقرب إلى الله وأنقى بين الناس؟  إن العيد ليس ما نلبس، بل ما نلبث عليه من خلق، وليس ما نذبح، بل ما نُبقي من إنسانيتنا بعد الذبح. وهكذا، يُولد العيد من قلب الإنسان، لا من صخب البيع والشراء، ويُختبر في سكينة الضمير، لا في ضجيج المناسبات. .إن أعظم أضحية اليوم، أن نذبح ما فينا من قسوة، وأن ننحر غفلتنا، لنعود أنقياء كما خرج النبي في صلاته، مكبرًا، ضاحكًا، يوزّع الرحمة قبل اللحم، والمحبة قبل الأضاحي.

طباعة شارك العيد خليل الله إبراهيم الإسلام

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: العيد خليل الله إبراهيم الإسلام

إقرأ أيضاً:

ما كفارة عدم القدرة على الوفاء بالنذر؟.. أمين الفتوى يجيب

أجاب الشيخ محمد كمال، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، على سؤال حبيبة من القليوبية، والتي سألت عن جديها الذي تملكه مع أخيها، وهل يجوز أن يكون الجدي نذرًا.

وأوضح أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال حوار مع الإعلامية زينب سعد الدين، ببرنامج "فتاوى الناس"، المذاع على قناة الناس، اليوم الخميس: "إذا نذرتِ لله تعالى أن تذبح هذا الجدي الصغير، فهذا جائز ويجزئ، لكن إذا نذرتِ أن تذبح بقرة أو جمل، فلا يجوز أن تنزل إلى أقل من ذلك مثل الجدي أو الماعز الصغير، بل يجب الوفاء بالنذر كما نذرتِه".

وأضاف الشيخ محمد كمال أن النذر عبادة شرعية مرتبطة بالوفاء، لكن الشريعة تعطي تسهيلات لمن لا يستطيع الوفاء به، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه"، وأوضح أنه إذا لم يستطع الشخص الوفاء بالنذر، فعليه كفارة النذر وهي إطعام عشرة مساكين، وإن لم يستطع إطعامهم يصوم ثلاثة أيام، وهذا الصوم بديل تتابعي للكفارة.

وشدد على أن النذر يجب أن يكون بصدق ووعي، ولا يُستحب أن يطلق الإنسان نذرًا على سبيل التهديد أو التمنّي، لأن الفقهاء وصفوا النذر بأنه "فعل البخيل"، أي أن الإنسان يطلب شيئًا مقابل شيء، وهذا غير محبذ.

وأكد الشيخ محمد كمال أن الأصل في الشكر أن يشكر الإنسان ربه بطرق مختلفة متاحة له، مثل الذبح أو الصيام أو الصدقة، ولا يلزم أن يقيد نفسه بالنذر حتى لا يوقع نفسه في مشكلة عدم القدرة على الوفاء.

وتابع: "لذا من الأفضل أن يكون الشكر لله بدون نذر، وأن يلتزم الإنسان بما يقدر عليه من طاعة وعبادة، لأن الله يحب العبد التقي الحكيم".

مقالات مشابهة

  • هل أعمال الإنسان قدر أم من اختياره؟.. أمين الإفتاء يجيب
  • لماذا تجب علينا المكابدة؟
  • حين يغـضب المنـتــقم
  • عندما يكون هناك «خداع بصري وتلوث صوتي»!
  • ما كفارة عدم القدرة على الوفاء بالنذر؟.. أمين الفتوى يجيب
  • أمين الإفتاء: 3 سور هي أنفع ما نقوله في التحصين الروحي من السحر
  • خالد الجندي: ليس من الصحيح تخويف الناس من الدين وتعقيد العبادة
  • السبر يوضح حكم من يتحدث في الناس بسوء داخل نفسه فقط .. فيديو
  • ما حكم من ينشر فضائح الناس على السوشيال ميديا.. الإفتاء تجيب
  • ماذا نفعل حتى لا نصاب بالسحر؟.. أمين الفتوى يجيب