ضابطة إيطالية تلهم العالم من دبي.. من مأساة على الطريق إلى منصة التكريم
تاريخ النشر: 8th, June 2025 GMT
دبي: «الخليج»
وسط حضور أمني رفيع المستوى من أكثر من 110 دولة، تصدرت الضابط أديل جيسو، نائب العمليات بشرطة الطريق في إيطاليا، المشهد في حفل تكريم الفائزين بجوائز القمة الشرطية العالمية لعام 2025، والذي أقيم في نادي ضباط شرطة دبي، نظير مسيرتها المُلهمة، وانتصارها على التحديات المختلفة، لتُحدث تأثيراً إيجابياً لافتاً في مجتمعها.
وعلى كرسيها المتحرك، اختلطت فيها الدموع بمشاعر الفرح والفخر والاعتزاز، تسلمت جيسو جائزة «التميز لأصحاب الهمم» وسط تصفيق الحضور الذي وقف احتراماً لامرأة حولت مأساتها لقصة إنسانية مُلهمة.
حصول جيسو على هذه الجائزة لم يكن مجرد تكريم فحسب، وإنما اعتراف دولي بشجاعة وإصرار امرأة، عملت 12 عاماً كمفتش في الشرطة، ثم 24 عاماً كمسؤول في الإدارة المدنية، واستطاعت تحويل التحديات إلى فرص، والمأساة إلى قصة أمل وإرادة، فكان إعلاناً جلياً بأن قوة العقل تنتصر على إعاقة الجسد، وأن الإنجاز الحقيقي لا يُقاس بالخطوات، بل بعمق الرسالة التي يتركها الإنسان أينما حل.حادث غير حياتها
تعود قصة جيسو إلى يوم 16 سبتمبر 1996، حين كانت برفقة زميلها في دورية شرطة تستجيب لبلاغٍ طارئ، ليقع الحادث المأساوي وتصطدم مركبتهما بحاجزٍ حديدي. ويُسفر الحادث عن إصابة جيسو بشللٍ نصفي دائم، في حين تعرّض زميلها لإصابة خطرة في الرأس. وكانت جيسو آنذاك تبلغ من العمر 29 عاماً، ومفعمةً بالحماس والطموح. ولكن غيّر هذا الحادث مجرى حياتها بشكل جذري وقاسٍ، على المستويين الشخصي والمهني.
تذكرت جيسو الواقعة قائلة: «لم يكن من السهل عليّ تقبّل حقيقة إصابتي، لم أستوعب بادئ الأمر أنني غير قادرة على ارتداء الزي العسكري مجدداً، هذا الزي الذي أعده جزءاً لا يتجزأ من هويتي وذاتي. كانت العودة إلى بيئة عملي بين زملائي، ومواصلة المهنة التي اخترتها عن قناعة وشغف، أمراً مؤلماً. عشت لحظات عصيبة حين أدركت أن استقلاليتي وقدرتي على توجيه مسار حياتي أصبحتا رهينتين للشعور بالضعف والاعتماد على الآخرين».
لم تُغلق الصفحة كما ظن البعض، بل فتحت جيسو فصلاً جديداً في حياتها، رفضت فيه الاستسلام لواقع الإعاقة. فبعد بضع سنوات من العلاج والتأهيل، عادت في عام 1999 إلى صفوف جهاز الشرطة، لتُبرهن على قوة الإرادة والتحدي، فما ظنه الكثيرون «نهاية الرحلة» كان في الواقع البداية لمسيرة جديدة مليئة بالإصرار والنجاح والعزيمة.
وقالت جيسو: «لم أختر الإصابة، لكني اخترت مواصلة الحياة. هذه حريتي الحقيقية، فرغبتي العميقة في الاستمرار والمساهمة الفاعلة في المجتمع، برغم الإعاقة، وشغفي بالمهنة التي أحببتها، دفعاني لاتخاذ قرارات جديدة لمرحلة فارقة، فحصلت على رخصة قيادة جديدة، وتمكنت من قيادة سيارة مجهّزة لتناسب احتياجاتي، والانتقال لعملي بكل استقلالية».
وأضافت: «أشعر بامتنان عميق لإدارتي وزملائي الذين كانوا سنداً حقيقياً لي، وعملوا على تهيئة بيئة عمل ملائمة، وتجهيز مكتبي ليتماشى مع الوضع الجديد، الأمر الذي منحني القوة لأستمر بثقة وتفاؤل».
انتقلت جيسو من العمل في الدوريات على الطرق السريعة إلى العمل في المجال التوعوي، ليمتد تأثيرها من الميدان إلى ترسيخ الثقافة التوعوية في الأجيال. لم تكتفِ جيسو بالعمل المكتبي بعد إصابتها، بل كرّست حياتها لنشر الوعي المروري، حاملةً على عاتقها رسالة السلامة ومسؤولية التثقيف. فجابت المدارس والجامعات الإيطالية، متحدّثة إلى الطلاب من واقع تجربتها، لغة التجربة الحيّة، محذرة إياهم من عواقب الإهمال أو التجاوزات، وداعية إياهم إلى احترام قوانين السير للحفاظ على سلامتهم وسلامة الآخرين.
وقالت جيسو: «الرسالة التي أحملها هي الإرادة والعزيمة، إن العجز الجسدي لا يلغي القدرة على إحداث تأثير في حياة المرء وحياة الآخرين». لم تتوقف إرادتها عند حدود التوعية المجتمعية، بل امتد عطاؤها إلى مجال التدريب المتخصص؛ فقدّمت دورات تعليمية لضباط الشرطة في مركز تدريب شرطة الولاية بمدينة تشيزينا، وساهمت في العديد من المبادرات التثقيفية المرورية، مثل مشروع «إيكارو» للتوعية المرورية. كما شاركت في مؤتمرات متخصصة تُعنى بسلامة أفراد الشرطة والمواطنين، مؤكدة من خلالها أن الإعاقة لم تمنعها من أن تكون صوتاً فاعلاً ومُلهماً في المجتمع.
وفي مرحلة فارقة أخرى بمسيرتها المهنية الجديدة، سمعت جيسو طرقاً خفيفاً على باب منزلها في بلدة «نييلا تانارو» الهادئة، قُبيل توجهها إلى إحدى المدارس لإلقاء محاضرة توعوية، لتفتح والدتها الباب وتجد أمامها وفداً من الشرطة يحمل صندوقاً أنيقاً، ملفوفاً بشريط أزرق يحمل شعار الشرطة الإيطالية. ابتسم أحد ضباط الوفد، وقال بلطف: «لدينا شيء يخصك...تأخّرنا قليلاً في إيصاله».
فتحت جيسو الصندوق، لتجد فيه زيها الرسمي – مرتباً بعناية، تتوسطه الرتبة التي نالتها قبل الحادث، وإلى جانبها نسخة محدثة تحمل اسمها الجديد كمُلهمة وطنية في مجال التوعية المدنية. لامست بيدها كتف الزي، كأنها تلامس جزءاً من ذاكرتها، ثم ابتسمت والدموع تملأ عينيها وقالت: «لم أطلبه... لكنه جاء تماماً عندما احتجت إليه».
في ذلك اليوم، لم تُلق جيسو محاضرتها بملابس مدنية كما اعتادت، بل ارتدت زيها الرسمي لأول مرة منذ سنوات، وخرجت من بيتها لا كضيفة شرف، بل كضابط عادت إلى الميدان برسالة من نوع آخر. لم تكن بحاجة لتقف كي تُحدث أثراً، بل كانت كلماتها تُسمع القلوب مباشرة. ومنذ ذلك اليوم، أصبحت تمثل الشرطة الإيطالية في المحافل التوعوية، تحمل رسالتها بزيّها الرسمي، وبقوة إرادتها التي لم تهزمها الإعاقة أبداً.
وحول تجربتها، قالت: «آمل أن تكون تجربتي مُلهمة للجميع، فأنا أؤمن إيماناً راسخاً بأن الحياة تمنح الإنسان دائماً فرصاً أخرى، وربما تكون فرصاً استثنائية، وأن هنالك دوماً إمكانية للعودة من جديد. بالنسبة لي، يكمن السر في رؤية المرء لحالته من منظور جديد، وأن يُعيد صياغة أهدافه بشكل يتناسب مع الظروف والمتغيرات، وبروح المبادرة والتفاؤل والأمل. بلا شك، دفعتني تجربتي إلى مواجهة الحياة والمضي قدماً نحو الأمام».
أشادت جيسو باهتمام القيادة العامة لشرطة دبي بفئة أصحاب الهمم، وأعربت عن امتنانها وشكرها للفريق عبدالله خليفة المري، القائد العام لشرطة دبي لتكريمها بجائزة التميز لأصحاب الهمم.
وقالت: أشكر شرطة دبي، ليس على هذا التكريم فقط، بل على الرسالة الإنسانية العميقة التي تحملها هذه اللحظة. لقد منحتموني شعوراً بأن الكرسي المتحرك ليس عائقاً أمام النجاح وتحقيق الإنجازات والفوز بالجوائز. هذا التقدير ليس لي وحدي، بل لكل من يواصل السير رغم الصعوبات، ولكل من يؤمن بأن الإرادة تتفوق على التحديات.
وأضافت: حصولي على هذه الجائزة هو دافع إضافي للاستمرار في مسيرتي، و خطوة نوعية ومهمة في طريق دمج أصحاب الهمم في العمل الشرطي. هذا التكريم يبعث رسالة واضحة إلى العالم بأن أصحاب الهمم يملكون طاقات وقدرات حقيقية تستحق الدعم والتقدير. وهو في جوهره دعوة لبناء مجتمع أكثر شموليةً وعدالة، يضمن تكافؤ الفرص للجميع دون استثناء.
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات شرطة دبي الإمارات دبي شرطة دبی ت جیسو
إقرأ أيضاً:
بعد حادث إطلاق النار في أستراليا.. زعماء العالم يدينون الإرهاب المعادي للسامية
رد قادة العالم على إطلاق النار المميت في شاطئ بوندي الشهير الذي استهدف احتفالًا يهوديًا، مما أسفر عن مقتل 11 شخصًا على الأقل. وقال الزعماء الأوروبيون إنه "لا مكان لمعاداة السامية في المجتمع"، بينما تعهدت السلطات الأسترالية بـ "القضاء على الكراهية" مع استمرار تحقيقات الشرطة.
تفاعل زعماء العالم مع حادث إطلاق النار المميت الذي وقع على شاطئ بوندي في أستراليا والذي أسفر عن مقتل 11 شخصًا على الأقل فيما تصفه الشرطة الآن بأنه "هجوم إرهابي استهدف الجالية اليهودية" تزامنًا مع عيد الحانوكا، أحد أهم الاحتفالات.
وتحقق الشرطة فيما تتعامل معه على أنه "هجوم إرهابي". وقد لقي أحد المسلحين حتفه، بينما يوجد مسلح آخر في حالة حرجة. وتقول السلطات إن 29 شخصاً آخر يتلقون العلاج الطبي بعد إطلاق النار. وأظهرت لقطات مصورة رجلين يحملان بنادق هجومية وهما يطلقان النار بشكل عشوائي على حشد من الناس.
وقال رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز للصحفيين إن إطلاق النار كان "هجومًا مستهدفًا ضد الأستراليين اليهود"، و"إرهابًا شريرًا معاديًا للسامية" وهجومًا "ضد أسلوب حياتنا" لن يمر دون عقاب. ولا يزال تحقيق الشرطة جاريًا.
وقال ألبانيز يوم الأحد: "لا مكان لهذه الكراهية والعنف والإرهاب في أمتنا".
وأضاف: "دعوني أوضح: سنقضي عليه. في خضم هذا الهجوم الدنيء ستظهر لحظة وحدة وطنية حيث سيحتضن الأستراليون في جميع المجالات زملاءهم الأستراليين من الديانة اليهودية في هذه اللحظة المظلمة لأمتنا."
رد فعل القادة الأوروبيين على إطلاق النار "المشينقال المستشار الألماني فريدريش ميرتس إن إطلاق النار تركه "عاجزًا عن الكلام" ودعا قادة العالم إلى وقف توسع "العنف المعادي للسامية".
وكتب على وسائل التواصل الاجتماعي يوم الأحد: "هذا هجوم ضد قيمنا المشتركة. يجب أن نضع حدًا لمعاداة السامية هذه - هنا في ألمانيا وحول العالم."
وعبّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن تعازيه قائلاً إن فرنسا تشارك "ألم الشعب الأسترالي" و"ستواصل الكفاح بلا هوادة ضد الكراهية المعادية للسامية التي تضر بنا جميعًا أينما وقعت".
ووصف رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الهجوم بـ "المؤلم للغاية"، وأشاد بالضحايا وعائلاتهم، وكتب في منشور على موقع X "علينا أن نكافح معًا انتشار معاداة السامية".
وحثت رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني على الحفاظ على "العزم الحازم على إنهاء كل أشكال العنف ومعاداة السامية"، بينما قالت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، إن الاتحاد الأوروبي "متحد ضد العنف والكراهية ومعاداة السامية".
كما وصف بعض القادة إطلاق النار بأنه دليل على الانتشار المتزايد لمعاداة السامية في أستراليا وخارجها.
وقال وزير الشؤون الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر إن الهجوم كان نتيجة "الهياج المعادي للسامية في شوارع أستراليا على مدى العامين الماضيين".
وحثت الرابطة اليهودية الأسترالية المواطنين على "الصلاة من أجل الجالية اليهودية الأسترالية" في بيان نُشر الأحد.
كان الاحتفال بعيد الحانوكا، وهو أحد أهم المناسبات في التقويم اليهودي، يقام على الشاطئ الشهير حيث حضر حوالي 1000 شخص للمشاركة فيه.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة