تشهد عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، منذ أيام أزمة خانقة في الغاز المنزلي وشُحّاً في المعروض تسبب بضغط كبير، حيث تصطف طوابير طويلة أمام محطات التعبئة للحصول على الغاز.
وانضمّت هذه الأزمة إلى قائمة طويلة من الأزمات الاقتصادية التي تُلقي بتبعات جسيمة على معيشة السكان. في السياق، يقول المواطن نبيل العولقي، من سكان عدن، لـ"العربي الجديد"، إن الغاز المنزلي اختفى فجأة من مراكز البيع والمحطات، وظهر بشكل شحيح في الأسواق بأسعار مضاعفة.
يُباع الغاز المنزلي في عدن عبر محطات تعبئة الوقود، حيث يصل سعر العبوة الواحدة إلى نحو 8 آلاف ريال، وهو سعرها الرسمي المحدد من قبل الجهات الحكومية المعنية، في حين يُفيد مواطنون بأن السعر في بعض المحطات زاد منذ يومين بواقع ألف ريال لسعر القنينة الواحدة ليبلغ 9 آلاف ريال، بينما يتجاوز السعر حاجز 10 آلاف ريال في السوق السوداء.
بحسب مواطنين تحدثوا لـ"العربي الجديد" فإنّ وقوفهم في الطوابير الطويلة يستمر لساعات قد تمتد بين 5 و10 ساعات للوصول إلى منفذ المحطة وتعبئة عبوة الغاز المنزلي. بعض المواطنين أفادوا أن المبلغ الذي دفعوه لتعبئة القنينة يصل إلى 8 آلاف ريال، بينما أكد آخرون أنهم دفعوا للحصول على الغاز نحو 9 آلاف ريال.
وفي الوقت الذي أكد فيه بعض مالكي محطات التعبئة أنّ السبب في ذلك يعود لشُحّ المعروض من الغاز المنزلي وتناقص الكميات التي يحصلون عليها، أرجعت الشركة اليمنية للغاز التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، سبب استمرار الأزمة التموينية في عدن إلى ضعف أداء الجهات المحلية المعنية، وعدم فاعلية الرقابة على التوزيع في السوق المحلي، وكذلك تعرُّض المقطورات لقطاعات متكررة في محافظتي شبوة وأبين، مما يؤثر على وصولها في الوقت المحدد، مشيرةً إلى أنها مستمرة في تموين عدن كغيرها من محافظات الجمهورية، بشكل يومي ومنتظم، من خلال ترحيل المقطورات إلى المحطات المركزية وكبار المستهلكين المعتمدين.
وأكدت في بيان صادر عنها، اطّلع عليه "العربي الجديد"، أنّها رفعت الكميات المخصصة لمدينة عدن من مادة الغاز المنزلي بنسبة 60% عن المعدلات السابقة، في إطار جهودها لضمان الاستقرار التمويني وتلبية الطلب المتزايد، موضحةً أنّ إجمالي ما تم ترحيله من منشأة صافر في مأرب إلى عدن خلال شهر مايو/ أيار الماضي بلغ 368 مقطورة غاز، فيما جرى ترحيل 98 مقطورة إضافية خلال الأسبوع الأول من شهر يونيو/ حزيران الجاري 2025.
يُؤكد وضاح أحمد، ناشط اجتماعي في مدينة عدن، لـ"العربي الجديد"، أن السبب في أزمة الغاز المنزلي يعود للفوضى الحاصلة في توزيع وتداول الكميات المخصصة لمدينة عدن، إضافة إلى المشاكل التي تحصل في الطرقات من حقول الإنتاج التابعة لشركة صافر الحكومية في مأرب إلى المدن التي تغطيها الشركة الحكومية، مشيراً إلى أهمية تدخل الحكومة في التخفيف من معاناة المواطنين ووضع حد لأزمة ترتبط بمعيشتهم بشكل مباشر قبل استفحالها وخروجها عن السيطرة، كما هو حاصل في أزمة الطاقة الكهربائية.
المحلل الاقتصادي ماجد الداعري، يتحدث لـ"العربي الجديد" أنّ على الحكومة، بعد عودة رئيسها المعيَّن حديثاً قبل أيام إلى عدن، العمل جدياً على حلّ الأزمات المتفشية بشكل واسع في مختلف الجوانب المرتبطة بمعيشة المواطنين، وفاقمت من معاناتهم إلى مستويات لم يعد باستطاعة الكثير تحمُّلها، مع وصول الأزمة للغاز المنزلي، في الوقت الذي تستمر أزمة الكهرباء بالتفاقم دون حلول جدية ملموسة.
ولفت إلى ضرورة مسارعة الحكومة إلى حلّ هذه الأزمات وإثبات وجودها في إدارة الملف الاقتصادي من خلال وقف نزيف العملة، والتحكم بالإيرادات العامة، والأهم تقديم الخدمات للمواطنين.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن عدن الغاز المنزلي اقتصاد أزمة الغاز المنزلی العربی الجدید آلاف ریال
إقرأ أيضاً:
اكتشافات غازية واعدة في الأردن فهل تصل للاكتفاء الذاتي؟
عمّان– يشهد قطاع الطاقة في الأردن تحوّلا إستراتيجيًا في ظل الجهود الرسمية الهادفة لتعزيز أمن الطاقة، حيث تعاني المملكة من عبء اقتصادي كبير بسبب قطاع الطاقة، إذ يستورد الأردن 76% من احتياجاته، مما يكلف الموازنة العامة نحو 8% من الناتج المحلي الإجمالي، بسبب ارتفاع أسعار النفط عالميا، مما يزيد من الضغط على الميزانية العامة للدولة.
ويعاني قطاع الطاقة في الأردن من تحديات مثل ارتفاع أسعار النفط والغاز، مما يسهم في صعوبة تحقيق الاستقرار في هذا القطاع.
وفي هذا السياق، برز حقل غاز الريشة كمصدر واعد يحمل في طياته إمكانات كبيرة قد تُحدث تحوّلًا نوعيًا في معادلة الطاقة الأردنية، فقد كشفت أعمال التنقيب والتطوير الأخيرة عن احتياطيات غازية واعدة تشير إلى إمكانية رفع مستوى الإنتاج المحلي بشكل ملموس، مما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الاكتفاء الذاتي والتنمية المستدامة.
تُعد منطقة الريشة، في محافظة المفرق شمالي شرق الأردن، وتحديدًا على الحدود مع العراق، واحدة من أبرز المناطق التي بدأت تكتسب اهتمامًا متزايدًا في قطاع الطاقة، لا سيما فيما يتعلق باحتياطاتها من الغاز الطبيعي. وشهد حقل غاز الريشة تطورات متباينة من حيث الإنتاج والاستكشاف، غير أن الأسابيع الأخيرة كشفت عن مؤشرات متقدمة تعزز من مكانته كمورد إستراتيجي للطاقة في الأردن والمنطقة.
يُعد حقل الريشة من أقدم الحقول الغازية في الأردن، إذ تم اكتشافه لأول مرة في العام 1986 بواسطة سلطة المصادر الطبيعية، وبدأ الإنتاج فيه عام 1989. وبحسب مصدر مسؤول في قطاع الطاقة للجزيرة نت، فإن الكميات المكتشفة في حقل الريشة تغطي احتياجات الأردن -في حال استخراجها- لمدة تصل إلى 80 عامًا.
وأكد المصدر -الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه- أن الكميات المكتشفة تُعتبر تجارية، وقد تم الوصول إليها بسواعد أردنية خالصة، وستساعد الأردن على الاعتماد على الذات في مجال الغاز الطبيعي.
إعلانوأظهر التوسع في الدراسات الجيولوجية واستخدام تقنيات حديثة في الحفر والاستكشاف -بحسب مراقبين- وجود مكامن غير مستغلة بعد، تُبشّر بإنتاج تجاري قابل للنمو. ولا تقتصر أهمية هذه الاكتشافات على بعدها الاقتصادي فحسب، بل تمتد لتشمل البعد البيئي والتنموي، إذ يساهم الغاز الطبيعي في تقليل الانبعاثات الكربونية ودعم التوجه نحو الطاقة النظيفة.
وأشارت ورقة سياسات صادرة عن منتدى الإستراتيجيات الأردني إلى أن تطوير حقل غاز الريشة يمكن أن يُحدث تحوّلًا اقتصاديًا كبيرًا، وبحلول عام 2030 من المتوقع أن يُلبّي الحقل أكثر من 60% من احتياجات الأردن من الغاز الطبيعي، مما قد يؤدي إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في قطاع الكهرباء وبعض الصناعات، وتقليص الاعتماد على واردات الطاقة.
وأشارت الورقة -التي اطلعت الجزيرة نت على تفاصيلها- إلى أن حقل الريشة يمتلك احتياطيات واعدة من الغاز الطبيعي، حيث تبلغ القدرة الإنتاجية الحالية نحو 62 مليون قدم مكعب يوميًا، يُباع منها ما يتراوح بين 16 و20 مليون قدم مكعب فقط.
وحول الخطط المستقبلية، فقد أكد منتدى الإستراتيجيات أنها تستهدف رفع القدرة الإنتاجية للغاز الطبيعي إلى نحو 418 مليون قدم مكعب يوميًا بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي يقارب 40% خلال الفترة 2025–2030. وبحسب الورقة، فإن تحقيق هذا الهدف سيمكّن الأردن من الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي في قطاع الكهرباء وبعض الصناعات.
كما لفت المنتدى إلى أن إدارة حقل غاز الريشة بكفاءة وفعالية يمكن أن تتحوّل إلى رافعة إستراتيجية تدعم الاقتصاد الوطني، من خلال تعزيز الصادرات ذات القيمة المضافة، وتوفير فرص عمل مستدامة، والمساهمة في تقليص العجز التجاري، علاوة على إسهامه في توليد إيرادات مالية إضافية لخزينة الدولة، تدعم تنفيذ الخطط التنموية وتوسيع القاعدة الإنتاجية.
إعلانوفقًا لتقديرات وزارة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية، يبلغ متوسط احتياطي الغاز في حقل الريشة نحو 11.99 تريليون قدم مكعب، مع إمكانية استخراج نحو 4.675 تريليونات قدم مكعب، وهو ما يمثل نحو 39% من الاحتياطي الكلي. وتتراوح تقديرات الاحتياطي القابل للاستخراج بين 2.835 تريليون قدم مكعب كحد أدنى و6.35 تريليونات قدم مكعب كحد أقصى.
تتضمن خطة تطوير حقل الريشة حفر 80 بئرًا خلال 3 سنوات، بتمويل حكومي جزئي يبلغ 87 مليون دينار أردني، على أن يتم تمويل الباقي من إيرادات الغاز. وقد أطلقت شركة البترول الوطنية مناقصة لتأهيل مقاولين لحفر هذه الآبار بنظام "تسليم المفتاح".
وكان وزير الطاقة والثروة المعدنية الأردني صالح الخرابشة قد بحث مع وزير البترول والثروة المعدنية المصري كريم بدوي ربط حقل الريشة الغازي شمال شرقي الأردن بخط الغاز العربي، من خلال خط بطول 300 كيلومتر. واتفق الجانبان على عقد لقاءات فنية بين وزارة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية وشركة البترول المصرية العامة، بهدف التعاون في مجال استكشاف النفط والغاز في المناطق المفتوحة بالأردن، والاستفادة من الخبرات المصرية في هذا المجال.
توضح النقاط التالية الأهمية الإستراتيجية والاستثمارية لحقل الريشة وتأثيراته المباشرة على الاقتصاد الأردني وقطاع الطاقة:
يسهم حقل الريشة في تقليل اعتماد الأردن على واردات الغاز، التي كانت تشكل أكثر من 90% من احتياجاته. يدعم الحقل أمن الطاقة الوطني من خلال توفير مصدر محلي ومستدام للغاز الطبيعي. يسهم في خفض فاتورة الاستيراد وتحسين الميزان التجاري. يوفر فرص عمل ويسهم في تنمية المناطق المحيطة بالحقل.بدوره، قال الخبير الاقتصادي حسام عايش إن مشكلة الأردن الاقتصادية تتمثل في عدم توفر النفط والغاز وقلة الثروات الطبيعية الأخرى، مشيرًا في حديثه للجزيرة نت إلى أن فاتورة الطاقة تزيد سنويًا عن 7 مليارات دولار، إذ يتم تأمين احتياجاتنا النفطية ومن الغاز الطبيعي من مصادر مختلفة.
إعلانوأشار إلى أن الوصول إلى الإنتاج التجاري للغاز الطبيعي من حقل الريشة أمر أكده وزير الطاقة شخصيًا، والتجارب في الأردن تشير إلى أن مثل هذه التقييمات لا تكون دقيقة بشكل نهائي. وأضاف مستدركًا أن هذه الاحتياطيات المستكشفة من الغاز الطبيعي يمكن الاستفادة منها بالاعتماد على الكلفة والأسعار العالمية، مما يعني تحولًا اقتصاديًا وماليًا مهمًا للأردن، من ناحية التوفير في فاتورة الطاقة من النفط والغاز، وتخفيض كلف توليد الكهرباء، وتأمين احتياجات القطاع الصناعي والقطاعات الأخرى من الغاز لغايات توفير التيار الكهربائي.
وشدد عايش على ضرورة اعتماد الأردن على مصادر آمنة للطاقة كغاز الريشة، معللا ذلك بما قام به الجانب الإسرائيلي مؤخرًا بخفض صادرات الغاز إلى مصر، وبالتالي من الممكن فعل الشيء ذاته مع الأردن. وعليه، فمن الضروري التأكيد على أن الإعلان عن هذه الاكتشافات للغاز الطبيعي من حقل الريشة سيدفع الحكومة أكثر للاعتماد على الذات، وصولًا إلى موازنات بدون عجز مالي، وتسديد المديونية تدريجيًا بعد ذلك، وتقليل الاقتراض الداخلي والخارجي، وكذلك ارتفاع الإنفاق الرأسمالي وصولا إلى معدلات نمو تتناسب واحتياجات الأردن التنموية.