كلما مر عيدٌ، تذكرناهم، ثم عدنا إلى فرحنا، وعادوا إلى ألمهم، عدنا إلى حياتنا، وعادوا إلى موتهم، عدنا إلى بيوتنا المكيفة، وعادوا إلى توابيتهم، لم يعد للكلمات معنى، ولم تعد اللغة تستوعب ما يجري فـي «غزة»، الموت يلاحق الفلسطينيين الجوعى حتى وهم يهرولون بحثا عن الطعام، يقتلهم الظمأ، والجوع، والأمراض، بينما نجلس على أريكة مريحة نشاهد موتهم، ودمارهم، على شاشات التلفاز، يتجرعون الوجع العظيم، بينما نتحسر على حالهم، ونرفع أيدينا إلى السماء كي تنقذهم، ولا نملك غير الدعاء، مشاهد دمار يومية، تفوق قدرة البشر على التحمّل، يقف حتى المجرم المتمرس فـي الإجرام عاجزا عن التعبير، بينما يتبجح الساسة عديمي الإنسانية بأن ذلك ما كان ليجري لولا هجوم السابع من أكتوبر.
لولا الولايات المتحدة لما استمرت الحرب فـي غزة، ولولا ذلك الدعم العسكري والمعنوي اللامتناهي الذي يتلقاه الصهاينة لما استطاع ذلك الكيان الاستمرار فـي حرب استنزاف طويلة، فمرة تلو مرة تلو مرة وقفت أمريكا بعصاها الغليظة فـي الأمم المتحدة، ضد كل قرار يدين مجرمي إسرائيل، مستخدمة «حق النقض» لإفشال القرارات التي تجرّم المجرم، وتنصف ـ ولو قليلا ـ الضحية، بل وتذهب إلى أبعد من ذلك حين تطالب بمكافأة المجرمين، وعدم معاقبتهم، كما حصل فـي قرار فرض بريطانيا ودول غربية أخرى عقوبات على وزيرين إسرائيليين من مجرمي الحرب، حين طالبت الولايات المتحدة تلك الدول بـ«إلغاء القرار والوقوف بجانب إسرائيل!»، فأي معايير أخلاقية وإنسانية هذه التي يتمتع بها الساسة الأمريكان، وأي تطرف هذا الذي يمكن أن يغذي ويدعم قتل الأطفال، والنساء تحت أي ظرف؟!!..وأي إنصاف يُنتظر لحل القضية الفلسطينية، من داعم منحاز بكل ما فـيه لكيان مغتصب إجرامي؟!!.
الغريب فـي الأمر أن الخطوات الجادة والعملية التي تدين الكيان الإسرائيلي، وتساند الفلسطينيين، سياسيا وشعبيا، تأتي من دول غير عربية، خاصة (أوروبية وأمريكية جنوبية)، بينما تقف الدول العربية متفرجة فـي الصف الخلفـي، ومكتفـية بالإدانات الكلامية، فالمظاهرات، والمساندات المعنوية، وحتى محاولة كسر الحصار عبر السفـينة «مادلين» جاءت من مواطنين غربيين، بينما ينتظر العرب فـي طوابير طويلة «إذن إسرائيل» لإدخال المساعدات إلى غزة، وبينما تضج الجامعات الغربية بأصوات الطلبة المنددين بالجرائم الإسرائيلية، رغم حملات القمع التي تقوم بها السلطات الأمنية هناك، تنام الجامعات العربية بهدوء، بل وتمنع سلطات بعض البلدان العربية أي نشاط مؤيد لفلسطين!. فهل نصدق الكلام أم الأفعال؟!.
إن القضية الفلسطينية تكاد تلفظ أنفساها الأخيرة، رغم بعض المحاولات الخجولة من دول غربية، للاعتراف بـ«دولة فلسطين»، ورغم الخطاب الملتوي والمطاطي الذي تصرّح به الولايات المتحدة، والذي لا يمكن الوثوق به على الأرض، فالدولة الفلسطينية تتقلص مساحتها كل يوم، وشروط قيامها وبقائها بيد عدوها، وما تصريح السفـير الأمريكي لدى «إسرائيل إلا موقف واضح لإدارة «ترامب»، فحين يصرح السفـير «هاكابي» أن «الولايات المتحدة لم تعد تسعى لتحقيق إقامة دولة فلسطينية مستقلة»، فهو يفكر بصوت عالٍ نيابة عن سياسة بلاده، ورغم محاولة الخارجية الأمريكية التنصل من التصريح، إلا أن الواقع يؤكده، ولا أدري لماذا لا يزال العرب يهرولون إلى البيت الأبيض طلبا لحل القضية الفلسطينية، وتحقيق أحلامهم التي يعلمون غالبا أنها لن تتحقق دون ضغوط حقيقية على الإدارة الأمريكية؟!!.. وهم يعرفون حق المعرفة أن «صديق عدوك، عدوك».
******
مر العيد على بلاد العرب، كضيف مرح، يحمل الهدايا، والبخور، والأكل، ولكنه مر على «غزة» حاملا توابيت الموت، وأكفان السلام.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
الولايات المتحدة تتأهب لإخلاء سفارتها في العراق
قال مسؤول أمني عراقي ومصدر أميركي، يوم الأربعاء إن السفارة الأميركية في بغداد تستعد لإخلاء منظَّم نظراً لتزايد المخاطر الأمنية في المنطقة، وفق ما أوردته وكالة "أسوشيتد برس".
ونقلت الوكالة عن مسؤول أميركي: "من المقرر أن تجري وزارة الخارجية إخلاءً منظماً للسفارة الأميركية في بغداد. الهدف هو القيام بذلك عبر الوسائل التجارية، لكن الجيش الأميركي مستعد للمساعدة في حال طلب منه ذلك".
وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مقابلة نُشِرت، يوم الأربعاء، إنه بات أقل ثقة تجاه موافقة إيران على وقف تخصيب اليورانيوم بموجب اتفاق مع واشنطن.
وهدد ترامب إيران مراراً بتوجيه ضربة عسكرية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق نووي جديد.
كان وزير الدفاع الإيراني، عزيز ناصر زاده، قال، في وقت سابق الأربعاء، إن طهران ستستهدف قواعد أميركية في المنطقة، إذا فشلت المحادثات النووية أو اندلع صراع مع واشنطن.
وقالت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة على مواقع التواصل الاجتماعي إن "التهديدات باستخدام القوة الساحقة لن تُغير الحقائق".
وكتبت البعثة الإيرانية: "إيران لا تسعى لامتلاك سلاح نووي، والعسكرة الأميركية لا تُؤدي إلا إلى زعزعة الاستقرار"، على مانقلت أسوشيتد برس.
وفي وقت سابق من يوم الأربعاء، أصدر مركز عمليات التجارة البحرية في المملكة المتحدة وتشرف عليه البحرية البريطانية، بيانًا تحذيريًا للسفن في المنطقة، مفاده أنه "أُبلغ بتزايد التوترات في المنطقة، مما قد يؤدي إلى تصعيد النشاط العسكري الذي يؤثر بشكل مباشر على البحارة".