في الخليج، حيث تتشابك الجغرافيا مع الجيوبوليتيكا، وحيث تتعانق مصالح النفط والأمن والعروش، لم تَعُد المؤشرات مجرد إشارات ضوئية في الأفق، بل باتت قرع طبولٍ حقيقية، تنذر بتحوّلٍ كبيرٍ في معادلات الردع والاستقرار الإقليمي.

المشهد يتكثّف: رقصة نارٍ على إيقاع الذهب الأسود، وخُطى ثقيلة تدب فوق رمالٍ متحركة، تحت سماء لا تُبشّر إلا ببرق الصواريخ.

تريليونات الخليج وقباب الأمن.. صدى الصفقات القديمة،

تريليونات الدولارات التي شُيّدت بها مدن المستقبل وقباب الأمن العالية، تقف اليوم كدرعٍ ذهبيّ لاقط، يلتقط كل ذبذبة قادمة من واشنطن أو تل أبيب أو طهران.

ما كان يُسمى «مظلّة حماية» تحوّل إلى قوس صواعق، لا يحتاج إلا لشرارة أو تغريده.

إرث الرئيس الأميركي دونالد ترامب في فترة رئاسته السابقة، بما حمله من صفقات كبرى وقبضات مرتجفة، لا يزال يفرض نفسه على جدول المنطقة. الرجل، الذي حوّل بيع السلاح إلى خطاب دبلوماسي، وضع الخليج في معادلة قاتلة: أمنٌ مقابل صفقة، واصطفافٌ مقابل وهم الحماية.

اليوم، بينما تستعد القوات الأميركية في العراق لتعليماتٍ طارئة، لا يبدو التحرك روتينيًا.

ترامب حذّر قواته بعبارات مباشرة: «كونوا على أهبة الاستعداد.. .!». تحذيرٌ خطيرٌ، يُقرأ كجزء من سيناريو مدروس: تهيئة، تصعيد، وربما ضربة محسوبة.

فمتى كان ترامب أو من خلفه يطلقون تحذيرًا عبثيًا.. .؟!

صاروخ في سماء تل أبيب.. وشرارة الجنون، وفي فجر مشحون بالترقب، تحققت نبوءة الانفجار.

صاروخٌ اخترق سماء تل أبيب مساء الخميس، ليُعلن أن مرحلة "ما بعد الردع" قد بدأت فعليًا. لم يكن مجرد أداة عسكرية، بل إعلانًا رمزيًا صاخبًا بأنَّ اللعبة تغيّرت.

ارتطم في وعي العواصم كلها، أكثر مما ارتطم بأي هدف مادي.

طهران لا تُخفي غضبها. تُطلق تهديدات موجهة، تشير إلى أن صواريخها "قد تُقلِع باتجاه مدن خليجية"، وأن دبي تحديدًا على رادار الرسائل النارية.

في مثل هذه اللحظات، تتحول المدن إلى رموز، والموانئ إلى خطوط تماس، وكل برجٍ زجاجي إلى هدفٍ افتراضي.

إسرائيل.. عازفة الإيقاع في رقصة الحرب، وفي الخلفية، تقف إسرائيل: تُحرّض، ثم تنتظر.

تدفع باتجاه معركة مفتوحة، لكنها تُريد لإيران أن تُطلق الرصاصة الأولى، كي تُبرّر تدخلاً أميركيًا مباشرًا.

المعادلة شديدة الوضوح: «دعوا إيران ترد، ونحن نتكفّل بالبقية».

إنها ليست حربًا بعد، لكنها ليست سلامًا أبدًا.

والمفاوضات المقبلة في مسقط ليست مفاوضات. إنها مناورة دبلوماسية، نصفها بنصوص ونصفها بذخيرة حيّة.

الهواء مشحون بأزيز الطائرات المسيّرة، والكراسي تهتزّ قبل أن يجلس عليها أحد.

(سايكس بيكو جديدة أم مثلث برمودا سياسي.؟

فهل نحن أمام لحظة «سايكس بيكو» جديدة تُرسم بمداد النفط والدخان، وإعادة تدوير الخرائط وفق مصالح اللاعبين الكبار؟

أم أنّ المنطقة تنزلق إلى «مثلث برمودا استراتيجي»، تختفي فيه الحقائق بين الإعلام، والضغوط، وصفقات الظل؟

ما يجري في الخليج لا يمكن اختزاله في صراع حدود أو رد فعل انتقامي.

نحن أمام محاولة لإعادة تشكيل موازين القوى في منطقة لم تَعُد فيها السيادة تقاس بالحدود، بل بقدرة الدولة على البقاء في لعبة المصالح العالمية دون أن تبتلعها نار الحلفاء قبل الأعداء.

العروش الجديدة.. .على حافة الذكاء الاصطناعي والحرب السيبرانية

الأنظمة التقليدية لم تعد تُبنى فقط على الولاء لراعي دولي.

هي اليوم مطالبة بإدارة ذكية لمشهد معقّد: اقتصاد متقلب، أمن سيبراني، وخطوط تماس متداخلة.

الضربة الاستباقية أصبحت جزءًا من قاموس السيادة، والتحالفات لم تعد مبنية على القيم، بل على توقيت المصالح.

المنطقة تقف اليوم لا على حافة الهاوية، بل على ظهر برميل نفط، تحته نار، وفوقه تحالفات مرتبكة، وحلفاء لا يثق بعضهم ببعض إلا حين تشتعل الحرب.. وأخيرا

لقد قُرعت طبول الحرب.. .لا لإرهاب الخصم فقط، بل أحيانًا لإعادة ضبط الإيقاع داخل المعسكر الواحد.

فهل نحن في بداية العاصفة، أم نهايتها؟

أم أن الشرق الأوسط كُتِب عليه أن يعيش في عواصف متقطعة، كأنها نوبات جنون مزمنة في جسدٍ سياسيٍ لا يشفى.. .!!

[email protected]

اقرأ أيضاًترامب: من المرجح جدًا أن توجه إسرائيل ضربة لـ إيران

ترامب: مغادرة الدبلوماسيين والعسكريين الأمريكيين من الشرق الأوسط بسبب «خطر محتمل»

ماسك: أشعر بالندم على بعض منشوراتي عن ترامب.. لقد تجاوزت الحدود

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: دونالد ترامب الرئيس الأميركي تل أبيب صاروخ الرئيس الأميركي دونالد ترامب

إقرأ أيضاً:

تململ وتحولات مفاجئة.. هل بدأ اليمين الأمريكي بمراجعة علاقته مع إسرائيل؟

في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، وتوالي الصور التي توثق المجاعة والدمار على وسائل التواصل الاجتماعي، بدأت مؤشرات التصدّع تظهر في الدعم التقليدي والثابت الذي لطالما قدّمه اليمين الأمريكي لإسرائيل. اعلان

يبدو أن مدة الحرب وكلفتها البشرية، إضافة إلى استهداف الجيش الإسرائيلي لأهداف مسيحية، تسببت في تعميق السخط داخل صفوف اليمين الأمريكي. فقد بدأ عدد من المعلقين المحافظين بالتراجع عن تأييدهم للحرب، فيما وجّه السفير الأمريكي انتقادات حادة للمستوطنين في الضفة الغربية، واصفًا بعض أفعالهم بأنها "إرهابية".

ورغم استمرار الدعم العسكري والدبلوماسي الأمريكي، إلاّ أن اللافت أن مارجوري تايلور غرين أصبحت أول عضو جمهوري تصف الحرب الإسرائيلية بأنها "إبادة جماعية"، في تحول مفاجئ داخل الحزب.

الرأي العام يتبدّل

يعكس هذا التململ أيضًا تغيّرًا في الرأي العام الأمريكي، فقد أظهر استطلاع أجرته شبكة CNN تراجعًا ملموسًا في تأييد الأمريكيين لإسرائيل منذ اندلاع الحرب.

صحيح أن التراجع كان أوضح بين الديمقراطيين والمستقلين، إلا أن نسبة الجمهوريين الذين يعتبرون أفعال إسرائيل مبررة انخفضت من 68% عام 2023 إلى 52%. ويُرجَّح أن صور المجاعة في غزة لعبت دورًا كبيرًا في هذا التحوّل.

وكانت الأمم المتحدة قد أفادت بوفاة 147 شخصًا جوعًا، بينهم 88 طفلًا، وبأن نحو ثلث السكان يعيشون بلا طعام.

Related ترامب يعلن تقليص مهلة الـ50 يومًا لبوتين للتوصل إلى اتفاق سلام في أوكرانيامحذرًا إيران من عودة نشاطها النووي.. ترامب: سنعمل على إنشاء مراكز غذاء في قطاع غزةمع تفاقم الكارثة في غزة.. تصاعد الانتقادات لنهج نتنياهو وترامب يدعوه لاعتماد مقاربة جديدة الغضب يصل إلى البيت الأبيض

في موقف لافت يوم الإثنين، ناقض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رواية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي تنكر وجود مجاعة في غزة، قائلًا للصحفيين: "إنها مجاعة حقيقية... أراها، ولا يمكنك تزييف ذلك. لذا، سنكون أكثر انخراطًا".

أما استهداف الجيش الإسرائيلي لكنيسة كاثوليكية في غزة، والذي أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة تسعة بينهم كاهن، فقد أثار غضبًا واسعًا لدى المحافظين. وتواصل ترامب مباشرة مع نتنياهو معربًا عن استيائه.

السفير الأمريكي في إسرائيل، مايك هاكابي، خلال جولة في موقع كنيسة تعرضت لهجمات من قبل مستوطنين إسرائيليين، في 19 يوليو 2025. Nasser Nasser/AP

وبعد أيام من القصف، زار السفير الأمريكي لدى إسرائيل مايك هاكابي، بلدة الطيبة الفلسطينية المسيحية في الضفة الغربية، عقب هجوم شنّه مستوطنون أشعلوا النيران قرب كنيسة أثرية. وفي بيان له، وصف هاكابي الهجوم بأنه "كارثي" و"عمل إرهابي"، داعيًا إلى محاسبة الفاعلين، لكنّه لم يحمّل الحكومة الإسرائيلية أو المستوطنين أي مسؤولية مباشرة.

اليمين الأمريكي يعيد حساباته؟

تعكس هذه المواقف المتسارعة تغيرًا أعمق، فقد اعتبر تود ديذريج، الشريك المؤسس لمنظمة "تيلوس" الأمريكية، أن بيان هاكابي كان "مفاجئًا" ويشير إلى "بعض التعقيد داخل حركة لم تعرف التعقيد من قبل".

من ناحيته، أعرب المعلّق اليميني الكاثوليكي مايكل نولز عن خيبة أمله من أداء الحكومة الإسرائيلية، قائلًا: "كنت داعمًا بشكل عام لدولة إسرائيل... لكنكم تخسرونني". وأضاف: "يجب أن تنتهي الحرب. إلى متى ستستمر؟ أمريكا هي الصديق الوحيد لإسرائيل، ولا أفهم ما تفعله الحكومة الإسرائيلية هنا".

كما رفض جو روغن، قدم بودكاست أمريكي معروف، والذي أيّد ترامب سابقًا، استضافة نتنياهو على برنامجه، بحسب ما أفاد به يائير نتنياهو، نجل رئيس الوزراء. كما نشر روس دوثات، كاتب الرأي المحافظ في "نيويورك تايمز"، مقالًا رأى فيه أن العملية العسكرية الإسرائيلية باتت "غير عادلة".

ورغم أن هذه التحوّلات لا تزال في بدايتها، إلا أن مؤشرات الشك والتململ بدأت تتغلغل في أوساط التيار المحافظ، وخصوصًا ضمن دوائر الشباب والنشطاء والموظفين السياسيين، وبدأت تتشكّل مساحة داخل أوساط اليمين الأمريكي لإعادة تقييم علاقة لطالما اعتُبرت ثابتة.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • ويتكوف يتوجّه إلى إسرائيل اليوم لمناقشة أزمة غزة ووقف إطلاق النار
  • ترامب يُمهل بوتين 12 يومًا لإنهاء الحرب .. فهل ترد روسيا العظمى بقصف واشنطن؟ مدفيديف: لسنا (إسرائيل أو إيران)
  • صحف عالمية: على بريطانيا معاقبة إسرائيل وحماس تقود حربا نفسية فعالة
  • تململ وتحولات مفاجئة.. هل بدأ اليمين الأمريكي بمراجعة علاقته مع إسرائيل؟
  • ميدفيديف يرد على”مهلة ترامب”: لسنا إيران أو إسرائيل
  • مدفيديف: على ترامب أن يتذكر أن لغة الإنذارات تمثل خطوة نحو الحرب
  • مدفيديف يحذر ترامب: روسيا ليست إسرائيل أو إيران ولغة الإنذارات تقود إلى الحرب
  • مدفيديف: على ترامب أن يتذكر أن لغة “الإنذارات” تمثل خطوة نحو الحرب
  • ميدفيديف لترامب: لسنا إسرائيل ولا إيران والإنذارات خطوة نحو حرب بيننا
  • مدفيديف يحذر ترامب: روسيا ليست إسرائيل أو إيران والإنذارات خطوة نحو الحرب