لجريدة عمان:
2025-08-07@19:26:13 GMT

القوى النووية والحروب التقليدية

تاريخ النشر: 7th, August 2025 GMT

شهد الشهران الماضيان تصاعدًا لافتًا في وتيرة الحروب التي شاركت فيها قوى نووية. في مايو، تبادلت الهند وباكستان نيران المدفعية والقذائف والصواريخ المجنحة والطائرات المسيرة، في أعنف جولة قتال بينهما منذ عام 1999. ثم في الأول من يونيو، نفذت أوكرانيا عملية سرية متقدمة، نشرت خلالها مسيّرات لاستهداف القاذفات التي قد تعتمد عليها روسيا في حال شنت ضربة نووية - وهو هجوم مباشر غير مسبوق على وسائل الردع النووي لأي دولة.

وفي 13 يونيو، شنت 200 طائرة إسرائيلية هجومًا مفاجئًا على منشآت نووية إيرانية وأهداف استراتيجية. وردت إيران بإطلاق مئات الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار باتجاه حيفا وتل أبيب ومنشآت عسكرية داخل العمق الإسرائيلي تمكنت من اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية والأمريكية، وهذا الرد مثّل أكبر هجوم عسكري على الإطلاق يستهدف أراضي قوة نووية.

تعد هذه الاشتباكات أحدث تجليات تصاعد الصراعات التي تنطوي على مخاطر حقيقية للتصعيد النووي. فالقوى غير النووية باتت تهاجم قوى نووية بطرق غير مسبوقة وعدوانية، فيما بدأت قوى نووية نفسها تتبادل الضربات بشكل مباشر - وهو ما يبعث على القلق بصورة أكبر.

تثير هذه التطورات مخاوف من نهاية التجميد الذي دام ثمانية عقود للحروب الواسعة بين القوى النووية. ورغم أن الوقت لا يزال مبكرًا للجزم بأن حربًا كبرى تلوح في الأفق، فإن مخاطر التصعيد النووي باتت مؤكدة. تعيد هذه الاشتباكات إلى الأذهان أخطر لحظات الحرب الباردة، ويرجح أن تتحول مثل هذه المواجهات إلى "الوضع الطبيعي الجديد"، بما يحمله من خطر دائم لانزلاق الأمور خارج السيطرة.

فشل الأسلحة النووية في ردع إيران عن إطلاق الصواريخ على إسرائيل، أو ردع أوكرانيا عن تنفيذ عمليات داخل الأراضي الروسية، يشير إلى أن حصول إيران على سلاح نووي لا يوفّر لها الحماية من هجمات مماثلة. كما يثير ذلك تساؤلات بشأن مدى قدرة الولايات المتحدة على الاتكال على ترسانتها النووية لردع هجمات محتملة من خصوم نوويين مثل الصين، وكوريا الشمالية، وروسيا.

يفرض هذا "الوضع الطبيعي الجديد" على السياسيين، والعسكريين، ورؤساء أجهزة الاستخبارات، والدبلوماسيين، اعتماد استراتيجيات مختلفة لاحتواء النزاعات قبل أن تتصاعد إلى أزمات خطيرة. ينبغي للمسؤولين المدنيين والعسكريين تعزيز التواصل مع الخصوم، وتكثيف إجراءات بناء الثقة، مثل الإخطار المسبق بالأنشطة العسكرية، وتنظيم حوارات رسمية منتظمة. كما يتوجب على الولايات المتحدة وحلفائها الحفاظ على قدرات عسكرية تتيح لهم صدّ الاعتداءات دون الانزلاق إلى دوائر التصعيد. وتنفيذ المزيد من العمليات "الحركية" - كالغارات الخاصة والضربات بالطائرات المسيّرة في أراضي الخصوم - بعيدًا عن الأضواء، حيث يكون التعامل مع التوترات أكثر مرونة مما هو عليه في العلن.

طوال ثمانية عقود، لم تقع حرب كبرى بين القوى النووية. صحيح أن القوى النووية خاضت حروبًا ضد خصوم غير نوويين - كما فعلت الولايات المتحدة في العراق عام 2003، كما واجهت القوات النووية هجمات من قوى غير نووية في ساحات بعيدة، مثل هجوم كوريا الشمالية على القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية عام 1950، أو هجوم الأرجنتين على القوات البريطانية في جزر فوكلاند عام 1982. لكن رغم هذه المواجهات، تفادى الأمريكيون، والبريطانيون، والفرنسيون، والصينيون، والسوفييت الانخراط في قتال مباشر ضد بعضهم البعض. نتيجةً لذلك، خلص عدد كبير من المحللين والعلماء وقادة الدول إلى أن احتمال اندلاع حرب نووية أو تقليدية بين القوى النووية احتمال ضعيف للغاية.

ومن المفارقات أن القوى النووية أنفقت على مدار الثمانين عامًا الماضية مبالغ هائلة على الاستعداد لحروب تقليدية، رغم أن ترساناتها النووية جعلت تلك الحروب غير مرجحة في الأصل.

ومع ذلك، لم تكن الأسلحة النووية رادعًا مطلقًا. فقد أظهر نموذج نظرية الألعاب الذي وضعه عالم السياسة روبرت باول أن احتمال اندلاع حرب تقليدية بين القوى النووية يرتبط بمستوى المخاطرة وتوازن العزم بين الخصوم. وواقع الأمر أن تلك القوى خاضت مرارًا مواجهات محدودة خلال الحرب الباردة.

كانت أعنف المواجهات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي قد وقعت في أجواء الصين وكوريا الشمالية أثناء الحرب الكورية، حيث خسر السوفييت 355 طائرة و120 طيارًا، رغم إنكارهم الرسمي للمشاركة في الحرب. كما شهدت أزمة الصواريخ الكوبية إسقاط طائرة تجسس أمريكية من طراز U-2 بنيران الدفاع الجوي السوفييتي، وألقت مدمّرة أمريكية قنابل أعماق على غواصة سوفييتية نووية، في حادث كاد يشعل مواجهة كارثية. وفي حرب فيتنام، أطلقت المدفعية الصينية المضادة للطائرات النار على الطائرات الأمريكية، واشتبكت طائرات صينية مع نظيراتها الأمريكية فوق المجال الجوي الصيني، ما أسفر عن مقتل أو إصابة نحو 5000 جندي صيني نتيجة القصف الأمريكي.

على مدار العقد الأخير، ازدادت مؤشرات احتمال اندلاع صراع مباشر بين قوى نووية كبرى. فقد خاضت روسيا والولايات المتحدة مواجهات غير مباشرة خلال الحرب الأهلية السورية، بعد دخول موسكو إلى الصراع في أكتوبر 2015. وفي فبراير 2018، اندلع اشتباك مباشر حين هاجمت قوات شبه عسكرية روسية ودبابات سورية مواقع تابعة لقوات العمليات الخاصة الأمريكية ومشاة البحرية. وأسفر الهجوم عن مقتل ما بين 200 و300 عنصر من القوات الروسية والسورية، في أكبر مواجهة برية حتى الآن بين قوة نووية والولايات المتحدة.

أما الحرب في أوكرانيا فقد كشفت بوضوح عن حدود فعالية الردع النووي. ففي مارس 2023، أسقطت طائرة روسية طائرة استطلاع أمريكية بدون طيار فوق البحر الأسود، فيما ساهمت الصواريخ والمعلومات الاستخباراتية التي قدّمتها واشنطن في تمكين أوكرانيا من تنفيذ ضربات فعالة ضد القوات الروسية.

تكررت هجمات أوكرانيا داخل الأراضي الروسية، بما في ذلك ضرب موسكو ومنشآت نفطية. وفي عام 2024، استهدفت طائرة أوكرانية بدون طيار منشأة رادار روسية تُعد جزءًا من منظومة الإنذار المبكر للصواريخ النووية. وأثار هذا الهجوم مخاوف لدى بعض المحللين من أن تعتبره موسكو عملًا غير مباشر من الولايات المتحدة بهدف إضعاف قدرتها على الردع الاستراتيجي.

وفي الأول من يونيو، نفذت أوكرانيا هجومًا بطائرات بدون طيار أدى إلى إتلاف أو تدمير نحو 30 قاذفة وطائرة قيادة وسيطرة جوية، بما في ذلك طائرات قادرة على إطلاق صواريخ كروز، داخل العمق الروسي. ورغم تهديدات الرئيس فلاديمير بوتين المتكررة، إلا أن ترسانة روسيا النووية لم تمنع أوكرانيا من ضرب أهداف داخل أراضيها، بما في ذلك منشآت حيوية لأنظمة الإنذار المبكر والقاذفات الاستراتيجية.

ومن ناحية أخرى، فشلت الترسانة النووية الإسرائيلية في ردع التصعيد في الشرق الأوسط. خلال العامين السابقين لاندلاع الحرب مجددًا بين إيران وإسرائيل في يونيو، أطلق كل من حزب الله، الحليف الإيراني في لبنان، وأنصار الله "الحوثيين" في اليمن، طائرات مسيّرة وصواريخ باتجاه إسرائيل، ردًا على العمليات العسكرية في غزة. وفي أبريل وأكتوبر 2024، أطلقت إيران وحزب الله مئات الصواريخ على وسط إسرائيل.

عقب الهجوم الإسرائيلي المفاجئ على إيران في يونيو، والذي أسفر عن مقتل قيادات عسكرية وعلماء بارزين، وتدمير أو إتلاف منشآت نووية ومقار عسكرية ومنصات إطلاق صواريخ باليستية، شنت إيران هجومًا صاروخيًا واسعًا استهدف تل أبيب ومدنًا أخرى. ومع تصعيد الرد الإسرائيلي بقصف البنية التحتية الإيرانية للنفط والغاز، أطلقت إيران بدورها مئات الصواريخ الباليستية الإضافية على المدن الإسرائيلية، متسببة في مقتل ما لا يقل عن 400 مدني.

ورغم أن إيران امتنعت عن مزيد من الضربات خشية التصعيد النووي، فإن الهجوم الصاروخي العنيف شكل سابقة خطيرة: إذ كانت هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها مدن تابعة لقوة نووية لهجوم بهذا الحجم. وقد فاقم الوضع تهديدات إسرائيلية بالسعي لتغيير النظام في طهران، وتوجيه الولايات المتحدة ضربات مباشرة لمواقع نووية إيرانية، مما زاد من احتمالات التصعيد. ولم توافق إيران على وقف إطلاق النار إلا بعد تدخل عسكري أمريكي، وامتناع واشنطن عن الرد على ضربة إيرانية معلنة استهدفت قاعدة أمريكية.

تتصاعد احتمالات التصعيد بين الهند وباكستان. ففي عام 2019، شنّت الهند غارة جوية على شمال غرب باكستان ردًا على هجوم في كشمير. وفي مايو الماضي، تكرّر السيناريو بغارات هندية أعقبها تبادل للضربات، شمل قصفًا صاروخيًا على قاعدة جوية باكستانية قرب مركز قيادة رفيع. وامتدت الاشتباكات لأربعة أيام، في تصعيد غير مسبوق منذ عام 1971. استخدمت الهند أسلحة متنوعة بينها صواريخ كروز وطائرات مسيّرة، وتمكّنت من اختراق الدفاعات الباكستانية، رغم إسقاط بعض طائراتها.

رغم أن المواجهات بين القوى النووية اقتصرت حتى الآن على اشتباكات محدودة، فإن تصاعد وتيرتها خلال العقد الأخير يرفع خطر انزلاقها إلى حرب أوسع. كل ضربة تطال إسرائيل أو باكستان أو روسيا تُقرب احتمال التصعيد، وقد تدفع القوى النووية لإرسال إشارات أعنف لتأكيد الردع. وحتى دون نية مسبقة للحرب، قد تُفضي ديناميكيات الأزمات المتسارعة إلى تصعيد يصعب احتواؤه. ويُفاقم هذا الخطر تصاعد الخطاب القومي، وتوسع استخدام المسيّرات، وتشابك البنى التحتية النووية والتقليدية، مما يجعل أي صراع بين هذه القوى يحمل بذور الانفجار النووي.

للحد من هذه المخاطر، على القادة تحسين قنوات الاتصال أثناء الأزمات، لا سيما بين الهند وباكستان، وبين الصين والولايات المتحدة. ويمكن للحكومات تعزيز إجراءات الأمان من خلال إخطار الخصوم مسبقًا بالأنشطة العسكرية، وتفعيل الحوارات المنتظمة بين المسؤولين، وتعزيز فهم كل طرف للخطوط الحمراء للطرف الآخر. على سبيل المثال، أدارت دول الخليج محادثات سرية بين الهند وباكستان ساعدت في تخفيف التوتر قبيل الأزمة التالية. ورغم أن هذه اللقاءات لا تهدف إلى تحقيق اختراقات فورية، فإنها تساهم في خفض حدة التصعيد واستكشاف سبل مشتركة لتجنب الصدام، دون الوقوع تحت ضغط الرأي العام المحلي.

كما ينبغي للولايات المتحدة وحلفائها الحفاظ على مجموعة متنوعة من القدرات العسكرية – تشمل الطائرات المسيّرة، وقوات العمليات الخاصة، وأنظمة الدفاع الصاروخي، وأسلحة الضربات بعيدة المدى – بما يمكّنهم من الرد على الاستفزازات التقليدية دون اللجوء إلى مستويات أعلى من القوة. فامتلاك خيارات عسكرية محسوبة يمنح واشنطن وشركاءها مرونة للتحرك ضمن هامش يسمح بإدارة خطر التصعيد بدرجة معقولة.

وأخيرًا، يجدر بالقادة التفكير في تبنّي نهج أكثر تكتمًا، إذ تتيح الإشارات السرية – سواء عبر عمليات غير معلنة أو قنوات دبلوماسية هادئة – تقديم تنازلات دون ضغط جماهيري، كما أشار الباحثان كارسون ويارحي-ميلو. وربما آن أوان العودة إلى تقاليد الحرب الباردة، حين كانت الأزمات تُدار في الظل.

انتهى الصراع الأخير بين إيران وإسرائيل بوقف إطلاق نار ساعدت عليه الدبلوماسية الهادئة وقرار واشنطن بعدم الرد على الضربة الإيرانية لقاعدتها. وأسهمت الضربات الدقيقة ضد شبكة القيادة الصاروخية الإيرانية والدفاعات الجوية الإسرائيلية في تحجيم خيارات طهران، حتى قبل تدمير مواقعها النووية المحصنة. في ظل تراجع فاعلية الردع النووي، تزداد الحاجة إلى خطوات تهدئة محسوبة. فكل اشتباك حدودي أو ضربة مسيرة قد تشعل فتيل أزمة كبرى. وإذا كانت المواجهات الأخيرة لم تتحول إلى حروب شاملة، فلا ضمان أن القادم سيكون كذلك.

•كارتر مالكاسيان مؤرخ أمريكي ورئيس قسم تحليل الدفاع في كلية الدراسات العليا البحرية، ومستشار سابق للقادة العسكريين الأمريكيين في أفغانستان.

•زاكاري كونستانتينو محلل لشؤون جنوب آسيا، وشغل منصب مستشار أول في وزارتي الخارجية والدفاع.

•نشر المقال في Foreign Affairs

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بین القوى النوویة الولایات المتحدة الهند وباکستان بدون طیار تصاعد ا رغم أن هجوم ا

إقرأ أيضاً:

ترامب يصرخ من سطح البيت الأبيض: صواريخ نووية (شاهد)

أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موجة تفاعل واسعة بعد ظهوره في مقطع فيديو طريف على سطح البيت الأبيض، خلال جولة تفقدية لموقع بناء قاعة احتفالات جديدة.

الفيديو، أظهر ترامب يجيب من أعلى السطح على أسئلة الصحفيين الواقفين أدناه، بتعليق ساخر قال فيه: "صواريخ نووية... صواريخ نووية!"، ملوّحًا بيديه في إشارة إلى عملية إطلاق.

ووثّقت وسائل إعلام، سؤال صحفي لترامب عمّا يعتزم بناؤه، ليرد ضاحكًا بتصريحه المثير "صواريخ نووية، صواريخ نووية".

وأضاف ترامب "سأقوم بنزهة قصيرة، إنها مفيدة للصحة!"، في إشارة إلى جولته غير المعتادة فوق مبنى القاعة الصحفية.


وكان الرئيس الأمريكي يتفقد الموقع الذي يُتوقع أن يحتضن قاعة احتفالات جديدة بتكلفة تقارب 200 مليون دولار، على أن تبدأ أعمال البناء رسميًا في سبتمبر المقبل.

ويأتي ظهوره هذا بعد أيام فقط من تصريحات مثيرة للجدل أعلن فيها تحريك غواصتين نوويتين ردًا على تهديدات روسية.

Q: Sir, what are you trying to build?

TRUMP: Missiles. Nuclear missiles pic.twitter.com/1Iz8yyGkyY

— Aaron Rupar (@atrupar) August 5, 2025

“Have you seen the Sydney Sweeney ad?”????️ pic.twitter.com/oRCKPh9Fwp

— The White House (@WhiteHouse) August 6, 2025

مقالات مشابهة

  • إيران تكشف تلقي رسائل أمريكية وتضع شرطًا لـ "إستئناف المفاوضات"
  • ترامب: «إذا حاولت إيران استعادة قدرتها النووية فأمريكا ستعود»
  • تقرير يكشف تطوير دول رؤوس نووية جديدة.. ما عليك معرفته
  • إيران تنفي الادعاءات الغربية بشأن تزويد روسيا بالأسلحة
  • ترامب يصرخ من سطح البيت الأبيض: صواريخ نووية (شاهد)
  • جوتيريش يدعو للقضاء على خطر الأسلحة النووية في الذكرى 80 لقصف هيروشيما
  • طريقة عمل ملبن حبل .. الحلوى التقليدية لمولد النبي
  • طهران تتهم واشنطن بنسف المفاوضات النووية
  • الغارديان: الهجمات الأمريكية على إيران أتت بنتائج عكسية مروعة