اللاجئ ليس رقمًا.. بل قصّة لم يسمعها أحد
تاريخ النشر: 17th, June 2025 GMT
ريتّا دار **
لا أعرف اسمه.. كان يمشي في نفس الشّارع الذي أعبره يوميًّا، يحمل كيسًا بلاستيكيًّا صغيرًا، ويرتدي معطفًا يبدو أوسع من عمره. طفلٌ لاجئٌ، قد لا يتجاوز العاشرة، عيناه لا تنظران إلى العابرين؛ بل إلى الرّصيف، وكأنّه يعتذر، وكأنّ لخطواته أن تُزعج المدينة.
اللاجئون ليسوا نشرة أخبار، ولا مؤتمرات تُعقد كل عامٍ باسمهم.
نحن في العالم العربي نكبر ونحن نعرف كلمة "لاجئ". نربطها غالبًا بالفلسطينيّ، ثمّ السّوريّ، ثمّ اليمنيّ، ثم السّودانيّ، وكأنّها هويّة تنتقل من بلدٍ لآخر، من جيلٍ لآخر. لكنّ ما لا ننتبه إليه، هو أنّ هذه الكلمة تحمل في طيّاتها آلاف التّفاصيل الّتي لا تُقال.
اللاجئ ليس فقط من خسر بيته؛ بل من خسر مكانه في الحياة. اللاجئ لا يحتاج فقط لبطانية في الشّتاء، وإنما يحتاج لمن يسأله: "كيف حالك؟" دون أن يُشعره بأنّه عالة. اللاجئ لا يُريد أن يكون مادة إعلانيّة في حملات التبرّع، بل صوتًا مسموعًا في المجالس الّتي تقرّر مصيره.
أتذكّر صديقة فلسطينيّة، كانت تقول لي: "أنا لاجئة، وعمّالين يناقشوا وضعي بمجلس الأمن، بس ما حد سألني أنا إيش بدّي". ضحكتْ حينها، لكنّها كانت تضحك من مرارةٍ عمرها ثلاثة أجيال. لم تختر أن تولد في خيمة. لم تختر أن تكون جنسيّتها ورقةً مؤقّتةً أو حلمًا مستحيلًا.
كم من طفلٍ لاجئ يحمل كتابًا لا يعرف كيف يقرأه؟ كم من فتاة لاجئة تفوّقت ولم تجد من يفتح لها باب الجامعة؟ وكم من أمّ لاجئة تمضي لياليها وهي تحاول أن تُقنع أبناءها أن الحرب انتهت، رغم أنّها لم تنتهِ بداخلها بعد؟
أصعب ما في اللجوء ليس الجوع، بل الشعور بأنّك غير مرئيّ. أن تُعامل كأنك عابرٌ غير مرغوبٍ فيه. أن تُختزل في ملفّ أو تُقيَّم بمساعدات تُوزع بلامبالاة.
لكن مع كلّ هذا، يظلّ اللاجئ رمزًا للقوّة. لأنّه ببساطة.. نجا.
نجا من القصف، من الغرق، من المخيّم، من الخذلان، من العزلة، ومن الموت.
لكنّه لم ينجُ من الظّلم.
اللاجئ ليس حالةً استثنائيةً، بل نتيجةً من نتائج هذا العالم غير العادل. والمؤلم أنّنا نحن العرب، بتنا نعتاد صور اللجوء كأنّها مشاهد متكرّرة لا تثير شيئًا فينا. نمرّ على المخيّمات في نشرات الأخبار وكأنّها ديكور، ونتجاهل أنّ بداخلها أرواحًا تشبهنا، بل ربّما تتفوّق علينا صبرًا وإيمانًا.
نحتاج أن نُعيد تعريف اللاجئ في وعينا. هو ليس غريبًا، ولا دخيلًا، ولا شخصًا بلا مستقبل، بل إنسانٌ نازحٌ، فقد طريقه، ويحتاج فرصةً جديدةً، لا شفقةً جديدة.
الكرامة لا تُمنح بالمساعدات، بل بالاحترام. والأمل لا يُزرع بوعود لا تتحقّق، بل بسياسات تفتح الأبواب أمام من يستحقّ الحياة.
أنا لا أعرف اسم ذلك الطّفل الّذي مرّ بجانبي.. لكنّي متأكّدة أنّ له اسمًا، وحكايةً، وحلمًا بسيطًا: أن يعود يومًا إلى بيته، أو على الأقلّ، إلى مكانٍ يشعر فيه أنّه ليس ضيفًا ثقيلًا في هذا العالم.
** صحفية سورية
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
النصيحة والتوجيه.. الإفتاء توضح أساليب الإصلاح في الحياة الزوجية
كشفت دار الإفتاء المصرية عبر صفحتها الرسمية على فيس بوك عن أساليب الإصلاح في الحياة الزوجية.
وقالت إن من أساليب الإصلاح في الحياة الزوجية: الإحسان للطرف الآخر، ولو كان كثير التقصير، فالإحسان يأسر القلوب ويغير النفوس.
النصيحة والتوجيه بين الزوجين
وقالت دار الإفتاء المصرية إن النصيحة تُعدُّ من أفضل وسائل الإرشاد والتوجيه بين الزوجين نحو ما ينبغي فعله من أحد الطرفين تجاه الآخر، خاصةً أن الحياة الزوجية لا تخلو من التعرض للمواقف والهزات المهددة لاستقرار بناء هذه الحياة ذات الميثاق الغليظ وتكامل أدوار ومسئوليات أفرادها، سواء كان ذلك نتيجة فتور التواصل والتفاعل بين الزوجين، أو قصور الأداء للأدوار والمسئوليات، أو عدم تشبع الاحتياجات بصورة ملائمة لهما.
وأوضحت أن النصيحة كلمة جامعة يعبر من خلالها عن حسن القصد وإرادة الخير من عمل أو قول، وهي تستمد مشروعيتها في خصوص الزوجين والعلاقات الأسرية إلى عموم الأدلة الشرعيَّة الواردة في الحث على بذل النصيحة وإرشاد العامة بمصالحهم في دنياهم وآخرتهم؛ حيث جعلها النبي صلى الله عليه وسلم من أعمدة الدين في قوله الكريم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قلنا: لمن؟ قال: «للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِم» "صحيح مسلم".
كما وردت الإشارة إلى استخدام النصح في خصوص الحياة الزوجية علاجًا عند وقوع النشوز من الزوجة في قوله تعالى: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ﴾ [النساء: 34]، والنشوز: مخالفة شرعية واجتماعية، وفي هذه الآية الكريمة أرشد الله تعالى إلى ضرورة أن يتعامل الزوج مع زوجته بالنصيحة والوعظ ولين الكلام، وتذكيرها بالله وحقه الذي طلبه الله منها، بشرط ألا يخرج إلى حدّ الإضرار بها بدنيًّا أو نفسيًّا.
إن حاجة الزوجين لوجود النصيحة بينهما وحسن تلقي الطرف المنصوح من الطرف الناصح لشديدة؛ فهي ضرورة حياتية، تقتضيها مسئولية كل واحد منهما في الأسرة؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «الرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ» "متفقٌ عليه"، بالإضافة إلى أن ذلك يدور مع مقاصد الحياة الزوجية بطبيعتها الخاصة التي ينبغي أن يراعى في بنائها توفر السكن والمودة والرحمة؛ بحيث تكون المرأة سكنًا للرجل ويكون الرجل سكنًا للمرأة.
وينبغي أن يراعى في الأخذ بمبدأ النصيحة ضوابط عدة وآداب متنوعة؛ حتى يمكن الاستفادة من مقاصدها خاصة في داخل الحياة بين الزوجين، وإلا كانت موردًا من موارد الخلافات والمشكلات بين الزوجين، وتدور هذه الضوابط حول المحافظة على كرامة الطرف المنصوح ومنع الطرف الناصح من الاستعلاء والتعسف في استعمال الحق؛ ومن ذلك: ضرورة مراعاة عدم إسداء النصيحة أمام الآخرين ما أمكن، مع التماس العذر، وكذا البُعد عن العتاب الدائم سواء بالتصريح أو التلميح، بالإضافة إلى استخدام أسلوب التحفيز والتشجيع والحب والاحتواء والصبر والرحمة لا التعالي والسيطرة والانتقاص؛ امتثالًا للحكمة السامية الواردة في قول السيدة أمُّ الدرداء رضى الله عنها: "من وعظ أخاه سرًّا فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه". "شعب الإيمان" للبيهقي.
وعلى هذا النحو تصبح النصيحة داخل الأسرة لغة التوجيه والتشاور والتواصل بين أفرادها والتي يتمكن من خلالها كلّ منهم من نقل أفكاره ومشاعره واهتماماته وهمومه ورغباته إلى الأطراف الأخرى من أجل تحقيق التوافق المطلوب بين تلك الأفراد بما يجعلهم سعداء في حياتهم الأسرية.
فالنصيحة تُعد علاجًا ناجعًا للتصدي للتحديات والمشكلات التي تقابل الأسرة في مسيرتها نحو الاستقرار، وقبل حدوث شيء من هذا القبيل هي أيضًا من الإجراءات الوقائية المبكرة التي تحفظ كيان الأسرة من ديمومة الخلافات والتخاصم، خاصة إذا ما روعيت شروطها وآدابها الأخلاقية التي تحفظ على الزوجين خاصة جو الحب والمودة بينهما.
وبذلك فالنصيحة بين الزوجين هي أهم وسائل التواصل الأسري وعوامل استقرارها وتماسكها؛ لكونها مظهرًا صادقًا لمدى اهتمام كل طرف بشئون الآخر وأحواله ودخوله ضمن أولوياته ورعايته الخاصة، فضلًا عن دخولها في الإجراءات الوقائية والعلاجات الناجعة لمشكلات العلاقة الزوجية التي هي شديدة الاتصال والخصوصية كشأن الملابس المحيطة بجسد الإنسان والملازمة له؛ كما في قوله تعالى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ [سورة البقرة: 187].