صلاة القلق.. رواية اللسان المقطوع
تاريخ النشر: 17th, June 2025 GMT
كنتُ قلقًا وأنا أهمّ بقراءة صلاة القلق للروائي محمد سمير ندا؛ بسببٍ من كبر حجمها أوّلا، وبسببٍ من فوْزها بجائزة البوكر العربيّة التي لا أثق كثيرًا في مُخرجاتها، وبسببٍ من العنوان الشعريّ الذي قد يُخفي عطالة سرديّة. ولكنّ أغلب ظنوني قد تبدّدت وتهاوت وأنا أشرع في قراءة رواية لها ماءٌ وسمتٌ، وفيها اجتهادٌ وقلقٌ.
إضافةً إلى هذه الشخصيّات؛ هنالك شخصيّتان نسائيّتان غاويتان مغويتان، إحداهما وداد المحيية المميتة، القابلة ومغسّلة الموتى، المرتبطة بالموت والحياة، المتّهمة بالسحر والشعوذة، المنهية حياة المواليد الذين يمكن أن يواجهوا صعابًا في حياتهم، وهي حامية وحاضنة الشخصيّة الأنثوية، الفاتنة المفتنة الثانية. وشواهي التي يشتهيها كلّ أهل النجع، مَن عمر قلبه بالإيمان ورابَط في المسجد، ومَن عاقر الخمر لا يفارقها، وهي شخصيّة تكاد تكون حاضرة في كلّ فصلٍ من فصول الرواية، كأنّها الواصل الرابط بين متفرِّق الشخصيّات، وهي أيضًا الناجية من المسخ، ومن التحوّل إلى رأس سلحفاة، صحبة شخصيّة أرجأتُ الحديث عنها إلى آخر المقال، كما فعل صاحب الرواية؛ إذ خصّص لها فصلاً أخيرًا كاشفًا ما تخفّى وما ظهر. هي شخصيّة حكيم الولد الأبكم، مقطوع اللّسان نُطقًا، ممدود اللّسان كتابةً.
ولي عمومًا في هذه الرواية ملاحظتان من محاسنها، ومثلها من معايبها؛ فأمّا المحاسن فيمثل أوّلها في تخيّر خطّة سرديّة قائمة على التنويع والمفاجأة، والعمل على تعديد الأصوات الراوية، واللّعب بتوقّع القارئ؛ إذ تهزّ خواتم الرواية مبادئها، فلا هدْأة، ولا يقين، ولا ثبات، وتبقى الأسئلة قائمة، هل هي حالةٌ من الجذام التي أصابت سكّان القرية، أو هو نجعٌ حقيقيّ ورواية الراوي الشخصيّة هي حكاية النجع الحقّ. ناهيك أنّ الطبيب رافع التقرير النهائيّ هو ابن شخصيّة من شخصيّات الرواية، أم أن الحكاية كلّها في ذهن شخصيّة مرتبكة نفسيّا تقيم في مستشفى الأمراض العقليّة؟ ثاني المحاسن اللّغة السرديّة التي أعملها الكاتب، وهي لغةٌ نقيّة عالية المستوى قد تصل حدّ الشعريّة أحيانًا دون إخلال بقدرتها التخييليّة. وأمّا ما أراه من معايب الرواية؛ فأوّلها التكرار السردي الثقيل وعديم الجدوى. يبدو ذلك في الشخصيّات وفي الأحداث. فالشخصيّات أغلبها متعاودة لا جدّةَ في معاودتها تُذكَر في الفصل الخاصّ بها؛ إذ تظهر رؤيتها للشخصيّات وللنجع ولحوادثه، وتظهر منظورًا إليها في الفصول المخصَّصة للشخصيّات المجانبة، دون إرباكٍ أو إضاءات إضافيّة قد تهزّ صورة الشخصيّة. ولعلّ أهمّ الشخصيّات المتعاودة الحاضرة بصورة لافتة المرأة شواهي التي يشتهيها الجميع. وهي شخصيّة ترتبط بهذه الشهوة، وبصورة نمطيّة للمرأة الغجريّة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى شخصيّة الثائر نوح النحّال، أو شخصيّة شيخ النجع المتواطئ مع سلطة السياسة القامعة المخاتلة الموهمة. وحتّى إن كشف الراوي في نهاية الرواية وعيه بالتكرار والمعاودة تناسقًا مع شخصيّة مقطوعة اللّسان مصابة في نفسها بأمراضٍ حبيسة مشفى الأمراض العقليّة -ومن البديهيّ أن تكرّر وأن تفقد المنطق-؛ فإنّ الإفاضة النمطيّة في الاستعادة معطِّلة للقراءة. لقد كشف الروائيّ شخصيّاته، وأماط عنها اللّثام، وبقي يعيد سيرتها الأولى، وحتّى ما تخفّى منها، مثل أعمال الخوجة مع ابنه أو مع زوجته المفقودة، والكتابة على الحيطان؛ فإنّ تقدير القارئ يصل بيسر إلى مناطق تقرّها أواخر الرواية، أمّا ثاني المعايب فيخصّ الممكن السرديّ في العمل على توظيف العجيب الذي بان باهتًا لا صلةَ له بالمسخ ولا بتحويل الشخصيّات وتغريب ملامحها، فتحويلها إلى سلاحف في هيئة رؤوسها لم يُعْمَل حكائيّا، وبقي في نطاق الشكل فحسب، وكذلك توظيف التمثال فعلاً في البشر، أو عزْل النجع، مستوى التخييل إمكانًا سرديّا كان ضعيفًا، فانشدّت الرواية إلى واقع وسَم الرواية المصريّة في ارتباطها بمواضيع كلاسيكيّة بانت متكرّرة، وبلغت أحيانًا في الرواية درجة السفور، مرحلة عبد الناصر، وواقع الهزيمة أو النكسة، وصلة الناس بالسلطة القامعة، والرغبة في الحريّة والانعتاق، والسجن الكبير، عقلاً واعتقادًا الذي يقبع فيه العرب، وأصداء المعركة مع الكيان الإسرائيليّ، وتضامن الثلاثي المقدّس في تحديد مصائر البشر: المال والسياسة والدين، كلّها قضايا ظاهرة بشكل بيّن في الرواية. عمومًا «صلاة القلق» استعادةٌ لتراث روائيّ مصريّ حامل لقضايا لم يتخلّص منها في تاريخه المعاصر، وهي روايةُ الإمكان، كان يُمكن أن تُحرَّر تخفيفًا من التكرار النمطيّ، وتوسيعًا لدوائر توليد السّرد، ومنطقَةً أكثر للممكن الروائيّ.
محمد زرّوق ناقد وأكاديمي تونسي
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: صلاة القلق الشخصی ات الشخصی ة أحیان ا ة التی
إقرأ أيضاً:
دراسة: مرض نفسي يهدد الرجال المولودين في هذه الأشهر
كشفت دراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة كوانتلن البوليتكنيك في كندا أن الرجال المولودين في فصل الصيف هم الأكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب مقارنة بالمواليد في فصول أخرى من السنة.
وقد هدفت الدراسة إلى التحقيق في العلاقة بين موسم الولادة واحتمالية تعرض الأفراد لأعراض الاكتئاب والقلق في مرحلة البلوغ.
وشملت العينة 303 مشاركين، منهم 106 رجال و197 امرأة، بمتوسط عمر 26 عامًا، من خلفيات متنوعة من سكان فانكوفر، وتوزعوا عرقيًا بشكل رئيسي بين جنوب آسيويين (31.7%) وبيض (24.4%) وفلبينيين (15.2%).
وطُلب من المشاركين ملء استبيانات PHQ-9 الخاصة بالاكتئاب وGAD-7 الخاصة بالقلق، مما أتاح للباحثين تصنيف الأشخاص الذين يلبون المعايير الطبية لهذه الحالات النفسية الشائعة.
وقُسمت تواريخ الميلاد حسب المواسم: الربيع (مارس-مايو)، الصيف (يونيو-أغسطس)، الخريف (سبتمبر-نوفمبر)، والشتاء (ديسمبر-فبراير). وأظهرت النتائج أن 84 بالمئة من المشاركين عانوا من أعراض اكتئابية، فيما بلغ معدل أعراض القلق 66 بالمئة.
وأشارت الدراسة إلى أن تأثير الموسم على القلق غير واضح، لكن موسم الميلاد له دور في احتمالية الإصابة بالاكتئاب، حيث كان عدد الرجال المولودين في الصيف الذين يعانون من درجات مختلفة من الاكتئاب على مقياس PHQ-9 أعلى مقارنة بالمواليد في الفصول الأخرى.
ورغم محدودية الدراسة التي اعتمدت على عينة صغيرة ومحددة من طلاب الجامعات الشباب، فإنها تفتح الباب أمام بحوث أعمق لفهم العوامل البيولوجية الخاصة بالجنس والتي قد تربط بين الظروف التطورية المبكرة مثل التعرض للضوء ودرجة الحرارة وصحة الأم أثناء الحمل، وبين الصحة النفسية لاحقًا.