لجريدة عمان:
2025-12-13@23:53:57 GMT

صناعة الوقود الأحفوري والتعامل مع تغير المناخ

تاريخ النشر: 28th, August 2023 GMT

بينما يتصارع العالم مع احتشاد غير مسبوق من الفيضانات المدمرة، وحرائق الغابات، وموجات الجفاف، تزداد المناقشة الدائرة حول كيفية معالجة أزمة المناخ المتفاقمة تشوها وانحرافا بفعل مصالح الشركات الكبرى التي تروج لعلاجات زائفة وتعمل على نشر روايات خادعة.

تُـعَـد صناعة الوقود الأحفوري مثالا واضحا في هذا الصدد.

ففي محاولة يائسة لصرف الانتباه عن مسؤوليتها التاريخية عن تغير المناخ، كانت شركات النفط والغاز تروج لأشكال عديدة من الحلول التكنولوجية الخيالية. لكن الحقيقة الصارخة هي أن هذه الشركات تمارس تكتيكات المماطلة التي تمكنها من الاستمرار في أنشطتها. ولأن التهديد الذي يفرضه تغير المناخ بالغ الخطورة والإلحاح، فيتعين علينا أن نقف جميعا خلف الحل الحقيقي الوحيد: التخلص التدريجي السريع والعادل والكامل من أشكال الوقود الأحفوري كافة. يُـعَـد الفحم والنفط والغاز المحركات الرئيسية للتدهور المناخي، حيث تمثل أكثر من 75% من الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي على مستوى العالَـم وما يقرب من 90% من كل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

لكن الضرر الذي يحدثه الوقود الأحفوري لا يقتصر على تغير المناخ. إن أشكال الوقود الأحفوري المختلفة والبتروكيماويات مثل البلاستيك، والأسمدة، والمبيدات الحشرية تسمم الهواء والماء والغذاء وتعمل على إدامة الظلم البيئي. ويؤدي تلوث الهواء والماء بفعل الوقود الأحفوري إلى عدد لا يحصى من الوفيات والأمراض على مستوى العالَـم، وتُـعَـد أزمة التلوث البلاستيكي دليلا واضحا على التأثير الوخيم الذي تخلفه هذه الصناعة. لهذا السبب، لن يكون خفض الانبعاثات كافيا. إن التخفيف من حِـدة الأزمات البيئية المتعددة الأوجه التي نواجهها يتطلب التصدي للسبب الأصلي الذي يحركها جميعا: الوقود الأحفوري. يمثل التخلص التدريجي الكامل فرصتنا الأعظم لتقليص التأثيرات الكارثية المترتبة على الانحباس الحراري الكوكبي، والحد من متوسط ارتفاع درجات الحرارة بما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية، وحماية كوكبنا من أجل أجيال المستقبل. لتحقيق هذه الغاية، يحتشد تحالف متنام من الحكومات، ومنظمات المجتمع المدني، ومجتمعات السكان الأصليين، والمواطنين المهتمين في مختلف أنحاء العالم، خلف معاهدة منع انتشار الوقود الأحفوري. تمثل المعاهدة المقترحة حلا عمليا لأزمة المناخ، وهي كفيلة بوضعنا على المسار الصحيح نحو مستقبل مستدام من خلال عدم ترك أي مجال يسمح لشركات النفط والغاز بالاستمرار في مزاولة أنشطتها المتهورة.

لن تنهزم صناعة الوقود الأحفوري دون قتال. يتجلى هذا بوضوح في أحدث تكتيكات الغسل الأخضر والمماطلة التي تمارسها الآن: اقتراح مفاده أننا قادرون على خفض الانبعاثات من خلال تكنولوجيات مثل احتجاز وتخزين الكربون واحتجاز الكربون واستخدامه. لكن تكنولوجيات احتجاز وتخزين الكربون تحتجز حاليا أقل من 0.1% من الانبعاثات العالمية، وقد امتد تاريخها في الوعود المفرطة والتقصير في الإنجاز لعقود من الزمن، كما أنها غير فَـعّـالة ومكلفة ولا تفعل أي شيء لتسريع التحول بعيدا عن الوقود الأحفوري. علاوة على ذلك، تفرض تكنولوجيات إزالة الكربون التي تعتمد على احتجازه وتخزينه، مثل إنتاج الطاقة الحيوية باستخدام تكنولوجيا الاحتجاز والتخزين واحتجاز الهواء بشكل مباشر، مخاطر جسيمة، وتأتي مصحوبة بقدر كبير من الشكوك، وقد تتسبب في إعاقة تدابير أخرى أكثر فعالية في الأمد القريب.

لكن أولئك الذين يتربحون من العمل كالمعتاد يحتفظون بأسلحة أخرى قوية في ترسانتهم. الآن، يكتسب تكتيك جديد لتشتيت الانتباه مزيدا من الثِـقَـل ــ في الولايات المتحدة في المقام الأول، وبين غيرها من الجهات الملوثة ــ وهو الهندسة الجيولوجية الشمسية، المعروفة أيضا بتعديل الإشعاع الشمسي. يعتقد أنصار هذا الحل التكنولوجي الوهمي الخطير أنهم قادرون من خلال رش جزيئات عاكسة إلى طبقة الستراتوسفير، أو من خلال التلاعب بالسُـحـب "لتعتيم الشمس"، على حجب بعض من أسوأ التأثيرات المترتبة على الانحباس الحراري الكوكبي، مؤقتا على الأقل. لكن هذا النهج يمثل حلا زائفا في نهاية المطاف ــ ضمادة ضخمة قد تخلف عواقب كارثية، بما في ذلك احتمال تغيير أنماط هطول الأمطار العالمية. ولا يخلو الأمر من تخوف كبير إضافي: فبينما يظل الكربون عالقا في الغلاف الجوي لآلاف السنين، فإن الجزيئات المعتمة لضوء الشمس في طبقة الستراتوسفير تتبدد في غضون عام واحد أو أقل، وهذا يستلزم التجديد المستمر. وقد يؤدي التوقف عن استخدام الهندسة الجيولوجية الشمسية إلى إحداث "صدمة إنهاء" كارثية، مما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية بسرعة شديدة إلى الحد الذي يعجز معه البشر والأنظمة البيئية عن التكيف. بعبارة أخرى، تتطلب هذه الطريقة عمليات صيانة لا تنتهي وحوكمة شاملة على مستوى عالمي. على الرغم من العيوب والمخاطر التي تنطوي عليها تكنولوجيا تعديل إشعاع الشمس، فإنها تعمل بالفعل على صرف انتباه صناع السياسات عن المهمة العاجلة المتمثلة في التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري. ومع بحث ومناقشة الحوكمة المتعددة الأطراف للهندسة الجيولوجية الشمسية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تبرز استراتيجية نظرية للتدخل المناخي، والتي تتدنى إلى مستوى الخيال العلمي إلى حد كبير، باعتبارها خطرا حقيقيا وداهما يهدد العمل المناخي والعدالة البيئية.

الواقع أن النهج الصحيح في التعامل مع هذه التكنولوجيا العالية المخاطر هو منع تطويرها ونشرها، كما اقترح أكثر من 400 أكاديمي بارز من خمسين دولة عندما دعوا إلى إبرام اتفاقية دولية لمنع استخدام الهندسة الجيولوجية الشمسية في عام 2022. يتعين على صناع السياسات أن ينتبهوا إلى هذه التحذيرات، وأن يرفضوا تعديل الإشعاع الشمسي، وأن يمتنعوا عن إهدار الوقت الثمين في التفكير في حلول وهمية. تضطلع الحكومات بدور حاسم في الكفاح من أجل مناخ أكثر أمانا ومستقبل مستدام على هذا الكوكب. خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، سيحظى القادة السياسيون بالفرصة لإظهار الزعامة المناخية الحقيقية في أحداث رئيسية مثل قمة الأمم المتحدة للطموح المناخي التي تستضيفها مدينة نيويورك في العشرين من سبتمبر ومؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (مؤتمر الأطراف 28 COP28) في دبي في وقت لاحق من هذا العام. يتعين عليهم أن يغتنموا هاتين الفرصتين لاتخاذ خطوات حقيقية نحو تحقيق العدالة البيئية.

بادئ ذي بدء، يتعين على قادة العالَـم أن يحذوا حذو بلدان مثل فانواتوا وتوفالو ــ فضلا عن عدد كبير من المدن، والمؤسسات الصحية، والأكاديميين، ومنظمات المجتمع المدني في مختلف أنحاء العالَـم ــ وأن يلتزموا بالعمل نحو إبرام معاهدة قوية وواضحة لمنع انتشار الوقود الأحفوري. من خلال ضمان عدم ترك أي ثغرات مفتوحة تستغلها الصناعة، يستطيع صناع السياسات منع منتجي النفط والغاز والفحم من تأجيل الانحدار الحتمي للاقتصاد القائم على الوقود الأحفوري. علاوة على ذلك، يتعين على الحكومات أن تكف عن دعم اقتصاد الوقود الأحفوري من خلال إعانات الدعم المقدمة لتكنولوجيات احتجاز وتخزين الكربون وتكنولوجيات إزالة الكربون، التي لا تخدم إلا كَـسِـتار يخفي توسع هذه الصناعة وحكمها علينا بمستقبل سام.

من ناحية أخرى، يتعين على القادة السياسيين أن ينصتوا إلى الدعوة إلى إبرام اتفاقية دولية تمنع تطوير ونشر الهندسة الجيولوجية الشمسية، كما يجب أن يمتنعوا عن تطبيع هذه التكنولوجيا غير المختبرة البالغة الخطورة على أنها تمثل أحد الخيارات القابلة للتطبيق في مجال السياسة المناخية. في المقام الأول من الأهمية، يمكننا، بل يتعين علينا أن نشرع في تنفيذ تحول سريع وعادل بعيدا عن الوقود الأحفوري. الحق أن قادتنا مدينون لكل المواطنين وأجيال المستقبل بمعالجة مشكلة المناخ الملحة اليوم بالاستعانة بحلول حقيقية. يجب أن يكون تشتيت الانتباه الذي يعرقل العمل الحقيقي مرفوضا. إن العالَـم يحترق، ولا نملك ترف إهدار الوقت على علاجات وهمية.

ليلي فور مديرة برنامج الاقتصاد الأحفوري في مركز القانون البيئي الدولي.

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الوقود الأحفوری تغیر المناخ یتعین على العال ـم من خلال

إقرأ أيضاً:

اختناق بغاز أول أكسيد الكربون يسجل 9 حالات وفاة في الأردن

شهدت مدينة الزرقاء في الأردن مأساة إنسانية جديدة بعد تسجيل 9 حالات وفاة نتيجة اختناق بغاز أول أكسيد الكربون المتسرب من مدافئ غاز غير مزودة بأنظمة أمان، في يوم واحد، الأمر الذي يسلط الضوء على خطورة استخدام المدافئ دون احتياطات السلامة.

سجل الطب الشرعي في الأردن وفاة 9 أشخاص في الزرقاء نتيجة اختناق بغاز أول أكسيد الكربون المتسرب من مدافئ غاز غير مجهزة بأنظمة أمان، ما أثار مخاوف واسعة حول الاستخدام الآمن للمدافئ داخل المنازل.

تفاصيل الوقائع

توفي أربعة أفراد من عائلة واحدة، هم الأب والأم في السبعينات من العمر وولداهم في العشرينات، نتيجة اختناق بغاز أول أكسيد الكربون. وذكر مصدر مقرب من التحقيق أن الوالدين زارا المستشفى قبل يوم من الحادث لشعورهما بالتعب، ثم عادا إلى المنزل.

حضر أحد الأبناء في يوم الحادث إلى المنزل وقضت العائلة وقتا معا قبل أن يخلد الجميع للنوم، تاركين المدفأة مشتعلة مع إغلاق جميع النوافذ والأبواب، ليتم العثور عليهم لاحقا متوفين. وأكد المصدر أن استخدام مدفأة غاز دون نظام أمان أثناء النوم تسبب في زيادة تركيز الغاز داخل الغرفة، مما أدى إلى الوفاة الفورية.

سجل الطب الشرعي في نفس المنطقة وفاة خمسة أفراد من عائلة عربية أخرى، بينهم أم حامل وأطفالها الأربعة، نتيجة اختناق بغاز أول أكسيد الكربون أثناء النوم، بعد أن أغلقت الغرفة بالكامل. وأوضح المصدر أن سبب الوفاة مشابه للحالة الأولى، حيث استخدمت مدافئ غاز دون أنظمة أمان تحمي الأسرة عند نقص الأكسجين، ما زاد من خطورة الوضع وأدى إلى الوفاة الجماعية.

القاسم المشترك بين الحادثتين

أكد المصدر أن القاسم المشترك بين الحالتين هو الاستخدام الخاطئ للمدافئ داخل الغرف المغلقة، دون وجود أنظمة أمان أو تهوية مناسبة، ما يجعل اختناق بغاز أول أكسيد الكربون أكثر خطورة ويهدد حياة جميع أفراد الأسرة.

وأشار المصدر إلى أن الحوادث الأخيرة تأتي بعد واقعة مشابهة مطلع ديسمبر الماضي، أودت بحياة ثلاثة أفراد من عائلة واحدة في الزرقاء نتيجة تسرب الغاز أثناء النوم، ما يوضح أن المشكلة ليست معزولة وتتطلب اتخاذ إجراءات صارمة للسلامة داخل المنازل.

دعوة للتوعية والسلامة

حثت السلطات المحلية المواطنين في الأردن على ضرورة الالتزام بمعايير السلامة عند استخدام مدافئ الغاز، وضرورة تركيب أجهزة كشف تسرب الغاز لضمان تجنب أي حالات اختناق بغاز أول أكسيد الكربون مستقبلية، خصوصا خلال موسم الشتاء وارتفاع الحاجة للتدفئة داخل المنازل.

 

مقالات مشابهة

  • دراسة صادمة: تغير في الحمض النووي للدببة القطبية بسبب تغيرات المناخ
  • نجا عدة مرات.. من هو رائد سعد الذي أعلنت “إسرائيل” اغتياله في غزة؟
  • بعد عامين من COP28.. "اتفاق الإمارات" مرجع العمل المناخي
  • بعد عامين من «COP28» .. «اتفاق الإمارات» التاريخي لا يزال خريطة الطريق للعمل المناخي الفعال
  • من يعوض يزن النعيمات في الأهلي؟.. الإصابة تغير حسابات القلعة الحمراء
  • مياه القناة : فض التشابكات مع الجهات الخارجيه والتعامل الفوري مع الشكاوى الواردة
  • دراسة: تغييرات جينية تمنح الدببة القطبية فرصة للتكيف مع تغير المناخ
  • تركيا تستضيف 3 قمم دولية كبرى عام 2026
  • ماذا تغير في تركيا بعد عام من بدء عودة السوريين إلى بلادهم؟
  • اختناق بغاز أول أكسيد الكربون يسجل 9 حالات وفاة في الأردن