القاهرة- أثار قرار الحكومة المصرية تخصيص قطعة أرض شاسعة على ساحل البحر الأحمر لصالح وزارة المالية بغرض إصدار صكوك سيادية لتقليص الدين العام، جدلا واسعا بين من يرى في القرار خطوة نحو بيع أصول الدولة، وآخرين يصفونه بأنه توجّه اقتصادي إستراتيجي لتحسين مؤشرات الاقتصاد وتعزيز قدرته التمويلية.

وحسب أحدث بيانات صادرة عن وزارة المالية، تمكنت الحكومة من خفض نسبة الدين المحلي إلى 59% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية عام 2024، مقارنة بـ62% في يونيو/حزيران من العام ذاته، كما تراجع الدين الخارجي إلى 22.

7% مقابل 27.1% في منتصف العام.

وبلغ الدين الخارجي لمصر 155 مليار دولار بنهاية 2024، انخفاضا من 164 مليار دولار في عام 2023 على خلفية صفقة "رأس الحكمة" التي حصلت بموجبها شركة "إيه دي كيو القابضة" التابعة لحكومة أبو ظبي على المشروع مقابل 24 مليار دولار، بالإضافة إلى تحويل 11 مليار دولار من الودائع الإماراتية إلى استثمارات في مشاريع إستراتيجية، مع احتفاظ الحكومة المصرية بنسبة 35% من المشروع.

وبالاستفادة من تجربة رأس الحكمة، تعتزم الحكومة إصدار صكوك تصل قيمتها إلى تريليون جنيه، مما قد يسهم –وفق الرواية الرسمية– في تخفيف أعباء الدين العام وتعزيز الاقتصاد الوطني.

غير أن تساؤلات كثيرة تُثار حول إذا ما كانت هذه الخطوة تمثل حلا طويل الأمد أم بيعا تدريجيا لأصول الدولة، إلى جانب المكاسب والمخاطر المحتملة لهذه السياسة.

دعم رسمي وتحذيرات اقتصادية

وفي تصريحات للجزيرة نت، أوضح الدكتور خالد الشافعي، رئيس مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية، أن تخصيص 41 ألف فدان على البحر الأحمر لوزارة المالية يمثل خطوة تهدف إلى توجيه عائدات إصدار الصكوك لتقليل الدين العام، معتبرا أنها تجربة مشابهة من حيث المنهجية لمشروع رأس الحكمة.

مراسم توقيع صفقة رأس الحكمة بين مصر والإمارات (رئاسة الوزراء المصرية)

وأشار الشافعي إلى أن مصر تسعى جديا لتقليص الدين المحلي تحديدا، مؤكدا أن الدولة تمتلك الإمكانات والأفكار الكفيلة بتحقيق هذا الهدف عبر تنويع مصادر التمويل والاستثمار في الأصول غير المستغلة، بما يعزز من قدرتها على تحقيق الاستقرار الاقتصادي.

إعلان

وشدد على أن مثل هذه الخطوات تترك أثرا إيجابيا على المؤشرات الاقتصادية الكلية، من خلال زيادة معدلات النمو وتوسيع القاعدة الإنتاجية، بما في ذلك الرقعة الزراعية والعمرانية، وهو ما ينعكس إيجابيا على الاقتصاد المصري ككل، وفق قوله.

وردا على الجدل المتعلق ببيع الأصول، قال الشافعي: "نحن لا نتحدث عن بيع كامل لأصول الدولة، بل عن استثمار أجزاء منها، في وقت تواجه فيه البلاد تحديات اقتصادية كبرى، مثل تراجع عائدات العملة الأجنبية، وانخفاض إيرادات قناة السويس، فضلا عن التأثيرات الجيوسياسية الناتجة عن الحرب في غزة".

وأضاف أن الإجراءات الأخيرة تهدف إلى ضمان تحقيق تنمية مستدامة في ظل هذه الظروف الضاغطة، واصفا المسار الاقتصادي الجديد بأنه يحمل في طياته عديدا من الإيجابيات التي ستظهر آثارها على المدى المتوسط.

من جهته، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور محمد فؤاد أن التوجه نحو الصكوك ليس جديدا، سواء على المستوى المحلي أو العالمي، لكنه يتطلب -برأيه- سياسات واضحة لإيجاد موارد مالية مستدامة، بدلا من الاعتماد على حلول وقتية أو أدوات تمويلية مؤقتة.

وفي حديثه للجزيرة نت، أشار فؤاد إلى أن مشروع موازنة 2025-2026 تحدث عن تحسين إدارة الأصول غير المستغلة، دون الإشارة صراحة إلى تخصيص الأراضي، وهو ما زاد من الجدل الدائر حول هذه المسألة، التي ما زالت غامضة في نظره من حيث مدى شفافيتها وجدواها طويلة الأجل.

وأوضح أن التصكيك آلية مالية تهدف لتحويل الأصول أو التدفقات النقدية المستقبلية إلى أوراق مالية، من خلال "شركات ذات غرض خاص" (SPV)، مؤكدا أن هذا لا يلغي العبء المالي على الدولة، بل يغيّر فقط طريقة تسجيله في الموازنة العامة، حيث يُعامل كمصروف بدلا من دين.

الدين الخارجي لمصر بلغ 155 مليار دولار بنهاية 2024 (رويترز)

وأضاف أنه "إذا أصدرت الدولة صكوكا بقيمة 4 مليارات جنيه واستخدمتها لسداد ديون قائمة، فإن الدين المحاسبي سينخفض بالمقدار نفسه، لكن في المقابل، ستُسجل الصكوك كمصروفات، ما يعني استمرار العبء المالي على الدولة، ولكن ضمن بند مختلف".

تمويل مؤقت

وأشار فؤاد إلى أن الدين الخارجي لمصر بلغ 155 مليار دولار بنهاية 2024، بعد أن تجاوز 160 مليارا منتصف العام، مقارنة بـ115 مليار دولار فقط عام 2020، مما يعكس، حسب رأيه، اتجاها تصاعديا مقلقا يتطلب معالجات أكثر عمقا من مجرد تدوير للديون عبر أدوات جديدة.

وحول إذا ما كانت هذه الخطوة بيعا للأصول بشكل مباشر، أوضح فؤاد أن ملكية الأصل لا تنتقل لحامل الصك، بل تبقى في حيازة شركة الغرض الخاص، ولا يمتلك حامل الصك الأصل قانونيا إلا في حالة تعثر السداد، مما يجعلها أقرب لآلية تمويل مؤقتة منها إلى بيع مباشر.

لكنه حذّر من أن الأصول المخصصة ربما لا تدر دخلا بالضرورة، مما يترك وزارة المالية مسؤولة عن سداد قيمة الصكوك دون وجود تدفقات مالية تغطيها، معتبرا أن ذلك لا ينهي العبء، بل ينقله إلى بند محاسبي مختلف لا يقل ضغطا عن الدين المباشر.

ودعا الدكتور محمد فؤاد إلى ضرورة وضع سياسة واضحة وشاملة لملف التصكيك، تشمل:

إعلان تحديد الجهة المسؤولة عن إدارته. خطة دقيقة لاستخدام العوائد. تحديد مصير المشروع في حال عدم القدرة على السداد، منعا لأي تعقيدات مالية مستقبلية. المالية ترد.. لا بيع ولا تنازل عن الملكية

وفي ضوء تصاعد الجدل الشعبي والإعلامي حول الخطوة الحكومية الأخيرة، أصدرت وزارة المالية المصرية بيانا رسميا أكدت فيه أن الهدف من تخصيص قطعة الأرض هو إصدار صكوك سيادية لتقليل الديون، وليس بيعها أو التنازل عنها، مشددة على أن ملكية الأرض ستظل في حيازة الدولة، ممثلة في الوزارة وجهات حكومية أخرى ذات صلة.

وأوضح البيان أن الوزارة ستستفيد من جزء من الأرض في الدخول بشراكات مع جهات حكومية وهيئات اقتصادية، بهدف خفض الدين عبر استبداله باستثمارات مشتركة تُحوّل الأرض إلى مشروعات خدمية وسياحية وعقارية، بما يوفر فرص عمل جديدة ويعزز العائد الاقتصادي والاستثماري للدولة المصرية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات وزارة المالیة الدین الخارجی ملیار دولار رأس الحکمة

إقرأ أيضاً:

استقرار أسعار النفط وسط تصاعد التوترات وتحذيرات من تعطل الإمدادات

العمانية و "رويترز": استقرت أسعار النفط اليوم الأربعاء بعد صعودها في ختام الجلسة السابقة بأكثر من أربعة بالمئة مع تقييم الأسواق احتمال انقطاع الإمدادات بسبب الصراع الإيراني الإسرائيلي وفرص التدخل الأمريكي المباشر في الصراع.

وبلغ سعر نفط عُمان الرسمي اليوم تسليم شهر أغسطس القادم 75 دولارًا أمريكيًّا و71 سنتًا، حيث شهد سعره ارتفاعًا بلغ دولارًا أمريكيًّا و99 سنتًا مقارنة بسعر اليوم الاول والبالغ 73 دولارًا أمريكيًّا و72 سنتًا.

وتجدر الإشارة إلى أنَّ المعدل الشهري لسعر النفط الخام العُماني تسليم شهر يونيو الجاري بلغ 67 دولارًا أمريكيًّا و87 سنتًا للبرميل، منخفضًا 4 دولارات أمريكية و64 سنتًا مقارنةً بسعر تسليم شهر مايو الماضي.

وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 16 سنتا بما يعادل 0.2 بالمئة إلى 76.61 دولار للبرميل. وصعدت العقود الآجلة لخام غرب تكساس 17 سنتا أو 0.2 بالمئة إلى 75.01 دولار للبرميل. وانخفض كلا العقدين بأكثر من واحد بالمئة في وقت سابق من الجلسة.

وحذر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على منصات التواصل الاجتماعي اليوم الاول من أن صبر واشنطن بدأ ينفد، ودعا إيران إلى "استسلام غير مشروط"، وهو أمر رفضه الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي اليوم الأربعاء.

وفي حين قال ترامب إنه لا نية لقتل خامنئي "في الوقت الحالي"، فإن تصريحاته تشير إلى موقف أكثر صرامة تجاه إيران في ظل بحثه في إمكان زيادة التدخل الأمريكي.

ويقول محللون إن التدخل الأمريكي المباشر ينذر بتوسيع نطاق المواجهة، مما يعرض البنية التحتية للطاقة في المنطقة لخطر أكبر للهجوم.

وقال محللون لدى بنك آي.إن.جي في مذكرة "إغلاق مضيق هرمز أكبر مخاوف سوق النفط".

وأضاف البنك "يمر ما يقرب من ثُلث تجارة النفط العالمية المنقولة بحرا عبر هذا المضيق. وأي خلل كبير في هذه التدفقات سيكون كافيا لرفع الأسعار إلى 120 دولارا للبرميل".

وإيران ثالث أكبر منتج في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بإنتاج يقارب 3.3 مليون برميل يوميا من الخام.

كما تترقب الأسواق أيضا اليوم الثاني من مناقشات مجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي (البنك المركزي الأمريكي) إذ من المتوقع أن يبقي على سعر الفائدة القياسي لليلة واحدة في نطاق بين 4.25 بالمئة و4.50 بالمئة.

مقالات مشابهة

  • استقرار أسعار النفط وسط تصاعد التوترات وتحذيرات من تعطل الإمدادات
  • الصكوك ورأس شقير المصرية
  • وزير المالية: الموازنة الجديدة تستهدف خفض الدين وزيادة دعم الصادرات والأجور
  • كالكاليست: إسرائيل تتجه إلى عجز مالي وتضخم في الدين العام
  • وزير المالية: جزء من مخصصات الموازنة موجه لتكوين احتياطيات تُمكن الدولة من التعامل مع أي طوارئ
  • وزير المالية: الموازنة الجديدة تستهدف خفض نسبة الدين إلى 82%
  • لدينا أمل كبير في جهود الحكومة.. بكري ردًا على مخاوف ارتفاع الدين العام
  • وزير المالية: نستهدف خفض الدين إلي 82% من إجمالي الناتج المحلي
  • البنك المركزي يسجل فائضًا في صافي الأصول الأجنبية بقيمة 9.9 مليار دولار بنهاية مايو الماضي