مخاوف في إسرائيل من حرب استنزاف و رهان على ترامب
تاريخ النشر: 19th, June 2025 GMT
القدس المحتلة- تسعى إسرائيل إلى تحقيق "انتصار" تحاول إيران إحباطه، ويعتمد كلا الطرفين على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يمسك بمفتاح النجاح أو الفشل. وفي الأثناء، تحولت الجبهة الداخلية الإسرائيلية إلى ساحة حرب، وسط خسارة مستمرة في صفوف الجنود، وأسراها في غزة، بالإضافة لمدنيين.
وتخوض إسرائيل حربين متزامنتين، في غزة وإيران، رغم أن عقيدتها بنيت على الحروب القصيرة، فكلما طال أمد المعركة، تقلصت المكاسب وازدادت التكاليف، ففي غزة، لا حسم ولا خطة لليوم التالي.
وأهداف إسرائيل المعلنة، تدمير النووي الإيراني والصواريخ الباليستية، أما الهدف المستتر فهو إسقاط النظام الإيراني.
خطر الاستنزافوبلا أهداف واضحة أو تصور للنهاية، تكرر إسرائيل خطأ غزة في إيران، حيث أطلق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة- الهجوم دون أن يحسم ملف غزة أو يعيد المحتجزين، ودون تحضير دولي كاف، لتكون النتيجة خطر الاستنزاف على جبهتين، ومعه غياب قيادة تقدم مخرجا حقيقيا.
وتحذر التحليلات الإسرائيلية من خطر انزلاق دولة الاحتلال إلى حرب استنزاف طويلة الأمد، وسط إجماع على استحالة الحسم العسكري، وتشير إلى ضرورة استغلال "الإنجازات" المحددة التي حققتها إسرائيل حتى الآن، قبل أن تجد نفسها أمام ضغوط أميركية قد تفرض شروطا تفقدها هذه المكاسب.
ويلمح محللون إلى أن نتنياهو، قد يفقد زمام القرار في هذه المعركة، وأن الكلمة الفصل بشأن مستقبل الحرب والملف النووي الإيراني قد تصبح بيد ترامب، الذي تتجه الأنظار نحوه باعتباره اللاعب الحاسم في هذا المشهد.
وتُجمع مختلف التحليلات على أن واشنطن هي مفتاح التصعيد والتسوية، رغم حرصها على البقاء في الظل، وأن كل المسارات تمر عبرها، من الاستخبارات إلى الدبلوماسية، وسط توازن دقيق بين الحذر العلني والدور الفعلي.
إعلانبدون الدعم الأميركي، يرى المحللون، أن إسرائيل تجد نفسها أمام تحديات كبرى؛ تتمثل بمواصلة التصعيد وحدها، وتحمّل التبعات العسكرية والسياسية، ومحاولة موازنة الضربات الإيرانية على الجبهة الداخلية مع الهجمات الإسرائيلية في العمق الإيراني.
ويؤكدون أن النجاح العسكري لا يغني عن الحاجة لشجاعة سياسية ورؤية موحدة، وأنه دون خطة سياسية واضحة، لا نهاية حقيقية للمواجهة بين تل أبيب وطهران، مذكرين بتجربة غزة، فالقصف وحده لا يكفي إن لم يرافقه تصور لما بعده، وإسرائيل غالبا ما تتقن البدايات، لكنها تتعثر فيما يليها.
وتحت عنوان "استنفاد الإنجازات قبل أن تُفرض القيود"، كتب المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشوع، أن العبرة الأبرز بعد أيام من تبادل الضربات بين إسرائيل وإيران، تكمن بضرورة استغلال الزخم العسكري الحالي وتحقيق أقصى المكاسب، قبل أن تبدأ الضغوط السياسية والدولية بتقييد حرية العمل.
وأوضح أن مصادر عسكرية إسرائيلية رفيعة تصف الإنجازات حتى الآن بـ"غير المسبوقة"، من تحييد منشآت نووية وقتل علماء، إلى تدمير منصات صواريخ وضرب القيادة العسكرية الإيرانية.
ويرى يهوشوع أن هذه المكاسب الاستثنائية تجب ترجمتها سياسيا إلى اتفاق مقبول، لتفادي انزلاق إسرائيل إلى حرب استنزاف طويلة مع إيران، مضيفا أن تراجع وتيرة الصواريخ الإيرانية يُعزى إلى الضربات التي طالت قيادة الحرس الثوري، مبينا أن الجيش الإسرائيلي يرى في اللحظة الراهنة ذروة الإنجاز العملياتي.
ويؤكد أن على المستوى السياسي استغلال هذا التفوق قبل دخول قيود دولية محتملة، خاصة مع اقتراب تدخل أميركي، فالرسالة من هيئة الأركان واضحة: "حققنا تفوقا غير مسبوق، ويجب ترجمته سياسيا قبل فوات الأوان".
ورغم الإنجازات، يحذر يهوشوع من الخطر المتبقي، مؤكدا أن الجيش لا يخفي قلقه من قدرة إيران على مواصلة إطلاق الصواريخ بعيدة المدى.
وينقل عن ضباط كبار قولهم: إن من يعتقد إمكانية إزالة هذا التهديد دون ثمن فهو مخطئ، مضيفين "إما أن نواجهه اليوم وندفع الثمن، أو نواجه لاحقا تهديدات لا يمكن احتواؤها".
الحاجة لترامبوبدأت إسرائيل الحرب ضد إيران، يقول المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل: "ببراعة، مستهدفة تأخير مشروعها النووي وتقليص قدراتها الصاروخية، في انتظار انضمام أميركي بقيادة ترامب، لكن الدعم الأميركي ما زال في إطار الكلام، وسط غموض في واشنطن وتردد في اتخاذ خطوات هجومية".
ورغم إنجازات سلاح الجو والعمل بحرية فوق إيران، يضيف هرئيل "هناك خشية من تآكل الزخم"، محذرا من أن "هناك حرب استنزاف طويلة تلوح في الأفق"، تشبه سيناريو أوكرانيا، دون الدعم الدولي نفسه.
ويعتقد أن إسرائيل التي قد تنزلق إلى حرب استنزاف مع إيران، لم تعد لجبهة داخلية بهذا الحجم من الخسائر البشرية، ودمار المباني، والبنى التحتية، وسط نقص واضح في الحماية والملاجئ.
ورغم تجنب ترامب التورط المباشر، يقول هرئيل: "قد يدفع النجاح الإسرائيلي المحدود في الهجوم على إيران إلى إعادة النظر". مشيرا إلى أن "إسرائيل حققت ضربة قوية لكنها بدأت تفقد قوتها تدريجيا"، وأكد أن تدمير منشأة فوردو النووية يتطلب تدخلا أميركيا بقاذفات "بي تو" (B-2)، ومع ذلك، يبقى قرار ترامب غير مؤكد بسبب تقلب مزاجه.
إعلانووسط ذلك، يضيف هرئيل "نتنياهو منشغل بصراعات داخلية، ويحاول تعيين رئيس جديد للشاباك وسط الحرب"، وهو لم يشرح قراراته للجمهور، والمبررات الاستخباراتية للهجوم تُطرح بأثر رجعي.
ومع أن الجيش الإسرائيلي يؤكد جاهزيته، يرى هرئيل أن الأسئلة بالساحة الإسرائيلية تبقى مفتوحة: هل كانت هذه الحرب ضرورة أمنية حقيقية؟ أم مغامرة بقيادة سياسية فاقدة للثقة؟.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات حرب استنزاف فی غزة
إقرأ أيضاً:
بين نشوة المفاجأة وشبح الحسابات الخاطئة.. ما مآل رهان نتنياهو على الحرب مع إيران؟
وإذا لم يحقق نتنياهو هدفه النهائي، وإذا فشل الرهان في إسقاط طهران أو تحجيمها، فإن فواتير الحرب ستلاحقه في السياسة كما في الشارع. اعلان
في لحظة مثقلة بالتوترات والانهيارات الإقليمية، اتخذ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قراراً مصيرياً بتوجيه ضربة مباشرة إلى عمق إيران. قرار لم يكن عسكرياً فقط، بل مقامرة سياسية بامتياز، تحمل في طياتها كل عناصر المجازفة: من انفجار الجبهات إلى اهتزاز الداخل، ومن رهانات الخارج إلى المجهول الإقليمي.
فهل كانت الضربة محاولة لصناعة نصر سريع؟ أم هروباً للأمام من أزمات داخلية خانقة، على رأسها فشل حكومته في إدارة حرب غزة، وتراجع شعبيته، واحتدام الخلافات في المؤسسة العسكرية والأمنية؟.
نتنياهو، الذي بدا منتشياً بعد نجاح الضربة الأولية، لم يترك مجالاً للتهدئة. بل ذهب بعيداً إلى حد مغازلة الشعب الإيراني علناً، داعياً إياه للثورة على النظام، في خطوة تعكس قناعة أو مراهنة على اهتزاز الداخل. لكنه تجاهل واقعاً آخر: أن النظام يخوض هو الآخر معركة وجودية، ويؤكد أن طهران هي من سيكتب نهاية الحرب، لا تل أبيب.
Relatedدمار واسع وارتفاع في حصيلة القتلى.. استمرار التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيرانكيف تضبط الرقابة العسكرية الإسرائيلية مشهد الإعلام في أوقات الأزمات؟حاملة الطائرات الأميركية "نيميتز" نحو الشرق الأوسط: هل تلوّح واشنطن بالقوة تجاه إيران؟إذا خذلته الحساباتالسيناريو الأخطر يتمثل في فشل نتنياهو في تحقيق هدف إضعاف أو إسقاط النظام الإيراني. فإذا انتهت الحرب دون تحقيق أهدافها، سيكون السؤال المحوري في إسرائيل: ما الذي جنيناه؟ وماذا بعد كل هذا الدمار الذي لم تعرفه البلاد منذ تأسيسها؟
الضربات الإيرانية التي طالت العمق الإسرائيلي، من تل أبيب إلى مواقع استراتيجية حساسة، قلبت المعادلة. فجأة، لم تعد الدولة العبرية في موقع المهاجم الآمن، بل المتلقي المصدوم. دمار لم تشهده منذ 1948، ورأي عام منهك منذ حرب 7 أكتوبر، يبحث عن إجابات.
الأخطر من ذلك، ماذا لو تدحرجت الأمور إلى ما هو أبعد؟ ماذا لو نفّذت إيران تهديدها وأغلقت مضيق هرمز؟ عندها لن يكون نتنياهو فقط في مواجهة الإيرانيين، بل مع العالم كله، الذي قد يدفع ثمن تعطّل شريان الطاقة العالمي. وماذا ستكون تكلفة هذا السيناريو؟ وماذا الذي سيقوله لمجتمع إسرائيلي منقسم بشدة؟ وهل يستطيع تبرير انهيار الاقتصاد، وفقدان الأمن، وتوسع رقعة النار؟
نتنياهو وترامب: خديعة أم تنسيق؟ما يزيد من ضبابية المشهد، ما كشفته تقارير أميركية عن أن نتنياهو قد يكون ضلل الإدارة الأميركية، وتحديداً الرئيس دونالد ترامب، بشأن طبيعة الضربة وعمقها. فإذا صحّت هذه التسريبات، فذلك يفتح الباب أمام أزمة ثقة حادة مع الحليف الأكبر لإسرائيل. والأهم، يعكس اندفاعاً غير محسوب في إدارة أكثر الملفات تعقيداً في الشرق الأوسط.
وجاء ذلك بالتزامن مع تصريح لافت من المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دعا فيه علنًا الرئيس ترامب إلى اتخاذ قرار بمساعدتهم في تدمير منشأة فوردو، واحدة من أكثر المواقع النووية تحصينًا في إيران.
فهل استدرج نتنياهو الإدارة الأميركية إلى صراع أكبر مما كانت تتوقع؟ وهل يدفع ترامب الآن ثمن قرار لم يكن هو من رسم حدوده؟.
من الحسابات إلى الحسابنتنياهو قد يكون استغلّ لحظة ضعف النظام الإيراني باعتبارها فرصته الذهبية. لكنّ معادلات الشرق الأوسط لا تسير وفق رغبات القادة. وإذا لم يحقق هدفه النهائي، وإذا فشلت المقامرة في إسقاط طهران أو تحجيمها، فإن فواتير الحرب ستلاحقه في السياسة كما في الشارع.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة