تُعد مدينة بريزرين، الواقعة في جنوب غربي كوسوفو، واحدة من أبرز الشواهد الحية على الحضور العثماني العريق في منطقة البلقان. ويُطلق عليها لقب "جوهرة البلقان"، نظرا لما تزخر به من معالم تاريخية آسرة، وجمال طبيعي أخاذ، وعبق ثقافي ينبض بالحياة.

وترتبط تسمية المدينة بجذور عثمانية، إذ يُعتقد أن اسم "بُر زرين" مأخوذ من التركية العثمانية ويعني "الذهب الصافي"، في إشارة رمزية لمكانة بريزرين كجوهرة متألقة بين مدن البلقان، تجمع بين عبق التاريخ وروح الحاضر.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2براكين بالي.. تجربة سياحية فريدة في قلب حزام النارlist 2 of 2أعجوبة معمارية من عهد ستالين.. مترو موسكو يحتفل بمرور 90 عاما على افتتاحه بتوسيع خطوطهend of list

ولا تزال شوارعها القديمة، ومساجدها المزخرفة، وجسورها الحجرية، تحكي فصولا من تاريخ مشترك، يعكس التداخل الحضاري والثقافي بين الشرق والغرب، في مدينة تعد بمثابة متحف مفتوح للحضارة العثمانية في قلب أوروبا.

بريزرين ثاني أكبر مدينة من حيث عدد السكان في كوسوفو (شترستوك) تاريخ عريق

تتربع مدينة بريزرين عند سفوح جبال شار، حيث تتعانق البيوت الحجرية المبنية على الطراز الألباني والتركي والبوشناقي (مسلمي البوسنة) مع المساجد والخانات والجسور التي تعود إلى الحقبة العثمانية، لترسم معا لوحة معمارية تأسر الأنظار وتأخذ الزائر في رحلة بين تفاصيل التاريخ وسحر الطبيعة.

ومن أبرز معالم المدينة مسجد سنان باشا، الذي شُيد في القرن الـ17، ويُعتبر من روائع العمارة العثمانية في البلقان، بفضل قببه المزخرفة وجدرانه الموشاة بخطوط عربية أنيقة، تعكس فنون الخط العربي والزخرفة الإسلامية في أبهى صورها.

ولا يكتمل التجوال في بريزرين دون المرور بالجسر الحجري التاريخي "طاش كوبري"، الذي يعود إلى القرن الـ16، ويُعد واحدا من أشهر رموز المدينة. ويحرص الزوار على الوقوف عنده والتسابق لالتقاط الصور أمامه.

وتكتمل الصورة من أعلى تلال بريزرين، حيث تطل القلعة القديمة شامخة فوقها، مانحة الزائر مشهدا بانوراميا خلابا يمتد حتى جبال شار المهيب.

إعلان

ثقافات متنوعة

لا تُعرف بريزرين بأنها مدينة معمارية ذات طراز تاريخي فحسب، بل تمثل أيضا بوتقة تنصهر فيها الثقافات واللغات والتقاليد، إذ تحتضن بين أحيائها أعراقا متعددة من الألبان والأتراك والبوشناق وغيرهم، في لوحة فسيفسائية من التعدد الثقافي والانسجام الاجتماعي الذي يميز المدينة عن سواها في منطقة البلقان.

ويمتد هذا التنوع ليشمل تفاصيل الحياة اليومية، حيث تنبض شوارع بريزرين الضيقة بالحيوية، وتمتلئ بالمقاهي التقليدية والمطاعم الشعبية التي تقدم تشكيلة واسعة من الأطباق المحلية. ويجد الزائر نفسه أمام قائمة غنية بالنكهات، تبدأ بفطائر اللحم الشهيرة، مرورا بأطباق المشاوي المتنوعة، ولا تنتهي عند الحلويات الشرقية التي تشتهر بها المدينة.

المتاجر السياحية والمقاهي حول مسجد سنان باشا، المكان الأكثر شعبية في بريزرين (شترستوك) الثقافة التركية

ويشعر كاميران عبه جي أوغلو، وهو سائح تركي قدم من العاصمة المقدونية سكوبيا لزيارة بريزرين، بأن هذه الأماكن ما زالت تحتفظ بعبق الماضي، وكأن الزمن لم يمضِ، فيقول: "هذه الأماكن لا تزال تنبض بالثقافة التركية، وما زال هناك الكثير من الناس هنا يتحدثون التركية".

واستعاد عبه جي أوغلو ذكريات زيارته السابقة إلى كوسوفو في تسعينيات القرن الماضي ضمن وفد رسمي مع الرئيس التركي الراحل "تورغوت أوزال"، مشيدا بجهود وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا) في ترميم وصيانة المعالم العثمانية، وعلى رأسها ضريح السلطان مراد في كوسوفو.

ومن جهة أخرى، قالت رتيبة تاديفي، القادمة من سراييفو عاصمة البوسنة: "أردت زيارة بريزرين منذ فترة طويلة، فهنا جذور عائلتي التي هاجرت إلى سراييفو قبل عقود. اليوم عدت لاستكشاف هذه المدينة الجميلة التي تشبه سراييفو في تفاصيلها وأجوائها".

وأشارت تاديفي إلى أن زيارتها "جاءت بعد بدء تطبيق سياسة السفر بالبطاقة الشخصية بين البوسنة وكوسوفو"، وهو ما سهل حركة المواطنين بين البلدين.

واعتبرت أن بريزرين تمثل مزيجا فريدا من عبق التاريخ وجمال الطبيعة، مشيرة إلى أن "المعالم العثمانية توجَد وسط الطبيعة الخلابة، وتحتضن المدينة ذكريات الأجداد وأحلام الأحفاد".

وختمت رتيبة تاديفي حديثها قائلة: "بريزرين ليست مجرد مدينة عابرة، بل وجهة تلامس الوجدان، وتجذب القلوب، وتُعيد إحياء قصة حضارة لا تزال تكتب فصولها في البلقان".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات أمكنة

إقرأ أيضاً:

«حزب العمال الكردستاني» يحثّ الحكومة التركية على إنهاء عزلة «أوجلان»

دعا مصطفى كاراصو، القيادي بحزب العمال الكردستاني، رئيس حزب الحركة القومية التركية دولت بهجلي، إلى المضي قدماً في تنفيذ مبادرته التي أعلنها في أكتوبر الماضي بشأن الإفراج عن عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني.

وأشار كاراصو إلى أن قضية “حق الأمل” للسجناء المؤبدين، والتي تمنح فرصة العودة إلى المجتمع بعد فترة معينة من العقوبة، لم تُفعّل حتى الآن رغم تحذيرات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

وأضاف أن بهجلي دعا العمال الكردستاني إلى تفكيك صفوفهم ووقف النضال المسلح، واقترح منح أوجلان فرصة لإلقاء كلمة في البرلمان، إلا أن السلطات لم تسمح بذلك.

وأكد كاراصو على ضرورة التزام بهجلي وكافة شركاء التحالف الحاكم بما أعلنوه، مشدداً على أن هذا المطلب ليس مجرد خطاب عابر، بل جزء من رؤية سياسية متفق عليها مع الرئيس أردوغان.

يذكر أن بهجلي كان قد دعا في خطاب له في البرلمان إلى إلغاء العزلة المفروضة على أوجلان وفتح المجال أمامه لإعلان إنهاء الإرهاب، وإجراء التعديلات القانونية اللازمة لتفعيل “حق الأمل” لمنح السجناء المؤبدين فرصة للحرية.

يأتي هذا في ظل تحركات مستمرة لإنهاء الصراع الكردي في تركيا وفتح آفاق جديدة للحوار بين الأطراف المعنية.

مقالات مشابهة

  • ما الحشود التي رصدتها الأقمار الصناعية قرب معبر ناحال عوز المؤدي إلى مدينة غزة؟
  • حريق ضخم في تشناق قلعة التركية
  • الزي الآشوري.. حين يتحدث القماش بلسان التاريخ (صور)
  • وزير الإدارة المحلية والبيئة لـ سانا: من أبرز المشاريع بحلب، مشروع الحيدرية، وهو مشروع سكني إستراتيجي لإعادة إعمار الأحياء المتضررة في مدينة حلب، بتكلفة تبلغ 40 مليون دولار، ويوفر بيئة عمرانية حديثة تلبي احتياجات المواطنين، ومول المهندسين بتكلفة تبلغ 25 م
  • رئيس الوزراء الموريتاني يغادر المدينة المنورة
  • نورك يا حمص… مبادرة من مجلس مدينة حمص ودعم من المجتمع الأهلي لإنارة شوارع وأحياء المدينة بالطاقة الشمسية
  • «حزب العمال الكردستاني» يحثّ الحكومة التركية على إنهاء عزلة «أوجلان»
  • ١١١ عاماً على تركيب أول إشارة مرور في التاريخ
  • زيارة العيداني لأنقرة.. آمال بإنهاء أزمة المياه ومخاوف من المطامع التركية
  • عين رزات.. لوحة خريفية تنبض بالحياة والطبيعة في محافظة ظفار